بقلم : محمود الشين
ركزت الحملة الإعلامية المنظمة التي شنها النظام البائد بعد إمتصاص الصدمة الأولي للتغيير في أبريل٢٠١٩م – على شيئين أثنين هما تخويف المجتمع السوداني المحافظ من المساس بعقيدته ودينه في إشارة إلى أن حكومة الثورة – ما هي إلا مستودعاً للعلمانيين والشيوعيين – مع هذا الحديث.. محض إستخفاف كبير ببقية مكونات الحراك الثوري المتماسك ، على الرغم مما حدث له من هزة عنيفة في بنيته التنظيمية.
لكن أياً كانت صحة تلك الفرضية المدعاة من عدمها ، فالشعب واعٍ وسرعان ما أدرك حقيقة ما أثير من إتهامات في بواكير أيام الثورة.. سيخسر النظام البائد رهان المستقبل إن هو على هذا النسق ، ولا يضع حساباً للجيل الراكب رأس ، وهم بعد الشباب الذين كتبوا بتضحياتهم الكبيرة النهاية الحاسمة لعهد الإنقاذ ومعظمهم بلا إنتماء سياسي.
ما هي قيمة الدين الذي يدعون إليه إن لم يعصم الناس من إرتكاب المعاصي ، قتل النفس بغير حق ، سرقة المال العام وغيرها من الكبائر؟ إن الحزب الذي يفصل الجنوب العزيز ، ينفذ محرقة دارفور ، حرب النيل الأزرق ، جبال النوبة ويسفك الدماء في كافة أنحاء الوطن – ليس مؤهلاً أخلاقياً للحديث عن الدين المنزه عن كل عيب ونقص وله رب يحميه.
الأمر الثاني الذي أثارته الحملة هو أن مكونات الحراك الثوري بما في ذلك الذين شاركوا لاحقاً في الجهاز التنفيذي – ما هم إلا عملاء من حملة الجوازات الأجنبية ، وأن ليس لهم إلمام بواقع المجتمع السوداني وتعقيداته المرحلية.. نعم لنقل تلك حقيقة.. ألم يتذكر الناس أن بمجرد تنفيذ إنقلاب الثلاثين من يونيو 1989م أن الإسلاميين قاموا وعلى وجه السرعة بإستدعاء كوادرهم من المحيط إلى الخليج لسد الفراغ الإداري الذي خلفته مجزرة ما يسمى(الصالح العام)؟.
الحقيقة التي لا تحتاج إلى ضوء ، ولن ينكرها أحد أن عدد كبير من كوادر الإنقاذ المستدعاة من الخارج هم كذلك من حملات الجوازات الأجنبية ، لكنها بالطبع عين الرضا عن كل عيب كليلة.. إن العدل يا سادة في الحكم على مواقف وتقاطعات المصالح بين فرقاء السياسة في بلادي ، شئ يمليه عليّ الضمير الوطني ، المهني والإنساني.
سيكون منطقياً لو أن النقد صوب مباشرة إلى قدرات ومؤهلات كوادر الحرية والتغيير التي جاءت من الخارج محمولة على أجنحة التغيير – لكنه إتجه نحو إلى ما يمكن تسميته ب(الأحوال الشخصية) وهي الإنتماء لجهة سياسية مناوئة أو التشكيك في عقيدة البعض الآخر والإتهام بدفع البلاد دفعاً بإتجاه الإباحية والإلحاد.
إن الدين كان هو العامل المشترك في معارك أطراف الأزمة ، فالثوار يتهمون الكيزان بتشويه الدين من واقع الممارسة وذلك من خلال تقييدهم للحريات العامة ، بيوت للأشباح ، حروب الإبادة الشاملة وغيرها من قضايا فساد يحاكم على إثرها حالياً قادة النظام البائد.
ويتهم المؤتمر الوطني حكومة الحرية والتغيير بالتأثير على عقيدة المجتمع من خلال إلغاء القوانين السابقة كقانون النظام ، والحديث عن أحكام الردة ، الأحوال الشخصية ، الترويج لسيداو وغيرها القضايا التى سعوا لإستعطاف الفئة الصامتة لممارسة الضغط على الحكام الجدد.. لم تتوقف مدافع الإخوان عن قصف رموز من قحت كوزير العدل نصرالدين عبدالباري ، وزير الأوقاف مفرح ومدير قسم المناهج التربوية القراي. وكانت أم المعارك هي مع لجنة إزالة التمكين المثيرة للجدل.
إن كوادر الحرية والتغيير التي دخلت الجهاز التنفيذي وعملت في ظل تحديات كبيرة – نجحت في بعض الملفات وأخفأت في أخرى شأنها في ذلك كشأن بعض كوادر الإنقاذ – هذا إذا كانت ملامح الحكم على أداء الأفراد – مع الفارق أن الإسلاميين تنظيم واحد ، بينما (قحت) مثل سفينة نوح – وحدت بين فرقاء – جمع بينهم هدف واحد هو إسقاط نظام البشير بأي ثمن..
هذه الجزئية من الإشارات العابرة تستدعي تدخلات المختصين لتقييم ما جرى من أحداث وما أنجز من عمل. هدفي الشخصي هو القفز فوق حاجز الشفاهية التي أصبحت سمة للسودان والسودانيين أينما كانوا.. لا نريد أن تكرر الأجيال القادمة ما إرتكبناه من أخطاء ، وما إتخذناه من مواقفك في حق البلد وعلى حساب مستقبلهم حين جعل البعض مصالح التنظيم ، الجهة ، أو الكيان الإجتماعي – مقدمة علي مصلحة بلد ينبغي له أن يسمو ويسود بين الأمم .