بقلم محمد فتحي أورفلي
اليجاه محمد وتلميذه مالكولم اكس :
ولد اليجا وليام بول وهذا هو اسمه الاصلي في جورجيا بالولايات المتحده وهو الابن السابع بين ثلاثه عشر طفلا ، كان والده مزارعا ووالدته تعمل مدبرة منزل ، لم يكن هناك ما يميزه عن اقرانه اثناء طفولته علي حسب ما هو مكتوب عنه ومتاح من معلومات ، كان طفلا عاديا لم يكمل تعليمه وترك المدرسة منذ الصف الرابع واصبح مزارعا يساعد والده في عمله ثم اصبح عاملا الي ان تزوج وانجب اطفال ، في اعتقادي ان زواجه وانجاب الاطفال هو ما دفعه للتفكير في البحث عن حياة افضل له ولاسرته بعيد عن واقعه المزري ، ف بالاضافة الي انه من اسرة تعاني حياة الشظف والفقر المدقع ، فهو ايضا كان ينتمي الي مجتمع يعاني من الاضطهاد والتميز العنصري بسبب العرق واللون ، حيث كان السود يعانون اشد المعاناة من البيض في الولايات الجنوبيه الامريكيه خاصه مناطق مثل جورجيا التي كان يعيش فيها اليجاه محمد ، شهد بنفسه الكثير من المواقف المؤلمه من البيض اتجاه السود من تعذيب وقهر وقتل وهو الامر الذي اثر كثير علي تفكيره ونمط حياته في المستقبل كما سنري ..
قرر اليجاه محمد الانتقال من الجنوب الي الشمال الامريكي بحثا عن حياة كريمة وافضل واكثر امانا له ولاسرته ، و رحل وهو يحمل في دواخله جراحا لم ولن تندمل وظلت معه الي ان مات ، رحل اليجاه محمد من مسقط راسه بعيدا هاربا من تلك البيئة الطارده القاسية المحاطة بالكراهية والعنصريه البغيضه ، رحل وهو يحمل في داخله كراهية لكل ماهو ابيض وباحثا عن خلاص له ولاسرته ولمجتمعه الاسود كله وبالتاكيد كانت منطلقاته تعبر عن رفضه للظلم والبغي والتسلط الواقع علي مجتمعه وهو يمثل ثورة ضد تلك الاوضاع التي كانوا يعيشونها ..
التقي اليجاه محمد في مدينة ديترويت ب “وليس فارد ” الذي كان يدعو الي الاسلام الاسود ، وهو دين يقوم علي خلاص العرق الاسود وانه انزل اليهم من دون العالمين ، استمع اليجاه محمد الي كلمات وليس فارد التي وجد فيها كل ما كان يبحث عنه واعتنق هذا الدين واعطي اسمه الذي عرف واشتهر به ، اصبح اليجاه محمد من اتباع وليس فارد المخلصين الي ان ترقي وصار في فترة وجيزة الرجل الثاني ثم اصبح الرجل الاول بعد اختفاء وليس فارد المفاجئ والغريب ، اعلن اليجاه محمد لاتباعه ان وليس فارد كان ظل الله الذي يمشي علي الارض ، وانه اليجاه محمد مبعوث العنايه الالهية ورسولها للسود ليخلصهم من سوء العذاب الذي يعانونه من البيض ..
عمل اليجاه محمد علي خلق مجتمع مغلق ومتكامل يحمل اسم امة الاسلام وهو الاسم الذي عرفت به بعد ان اصبح اليجاه محمد هو القائد لها ، وصل الامر الي ان اصبحت لها مراكز اقتصاديه وماليه قويه واصبح اليجاه محمد هو اقوي رجل اسود في امريكا وبالتاكيد هذا النجاح لم يكن سيحدث لولا امتلاك اليجاه محمد لشخصية مؤثرة وكاريزما قويه وساحره ..
استقطبت الدعوه الكثير والكثير من السود ومن اشهرهم مالكولم اكس ومحمد علي كلاي والذي يهمنا الان هو تلميذه مالكولم اكس ..
هو مالكولم ليتل وهو اسمه الحقيقي المولود بمدينة اوماها الامريكيه ، وهو من اصول افريقيا ايضا وبينه وبين اليجاه محمد استاذه الكثير من المتشابهات في حياتهم ، فالاثنان لم يكملا تعليمهم ، والاثنان نشأ في وسط مجتمع يعاني من الاضطهاد العرقي والتفرقه العنصريه ، بالاضافه الي الفقر المدقع الذي كان السمة الابرز لوسطهم الاجتماعي ، ولكن حياة مالكوم كانت اكثر درامية وسوءا من صاحبه ، قتل والد مالكوم هو صغير ، واعدم احد اعمامه من دون محاكمه وقتل ثلاثه اخرون علي بيض عنصريين ، ادخلت والدته الي مستشفي الامراض العقليه بعد تعرضها الي انهيار عصبي واتهمت بالجنون ، اصبح مالكولم هو واخوته الثمانيه تحت رحمة دار الرعايه التي فرقتهم بين مجموعه من الاسر ولم يلتقيا الا بعد سنين طويله ..
لكل تلك الظروف القاسيه كان لابد ان يتحول مالكولم الي شخص عنيف ويتاخذ الشر والاجرام منهاجا له ، قبض علي مالكولم بتهمة السطو المسلح والسرقه وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنين ..
في راي اعتقد ان اكثر نقطتين محورتين في حياة مالكولم و كانت لهما اكبر الاثر في حياته هما السجن والحج ..
السجن كان النقطه التي غيرت حياة مالكولم والي الابد ، حيث التقي بأحد اتباع اليجاه محمد ووافق كلامه هواه وخاصة وهو الذي عاش حياة التشرد واليتم والاجرام بسبب عنصرية الرجل الابيض ، لذلك كان طبيعيا ان ينضم الي ركب امة الاسلام ويخرج من السجن رجلا اخرا مختلفا تماما عن الذي دخله ، في فترة وجيزة ايضا وبسبب قدراته الخطابيه المميزه وشخصيته الاسره وشجاعته المصحوبه بذهن متقد يتوق الي المعرفة والبحث والتعلم استطاع مالكولم ان يصبح الرجل الاهم في منظمة امة الاسلام والمتحدث الرسمي بأسمها ويعود له الفضل في ازدياد عدد اتباع الدعوة من 500 شخص عند انضمامه الي 30000 شخصا في اقل من عشرة اعوام ..
تمرد التلميذ ..
كان من الواضح ان هناك بوادر للاختلاف والخلاف بينهم خاصة بعد اكتشاف مالكولم ان الاليجاه محمد لديه ابناء غير شرعيين من علاقات محرمه وبعض التصرفات التي تنافي الاخلاق التي يدعيها الاليجاه محمد ، لكن ما فجر الامر وجعل تمرد التلميذ علي استاذه يطفو علي السطح بقوة هي حادثة اغتيال جون كنييدي الرئيس الخامس والثلاثين لامريكا ، اصدر الاليجاه محمد اوامر مشدده علي الجميع بعدم التصريح او الحديث او النشر عن هذه الحادثة ، كانت اوامرا مشددة تصل الي درجة التحريم ولكن مالكولم تحدي الاليجاه محمد ورفض الانصياع الي اوامره وصرح تصريحه الشهير ( سلاح كنييدي قد ارتد الي نحره وحصد ما زرعه باسرع مما توقع هو نفسه ) وتلك كانت هي الضربة القاصمه للظهر في العلاقه بينهم ..
تم طرد مالكولم من المنظمه وقرر هو بعدها ان يقوم بتحقيق حلم قديم مؤجل وهو الذهاب الي مكه واقامة شعائر الحج وتلك كانت النقطه الثانيه المحوريه الهامه في حياته وهي التي قادته الي ان يغيير في مسار حياته مرة ثانيه بعد ان تغير مسارها في السجن ..
عرف مالكولم حقيقة الاسلام وعرف الفرق بينه وبين الاسلام الذي كان يؤمن به ويدعو الناس اليه طيلة فترة طويله من حياته ، اتخذ مالكوم بناءا علي ذلك اخطر قرار في حياته وقد دفع حياته فيما بعد ثمنا لذلك القرار ، قرر ان يظهر حقيقة اسلام استاذه اليجاه محمد وحقيقة الاسلام الذي وجده بمكة وان يعمل علي تصحيح كل الاخطأ الفكريه التي كان يعتقدها ويقاتل من اجلها لفترات طويله ، خاض مالكولم صراعا شرسا ضد استاذه السابق واصبح العدو الاول للمنظمه التي لطالما دافع عنها قاتل في سبيل نجاحها وانتهي به الامر قتيلا علي يد من كانوا جزء منه في فترة من حياته ..
عرف مالكولم الحقيقة وكذلك كان يعرفها اليجاه محمد ولكن الفرق بينهم ان مالكولم كان اكثر صدقا في نيته واكثر قوة في ايمانه واكثر عزما في ارادته اتجاه القضايا التي يؤمن بها وكان يملك الشجاعة اللازمه للاعتذار والعودة وتصحيح اخطائه ودفع حياته ثمنا لذلك لو اضطر كما فعل في اخر الامر ، عكس استاذه الذي استمرأ الامر وتملكه حب السيطرة والنفوذ خصما علي كل ما كان يؤمن به رغما عن ثوريته ونضاله اتجاه حقوق مجتمعه بداية شبابه وهذا هو الفرق بين المناضل من اجل السلطه والمناضل من اجل الفكرة ، مع اهمية الاشارة الي اننا نتحدث عن سلطه ونفوذ مجتمعي وليس سياسي ..
يتبع ..