الخرطوم- سلاميديا
خمس ليالٍ كان فيها شبح السقوط يزعح الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير في منامنه، وبحسب روايات متواترة، فإنه يستيقظ ليلا ويحتسي فنجاناً من القهوة، يجري مكالماته الهاتفية بجهازه الأمني وبعض أتباعه من الجيش والدفاع الشعبي لإيجاد طوق نجاة من فخ السقوط الذي نصبه له الثوار المعتصمون في القيادة العامة بإحكام.
ولم يفلح المخلوع ونظامه في تفادي السقوط المذل الذي تعرض له في الحادي عشر من أبريل الماضي، رغم محاولات البشير وأتبعاه الفاشلة في إمتصاص غضب الثوار وحياكة الخطط والمؤامرات.
ومن ضمن التدابير التي إتبعها المخلوع لأمتصاص غضب الثوار، وفق مراقبين، إعلان عدم رغبته في الترشح لإنتخابات 2020 إلا أن الثوار كانوا متمسكين بهدفهم الأساسي وكلمتهم الأولى “تسقط بس”.
وحاول الجنرال المخلوع أيضا اللعب على وتر الحريات التي كبتها على مدى ثلاثين عاماً وإنتقد قانون النظام العام لأول مرة ووصفه بالقانون المذل عله يجد فئات تتعاطف معه وتقلل من حدة الثورة والثوار.
وبينما كان البشير يقدم التنازلات في العلن، كان يحيك الخطط هو وأتباعة من النظام البائد في الخفاء لتوجية ضربة قاضية لثورة ديسمبر المجيدة.
وبحسب محلليون ومهتمون بالشأن السياسي، فقد شرع البشير في تأليف فتوى هو وشيخه عبد الحي يوسف، زعمة الإستناد للمذهب المالكي الذي يتبعه السودان، لقتل ثلث السودانيين الذين يمثلون الثوار ليعيش الجزء الآخر في أمن وحياة رغدة.
كما هدد مساعده أحمد هارون، بفض الإعتصام بالقوة الجبرية علنا والذي تم بث تصريحاته على قناة سودانية 24، إضافة إلى ما كان يفعله جهاز الأمن من محاولات عدة لفض الأعتصام خلال 5 ايام سبقت عزل البشير.
ويرى الصحفي والمحلل السياسي، شوقي عبد العظيم أن النظام البائد قاد نوعين من ردود الأفعال تجاه الإعتصام الذي نفذه الثوار أمام القيادة العامة.
الأول بحسب شوقي، كان يعتمد على إمتصاص الغضب ونيل التعاطف من الثوار عن طريق إعلان عدم ترشح البشير للإنتخابات القادمة وفشل في ذلك فشلا زريعا، والثاني كان عن طريق حياكة الخطط والمؤامرات مع أتباعه ضد الثوار والعزم على فض الاعتصام.
وقال خلال حديثه لـ”سلاميديا” “فشلت جميع المحاولات التي اتبعها النظام البائد لعدم تأكدهم من سلامة الخطوات التي يتبعونها وكانوا يريدون فض الأعتصام وحاولوا أكثر من مرة لكنهم فشلو لأنهم مترديين في قراراتهم وغير متأكدين من نتائجها”.
ويضيف “كل السياسات والتدابير التي إتبعها البشير كانت تزيد الثوار حماسا، وحاول المعزول إستفزازهم عبر تكوين حشد خاص بهم في الساحة الخضراء ليقارنوا بين أتباعه وأتباع الثورة لينتابهم الأحباط لكن فشل هذا المخطط ايضا”.
وتابع “كما حاولت القوات الأمنية التابعة له فض الإعتصام أكثر من مرة خلال الأربعة أيام التي سبقت السقوط، لكن تصدى لها الشرفاء من الجيش القومي النقيب حامد ورفاقة والملازم محمد صديق”.
ودخل الثوار بمواكب هادرة مقر القيادة العامة للجيش السوداني بالخرطوم في السادس من أبريل، ووجهه تجمع المهنيين بالأعتصام فيها، وهو الجسم الذي يقود الحراك الثوري ضد النظام المعزول وقتها.
وبدأ الثوار بالهتاف “جيش واحد شعب واحد” مستميلين بذلك قوات الشعب المسلحة بالانحياز للثورة وحمايتهم من القوات الأمنية التابعة لنظام البائد.
ويروي حزيفة عابين عضو لجان بمقاومة بحري الشعبية، وهو كان من أوائل الذين دخلوا ساحة الإعتصام ذكرياته التي سطرها لهم التاريخ بسقوط مدوي للجنرال عمر البشير ونظامه الدكتاتوري في الحادي عشر من أبريل الماضي.
يقول عابدين خلال حديثه لـ”سلاميديا” كنت ضمن أول المواكب التي دخلت ساحة القيادة العامة عند الساعة الثالثة والنصف وجاءت قوة من من جهاز الأمن تتكون من تاتشر ودفارين من الإتجاه الغربي لمسجد الشهيد الزبير ومجرد وصولهم إنسحبت الشرطة وقامت القوة الأمنية بإطلاق البمبان، وتصدي لهم الجيش وقتها، وتزايدت الأعداد داخل مقر الاعتصام وظهرت مجموعات من الشباب تطلق شائعات لبث الإحباط بين الثوار والتشكيك في الشرعية الثورية”.
وتابع “وفي السابع من أبريل كانت هناك محاولة أيضا والتي تصدي لها النقيب حامد ورفاقه، ثم تكرر المشهد في اليوم الثامن حيث وصلت قوة كبيرة من جهاز الأمن وحاولت التعدي على الثوار وحدثت مناوشات بينها وبين الجيش، وفي التاسع أيضا من أبريل حاول قناصين من أعلى المدينة الطبية للبشير تفريق الإعتصام”.
وقال عابدين لم يفلح النظام البائد في إنشاء أي حوار مع الثوار أو الوصول لحل سياسي لأن الثوار كانوا يرددون شعارا واحدا فقط وهو “تسقط بس”.
وإنحرف النظام المخلوع عن مساره وإنتابته بعض الإنشقاقات الداخلية التي أضعفته، ولم يعترف البشير وأتباعه حتى في لحظاتهم الأخيره قبل السقوط، بالمناهضة التي كان يقودها الثوار ضدهم، وكان يطلق المخاوف حال سقوط هذا النظام سيحدو السودان حدو سوريا والعراق واليمن ويتعرض لحروب ونقسامات داخلية، هكذا إبتدر المحلل السياسي عبد الله خاطر حديثه لـ”سلاميديا”.
وقال خاطر “في الوقت الذي يبحث فيه النظام لتقوية نفسه إقليميا عبر الإمارات وقطر كانت كل التقسيمات الداخلية للمؤتمر الوطني تحيك خططها وتتآمر مثل جهاز الأمن والجيش دون التشاور فيما بينهم وهذا سبب سقوط البشير المدوي الذي لم يستطيع إيقافه بأي وسيله من الوسائل”.
فيما عقب المحلل السياسي الفاتح محجوب على حديث عبد الله خاطر قائلاً :”قد سقط نظام البشير منذ أن إنفصل الجنوب وكان إنفصاله وذهاب البترول معه بمثابة ضربة قاصمة للنظام البائد حيث خلف ازمة طاحنة في الوقود والخبز والنقد وسبب له فشلا في بناء مشروع نهضوي للدولة السودانية “.
وأكد محجوب خلال حديثه لـ”سلاميديا” أن لوسائل التواصل الإجتماعي الفضل الأول في إسقاط النظام اذ أنها نجحت في تسليط الضوء على إشكاليات النظام وتضخيم الأخطاء التي يقع فيها وهو ما ساعد في أبعاد معظم أنصار النظام عنه”.
وأضاف “بالطبع لعب الجيش والأمن والدعم السريع دور محوري في إسقاط النظام بلإنحياز للثورة وهو ما جعل إنتصار الثورة سريعا مفاجئا للجميع حتى الثوار أنفسهم”.
وتابع” أن النظام عندما سقط كان في قمة قوته العسكرية والأمنية، ولكنه كان فاشلا إقتصاديا وهي المهمة التي لا زالت حكومة الثورة تتخبط في التعامل معها”.