الخرطوم سلاميديا

بقلم : دكتور عاطف عجيب

بناء السلام هو مجموعة الإجراءات والترتيبات التي تُنفذ في مرحلة ما بعد انتهاء النزاعات بهدف ضمان عدم النكوص أو الانزلاق إلى النزاع مجدداً، وذلك بإحداث تغيير في بعض عناصر البيئة التي شهدت النزاع لخلق بيئة جديدة من شأنها تقليل المتناقضات التي دفعت إلى النزاع وتعزيز عوامل الثقة بين أطرافه وتعزيز القدرات الوطنية على مستوى الدولة من  أجل إدارة نتائج النزاع، ولوضع أسس التنمية المستدامة تحدد ترتيبات بناء السلام القضايا الرئيسية التي تؤثر في عمل مؤسسات الدولة وتسعى للنهوض بقدرتها على القيام بدورها بشكل مشروع وفعّال  إلى جانب الاهتمام بعدة نواحٍ أخرى خارج هذا المجال.

إذاً فبناء السلام هو عملية تنطلق بعد عملية حفظ السلام اي  مع نهاية نزاعٍ مسلحٍ وتنطوي على جهود عدة أطراف دولية ومحلية بغرض الحفاظ على ما تم إنجازه من خطواتٍ أسفرت عن التوصل لإنهاء النزاع من جهة، والتأسيس لمرحلةٍ جديدةٍ من شأنها ضمان ديمومة هذه النتائج من جهةٍ أخرى.

من أهم خطوات بناء السلام نشر الوعي و نشر ثقافة السلام بإعتبار أنه يجب بناء السلام في عقول البشر اولا ثم يتنزل ويطبق وهنا لابد من الإشارة إلى قوة التنوع الثقافي  في نشر ثقافة السلام و كلنا نعلم دور الثقافة في التطور البشري.

يبدو انه في البدء لم تكن هناك سوى ثقافة بشرية واحدة وقد حدثت تحولات بايلوجية وبيئية أدت إلى تحولات إثنية طبغرافية  أدت بدورها إلى تعددية ثقافية وتنوع ثقافي . وثمة تحديات تواجه التنوع الثقافي يمكن إجمالها في الآتي

  • الإدارة السياسية
  • الحركة الثقافية
  • العولمة
  • النظام اللغوي

 

اولا الإدارة السياسية

# تركز علي تحقيق الوحدة وفق منظور سياسي أحادي دون اتخاذ تدابير ثقافية لتحقيق الوحدة في التنوع.

  • الحركات السياسية التي تقوم على أساس جهوي أو عنصري تساعد على حدة النزاع حول السلطة والثروة مما يزيد حدة التنافس والصدام بين الإتنيات التي تشكل أساساً للتنوع الثقافي
  • الصراع حول الموارد الطبيعية كالمراعي ومصادر المياه في غياب التخطيط الإداري وغياب سلطة الدولة وهيبة القانون في المناطق التي تسود فيها قيم القبيلة على القيم الوطنية العليا
  • غياب الاستراتيجية السياسية القومية لإدارة التنوع الثقافي والاستفادة من المشتركات القومية لبناء الشخصية الوطنية التي تسمو بدوافعها وتطلعاتها فوق النعرات الجهوية والعنصرية ( الخروج من ضيق الإنتماء العنصري إلى رحابة الوطن).

 ثانيا الحركة الثقافية

  • تكريس العنصرية والجهوية والإثنية عبر واجهات ثقافية تقودها نخب ثقافية تعمل على تحقيق مكاسب محدودة يحول دون توظيف التنوع الثقافي إيجابياً عن  طريق الحوار الثقافى البنَّاء لتحقيق التعارف والتكامل بين الثقافات دون إقصاء أوتهميش لإي  عنصر من العناصر المكونة لفسيفساء الثقافة الوطنية .
  • القيم الثقافية الضارة التي تدعو إلى الاستعلاء الثقافي والتهميش غير المبرر لثقافات معينة مما يستدعي دراسة نظام القيم الثقافية وتصنيفه لإزالة القيم الضارة وإحياء القيم التي تدعو إلى التعايش الدينى والإثني والثقافي وإبراز القيم الإنسانية المشتركة بين الناس(إنشاء بما يمكن تسميته بالجينوم الثقافي) لمعرفة قصة وتاريخ ومصدر كل قيمة والعادات التي يمكن أن تورثها للمجتمع ضارة كانت أو صالحة.
  • استيعاب الثقافات المتنوعة في منظمات مدنية ذات أجندة قومية للحؤول دون قيام منظمات مدنية ذات طابع عنصري وكذلك لإعلاء قيمة التعاون بين الأجناس الثقافية المتنوعة في مناهضة الانفلات الثقافي والتشرز.

ثالثا تحديات العولمة الثقافية

  • الإنفجار المعلوماتي وثورة الإتصالات والفضاءات المفتوحة ومخاطر الإغراق الإعلامي والثقافي وتدفقه نحو الدول الأقل نموا والتي تسهتلك الإنتاج الثقافي الأجنبي إلى درجة الإدمان  مما يتسبب في إزاحة الثقافات الوطنية واستبدالها بثقافة الغير عبر برنامج ممنهج للتطبيع الثقافي مما يشكل مهدداً رئيساً للتنوع الثقافي.
  • غياب استخدام الحزم التقنية الحديثة لتوفير البدائل الوطنية لتوفير الخدمات الإعلامية في الريف والقرى المعزولة عن العالم في محو الأمية وتصميم برامج للتنمية الإنسانية واعداد المجتمع للانخراط في مجتمع المعرفة والتعامل مع الغير بندية أخذاً وعطاءً.

 رابعا النظام اللغوي والتنوع الثقافي.

  • لابد أن يأخذ التخطيط اللغوي في حسبانه ظاهرة التنوع الثقافي وذلك بالاهتمام باللغات واللهجات غير المكتوبة لما تحوي من ذخائر تراثية غير مدونة تشكل سمة معرفية دالة على الهوية الثقافية.
  • استخدام اللغة القومية واللهجات الهجينة منها كأدوات للإتصال الثقافي وعدم تغييب لغة لكل مجموعة إثنية في مناهج التعليم والإعلام والثقافة بغية تبليغ الرسالة الثقافية القومية لكل الثقافات.
  • تشجيع انشاء مراكز للدراسات اللغوية.
  • تتبنى الدولة مشروعاً قومياً للترجمة من اللغات السودانية غير العربية إلى اللغة العربية وبالعكس.
  • تعظيم دور اللغة في بناء السلام و نشر ثقافة التعايش السلمي وإزالة سوء الفهم بين الثقافات باعتبار أنه في حال انعدام الإدارة السليمة للتنوع الثقافي. في المقابل تستحيل عملية نشر ثقافة السلام لأننا نفتقد العنصر الأساسي في إدارة التنوع الثقافي و هو قبول الآخر.