حوار مصطفى حسين حسن
التقت سلاميديا بالروائي والفنان التشكيلي الاستاذ فضيل أحمد عقب عودته إلى الخرطوم العاصمة السودانية بعد غياب عن البلاد دام لعشر سنوات، وأجرت معه حوارا حول دور الفنون في تعزيز قضايا السلام وفض النزاعات، وإلى مضابط الحوار
س1 السلام عليكم الأديب والتشكيلي فضيل احمد، عرفنا بنفسك ومسيرتك الادبية؟
ج1 انا فضيل أحمد من مواليد ولاية جنوب دارفور مدينة نيالا، روائي سوداني وفنان تشكيلي مهتم بقضايا السلام وحاصل على ماجستير الفنون الجميلة من جامعة ماكريري بكمبالا، وفزت بجائزة الشارقة للإبداع العربي عن مجموعة قصصية (زمهريق)، لي عدد من المؤلفات منها رواية يتواجدون، ورواية أهوال التمباكة، ومجموعة زمهريق القصصية وشاركت بعدة سمنارات وورش عمل في قضايا السلام وفض النزاعات بكل من الخرطوم، كمبالا، فيينا، أديس ابابا، نيروبي، دارالسلام، القاهرة، طرابلس، الشارقة.
س2 لماذا وكيف خرجت من السودان قبل نحو عشرة أعوام من الان؟
ج2 خرجت من السودان لظروف خرج بسببها المئات من أبناء وبنات السودان كما تعلم، وهذه الظروف أجبرنا عليها وهو المشروع ذاته الذي خرجت بسببه، مشروع السلام الذي كان لابد أن يصاحب انتهاك حق الانسان في الحياة.. انتهاك حق الانسان الذي كان لابد أن توثق له بكل ما أُوتيت من بصيرة.
كانت تجربة لابد منها حسبما اعتقد.. حيث اعمل الآن في توثيقها مع آخرين خرجنا معاً ليكون كتاباً. لذلك سأترك التفاصيل إلى حينها.
س3 كيف تنظرون للسودان بعد عودتكم اليها؟
ج3 بطعم الجلوكوز، نعم انظر للسودان بطعم الجلوكوز ملحٌ وسكر.
مثلاً عندما ترى إمرأة نجت من الحرب قبل ١٧ عاما وجاءت تبيع الشاي تحت شجرة وريفة في الخرطوم تحت رحمة النظام العام ، ثم تعود بعد كل هذي السنوات لتجدها تبيع الشاي ذاته بسعر أغلى ومقاعد اقل. بالإضافة إلى اختفاء الشجرة التي كانت تظللها. ماذا يعني ذلك ..ليس هناك فرق بين ان تشعل حرباً وتقتل زوجها وبين ان تقطع الشجرة التي كانت تحميها من لسعة الحَر (هذا طعم يصعب ابتلاعه).
وقال فضيل ان أوجه الحرب متعددة وكذلك السلام، لكن هذا لا ينفي الوجه المشرق الذي نحاول جاهدين ان نراه كل يوم..ولن نراه إلا إذا رسمنا هذا الوجه بأنفسنا..الوجه الذي نريد أن نكونه.
نحن أمام فرصة سانحة لنفعل ذلك. التجربة الإسلامية دمرتنا وبالغت في تدميرنا.. لكننا قادرون على الخروج من قعر الهاوية اذا تعرفنا على أنفسنا وعملنا سوية.
س4 لقد فزت بجائزة الشارقة للإبداع العربي، صف لنا كيف بدا لك الأمر؟
ج4 فزتُ بجائزة الشارقة للإبداع العربي في العام ٢٠١٥ عن مجموعة قصصية بعنوان(زمهريق) وهي مجموعة قصص قصيرة كتبتها في المرحلة الثانية من بدايات تعلقي بالكتابة والأدب.
كان حدثاً جميلاً بالنسبة لي، خاصة عندما كنت أرى الاصدقاء والصديقات يحتفون بي. هذا الاحتفاء كان بليغ الأثر بحيث لم يقل روعة عن الجائزة نفسها.
وبهذه المناسبة أجدد محبتي وامتناني لجمعية نساء سودانيات لأجل السلام والتنمية بدولة يوغندا لتكريم شخصي بعد نيل الجائزة . و لرابطة لاجئي دارفور بيوغندا.
ولصديقي عبدالله السناري الذي قرأ المجموعة وقدم لها قراءة سريعة وعميقة. لانه من خلال قراءته لزمهريق اكتشفت فعلا ان القصص معظمها تدور في ثالوث الحرب والسلام والأم.
وانا سعيد كوني فزتُ بجائزة الشارقة للإبداع العربي.
س5 تم وضع إحدى لوحاتك التشكيلية بمعهد دراسات السلام وفض النزاعات بالنمسا، ماذا يعني لك ذلك؟
ج5 نعم لدي عمل بمعهد دراسات السلام النمساوي بعنوان (الرقص)
وهي لوحة مائية صغيرة الحجم مستوحاة من عنفوان الرقص لدى النساء الناجيات من الحروب. في إشارة إلى ان الرقص الجامح لديهن ماهو إلا تعبير عن حاجتهن الجادة إلى السلام. وهو جزء من مشروع الفن من أجل السلام الذي اعمل فيه.
تشرفتُ جداً لوضع هذا العمل على جدار المعهد. بإعتباره صوت من ملايين الأصوات التي تنشد سلاما وجمالاً حول العالم..
وهو أمر يعني لي ان نواصل الرقص وقرع الطبول حتى زوال آخر ألم من آلامنا.
س6 بصفتك روائي وتشكيلي مهتم بقضايا السلام، كيف يمكن مناقشة قضايا السلام وخدمتها من خلال الفنون؟
ج6 قضية السلام بمعناه الكبير تعتبر من أهم المسائل التي تؤرق المجتمعات السودانية في سبيل تقبلها لنفسها أولا ومن ثم التقدم نحو مصاف الأمم.
طبعا المعني الكبير للسلام أعني به السلام الذي يكون أفقيا ويلامس جوهر الذات السودانية مع نفسها أولا ومع الآخر ثانياُ.
هذا ما كان غائبا طوال هذه الفترة التي حاول السودان ان يكون سوداناً.. والنتيجة -وللأسف- وصل السودان الى أسفل الدركات واستقر في قعر الهاوية. وفي هذا الجو المعتم طرأ سؤال قديم وهو، كيف لنا أن نعيد المجد الذي خرب؟
او كيف لنا أن نأسس لأنفسنا منصة للتعرف على بعضنا. إذ أنه لا يمكن لأي امة من امم الارض ان تعيش سلاما يسهم في عملية التنمية والبناء إلا عبر قبول ذاتها. وهذا القبول هو الذي يأسس الاستقرار والعمل.
معظم المنتوج الأدبي والفني اليوم لا يستطيع الفكاك من قبضة الحرب والخراب. ليس بمقدور فنان أن يرسم لوحة لا تلمح فيها الحاجة إلى السلام الغائب . وكذلك لا يمكن أن تجد منتجاً ادبياً يخلو من ويلات الحرب وأهمية السلام.
تلك كانت الفكرة في ان الفن التشكيلي والبصري عموما يمكن أن يشير إلى مواضع النقصان لدينا. المواضع التي اذا ملأناها سلاما لكفانا الكفاف والجفاف.
هذا الثراء المادي والمعنوي الذي نملك، بمقدوره ان يملأ هذا الفراغ ..فراغ السلام والتصالح، الكثير من الشعوب تخطت مرحلة السلام وتقدمت نحو البناء وأصبحت في مصاف الأمم المتقدمة فعلاً وواقعاً.
ذلك ليس لأنها إكتفت بالمصالحات السياسية وحسب، وإنما أعطت الفنون صوتها ولونها لتعبّر. أيضاً -لأنها- أدركت الدور الذي يمكن أن يقوم به الفن في ملء الفراغ بين مكوناتها الاجتماعية وبالتالي تقريب وجهات النظر لفائدة السلام.
طبعاً لا يمكن أن نتكلم في الوقت الحالي عن الدور الاقتصادي للفنون أو التنمية عموماً مالم يحدث هذا السلام على المستوى الافقي الذي بدوره سيحقق كلاهما.
انا انظر هكذا لهذا الواقع بصفتي فنان تشكيلي وروائي إلى حدّ ماّ، لذلك ذهبت في اتجاه تطوير فكرة الدور الإيجابي للفنون في مناطق الحرب. وكيف يمكن أن نخلق السلام الاجتماعي بجزئيات وروابط بسيطة موجودة أصلاً بيننا.
وهي الفكرة ذاتها التي دعتني ليكون موضوع رسالتي للماجستير في قضية دور الفنون في السلام في مناطق الصراع، يقيني أنه لا يمكن أن نحقق كامل الحلم بمعزل عن الفن.