الخرطوم – سلاميديا

بعد عام ونصف من مسيرة نضالية ظافرة قادها تجمع المهنيين السودانيين وأفلحت في إقتلاع نظام الإنقاذ بقيادة عمر البشير، بدأت كثير من التساؤلات تدور حول المستقبل السياسي لهذا التكتل النقابي ومدى تأثيره على الشارع السوداني عقب تشكيل حكومة الثورة.

وطوال فترة الإنتفاضة الشعبية، كان السودانيين يستجيبون لدعوات تجمع المهنيين بالخروح في أماكن محددة وزمن معين ضد حكومة المعزول عمر البشير بخطط ألهمت العالم.

وتباينت أراء الخبراء بشكل لافت إزاء الوضع الماثل لتجمع المهنيين السودانيين، فالبعض يرى أنه ما يزال يحظى بجماهيرية عالية، فيما يؤكد آخرين أن التكتل النقابي أصابه نوعاً من الضعف والهشاشة وتأثرت قاعدته الجماهيرية.

كما يرى آخرون أن إستقالة الدكتور محمد ناجي الأصم أحد أبرز قادة تجمع المهنيين السودانيين ستأثر سلباً على هذا التنظيم حيث إرتبط به شباب الثورة الذين قادوا معه النضال ضد حكم الدكتاتور عمر البشير.

وهذا ما أكده الخبير والمحلل السياسي عبده مختار الذي وصف تجمع المهنيين، الآن بالمتخبط وأنه على مفترق طرق يهدد مستقبله السياسي.

ويقول مختار في تصريحاته لـ”سلاميديا” “فقد تجمع المهنيين السودانين البوصلة التي يتحكم فيها بالشارع السوداني وفشل في حسم كثير من الملفات تخص معايش الشعب السوداني وكان هو المعني بمناقشتها وحسمها”.

ونصح بإعادة النظر في هيكلة التجمع ليلبي طموحات الثورة والثوار التي خرج من أجلها والضغط على الحكومة الحالية للتسريع في حسم الملفات المتعلقة بالمعاش والسلام وملئ الفراغ الإداري.

ونوه مختار إلى حاجة الشارع السوداني لولادة جسم جديد يقوده بعد الهشاشة التي إنتابت التجمع ووصف الساحة القيادية الآن بالفارغة والهشة ووصي بضرورة الإسراع في إيجاد قيادة جديدة قبل فوات الأوان وشدد على خطورة المرحلة الحالية كونها أسوأ من فترة الانقاذ.

بداية المسيرة

وكان تجمع سوداني سري أطلق على نفسه “تجمع المهنيين السودانيين” تأسس عام 2013 بعد الإحتجاجات التي عمت البلاد في سبتمبر من ذلك العام، إلا أن الإعلان الرسمي لأعضائه وهيئآته كان في أغسطس 2018.

وألتف عدد من السودانيين حول التجمع وحظى بصفة قيادية معارضة إفتقدتها الأحزاب السياسية آنذاك. ومع تزايد حجم التساؤلات بشأن هوية تجمع المهنيين، غرد نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، بأنهم لا يعطون مسألة من هو “تجمع المهنيين” إهتماما كبيرا، ولم يشكل ذلك فزاعة بالنسبة لهم، وإنما ينظرون بصورة رئيسية إلى مدى تطابق الأهداف التي يسعى الطرفان لتحقيقها.

وبدأ تجمع المهنيين السودانيين نشاطه رسميا في يوليو 2018 بمطالب خدمية تتصل بزيادة الأجور وتحسين البيئة للفئات العمالية، لكنه تحول لاحقا إلى كيان سياسي يدعو لتنحي النظام الحاكم، وهو ما دفع حكومة الانقاذ إلى توصيفه كأنه واجهة غير شرعية تتخبأ تحتها أحزاب سياسية بينها الحزب الشيوعي.

ورغم ضبابية وعتامة المشهد التي تحدث عنها الخبير السياسي عبده مختار الا أن الناشط في مؤتمر الطلاب المستقلين خزامي إبراهيم يرى أن التجمع ما زال يحظى بقاعدة جماهرية كبيرة رغم الإحباط الذي يواجه الشارع السوداني من تخبطات التجمع التي حدثت في الفترات السابقة.

ودعا خزامي إلى هيكلة التجمع وصياغة أهدافه من جديد وأن يكون التجمع جسم ديمقراطي ونزيه تسوده الشفافيه وخالي من التكتلات.

وقال خلال حديثه لـ”سلاميديا” “تجمع المهنين بتركيبته السابقة قد إستنفد أغراضه ولابد من إعادة النظر في هياكله وصياغة أهدافه من جديد على أن يكون مؤسسة لحماية الديمقراطية وبنائها”.

وحول ما يخص إستقالة بعض كوادر التجمع، يرى خزامي أن “خروج محمد ناجي مؤشر ربما يدل على أن هناك خلل، ولكن الأصم صنعه تجمع المهنيين في ظروف إستثنائية وجعل منه رمزاً للثورة فإستقالته مؤثرة لكن لاتعني نهاية التجمع ومن الكارثي أن نربط مؤسسة كاملة بفرد واحد”.

ونوه الى أن الأوضاع الحالية بحاجة إلى مؤسسة رقابية صلبة لحماية الثورة والعمل على بناء الديمقراطية وهذا دور تجمع المهنين ولكن ليس بطيعته الحالية”.

تنظيم الحراك

ويؤكد المحلل السياسي سليمان عبد الله أن لتجمع المهنيين السودانيين لم يكن له الدور الحاسم في نجاح ثورة ديسمبر، لكنه أفلح في قيادة الحركات الجماهرية السابقة التي نشطت ضد الانقاذ والتي كانت تفتقد للجهة التي تنظمها وتلتف حولها.

وقال سليمان خلال حديثه لـ”سلاميديا” أن تجمع المهنين السودانين مارس نشاطه بين مطرقة القوى السياسية وسندانة الشارع الذي لا يثق في الأحزاب المنضوية تحت مظلة تحالف قوي الحرية والتغيير، وصولاً الى مرحلة اسقاط النظام، ولكن طرح المشهد السياسي واقع جديد ومغايير على راسه ٱزمة التوافق السياسي من ناحية وتحديات الحكومة الانتقالية من ناحية ٱخرى”

ويضيف “حينها واقع الحال يتطلب الإصطفاف من قبل تجمع المهنيين تجاه أهداف ومطالب الثورة والمضي في مسارها الا أن ذلك لم يحدث من قبل التجمع ربما يعود إلى هوية التجمع من حيث التمكين السياسي الحزبي وغياب الاستقلالية ومن ناحية ٱخرى”.

وتابع “هذه الأسباب كانت وراء تنصل التجمع عن دوره لصالح المكونات السياسية والعسكرية. إتجاه قضايا الثورة وخاصة قضية العدالة والسلام فضلا عن مراقبة أداة الحكومة أو مساندتها مما إنعكس في التراجع الكبير و الذي أفقده القاعدة الجماهرية وإزداد الأمر نضوجا بظهور بوادر إصطفاف جديد من قبل مكونات الثورة المتمثل في لجان المقاومة ورؤيتها حتى إتجاه المهنيين وخاصة بعد إستمرار التراجع والإحتقان والأزمة الإقتصادية في البلاد ظل التشاؤوم هو لغة المشهد”.