وفاق التجاني وسفيان التجاني

شارف العام 2020 على الانتهاء؛ ذلك العام الذي عوّل عليه الشعب السوداني في التوصل لحكومة مدنية قادرة على تحقيق ما كان يرغب فيه شهداء ثورة دسمبر المجيدة؛ الا أن التشاكس السياسي الذي هو طبيعة اي حكومة غير منتخبة حال دون ذلك.

وعلى الرغم من أن القوى السياسية بالبلاد توصلت لتفاهمات من شأنها تقليل حدة الصراع بين شركاء الحكم في السودان بعد سقوط نظام البشير، بالتوقيع على الوثيقة الدستورية في 17 اغسطس 2019؛ الا أن ذات الوثيقة قد تعرضت لعدد من الخروقات، مما فاقم ازمة الانتقال الديمقراطي في السودان.

لقد خُرقت الوثيقة للمرة الاولى بتعيين ثلاثة وزراء دولة في وزارات الخارجية، البنية التحتية والعمل والتنمية الاجتماعية في 21 يناير 2020؛ الامر الذي اعترض عليه تجمع المهنيين في مؤتمر صحفي بمقره في 27 يناير 2020، في ذات اليوم الذي ادى فيه الوزارء الجدد اليمين الدستورية؛ معتبراً ان الوثيقة حددت عدد الوزراء بعشرين وزيراً، وان الخطوة تعد خرقاً واضحاً لها. وكذلك جرت تعديلات على الوثيقة الدستورية لاحقاً؛ لتتناسب مع التطورات السياسية التي صاحبت توقيع اتفاقية السلام التي احتضنتها جوبا عاصمة جنوب السودان في الثالث من اكتوبر 2020؛ حيث تمت اضافة المادة 80 التي سمحت بتكوين مجلس شركاء الفترة الانتقالية ليتمكن قادة الكفاح المسلح من المشاركة في ادارة الفترة الانتقالية.

صدر قرار تكوين مجلس الشركاء ذو الصلاحيات الواسعة في الثالث من ديسمبر الجاري، ليعطي صلاحيات ادارة الفترة الانتقالية بتشكيل وزاري وسيادي جديد، وهم رئيس مجلس السيادة الفريق اول عبد الفتاح البرهان، الفريق محمد حمدان دقلو، الفريق ركن شمس الدين كباشي، الفريق ركن ياسر العطا، الفريق ابراهيم جابر والفريق عبد الرحيم دقلو. وشمل التشكيل الشق المدني من الحكومة متمثلا في رئيس مجلس الوزاء الدكتور عبد الله حمدوك واعضاء من قوى الحرية والتغيير، بالاضافة إلى رفقاء الكفاح المسلح، مني اركو مناوي، الهادي ادريس، مالك عقار، جبريل ابراهييم، التوم هجو، الطاهر ابو بكر حجر وخميس عبد الله ابكر، اضافة الى عضوين من مخرجات مؤتمر سلام الشرق.

يأتي ضمن اختصاصات مجلس شركاء الفترة الانتقالية، توجيه الفترة الانتقالية بما يخدم المصالح العليا للسودان، بالإضافة إلى حل التباينات في وجهات النظر بين الأطراف المختلفة وحشد الدعم اللازم لإنجاح الفترة الانتقالية وإصدار اللوائح المنظمة لعمل المجلس. وأتاح القرار لأي طرف من مكونات مجلس شركاء الفترة الانتقالية تغيير أي من أعضائه.

تخوفت القوى السياسية من تعطيل مجلس الشركاء لامر تكوين المجلس التشريعي، بعد الصلاحيات التي يتملكها اعضاءه؛ لكن سرعان ما قطع رئيس مجلس السيادة الفريق البرهان الشك وقال في أول تعليق له على أزمة تشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية، إن: “المجلس ليس لديه أي علاقة بمهام أجهزة الدولة السيادية والوزارية ولا يتدخل في عملهم”؛ بدون مزيد من التفاصيل وتابع: “مجلس شركاء الفترة الانتقالية لا يلغي دور المجلس التشريعي في الرقابة والتشريع”. وأشار إلى أنه يتم حاليا إعداد لائحة لضبط أعمال المجلس.

وجهت لمجلس الشركاء عدة انتقادات، واصدرت عدد من القوى السياسية بيانات تشجب فيها سلوك شركاء الحكم في اصدار القرار دون سند قانوني، او مشورة القوة السياسية الاخرى. وسرعان ما اعلن مجلس الوزراء في الرابع من ديسمبر الجاري، رفضه تكوين المجلس، ودعا جميع الأطراف إلى مراجعة قرار التشكيل والاختصاصات على ضوء الوثيقة الدستورية الحاكمة. وتضامن في رفض المجلس تجمع المهنيين، ولجان المقاومة بالاحياء وعدد من الاحزاب التي اصدرت بيانات شديدة اللهجة ترفض فيها المجلس وتعيب على قوى الحرية والتغيير المشاركة فيه؛ الامر الذي اجبر الاخيرة اصدار بيان، مضمونه طلب إلغاء مرسوم تشكيل مجلس شركاء الفترة الانتقالية إلى حين التوافق بما يضمن تحقيق مهام الثورة.

بالمقابل كانت الجبهة الثورية من اول الداعمين لقرار تشكيل مجلس الشركاء؛ وافصحت الانباء عن أن المقترح جاء من ابرز قاداتها، الهادي ادريس في احد اجتماعات الحكومة والجبهة الثوية، فيما اشار نائب رئيس الحركة الشعبية ياسر عرمان، في حديث لـ وسائل اعلامية إلى التباينات التي شابت تكوين مجلس الشركاء بين أطراف الحكومة؛ وقال: “الفكرة تعرضت لسوء تطبيق من الراغبين فيها، بما في ذلك تجاهل التمثيل المعتبر للنساء وتوسيع الصلاحيات، كما تعرضت الفكرة للتشويه من خصومها رغم صحة جوهرها، وتحتاج إلى إعادة نظر حتى لا تصبح أزمة من الأزمات الراهنة التي تشمل كورونا والأوضاع المعيشية وغيرها، علينا ايجاد نظرة كلية وشاملة حتى تسهم اتفاقية السلام في إعادة إنتاج الفترة الانتقالية”.

وفي ذات السياق، عبر رئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، عن اعتراضه على إعطاء 13 مقعد للحرية والتغيير، وقال “هناك أحزاب قليلة في الحرية والتغيير لها وزنها، مثل حزب الأمة والتجمع الاتحادي، أما البقية، فعبارة عن مظلات فارغة لا تستحق التمثيل بهذا العدد”. وسارع تجمع المهنيين القيادة المنتخبة برفض المجلس شكلا وموضوعا؛ وذلك بحسب بيان له.

على الرغم من ان اعلان المجلس جاء من المجلس السيادي، الا ان بعض اعضاءه، عبروا عن رفضهم للمجلس بصورته الحالية؛ من بينهم عضو المجلس السيادي الاستاذة عائشة موسى السعيد، التي عبرت عن رفضها تكوين المجلس الجديد، معتبرة إياه (انقلاباً صارخاً على مبادئ ثورة ديسمبر المجيدة حسب آلية تكوينه وعضويته وصلاحياته). ونقل مقربون منها رسالة عبر الوسائط جاء فيها: “تواترت أنباء عن الصلاحيات الواسعة التي تعطي هذا المجلس الجديد الحق في البت في قرارات مصيرية قد تفضي إلى نزع صلاحيات وضرورة قيام المجلس التشريعي، وبينما اتّفق مبدئياً على الدور التنسيقي والتشاوري الساعي لتقريب وجهات النظر لهذا المجلس إلا أنّ اللائحة المنتشرة لهذا المجلس أصبحت تشير إلى سلطات سياديه وتنفيذية”.

تواصلت الانتقادات لمجلس شركاء الفترة الانتقالية، وكشفت مصادر مطلعة عن لقاء بين رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان ورئيس مجلس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك، بهدف تذليل الخلافات بين الطرفين بشأن مجلس الشركاء، الذي قال البرهان: “إنه تشكل بموافقة الجميع، ولم يعترض عليه أحد، وإنه ليس أداة للوصاية على أجهزة الدولة”. وقد كان؛ ففي الايام القليلة الماضية اوردت الانباء ـ دون تفاصيل ـ ان الخلافات حول المجلس الجديد تمت تسويتها؛ وتم تعيين الدكتورة مريم الصادق المهدي ناطقاً رسمياً له.

تجدر الإشارة إلى أن الفترة الانتقالية في السودان المحددة بـ 39 شهراً بموجب الوثيقة الدستورية، تم حصر مهامها في 16 مهمة تبدأ من العمل على إنهاء الحرب وتحقيق السلام خلال فترة الستة أشهر الأولى، مروراً بمعالجة الأزمة الاقتصادية، وتفكيك بنية النظام الساقط ومحاسبة منسوبيه عن الجرائم التي ارتكبت خلال 30 عاماً الماضية، سواء كانت جرائم حرب أو قتل أو تعذيب أو نهب أو فساد، والعمل على تسوية أوضاع المفصولين تعسفياً، والإصلاح القانوني، وإنشاء آليات لوضع الدستور الدائم للبلاد، وانتهاء بتعزيز دور المرأة والشباب وتوسيع فرصهم في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وفق الوثيقة الدستورية ـ قبل تعديلها ـ من المفترض ان تضم هياكل السلطة خلال الفترة الانتقالية ثلاثة مجالس وهي، المجلس التشريعي ومجلسي الوزراء والسيادة الذي يتألف من 11 عضواً من بينهم ستة مدنيين وخمسة عسكريين؛ يرأسه حالياً عبد الفتاح البرهان للأشهر الـ 21 الأولى، بينما سيحكمه في فترة الـ 18 شهراً المتبقية أحد المدنيين سيتم تعيينه لاحقاً. الا أن الفترة الانتقالية تم تمديدها بعد تصفير العداد بموجب اتفاقية سلام جوبا.

حتى اللحظة؛ ومنذ توقيع السلام في شهر اكتوبر المنصرم وقدوم قادة الكفاح المسلح للخرطوم في منتصف نوفمبر المنقضي، لا تزال الاشياء تراوح مكانها ويكتنفها الكثير من الغموض حول مستقبل الفترة الانتقالية وموعد تشكيل الحكومة الجديدة وتكملة مؤوسسات الدولة.

ويبقى السؤوال: هل ستمدد الفترة الانتقالية للمرة الثانية بعد ان مضي ما يربو للثلاثة اشهر من عمر الاتفاق. وماذا عن من لم يوقعوا بعد؟