بقلم : محمد بدوي
فى حوارات عديدة مع أصدقاء ومهتمين بالشأن السوداني كثيرا ما تم التعرض إلى الواقع ودور الأمر الذي يمثل جوهر للأزمة تاريخيا، ولعل الأحداث خلال الاسبوعين المنصرمين حفز النظر الي غياب السياسات، حيث يتطلب الأمر إلى دور الانتظار والمؤسسات العقابية السوداني، الأمر الذي يكشف بأنه منذ الاستقلال والى الراهن ظلت هذه المراكز والمؤسسات تستقبل معتقلين سياسيين وآخرين تحت الحبس بموجب قانون الطوارئ أو لأسباب غير معلنة حتى وصل الأمر إلى تخصيص اجزاء من السجون لتخضع لإشراف جهاز الأمن أو لاستضافة معتقلي قانون الطواري،، اشتهرت سجون كوبر بالخرطوم بحري بورتسودان بالبحر الأحمر وشالا وزالنجي بولايتي شمال ووسط دارفور بهذه الاقسام تاريخيا إلى جانب سجون أخري بالطبع، اتفقت جميعها فى بيتها المتراجعة هذا دون الخوض فى التعامل وحضورها المتجدد فى ظل حكومات بعد الاستقلال ظلت توثق إلى أن ذات مراكز مر بها اغلب القادة السياسيين فى فترات متعاقبة، الراهن يشهد على المحاولات المستميتة للتحايل على البقاء بتلك المراكز والاحتماء بمرافق صحية من قبل لرأس النظام السابق المخلوع عمر البشير وقيادات الحركة الإسلامية وجناحيها السياسيات المؤتمرات الوطني والشعبي، وهي السلطة التي التصق بها القمع بل تعتبر التجربة الأقسى والأسواء والاوسع نطاقا فى سلب الحريات وانتقاص الكرامة فى سياق تجربة إهمال تلك المرافق التي شاركت فيها كافة الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال، يطول سجل الشواهد لكن أجدنني اقتبس بوست للصحفي عادل ابراهيم ” كلر” الذي كتب عقب اعتقاله فى يناير ٢٠١٨ بمعية آخرين منهم الاستاذ صالح محمود المحامي وعضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني وواقع وطلبه لدواء داخل المعتقل بسجن كوبر، والذي احضر له البديل بحجة عدم توفر ما طلبه، ليعلق ” كلر” على تناقض الحال موجها إياه لإدارة المعتقل ” انتو قائلين الناس ديل محتجين على شنو ما على الدواء المافي” بل فلو نظرنا إلى حال الرئيس المخلوع البشير و إحالته المتكررة إلى مستشفى علياء فهو يشير إلي السجل الراهن لأوضاع السجون ومراكز الانتظار ولكثرة من مروا من خلف تلك الاسقف والأبواب فلا أعتقد أنه سيتذكر شجاعة الراحلين الدكتور أمين مكي مدنى والاستاذ فاروق ابوعيسي وحرمانهم فى ٢٠١٤ من الرعاية الصحية هما فى عمر لاقاه سنينا وثباتا على سوء الحال والمرض معا بل أن الفترة الانتقالية مع وقف التنفيذ بفعل انقلاب ٢٥ اكتوبر٢٠٢١ لم تكن استثناء حيث شهدت اعتقالات لقادة الحكومة المدنية وتحالف قوي الحرية والتغيير فى ظروف أحاطت بها فقر بيئة الاعتقال التعسفي، وهو ما يثبت أن نسق التفكير المرتبط بغياب السياسات يشكل سمة مستمرة فى المشهد.
ذات السجل عزز من سؤال حال دور الانتظار داخل المنشآت العقابية والخدمات الصحية، فقد كشفت جارئحة كورونا غياب التنسيق بين مصلحة السجون و النائب العام، وزارة الصحة، الداخلية حيث تعرض العديد من الحالات العدوى والإصابة وانتهى بعضهم بمفارقة الحياة
غياب السياسات لا تزال تباعد النظر من اصلاح ببيئة الاحتجاز ومكانها فى اجندة الأولويات لأنها عنوان للعدالة وسيادة حكم القانون هو ما أثبتته وسائل الإعلام التي تغطي وقائع محاكمة محمد ادم توباك وآخرين فى قضية مقتل العميد الشرطة، مما جعل قاضي المحكمة الموقرة يوجه النيابة المختصة بفتح بلاغ فى مدير سجن كوبر الاتحادي لعدم تنفيذه أوامرها، فلولا الاهتمام الإعلامي بالقضية وكونها جاءت فى فترة انتقالية نسبية لحال بينها والإعلام مقص الرقيب وادواته،إذن ماهي ظروف الاحتجاز للآخرين فى الحالات الجنائية والمدنية؟ هذا يقود إلى فتح ملفات ارتبط بفترة السلطة السابقة وهي كثيرة تجربة مقايضة عقوبة السجن مقابل المشاركة فى القتال فى الحرب الأهلية فى جنوب السودان فى مواجهه الحركة الشعبية آنذاك بالقتال قد لا يمكن الوقوف على مثلها فى التاريخ الحديث المرتبط لنشأة الدول ، حيث حملت المقايضة تخفيض عشر سنوات من السجن مقابل سنة من المشاركة فى الحرب الجهادية، يتطلب بالضرورة تستدعي التحقيق و المحاسبة والتعويض على الاقل لأنها رسخت للقتال المرفوض ضميريا لدى البعض .
بحثت عن الإصلاح للمنشاءات العقابية ودور الانتظار والاحتجاج فى ثنايا مسودة دستور لجنة التسيرية للمحاميين التي قضي القضاء السوداني بإعادة النقابة السابقة مكانها فلم أجد ما يرتقي لواقع الحال، فيبدو أنه الذاكرة كما أشرت تسيطر عليها الرؤية السياسية والحزبية للأحداث في ظل استمرار محنة غياب السياسات التي كلما لاح افق لتسوية اطل وسطائها تارة بتكريم شخصيات فى السلطة وتارة أخري بالسعي علنا بمقترحات لموانئ جديدة ومشاريع تصب فى مصالح فردية ودولية دون خشية أو مواربة أو حتى مجرد التفكير فى المصلحة العامة .
ختاما: المصلحة العامة تقتضي البدء بإصلاح المنشاءات العقابية وبيئتها فربما قد تتغير فلسفتنا فى النظر إلى قيمة وكرامة الإنسان السوداني بما يدفع إلى تعميد النظر نحو فلسفة لصون الكرامة والعدالة وإصلاح الإرث المرتبط بسجل سلب الحريات وتعزيز النظر نحو الوطن عبر حزم منهج السياسات لتعليم من ترسيخ المصلحة العامة قبل التفكير فى الأنا وتخصيص الموارد للأفراد والحلفاء الدوليين فهاهو الحال رغم الفارق الزمني ان ما بين ظهور البشير مبتسما فى قصة قميص ميسي الرياضي, تكريم مفوضية حقوق الإنسان، وتسريبات ميناء ابوعمامة يبصم بأن جرأة الوسطاء تجاوزت مخرجي افلام الاكشن .