بقلم : محمود الشين

    إن واحدة من حسنات ثورة ديسمبر المجيدة هي الحرية النسبية التي يتمتع بها معظم الناس في وطن يريد الإنتقال الديمقراطي بين عشية وضحاها – وهي حرية مسؤولة – يمارسها الفرد وتنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين وتلك ملامح سودان ما بعد الثورة.

     َيقول الفلاسفة (إن قيما مثل قيم الحرية متذبذبة ، بحيث لا يمكن ضبطها أو التعبير عنها إلا عند فقدها). هذا الإحساس التعويضي للسودانيين الذين يعشقون الحرية – عجل بميلاد ثورتهم الظافرة التي شكلت واقعاً مغايرا – أقله انه يؤسس لعقد إجتماعي جديد في هذا البلد.

ما يثير الدهشة هو قدرة هذا الجيل على تقديم التضحيات وعن طيب خاطر. إنه ثمن الحرية التي يصفها الزعيم إسماعيل الأزهري بأنها (نور ونار ، ومن أراد نورها فليصطلي بنارها).

ونيران القمع ضد المتظاهرين تأبى أن تتوقف ، فيسقط في كل موكب مجموعة من الشهداء ، ولم تزل صفوفهم كالبنيان المرصوص.. أهو الخوف من المستقبل وعودة سنوات الكبت من جديد ، حيث منعت الغالبية العظمى من شعبنا حتى حرية الرأي والتعبير – أم أن سقف طموحات الثوار هو وطن مثالي لا يقهر فيه احد؟

لولا هذهِ التضحيات الكبيرة للجيل (الراكب رأس) ، لن يتسن لأحد أن يخرج إلى الشارع وهو يهتف (عاش كفاح الشعب السوداني).. ولقطع وريد الحرية أضحى الإحتفال بالإستقلال كقيمة وطنية معنوية ، يتراجع في السنوات الأخيرة حتى لا يتذكر الناس هتافات الحرية ونداء ممسكات وحدتنا المأمولة.

الحرية هي أولي أضلاع المثلث الذي يجسد شعارات الثورة ومطالب الثوار (حرية ، سلام وعدالة). وهو مطلب رهين بإقامة دولة القانون والمؤسسات التي لم تكتمل بعد والتحدي الماثل هو تتويج هذا العمل بثورة أخرى على صعيد سن القوانين والتشريعات التي ترسخ لهذه المعاني.

   إن معركة تشكيل المجلس التشريعي الإنتقالي يا سادة ستكن ضارية ، ولا تقل أهمية عن معارك الإصلاح والتغيير ، فإذا ما خسرها الثوار سيتبخر حلم الإنتقال الديمقراطي. فالمجلس التشريعي أم أن يكون رافعة لأهداف الثورة والثوار أو مقبرة لطموحاتهم المشروعة.

   معظم القضايا الكبرى والمصيرية بما فيها الإنتخابات ، التطبيع مع إسرائيل ، وتشريعات العدالة والإنتقال تنتظر النواب الجدد – غير أن آلية وكيفية تشكيل البرلمان القادم هي المحك الرئيسي للثوار وحاضنتهم (الحرية والتغيير) التي وجدت نفسها بعد إنقلاب البرهان في ساحة المعارضة.

قلت لصديقي – كيف سيكون موقف أجسام ثورية كالحرية والتغيير ، لجان المقاومة ، تجمع المهنيين وعامة الثوار من هذه المعطيات؟
إستدار نحوي وهو يقول : (هؤلاء شركاء نضال ، ورغم التباينات ، فهم في خندق التغيير وتبقى الردة مستحيلة) على حد تعبيره.

غافل من يظن أن المكون العسكري سيقف مكتوف الأيدي في معركة تشكيل المجلس التشريعي الذي سيقرر في ملفات خطيرة وبالغة التعقيد ، فقد أثبتت الأيام أن بإمكانهم إستخدام (العبوة الثالثة) بلغة الجيش لضرب تحالف المدنيين في المشهد السياسي ، ولو أن الشارع هو سلاح فتاك بيد القوى المدنية المراهنة على الإصلاح والتغيير.