بقلم : محمد بدوي
الراهن المرتبط بتراجع حالة الأمن خلال الفترة الإنتقالية ليست سوي اثر مباشر لسياسات حكومة الحركة الإسلامية السودانية وحزب المؤتمر الوطني خلال سيطرتهم على السلطة، ودفعهم لإحتقان الأوضاع الراهن الإنتقالي، وتعددت الأسباب لكن تكامل نتائج تلك السياسات مع صناعة الأزمات،حيث لم يمضي وقت طول من إحتواء نذر الصراع بين الحمر والمسيرية بغرب كردفان، الإ وعادت المواجهه بين المسيرية والنوبة بلقاوة فى إتجاه اَخر من ذات الولاية منذ 10 أكتوبر 2022 التى نتج عنها مقتل حوالي 15 من الطرفيين و 20 مصابا و ادعاء لحالة خطف من قبل النوبة لطفل من المسيرية بالإضافة إلى نزوح لما يقارب 4000 شخص او 800 أسرة، بدأت الأحداث بنزاع فردي حول ملكية أرض بين طرفين من المسيرية والنوبة بقرية جنقارو حوالي 3 كيلومتر شرق مدينة لقاوة فى 10 أكتوبر2022 تطورت الاحداث فى 13 أكتوبربسوق لقاوة بإشتباك الطرفين وتبادل إطلاق الرصاص قبل أن تتطور فى يومي 14-15 أكتوبر الى نطاق واسع عن خلفيتها التى ارتبطت بإعلان الحركة الشعبية لتحرير السودان قيادة الحلو عن أسر ٩ من قوات الدفاع الشعبي انحدرت اصولهم من المسيرية داخل مناطق سيطرتها فى أغسطس 2022، قبل اطلاق سراحهم فى 16 اكتوبر 2022 بوساطة من مستشاررئيس جمهورية جنوب السودان السيد: توت قلواك، صدرت عدة تصريحات بينها بيان من المسيرية طالبوا باطلاق سراحهم أواتخاذهم ما يمكنهم من ذلك، ثم قبل وصولهم للخرطوم من جوبا احتفل المسيرية بلقاوة بذلك وأرسلوا خلاله رسائل شكر لقائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس المجلس السيادي الانقلابي الفريق أول محمد حمدان دقلو على وساطته التى من الراجح انها توقفت عن توت قلواك الذى دفع بها للحركة الشعبية، بتتبع التصريحات المنشورة من الأطراف يمكن الوقوف على أحدها صادر من مجموعات توحيد شعب جبال النوبة لم يحمل تاريخ لكنه نشر فى 15 أكتوبر 2022أشار الى لقاوة بإسم الياواك ، وهنا مربط الفرس الذي يحيل الصراع الى دائرة الارض، قبل المضي لابد من الإشارة الى ان سياسات التقسيم التى نفذتها الحكومة السابقة بتقسيم الاقاليم السودانية المختلفة إلى عدة ولايات ثم تقسيمات لاحقة فى 2013 ذهبت لتقسيمات أخري هدفت السيطرة السياسية بتقسيم جعل الحدود الادارية تقف على حواف قبلية تاريخية حينا وحينا تحدث التعدي كقنبله موقوته للصراعات التى تجعل المجتمعات تنخرط فيها تحصد فيها أرواح الأطراف وتهدر فيها الموارد الشحيحة فى الأصل فى شراء السلاح، الديات التى ارت أقرب لعمليات المقاصة وعلاج المصابين لتأخذ الاشتباكات هدنة فى فصل الخريف ثم تتكرر الدائرة مهدرة الموارد عقب ذلك فى إتجاه اَخر بصراعات مرتبطة بمسارات الماشية وهكذا ما تلبث الإ وتتجدد بنمط فردي محدود الى حالة واسعة النطاق، هذا يظهر فى حالتي المسيرية والنوبة على إمتداد الفترة الانتقالية كحالة نموذجية، يمكننا تقصي ذلك أن المسيرية إلى جانب الاحداث الراهنة، سبقتها ثلاثة أحداث مع الحمر ،ثم الصراع بينها وعشائر دينكا نقوق الذي إتخذ هدنة طويلة من 2015 ليبدأ فى التصاعد فى 2019، بالنظر الى المجموعات الثلاث المسيرية والحمر ودينكا نقوق يمثل النشاط الرعوي نمط علاقات الانتاج الأساسية بما يجعل هذه الصراعات على أهبة التجدد فى الصيف حينما يحين مواعيد الطلق فى نهاية شهر فبراير ثم مواقيت المراحيل عقب ذلك
بالنظر إلي سجل النزاعات للنوبة خلال الفترة الانتقالية نجدها بدات مع القرعان فى ولاية نهر النيل بمربع 6 فى مايو 2019، إنتقل إلى ولاية البحر الاحمر بورتسودان فى حالتين مع البني عامر، ثم مع البني عامر فى ولاية كسلا بكسلا وحلفا الجديدة ثم مع البني عامر بالقضارف، و الاَن النوبة والحمر بلقاوة، و محاولات فى أغسطس 2022 لدق اسفين بين النوبة والجعليين فى بالقطينة 2022،هذا السجل الاحداث يمثل حالة نموذجية لدراسة التاثيرات التى التى أستخدمت لإفتعال الأسباب فى سياق التركيز على مجموعات محددة ليتم إستغلالها فى إحداث مخطط تراجع حالة الأمن فى الفترة الإنتقالية مع عدم إغفال الأثر السالب لذلك فحتى الاَن لم يشهد الواقع حالات محاسبة مثالية تفضي الى العدالة و التعويض جبر الضرر، وهنا يمكننا الربط والعودة للمسيرية مرة اخري فهى شكلت أوئل المجموعات التي اَستهدفت فى بالعسكرة فى مليشيات المرحليين فى 1984 لتواجه تمدد الحركة الشعبية لتحرير السودان اَنذاك، إمتد الأمر الى إستهدافها فى نوفمبر 1989 بالانخراط فى صفوف الدفاع الشعبي، هذا غير الصراع الداخلي بين بطون المسيرية الذي أمتد من 1993- 2015، فى 1997 تاثرت البنية الزراعية للهشاب الصمغي بإنشاء الخط الناقل للبترول، ظل الحال مراجعا فى التوظيف والخدمات بالمنطقة حتى إعتصام لقاوة فى 2014 الذي امتد لثلاثة اشهر او (٩٧) يوما على وجه الدقة ومثلت مطالبه فى جلها إرتباط بالخدمات فى المنطقة التى تحتضن حقول النفط، و شارك جميع مكونات لقاوة فيه و كان من الشعارات الاساسية فى الإعتصام ” لا جهوية لقاوة هى القضية” تضامنت الحركة الشعبية لتحرير السودان انذاك بتصريح من القائد عبدالعزيز الحلو والذي رفضته الخرطوم بشده بل سارعت فى فتح بلاغات جنائية فى مواجهه صحيفة الميدان على خلفية نشر تضامن الشعبية، وهذا يكشف ان هنالك تضامن بين المسيرية والحركة هذا دون الخوض بان الحركة بها اعضاء من مكونات مختلفة من السودان بما فيها المسيرية ، عبورًا إضافة الى أن لقاوة تشكل سوق ومنفذ لكافة المجموعات بما تشمل المنضوين تحت الحركة وهو سوق ظل يتسم بالهدوء لا سيما منذ 2017 ليثور السؤال حول سبب تراجع الاحوال؟ هذا بناء على أن الحركة سارعت بالنفي فى 12 أكتوبر 2022 عن مشاركتها فى الاحداث بينما ذهب بيان للجنة امن محلية لقاوة فى 18 اكتوبر 2022 واَخر لقوات الدعم السريع فى 19 اكتوبر باتهام للحركة بقصف لقاوة فى 17 أكتوبر2022 بينما أشار بيان القوات المسلحة فى 18 أكتوبر الى مجموعات فى الحركة الشعبية، اضف إلى ذلك الاسلحة التى أشير إلى إستخدامها حملت الامر على انه قصف وليس هجوم بأسلحة مواجهه ميدانية، كل هذه التطورات جاءت فى سياق زمني هو فصل الخريف الذى يعقبه التحول للمسارات التى تعبر بعضها مناطق النوبة، وبعضها الى مناطق دينكا نقوق عبورا الى جنوب السودان، لم يفلح مؤتمر عنتبي 11-13 مايو2022 بين المسيرية ودينكا نقوق فى نزع فتيل الازمة بين الاطراف لإصطدامه بإرتباط الحل بحكومتي السودانيين أي الحل السياسي لكنهما يمكنهما المساهمة فى العيش الامن
أخيرا: تظل تكلفة الصراعات عالية جدا ولا سيما فى الحاضر الذي يشهد تراجع اقتصادي عالمي وإنزلاق فى البلاد بسبب انقلاب 25 اكتوبر 2022 الذى تشير الاحصائيات لوكالات الامم المتحدة بان هنالك 11.7 مهددين بنقص الطعام بالبلاد ، إضافة إلى موقف المجتمع الدولي الذى جمد المساندة الاقتصادية، فرغم الأسباب المختلفة التى سقتها اليه تتاثر بشدة بالعلاقة من الحالة بين المكونين العسكريين بالسلطة خلال الفترة الانتقالية وبطريقة الحلول التى فى الغالب تنحي الى دعم عسكري للفصل بين الاطراف مع الابقاء على جذور الصراعات، او ترسيم ملغم للحدود له ما بعده، الامر الذى يتطلب جهودا كبيرة من كافة الاطراف التى تقف بعيدة عن المسرح تاركة الأمر على اكتاف الادارة الاهلية التى تحاصرها المجموعات المنتمية للنظام السابق من جانب ومن جانب اخر تماس العلاقة بين المكونات العسكرية مع او ضد، العدالة دون سواها من حلول عرفية تمثل الحل الناجح لمعالجة الاحداث ودوننا الحال فى اقليم النيل الازرق فرغم اكتمال التحقيق فى الاحداث الاولي الا ان تراخي الاستمرار فى تطبيق العدالة ساهم إستمرار الاحداث حتى الراهن، فلابد من الإنتباه إلى الصراعات فى لقاوة والنيل الأزرق يمكن الإشارة إليها مبدئياً بنمط الإقصاء الإجتماعي الذي الى جانب العدالة تتطلب الإنتباه الى دور الدولة والخدمات المرتبط بالتنمية كعامل يحفز على الخروج من الإسباب المتراكمة .