بقلم : محمود الشين
َ
كان وإلى وقت قريب -، تأسيس وإدارة المقاهي التقليدية حصرا على الرجال – حيث يرتادها نجوم المجتمع وعلية القوم.
وعرف الناس في العاصمة الوطنية ام درمان مثلآ بعض المقاهي ، من اهمها قهوة جورج مشرقي التي كانت ملتقى للمبدعين من الأدباء ، الشعراء والفنانين وغيرهم من طبقة الأفندية.
إزدهرت هذه المهنة بعد الجفاف الذي ضرب البلاد في فترة الثمانينات ، وموجات النزوح التي نتجت بسبب الإضطرابات الأمنية في مناطق الهامش مما جعل العاصمة الخرطوم مقصدا للباحثين عن الأمان المفقود.
أصبحت صناعة الشاي مهنة جاذبة للنساء من مختلف الفئات العمرية ، وتدر عليهن الحد الأدنى من إلتزاماتهن الأسرية التي تضاعفت نتيجة للوضع الإقتصادي شديد التعقيد.
ففي حين يسر الله لبعض المحظوظين أن كتبوا أروع اعمالهم الفكرية ، والثقافية في إجازات سنوية أو رحلات موسمية راتبة للخليج العربي أو إلى جزر الكاريبي والمالديف – ندين بالوفاء لملكات الكيف – ستات الشاي – في بلادي.
إن السمروات المنتشرات على الأزقة ، الأرصفة ، تحت أسقف البنيات ، ظلال الأشجار أو على الهواء الطلق في المساء الجميل – وفرن لأمثالي ملاذا للكتابة على وقع عوامل البيئة ومتغيرات المناخ التي تتداخل هي الأخرى مع ضجيج المارة وهتافات الجيل الراكب رأس في سودان الثورة.
لقد تحملن بطيب خاطر ترددنا المتواصل على مدى ساعات اليوم إذ هي عبقرية الأمكنة ، إحترمن لحظات صمتنا ، طبيعتنا التي تميل في الغالب للعزلة ، أمزجتنا المسافرة ، ثورتنا على ذواتنا الطموحة ، شلتنا التي تحتل مقاعد الزبائن الملتزمة الحضور ، وقدرنا بلطف حتى ظروفنا المادية المتقلبة كطقس أم در وليلها الطويل.
يزداد إحترامي لصديقنا الشاعر الكبير إسماعيل الاعيسر ، صاحب الروائع (عاش من شافك) و(راحت عليك) يوم ان اهدي أجمل نصوصه (قمرية جات) ، ضمن ديوانه (بكرة العيد) لإحدي ستات الشاي إسمها نورا..
لقد تساءل ذات يوم الأديب الطيب صالح :
(من الذي يبني لك المستقبل يا هداك الله وأنت تذبح الخيل وتُبقي العربات ، وتُميت الأرض وتُحيي الآفات ؟
هل حرائر النساء من ” سودري ” و ” حمرة الوز ” و ” حمرة الشيخ ” ما زلن يتسولنّ في شوارع الخرطوم) ؟
مع تقديري وإحترامي للقادمات من تلك المناطق ، لكن لو قدر للرجل ان يعش بيننا هذه الأيام لراي ان الدائرة إتسعت لتشمل النساء من الهامش العريض..