بقلم : محمد بدوي
في الثامن من أغسطس 2021 ، نشرت صحيفة مداميك الإلكترونية حوار حمل اسم الباحثة جينفر سومر بعنوان حول ما يجري شمال دارفور ، ثم عرج على أثر إتفاق سلام السودان 2020 في حالة تعرضت للقوميات و السلطة في الفترة الإنتقالية ، بعد البحث عن الحوار الذي لم أجد له اثر بموقع الصحيفة التي قامت بسحبه و الإعتذار بتسبيب أن النشر تم من قبل محرر متعاون مقيم بالولايات المتحدة مع إضافة إلي أن المادة لا تتسق وشروط النشر لدي مداميك مع ملاحظة أن النشر الذي حظى بالتداول الواسع جاء علي وسائل التواصل الإجتماعي، كما حمل رابط مرجعي لا ينتهي بالوصول إلي موقع الصحيفة علي شبكة الإنترنت .
حملت المادة في تقديري قاموس لغوي لا يتسق مع مناهج التحليل يمكن رصدها في الجملة الإفتتاحية التي حملت ” ما يجري في شمال زلزال ضخم لكنه متوقع و لابد ان يحدث ” بالإضافة تعمد التدليس في النسب الرياضية التي إستندت عليها الحوار في نسب السلطة في إتفاق سلام السودان وربطها بقومية محددة ” 40%: هذا فضلا عن عدم التثبيت لمصدر التعداد المرتبط بالنسمة للقومية “4% “، ثم دلف الحوار إلي الرسالة المستهدفة من المادة و التي جاءت في صيغة التوصية عبر عنها ضرورة كبح الطموح المرتبط بالسلطة ” مجمل الأدوات التي تم إستخدامها في تقديري سعت لتدشين حملة في مواجهة قضايا السلطة والسلام في الفترة الإنتقالية ، في توظيف هدف لإعادة الخطاب العنصري سعي للتشكيك في عدالة فكرة ونضال حركات الكفاح المسلحة و إستخدامها كجزء لتحريض سالب ضد الكل المرتبط بالقومية .
إفادة الصحيفة بقيام أحد المحررين بذلك يثير القلق حول المهنية المرتبطة بالمسئولية المرتبطة بمعايير النشر والإشراف، الإنتشار الواسع للمادة في تقديري نجح في الدفع بأهداف الحملة مما يفرض واجب التصدي الموضوعي لها لقطع الطريق وإبطال ” القنابل الموقوتة ” في مسار الفترة الإنتقالية ، و حتي لا ننجر إلي أدوات لتفنيد المادة المنشورة ، أجدني أستند علي روح ثورة ديسمبر المجيدة في محاولة للنظر خارج الصندوق في سعي إلي رؤية موضوعية للمادة المنشروة لكن بتأسيس يرتبط بمسالة القوميات والسلطة في الفترة الانتقالية ، هذا لا يجعل التعليق / التعقيب يقف علي المقابل، بقدر ما هو فرز السمين من الغث و النظر إلي توصيات تعزز من المضي نحو الأمام . وفقا للمحاور التالية:
أولاً: من حيث المنهج إستندت المادة علي التحليل السياسي بالتركيز المتعمد على العوامل الخارجية دون سواها بشكل حصر إتفاق سلام السودان 2020 كمصدر لإكتساب السلطة بين أطرافها ، دون التعرض للايجابيات الاخري المرتبطة بوقف الحرب و تعزيز نصوص التعاون مع العدالة الدولية ، مما جعل الأمر بدأ بمجافاة الحياد والمنهج العلمي الذي يفترض فيه إستعراض كافة الجوانب .
ثانياً : مسألة القوميات و السلطة في السودان تستدعي أكثر من منهج للتحليل لطبيعة الحالة ما يتصل بالعوامل الداخلية والسياقات التاريخية والأنثربولوجية و الإقتصادية المرتبطة ببنية الإنتاج، و لاسيما عند النظر إليها في الفترة الإنتقالية التي تتيح تتبع مظاهرها التي قد تأخذ أشكال مختلفة كما في الراهن الذي تشكلت فيه سلسلة من الأحداث بدءاً من الشرق إلي غرب السودان حملت طابع الصراعات المسلحة في إرتباط لبعض أسبابها بتأثير الشراكة المدنية العسكرية التي قطعت الطريق على التغيير السياسي أو الحلول الآمنة لمجمل القضايا المرتبطة بالتغيير بما فيها مسالة القوميات دون تغييب المشهد من حالة التأثر بالإستقطاب الحاد لبنيتها نتيجة لسياسات النظام السابق .
ثالثاً : لابد من الأقرار بقصور إتفاق سلام السودان، حيث غياب النظر إلى شمول الأزمة مما ألقى بظلال التحالفات التي سيطرت على الشراكة على الإتفاق فنتجت عنه محصلة أشبه بالتسوية المستندة على حل النزاعات عبر التركيز على بنود السلطة والثروة مع تغييب للأثر الكلي المرتبط بالتغيير السياسي ، ساهمت هشاشة الوضع السياسي وتعدد الأطراف المرتبطة بالسلطة في إرباك التحضير الجيد لملف السلام من حيث المنهج و الإشراف فمجلس الوزراء تنازل عن تفويضه للمجلس السيادي بعد تدخل غير مدروس من قبل تجمع المهنيين السودانيين والتجمع المدني اللذان دفعا بمسألة ملف التفاوض في وقت كان المجلس العسكري الإنتقالي هو المسيطر على السلطة عبر لقاء أديس أبابا في 15 مايو 2019، الحركات المسلحة في شمولها فشلت في التوحد في تحالف سياسى بل وحتي على مستوي الحد المرتبط بمواقف تفاوضية موحدة، و هذا الاقرار قد يشكل اولي مداخل للحل . الخلاصة أن اتفاق السلام وما نتج عنه يمثل مسئولية مشتركة لعدد من الأطراف .
رابعاً: بالنظر إلى الجغرافية السياسية لإتفاق السلام فقد ركز على عدد الأطراف وتغييب محيط الأزمة التي هي محور الإستهداف، فنتجت عنه عملية سيطرة لأطراف الإتفاق و هي حقيقة تحتاج الي التعامل معها، ولا تزال مسئولية ذلك مرتبطة بمجمل الأطراف كما في الفقرة السابقة بالإضافة الي من هم خارج الإتفاق .
خامساً: السيطرة على السلطة التي أشير إليها في ذلك الحوار حالة غير مكتملة فكما أشرت عاليه أنها مرتبطة بالجزء وليس الكل ، فضلا عن ان الإتفاق الأمر في حد ذاته جاءت طبيعته تحمل سمات التعقيد فيما يتعلق بالتنفيذ الذي سيحيل أطراف الإتفاق إلي دائرة تحمل ما ينتج عن ذلك كجزء من الحكومة الإنتقالية فتقديم مكاسب السيطرة باعتبارها تصب في هيمنة القومية يجانبها واقع الحال .
سادساً : من اثار سياسة النظام السابق انه عمل علي هندسة اجتماعية بهدف السيطرة السياسية فاثر علي القوميات ففي الراهن لا تبدو ككتل موحدة و متسقة بل بداخلها تباين في الإنتماءات السياسية و صراعات تاريخية مختلفة الأسباب بعضها مرتبط بالصراع الطبقي داخلها علي سبيل المثال لا الحصر .
سابعاً : لا يمكن عزل المادة المنشورة عن كشفها لتطورات تجدر النظر إليها في سياق الظاهرة المرتبطة ببعض أسباب نسق إدارة ما بعد الإستقلال وقصورها في إنتاج برامج وطنية للتعامل مع قضايا القوميات التي تعرضت لمحن تاريخية مثل الرق، وأثر سياسة المناطق المقفولة و ممارسة العنصرية وغيرها ، فهذه التطورات تتيح لها الفترات الإنتقالية الظهور في الهواء الطلق كتعبير وتنبيه إلى حقائق الواقع المغروس عميقا في التربة السودانية .
ثامناً : بعض قصور اتفاقية السلام أنها انتهت الي شكل من أشكال علاقات السلطة والثروة في مرحلة إنتقالية تتطلب الإنتباه للوفاء بالتحولات التي تمنح إستحقاق خوض سباقات التداول السلمي للسلطة (الإنتخابات)، لأن ذلك احد روافع التحول الأيجابى فى كل الأصعدة نحو أفق يعزز تاريخ و نضال الحركات المسلحة والقوى الديمقراطية وهو ما يجدر الدفع به نحو التحقق .
تاسعاً : التحولات التي نص عليها الإتفاق في الترتيبات الأمنية في عمليات الدمج والتسريح قد ينعكس تأثيرها علي بنية الإنتاج و طبيعة النشاط الإقتصادي مما تتطلب تخطيط وادارة حتي لا تفضي الي نتائج سالبة، مما يتطلب النظر الي الجوانب المختلفة الناتجة عن الاتفاق سلبا و ايجابا في سياق التاثير علي الواقع وليس الاختزال في ربط بعض القوميات بالسيطرة .
عاشرا ً :التعامل مع السلطة في الفترة الإنتقالية لابد له ان يستصحب متطلبات الإنتقال المتعلقة بالسؤال الجوهري في كيف يحكم السودان ؟ و استصحاب فكرة الدولة وسجل طموح السودانيين للديمقراطية والتغيير سيواجه بعقبات واسعة ومؤثرة وهذا ما قصدت المادة المنشورة في تغييبة للدفع الي السالب المرتبط بالتنافس حول السلطة. مع ضرورة معالجة نصوص اتفاق السلام المرتبطة بالإنتقال من مربع حركات الكفاح المسلحة إلى أحزاب سياسية على سبيل المثال عملية تتطلب جهد كبير ، محصلة ذلك هو التحول إلى أجسام سلمية قومية أو إقليمية وفق شروط القانون الداعم للتعدد و الديمقراطية .
أخيراً : المادة المنشورة وملابسات سحبها إثارتها لمسألة القوميات التي ظلت قيد الإغفال في سياق الحالة السياسية تعيد واجب الانتباه لقراءة جديدة للاحداث بادوات و مناهج مكملة تتناسب و الأسباب، مرة ثانية مهما كانت اهداف النشر فيجدر التصدي لها ايجابا بالإشارة الي الدفع بمسالة القوميات الي اجندة الحوار الوطني لمعالجة القضايا التاريخية العالقة لأن المنشور كشف خطورة التناول الذي يعمد إلي تفريغ حيويتها و الدفع بها نحو منصات الاستهداف السياسي .