بقلم : محمود الشين

  إن شباب ثورة ديسمبر ، هو جيل واعٍ ، مؤمن بقضيته إيمان العجائز – سلاحه هو الشارع وشعاره هو السلمية التي هزمت الرئيس المعزول عمر البشير وأجهزته القمعية.. لا يمل هذا الشباب التكرار بأن (آلشوارع لا تخن) ، وهي شعارات لها مرجعيات في سجلنا النضالي ضد الديكتاتوريات التي تأبى أن تزول.

بعد أكثر من خمسة عقود – إستدعي الجيل الراكب رأس إرث إكتوبر ١٩٦٤م الثورة الباذخة وأعاد للمشهد مجدداً (المتاريس) التي أرقت القوات الحكومية التي كلفت بقمع الثوار بالخرطوم العاصمة وبقية مدن وعواصم الولايات الثائرة. لقد أثبتت المتاريس فعاليتها على الشوارع الرئيسية ، أزقة الأحياء وعند مداخل ومخارج الجسور.

  لقد كانت (المتاريس) هي صديقة الثوار الأمينة وحامية ظهرهم المخلصة من غدر القوات الحكومية التي سخرت كل ما تعلمته من فنون حربية وقتالية – دفعت من عرق الشعب – من أجل قمع المتظاهرين السلميين. وهم لا يملكون غير حناجرهم المعبرة عن قضيتهم الأولى وهي إقامة دولة مدنية ، ديمقراطية ، مستقرة ، ومتصالحة مع ذاتها وحقل الإنسانية الواسع.

هل من عاقل يرفض هذا النموذج المنشود؟ فإن وجد ، فهو من وجهة نظري – واحد من ثلاثة أما دكتاتور ظالم ، أفراد أو تنظيم لا يملك ما يؤهله للإحتكام للشعب أو عملاء يعملون لصالح غيرهم ليبقى هذا البلد في دوامة الصراع وإستنزاف الموارد ، في حين أن شعبنا فقير وجائع.
أستخدمت المتاريس لأول مرة بمقترح تقدم به عضو جبهة الهيئات المحامي فاروق أبوعيسي النقابي المعروف في الحزب الشيوعي السوداني. قدم مقترحه بعد سقوط حكومة الجنرال إبراهيم عبود ، إذ سرت شائعة مفادها أن ألقوات المسلحة عدلت عن رأيها في تسليم السلطة للشعب.. وخشية أن تهاجم الجمهور الثائر – صاح فاروق أبوعيسي : (ترسوا الشوارع).

     نعم لقد تُرست الشوارع على نحو ما فعله الجيل الجديد بعدد (55)عاماً ، حين توفرت ذات العوامل والظروف. إن التاريخ يعيد نفسه لكن قلة من يعتبرون من تجارب الماضي.. وأي ماضٍ كما تغني الكبير عثمان حسين. ومن غرائب الصدف أن يشهد أبوعيسي حدث مماثل بعد هذه السنوات ثم توفي إلى رحمة مولاه بعد ثلاثة أيام من سقوط نظام البشير.

جبهة الهيئات التي قادت حراك أكتوبر القرشي – نحكى للجيل الجديد نقول – هي تنظيم تشكل من قوي ثورية حية ناضلت ضد النظام العسكري.. تنظيم أشبه بخلطة بين (الحرية والتغيير وتجمع المهنيين السودانيين) ، بالنظر إلى حالة ثورة ديسمبر ٢٠١٩م التي أسقطت نظام الإنقاذ.
وثق الشاعر مبارك حسن خليفة لذاك الحدث في نوفمبر ١٩٦٤م وكتب قصيدته (المتاريس) والتي لحنها مكي السيد وتغني بها الموسيقار محمد الأمين :
المتاريس التي شيدتها
في ليالي الثورة
هاتيك الجموع
وبنتها من قلوب وضلوع
وسقتها من دماء ودموع
سوف تبقى شامخات في بلادي
تكـتمُ الانفاس في صدر الاعادي
فالمتاريسُ دماءُ الشهداء
والمتاريسُ عيونُ الشرفاء

والمتاريسُ قلوبُ الكادحين
والمتاريسُ ضلوعُ الثائرين
والمتاريسُ شـفاهٌ لصغارٍ يلتقون
والمتاريسُ أيادٍ لكبارٍ يـهدرون
والمتاريسُ حِـدَاءٌ الثائرات
فـالمتاريس ستبقى
شامخاتٍ في بلادي
المتاريس
سوف تبقى شامخاتٍ في بلادي
تكـتُـمٌ الأنفاسَ في صدرِ الأعادي.
صحيح أن الأيام دول.. إذ ما زالت المتاريس تتسيد شوارع الخرطوم حمالة الحطب.