بقلم: حيدر المكاشفي
لدي زعم قديم عبرت عنه غير ما مرة من خلال كتابات متفرقة، وما زلت عليه الى يوم السودان هذا، وهو أننا من نسمي أنفسنا سودانيين ونعيش على هذه الأرض المسماة السودان، مازلنا أمة تحت التكوين ووطن تحت التأسيس ودولة لم تتأسس بعد على أسس الدولة الحديثة، وينتظرنا الكثير على هذا المسار الشاق، وبناء على هذا الزعم كنت ومازلت أرى أن حاجتنا الضرورية والملحة هي لتكوين الأمة الواحدة وتأسيس الوطن الواحد وبناء الدولة الحديثة،وأن تتوحد كل الجهود وينصرف الكل بالكلية لاداء هذا الواجب المقدس، الذي يحتاج الى تضافر الجميع وتناغمهم بلا أي نشاز ودون أن يشذ أحد، وهل مثل هذه الغاية الكبرى ستكون موضع خلاف وتنازع، ومن هذا الذي سيجادل ويصارع في أمر بناء وطن متماسك وتأسيس دولة قوية وفتية، لقد تكاتفت من قبل ابان فترة الاستعمار جهود كل الآباء الاوائل، وتكرست نضالاتهم من أجل تخليص البلاد من قبضة المستعمر، وكان شعارهم الأوحد الذي عملوا له (تحرير لا تعمير) وكان لهم ما سعوا اليه فتحررت البلاد ونالت استقلالها، ولكن للأسف لم يواصل اللاحقون المهمة الوطنية المؤجلة (التعمير)، وانما انخرطوا في صراعات وتناحرات وتنافس حزبي وسياسي زاد البلاد ضعفا وهشاشة على ضعفها وهشاشتها، وهي الخارجة للتو من قبضة المستعمر ولم تكن تستحمل أي نزاع أو صراع، بل كانت في حاجة أمس لمن يبنيها ويؤسس نهضتها لتقف على رجليها دولة كاملة الأهلية ووطن وطيد الاركان، ثم من بعد ذلك فليتصارع المتصارعون وليتنافس المتنافسون على الحكم والسلطة، أما أن تبقى البلد ولا أقول الدولة على هشاشتها هذه ورغم ذلك يستمر الصراع على حكمها الى يوم الناس هذا فذلك هو العجب العجاب، الذي لا شبيه له إلا صراع سرب من (كلدينق أبو صلعة) وهو نوع من صقور القمامة على جيفة نهش منها ضبع حتى شبع ثم مضى وتركها للآخرين يتنازعون عليها..
شجني الأليم هذا ظل يتاورني مع أي تنازع وتجاذب يقع عندنا حول أي قضية وطنية، وما أكثر نزاعاتنا وما أكثر قضايانا، علما بأن الدولة بمعناها ومبناها الحضاري الحديث معدومة عندنا تماما، مثلها مثل قطة الفلسفة السوداء التي لا وجود لها، والمنطق يقول أن النزاع يقع على شيء موجود، وان وقع في غير ذلك فسيزيد غير الموجود عدما، وعلينا والحال هذا ايجاد الدولة أولا (والنزاع ملحوق)، وان كان لي من خاتمة في نهاية هذه الخاطرة فلن أزيد عن حكاية أحد الساخرين الزهاجى مع الشرطة، قيل أن هذا الساخر ارتكب جناية بسيطة وحين أوقفه الشرطي وسأله أولا عن بطاقته الشخصية، رد عليه ساخرا (ياخي هي وينا الشخصية البعملوا ليها بطاقة)..وعليه يبقى المطلوب عمل شخصية للبلاد أولا ثم أصدروا لها من بعد من البطاقات ما تشاؤون ..اسلامية علمانية خاتفة لونين الخ..