الخرطوم _ سلاميديا
منذ أن تشكلت السلطة الإنتقالية في السودان، لم تهدأ التباينات وسط رفقاء النضال المدنيين منهم والمسلحين، في العلن والخفاء، تلك التي تسجدت في حالة تحالف الجبهة الثورية مع قوى الحرية والتغيير، قائد حركة الإحتجاج السلمي في البلاد.

وأنطوى على هذه الخلافات، وفق مراقبين، تأجل حلم الملايين من ضحايا الحرب في بقاع السودان المختلفة إلى سلام شامل يرد مظلمتهم التأريخية ويعيدهم إلى ديارهم التي فروا.

ومع مضي الوقت بصورة متسارعة دون التوصل لإتفاق سلام، ما تزال العملية السلمية أسيرة تحت نيران الحلفاء ورفاق النضال، لا سيما مع تصاعد الخلافات داخل مكونات قوى الحرية والتغيير، وهو ما أثار القلق بشأن تحقيق السلام خلال المدى القريب.

وقبل أن يتم طي أزمة تعيين الولاة المدنيين وتشكيل المجلس التشريعي والتي باعدت المسافات بين الحكومة الانتقالية والجبهة الثورية، جمد حزب الأمة القومة بقيادة الصادق المهدي نشاطه في كافة هياكل قوى الحرية والتغيير، مهددا بالإنسحاب من التحالف غضون أسبوعين حال لم يتم الإستجابة لمطالبه.

وتمثلت المطالب الظاهرية لحزب الأمة القومي وهو أحد مكونات تحالف “نداء السودان”، في عقد إجتماع لإصلاح قوى الحرية والتغيير، بينما تناولت تقارير بأن تجميد “الأمة” نشاطه في هذا التكتل مرده عدم منحه 5 مقاعد لولاة الولايات التي طلبها ضمن كوتته في السلطة الولائية.

وفي مقابل ذلك، حدث نوعا من التقاريب بين حزب المؤتمر السوداني وحركة تحرير السودان قيادة مني اركو مناوي، رغم أن الأول ممثلا نافذا في قوى الحرية والتغيير التي يعتبر مناوي من أكثر مكونات الجبهة الثورية إنتقادا لها.

وربط مراقبون بين موقفي حزبي الأمة والمؤتمر السوداني لكونهما ينبئان بتحالف جديد قد يتشكل ويكون أكثر قربا من الحركات المسلحة، وهذا يعود إلى أن الحزبين ينضويان تحت تحالف “نداء السودان” أحد مكونات الجبهة الثورية، الأمر الذي إعتبره كثيرون بأنه سيعوق عملية السلام.

ويرى محللون أن هذه التحولات والنيران الصديقة التي تشهدها أروقة رفقاء النضال، ربما تعيق عملية السلام، في حين يعتقد آخرين أن الوعي السياسي الذي يتمتع به قادة الحركات والاحزاب السياسية سيقود العملية السلمية للأمام.

ودافع الناطق الرسمي بإسم حركة تحرير السودان جناح مناوي، محمد حسن هارون بشدة عن لقاءاتهم بحزب المؤتمر السوداني والتي أكد بأنها جاءت دعما لعملية السلام وليست خصما عليها كما يصور البعض، وتحقيق الاستقرار والتحول الديمقراطي المنشود.

ويقول هارون خلال تصريحاته “لسلاميديا” “ما تمخض من اللقاء بيننا وبين المؤتمر السوداني هو جملة من الأجندة في مقدمتها وضع تصور مشترك لكيفية الدفع بعملية السلام وإنهاء معاناة المواطنين خاصة في مناطق الحروب والنزاعات”.

ويضيف “تحالفنا مع المؤتمر السوداني شي طبيعي وليس وليد اللحظة وتجمعنا معهم تحالفات من قبل، ونحن نقبل اي حزب يتفق مع برنامجنا الوطني الرامي لتحقيق مسار الثورة والدفع بشعاراتها الى الأمام وتحقيقها من أجل بناء الوطن باسس وطنية الانضمام للجنة والتحالف الذي تم تكوينه”.

وقال “الخلافات داخل الحرية والتغيير شي محتمل وتنبأنا بها منذ تنصلهم من اتفاق اديس ابابا، لان التحالف بعد ان نجحت الثورة واستلم السلطة اصبح كل حزب يفكر في مصلحته الشخصية، ويسعى لتمكين ذاته وينحرف عن مسار الثورة وشعاراتها الرامية الي السلام والعدالة والحرية”.

ويضيف “هذا هو سبب فشل قوى الحرية والتغيير جناح الخرطوم لانعدامها للروح الوطنية، والخلافات الحالية هي محاولة للجميع لتبرئة نفسه وحزبه من الفشل الذي أحدثته”.

وتابع “هذه الخلافات لن تؤثر علي عملية السلام لان هذه الاحزاب ليس همهما السلام بل همها التمكين لذلك ربما تؤثر الخلافات علي السلطة التي يتمتعون بها”.

من جانبه، أكد المحلل السياسي عبده مختار أن تجميد حزب الأمة نشاطه في قوى الحرية والتغيير قد يعيق تحقيق السلام في القريب العاجل.

ودعم توقعاته بمكانة حزب الأمة داخل قوى الحرية والتغيير، إذ أن الأول له له وزن كبير يؤثر على المشهد السياسي بالبلاد.

ويقول مختار في تصريحاته “لسلاميديا” “لاينبغي أن تجتهد الأحزاب وقوى الكفاح المسلح للحصول على مناصب في هذه المرحلة الإنتقالية ويجب أن تفكر في دعم التحول الديمقراطي وتكوين حكومة منتخبة من ثم تبحث في امر المناصب وتقاسم السلطة”.

ويضيف “على حزب الأمة أن لا يغرد خارج السرب ويجب أن يحافظ على مكانته داخل قوى الحرية والتغير، ذلك الجسم الذي يجسد ثورة ديسمبر المجيدة، وأي هشاشة تنتابه سوف تؤثر في قضايا المرحلة الانتقالية والتي وضعت السلام من اهم محاورها وتعمل بجد للدفع بالعملية السلمية قدما”.

وتابع ” تشتت الأحزاب وقوى الحرية والتغيير يعطي فرصة أكبر للكيانات المعارضة للعبث بقضايا حكومة الثورة، وتبعدهم عن أهداف الثورة وتجرجرهم للمحاصصة التي رفضتها جموع الشعب السوداني”.

فيما يختلف المحلل السياسي عبد الله خاطر مع عبده مختار في أن تجميد نشاط حزب الأمة داخل قوى الحرية والتغير له اثر سلبي على العملية السلمية.

ويقول خاطر خلال حديثه “لسلاميديا” “قوى الحرية والتغيير تتكون من قيادات سياسية ذات خبرة واسعة ولابد لها من تجاوز هذا الطرح الذي قدمة حزب الأمة”

ويضيف”رغم خلافي مع الحزب إلا انه قاد نضال مدني ضد النظام السابق وهو على وعي تام بخطورة المرحلة التي يمر بها السودان، والحزب بلا شك يدعم عملية السلام لمعالجة الآلم التاريخية التي يعاني منها اهل الدم حتى تاريخ اللحظة”.

وتجلت تعقيدات العملية السلمية بالسودان، في وجود أكبر فصيلين مسلحين بالبلاد “الحركة الشعبية قيادة عبدالعزيز الحلو، وجيش تحرير السودان بزعامة عبدالواحد محمد نور” خارج مظلة التفاوض، بجانب تصاعد الخلاف بين السلطة الإنتقالية والجبهة الثورية المسلحة حول تعيين الولاة المدنيين وتشكيل المجلس التشريعي.

وتستند الجبهة الثورية إلى إتفاق إعلان المبادئ الذي وقعته مع حكومة الخرطوم في عاصمة جنوب السودان جوبا سبتمبر الماضي، والذي قضى بتأجيل تشكيل المجلس التشريعي الإنتقالي وتعيين الولاة إلى حين التوصل لإتفاق سلام، حتى يتسنى مشاركة حركات الكفاح المسلحة في هذين المستويين من السلطة.

تعثرت المفاوضات مع فصيل الحلو وهو الأقوى على الأرض حاليا، بسبب طرحه موقف تفاوض يقضي بعلمانية الدولة السودانية أو إعطاء حق تقرير المصير لمنطقتي جبال النوبة والنيل الأزرق التي يمثل غالبية سكانها من غير مسلمين.

ورأت الحكومة الإنتقالية أن تحديد نظام الحكم في السودان وطرح علمانية الدولة يتجاوز حدود تفويضها وينبغي أن يكون الفيصل في ذلك مؤتمر دستوري قومي.

فيما طرحت حركة عبدالواحد محمد نور خيار وحيدا للدخول في العملية السلمية، وهو نقل المفاوضات إلى العاصمة الخرطوم على ان يجلس الجميع لتحديد مستقبل السودان السياسي.