بقلم: عبد الله ديدان
ضريح كبير اجالس فيه انبياء من فحم
تسميهم اللغات البيضاء ، ضحايا الحرب:
هذا المكان .. انه صدر الارض حيث نبت رأساها الطريان، المكوران كايادي الفاسقين القدامي، المكتنزان كاحلام المومسات بالحرية، المنتفخان كاوداج نافخ الكيتة ، رأسان من ضلالات الخلق، عاليان كحشرجات قلب يخترقه قرن جاموس.
هذا المكان ، هؤلاء العراة العابرون ، انهم انبياء من فحم، عراة بلا عورات ، لقد تركوها عند مفترق موتهم الاول، عيونهم خارجة عن الارادة ، لقد رأت مايكفي من صراخ، رؤوسهم مكورة علي اعناقهم كالبُخَس، تسرح في داخلها عناكب، اجسادهم محشورة في جلود من غضب ، هؤلاء الانبياء يغنون :
الموت حق
الحياة حق
الموت ح
الحياة….
يغنون بلثغة الملدوغ من جحر المؤمن، لايكفرون بالحكايات والرؤي ولكنهم صاروا في حلٍ من النار ، في حلٍ من سِفرِ ايوب ، في حلٍ من ايوب، صاروا ايوب ،هم الناس والحجارة، وقود منجنيق الخوف…..
النار ، النار ، يلسعونهم بها علي اقفيتهم وكلما أنّوا، دلقوا عليهم نزيف بكارات عذراواتهم، وقالوا لهم:
سوف نأتي منهنّ، بآخرين ليسوا من فحم ، فموتوا هكذا: ويطير رأس في الفضاء ، ناقلا الي السماء، مغبة ما يجري علي الارض….
هذا المكان، هؤلاء العابرون، هذه الارض، كل شيء يمور والبابوات غارقون في شبرٍ مقدّس، البطون مخفية تحت ستار الخواء، العيون مكحولة بدم جبلي، يقطر كالعسل الفاسد، العروق يجري فيها بول سدنة الكتب المصفرّة بالاكاذيب، ظهورهم عليها نقوش معقوفة، مثل كماشات نزع الارواح ، رسوم علي جباههم ، رسوم لقناديل ذرة ،دخن ،ايقونات ملوثة ، سراويل بيضاء، ضفائر ممشطة بودك الايام الطيبة، طيور تطير بلا عيون ، مناقير سمبر ، جبال من طين وبقايا عظام ، نسائم معلقة علي سماء سوداء، زهور زنجبيل لم يفح عطرها اللاذع بعد….. وجثث.
هذا المكان .. حيث جلس كاتب تاريخ ، علي رأس الجبل وهو يصرخ : ان في الامر نملة تستنشق رائحة المسيح ، بخبث وفجور بائنين علي سيف جنِ جوادٍ مجنّح….
صب الرجل جام حروفه، علي رأس الجبل، وهو يرقب العابرين الانبياء من فحم ، وقلبه مغروز فيه مسمار طويل، اخذ يهذي بلغة الانبياء من فحم ، يترنم باناشيد الجبل التي تركها عنده شاعر وديعة للايام الحزينة، وتلك البنت التي اختبأت وراء شجرة السدر، لازالت تموت وبين نهديها، صراصير تجري علي عجل ، فالجواد آتٍ لاريب، والجن الذي مسخ العابرين الانبياء من فحم، الي كراكيب تقتات خوفها، لازال هو ذاته يمتطي صهوة الريح، مسرعا الي وليمة الاشلاء، ممسكا بكلتا يدية ، ملعقة من اظافر، معتمرا عظام فرائسة الآسفة علي ايمانها بان الخلق ، هم، رؤية الخالق…..
هذا المكان.. انه ترلة يجرها التاريخ الي بؤرته الموشاة بالاقاويل والسّير، يسمية الوشاة، معسكر نازحين ….
انه صباح :
الذين من فحم
أجساد مقفاة بكل أوصاف اللغة
حكايات علي طاولة الضاحكين من نعمة لعق الدماء
قصص في كتابات الرواة والحكايين الثمالي
كتابات علي أوراق بردي نسيها التاريخ
أنبياء من فحم الذكريات، المسلوبة إرادة البقاء في حدق عيون الوطن ….
أيها المجنون ، لماذ انت مجنون ، وقلبك عامر بعشق القهوة ، والسيجارة اليابسة ، وكأنها بقايا من أوقات جنونك القديم ،
لا تسترق الحياة، أيها المجنوني اللفتات، كن الحياة ، أيها السافل المنسي في آخر صفحة، من كتاب الأنبياء من فحم ….