.
بقلم : محمود الشين
ما يؤخذ على الحاضنة السياسية للثورة (الحرية والتغيير) أنها ممهولة على نحو يفوق حد الوصف. وكأنها تراهن على عامل الزمن الذي غفلها وسرق حتى نضارة شبابها..إن الثورات مثل النساء لهن ربيع ، حيوية ولحظات توهج – لا بد من إستثمار مزاياها المتعددة للتحليق في فضاء الإنجاز والجمال. فالثورة كالمرأة الواعية قادرة على إعادة إنتاج ذاتها ومشروعها الثوري حتى إذا ما أطل الصبح التغيير برزت أكثر أناقةً وتجدداً..
إن الملايين من الشباب الثائر في شوارع العاصمة والولايات – هم في الواقع أكبر رصيد بشري للثورة من شأنه تحقيق مشروع الإصلاح والتغيير المنشودين منذ فجر أبريل٢٠١٩م ، غير أن التنظيمات السياسية عندنا مثل كرة من ثلج باردة ، بطيئة ومتشبثة بالقيادة على حساب الأجيال المستنيرة التي تنشد بناء مستقبل باهر لأمتنا التي أقعدتها الخلافات والمحاصصات الوظيفية.
عندما يقول رئيس وزراء حكومة الثورة الدكتور عبدالله حمدوك إنه لم يتسلم (برنامج عمل) تنفذه الحكومة – فما الذي كان يشغل هؤلاء حتى أغفلوا مبدأ إنجاز خطة عمل حكومة ما بعد الإنقاذ؟ أهي الوظائف والتوظيف ، تصفية الحسابات مع خصومهم السياسيين ، أم التأمل في سلطة خالية من الكيزان؟
هناك مساحة ما بين رئيس وزراء حكومة الثورة وقحت ، شهدت الكثير من السجال والجدل البيزنطي وهي مستودع الأسرار الكبري ، ربما يكتشف الثوار ولو بعد فوات الأوان أنهم ربما ظلموا حمدوك حتى قبل إتفاقه مع برهان. ففي تلك المساحة تحرك ألمكون العسكري ونفذ إنقلابه ، إنطلاقاً من مشاكسات شركاء الحاضنة التي لا تنجب إلا المزيد من الخلافات المعطلة للمشروع الثوري الكبير.
ليست للثورة آليات محاسبة للمقصرين في أروقة الحاضنة السياسية ، وهو ما ينبغي أن يضعه الثوار في حسبانهم إن أرادوا تحصين ثورتهم من بعض الفاشلين.. صحيح هناك إستثناءات لنماذج مشرقة من القيادات كانت مخلصة للثورة وللوطن الكبير ، غير أنها قليلة بالنظر إلى وجود جيش من الساسة غير المنتجين للفعل السياسي الذي يعود بالنفع على الوطن والمواطن.
مهما يقال عن الإسلاميين ككيان سياسي ، فإن لهم ميزة هي عقلهم الجمعي الحاضر – فإذا ما عقدوا العزم على شئ فعلوه – خيراً كان أو شراً – أنظروا إلى سرعة إصدار وتنفيذ قرارات إنقلاب الثلاثين من يونيو 1989م ، أنجزوها ولا عليهم . لم يذرفوا دمعة على من فقد وظيفة تعول أطفاله ، ولا لمن صودرت أمواله أو لمصير الذين زجوا بهم في غياهب السجون لسنوات.. المهم عندهم هو المشروع الذي يؤمن بالدولة القطرية نفسها.
ليست لدي القناعة بهكذا تفكير ولن أدعو لهذا النموذج ، لكنها مقاربات مطلوبة. وإن كانت مؤلمة. فالذين أنجزوا التغيير في أبريل ٢٠١٩م لم يعملوا منذ الساعات الأولي بقاعدة الجزاء من جنس العمل ، إنما تمهلوا قليلاً حتى إعلان تشكيل لجنة إزالة التمكين التي إستشعرت هي الأخرى خطورة بقاء كوادر الدولة العميقة على الثورة ومضت في كنسهم من المواقع والوظائف المهنية الحساسة.
صحيح ربما كانت الكوابح هي شعارات الثورة التي تنادي بالعدل بغض النظر عن واقع الممارسة على نحو ما سنعرضه لاحقاً من مؤشرات ومعطيات واقعية لفترة حكومة الثورة قبل الإنقلاب عليها من الشركاء العسكريين ، حيث لدغت(قحت) نهاراً جهاراً .. هي شراكة كان أكثر الذين عارضوها – هم جماعة اليسار وأثبتت الأيام صحة مخاوفهم.
وعشية إنقلاب الخامس والعشرين من إكتوبر ٢٠٢١م – طالت الإعتقالات خلال ساعات كل رموز التغيير في الجهاز التنفيذي وحاضنتهم (قحت) ولم يسلم حتى رئيس وزراء حكومة الثورة الدكتور عبدالله حمدوك.. وبعدئذ بدأت قرارات الإحلال والإبدال تصدر تباعاً.. إن السرعة عنصر حاسم عند هؤلاء القوم الذين لا يأبهون للأخطاء أو الإنتقادات سوأكانت من الداخل أو الخارج.
هذه ليست نهاية كل شئ فحاضنة كالحرية والتغيير وشركاء النضال من لجان المقاومة ، تجمع المهنيين وشباب ثائر غير منتم.. سيكون لهذا الحراك الثوري أثره الكبير في تشكيل خارطة الإنتقال الديمقراطي المطلوب . وهذا بالطبع لا ينفي وجود فاعلين آخرين في المشهد السياسي لهم طموحات وأشواق.