بقلم/ معاوية عبد الرازق

حالة من الغموض تحيط بجدوى التوجيهات والتصريحات التي أصدرتها الحكومة الإنتقالية بشأن الإعتداء على الأطباء عند كل حادثة، بالإضافة للمواد التي يتضمنها قانون العمل عن حماية موظف الدولة والإعتداء عليه اثناء تأدية واجبه.. بالأمس إعتدى مرافقو مريض على طبيب بشكل وحشي خلا من الإنسانية وحمِل كل معاني التفشي والإنتقام، وفي الوقت الذي يُمجد العالم أجمع ملائكة الرحمة ويقدم لهم التسهيلات ويسخر كافة الإمكانيات لخط الدفاع الأول، ويقف إجلالا وتعظيماً لما يقدموه لشعوبهم في هذه الظروف يتعرض الأطباء بالسودان للضرب والإهانة.. وتُغلق حوادث المستشفيات، ويُسحل بعضهم ويُهدر دم آخرين، ولم يقف الأمر عند ذلك حيث يُشتموا بالفاظ نابية وإساءات يعف اللسان عن ذكرها، وإمتدت الحكاية للتهديد بالقتل وإطلاق النار والتهجم بالإستراحات وإتلاف الممتلكات.. نعم هذا واقع مستشفياتنا التي تحولت من مرافق خدمية إلى حلبات مصارعة غابت عنها القوانين والقيم والأخلاق، يُذل فيها من يمد يد العون ويخاطر لدرء الوباء.
الأدهى والأمرّ ان الإعتداء تم رغم وجود قوات نظامية اعتاد الأطباء على عدم تحركها منذ البداية وإكتفاء الأفراد بالوقوف على البوابات فقط حسب إفادة بعضهم، ولا شك ان تكرار الحادثة يعتبر تهاوناً لا أكثر، فحتى من اوكل إليه تطبيق القانون أبت نفسه إلا ان يسجل اسمه على دفتر الإعتداءات ضاربين بالمواد عرض الحائط وفق حوادث سجلتها مضابط الشرطة .
غياب التوعية بمخاطر الإعتداء قانونيا وجنائيا في أماكن العمل عموما والمؤسسات الصحية بشكل خاص من ابرز الأسباب بجانب تجاهل متابعة القضايا ونشر احكامها، وبالطبع هذا خلاف تخاذل بعض إدارات المستشفيات في رد إعتبار منسوبيهم قبل رد الحقوق، وبالطبع لن ينصلح الحال إذا لم تتخذ السلطات المعنية إجراءات وخطوات عملية ابرزها تهيئة بيئة الطواريء والعمل بنظام يمكّن مقدم الخدمة من أداء واجبه، والإهتمام بالمسافات الآمنة ومخارج الطوارئ بالإضافة لتحديد عدد المتواجدين تقليلاً للإحتكاك، وتصنيف المرضى على اساس علمي حسب الحالة، والأهم من ذلك ليس سن قوانين لحماية الكادر الطبي فقط، بل نشر ما يترتب على الإعتداء قانونياً وجنائياً وتوعيتهم حتى يحفظ كل طالب خدمة ما له وما عليه ومصيره قبل دخول بوابة اي مستشفى.
الملاحظ ان السلطات تتعامل برد الفعل حيث تستشيط غضباً وتعلو ألسنة لهب التصريحات والتوجيهات بمجرد حدوث حالة إعتداء وتخبو بعد ايام من تصريحاتها التي أعتبرها حديثاً سياسياٍ مستهلكاً بغرض التخدير، في موقف يجعلها كالببغاء تردد ذات كلمات نظام العهد البائد في قضايا الاطباء، في وقت تفلح فيه بسن قوانين تخدمها ولا تفِد المواطن بشئ، فالجميعهم يعلم ان تنسيق قوات مع الشرطة او تحويل بوابات وساحات المستشفى لمعسكر قوات نظامية حمايةً للأطباء لا نفع منه في ظل غياب القانون الرادع الذي يجبر المواطن على احترام الطبيب خوفا من العقوبة اذا لم يكن بنية صادقة.
على الشعب عامة والمتأهبين لضرب الجيش الأبيض بصفة خاصة ان يعلموا ان انعدام الاوكسجين ونقص الأسرّة او الكادر الطبي او اي تقصير على تلك الشاكلة ليس من الطبيب بل من الجهات المعنية المتمثلة في الدولة ابتداءً من مجلسي السيادة الوزراء وانتهاءً بوزير الصحة، وبأنهم يدفعون ثمن نظام صحي متهالك منذ عقود لم يبارح موقعة حتى اللحظة، ولا اظنه اذ لم يتفرغ وزير الصحة لقضايا رعيته ويترك موجة الاقالات وتصفية الخصومة والحسابات داخل وزارته، ويعلم ان الشعارات الثورية لا تحمي منسوبيه، فالحل في طواف المرافق والوقوف على ما تحتاجه وتحديد موقف قوي حتى لا يتكرر ما حدث، وله في رئيسة القضاء اسوة حسنة لموقفها السابق عقب الإعتداء على قاضٍ، وإلا ستنطبق عليك عبارة (من يهن يسهل الهوان عليه).
صدى اخير
لا بد ان يفهم من هم بموقع المسؤولية ان الشرعية التي جاءت بهم واجلستهم على تلك الكراسي لم تأتِ بسهولة فهناك دماء مُهرت وشهداء وجرحى، فاذا شعر احدهم بأنه اقل قامة من الثورة ولا يقدر على المسؤولية فليغادر مقعده ويفسح المجال لمن هو اكفأ منه.