بقلم : محمد بدوي
فى 2015 شهدت الخرطوم مؤتمر الحوار الوطني “حوار الوثبة”، جاء التوقيت عقب سلسلة من الأحداث الاحتجاجية نتيجة إعلان حزم من السياسات التقشفية في (2012، 2013، 2014) واجهتها .السلطة بالعنف المميت و المفرط
سياسيا هدف المؤتمر الوطنى المحلول آنذاك إلى أستباق حركة الشارع المستمدة من زخم الربيع العربي من جانب واستدعاء إرث التجربة السودانية لثورتي أبريل 1985 وأكتوبر 1964 من جانب آخر، فهدفت لقطع الطريق على إتساع نطاق فكرة التغيير الشامل أو الجذري، بالترويج لنسخة مفخخة محورها المشاركة فى السلطة مع بقاء سيطرتها .
كانت الخرطوم قد واصلت أنشطتها العسكرية فى دارفور فتمكنت إلى حد كبير فى دفع الحركات المسلحة إلى خارج الإقليم و السودان حيث وظفت علاقاتها الدبلوماسية للضغط عليها بالخارج، ساهم فى ذلك فشل تحالف الجبهة الثورية فى الحفاظ على وحدته السياسية والعسكرية، نتاج ذلك برز فى مشاركة بعض الحركات المسلحة القتال إلى جانب الأطراف الليبية فى العام 2015،إستغل المؤتمر الوطنى المحلول الحالة للترويج التسوية السياسية مرة اخري، لتحظي بدعم إقليمي ودولي من بعض فأعلى المجتمعين ،وهنا تجدر الإشارة إلى وصول الرئيس الجنوب إفريقي الأسبق و رئيس الآلية الرفيعة السيد: ثامبو امبيكي إلى الخرطوم فى 2015 دون أعلان عن هدف الزيارة لكن التسريبات ذهبت إلى إنها سبقت حضور متوقع لأحد قادة الحركات المسلحة للمشاركة فى سياقات حوار الوثبة ، بالرغم من عدم حدوث الأمر لكنه كان مؤشر لحركة الخرطوم إقليميا ، اما دوليا حافظت على موقف المانيا الإتحادية الداعم للتسوية، بل تطور الأمر إلى إتفاقية الخرطوم 2016 مع الإتحاد الأروبي لمحاربة الهجرة غير الشرعية وحصولها على مساعدات بالمقابل.
بالنظر إلى خلاصة حوار الوثبة نجح فى الترويج للتسوية دبلوماسيا، اما داخليا تمكن من ابعاد حزب المؤتمر الشعبي من تحالف الإجماع الوطني، واعادة تجسير العلاقة مع حركة التغيير الآن، مع استقطاب اجسام سياسية اخري ناتجة من حالات انقسامات بعض الأحزاب السياسية المعارضة .
فى ظل ذلك تراجع موقف الحركات المسلحة سياسيا متاثرا بإنقسام الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال فى 2017، لكونها أستطاعت أن تشكل لحظة تاريخية بانتصاراتها العسكرية فى الفترة من (2011- 2017)، فعاد المؤتمر الوطني للضغط عبر منبر اديس ابابا التفاوضي و الذى ظل مستمرا حتى العام 2018.
ظل التركيز على التسوية موجها من الخرطوم نحو بوابة الحركات المسلحة، مع تجاهل دور الشارع و إستبعاد فكرة التغيير السلمي، رغم حركته المناهضة للإجراءات التقشفية فى يناير 2018، التى راكمت لبداية ثورة ديسمبر 2018، ليتمكن فى ابريل 2019 من قلب الطاولة على كل المشهد مصحوبا پإعلان رؤيته السياسية ” التغيير الشامل ” لكن ولأسباب عديدة منها انحراف شعارات الثورة المرتبطة بكيفية إدارة الفترة الإنتقالية، عادت التسوية السياسية فى نسخة الوثيقة الدستورية 2019 سرعان ما انهارت فى 21 اكتوبر 2021 ،مضي سجل التسويات نحو إتفاق سلام السودان 2020 ” إتفاق جوبا” الذي واجه نقدا نظريا واسعا بعد التوقيع قبل أن تثبت اختبارات الواقع بعد الإنقلاب 2021 وقوعه فى فخ التسوية بعيدا عن مفهوم وفلسفة صناعة السلام المستدام متاثرا بالتسوية السابقة، برزت التسوية مرة ثالثة فى نوفمبر 2021 فى إتفاق ( البرهان-حمدوك ) الذي بدوره أنهار باستقالة رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك،الرابط الجوهري بين التسويات والفشل انها تطابقت فى النظر للحلول من مدخل المشاركة السياسية مع اقصاء الإطار المرتبط بشكل الدولة وفقا للفقه الدستوري و ضمانة ذلك فى إستدامة الحلول.
بالنظر إلى الجهود الدولية هنالك سؤال يثور حول اسباب فشل جهود رئيس بعثة الأمم المتحدة لدعم الفترة الإنتقالية السيد/فولكر بيرتس فى التمهيد او التسهيل لحلول للحالة، فى تقديري ان الأسباب أرتبطت برؤيته مقابل تطورات الواقع حيث كان يسعي لإعادة وضع التسوية الى الوثيقة الدستورية فى واقع تجاوز ذلك و تراجعت الثقة بين اطرافه كمحصلة لإختبارات عديدة للتسويات ، هذا مع غياب الضمانات إستمر الفشل حتى بعد مشاركة مملثلي منظمة الايقاد والاتحاد الإفريقي، كألية ثلاثية للتسهيل لمواصلتهما بأدوات اقرب لمطلوبات الاستفتاء الاداري، مثل تحديد أسقف زمنية لبدء الحوارات وتوسع افقى زاد من تشتيت وتعقيد المشهد، كنت اتوقع أن يبدا ممثل الإتحاد الإفريقي السيد/ ود لباد جهوده من حيث انتهت بالوثيقة الدستورية، حتى يتمكن من الأجابة على اسباب ما حدث و من المسئول ؟ كمدخل يعيد المنهج و يقود طرح الاسئلة المنتجة، لكنه واصل فيما بدأ السيد/ فولكر بيترس و الذى يكاد يكون اقرب لعملية بحثية سياسية عن السودان، فعلى سبيل المثال لا يوجد ما يبرر موضوعيا او سياسيا ان تشمل اللقاءات بعض الاحزاب مثل حزب المؤتمر الشعبي الذى بعد قادته الرئيسيين فى قفص محاكمة إنقلاب 30 يونيو1989 .
أخيرا: عزز إنقلاب 21 نوفمبر2021 اختبار مالات التسويات التى لا تطابق فلسفة التغيير الشامل وتكلفتها، اضف الى ذلك أن حالة العنف التى شهدها الشارع السوداني راجعت الثقة النسبية فى الأصل و هو ما يصعب تجسيره نظريا لأن شروط ذلك لا تقبل سوى المحاسبة و العدالة، من ناحية ثانية يجب أن نقرأ التاريخ القريب الذى رفض فيه الشارع ” حوار الوثبة” ثم أسقط نظام المؤتمر الوطنى، هذه حركة التاريخ المرتبطة بتراكم نضالات السودانيين والسودانيات وصولا إلى هدفها التغيير الذى يعيد مفهوم الدولة قانونا والعلاقة الدستورية الى سياقاتها الطبيعية، لإنهاء حالة الاستثناء التى ظلت متلازمة تاريخية سواء فى الدساتير المؤقتة أو حالات الطواري السياسية، كصمام أمان للإستقرار والتمتع بالحقوق، وضمانا لسيادة مستقرة فى دولة كشف التنافس على مواردها من قبل بعض الدول انه مارد يمكنه تصدر الريادة الإقتصادية فى القارة و العالم .