بقلم عبدالله ديدان
العملية السياسية التي تبلورت ملامحها في الاتفاق الاطاري، الذي تم التوقيع عليه في الخامس من ديسمبر ٢٠٢٢، بين الحرية والتغيير – المجلس المركزي وقادة انقلاب ٢٥ اكتوبر العسكري، واضح انه بات يعاني الكثير من المخاطر، علي الرغم من الدعم الدولي والاقليمي والورش التقديمية التي تمت لمخاطبة بعض القضايا الكبيرة مثل تفكيك التمكين وقضية شرق السودان، يمكن اجمال هذه المخاطر في النقاط التالية:
– قادة انقلاب ٢٥ اكتوبر من جانب عسكريي القوات المسلحة لا يرغبون في ترك السلطة ويريدون الاستمرار في الحكم عن طريق الانقلاب مستهلمين تجربة الجنرال البشير ومدعومين بفلول المؤتمر الوطني وفصائلها الايدلوجية الجهادية وكتائب ظلها الدموية، لذلك الان يحاولون الالتفاف علي مجمل العملية السياسية، مفتعيلني صراعا مع قائد الدعم السريع الداعم للاتفاق الاطاري والراغب في ايجاد مخرج سياسي لتسوية تاريخه المتسم بالعنف والمليء بالانتهاكات، مثله مثل قادة الانقلاب الاخرين.
– فلول نظام المؤتمر الوطني البائد وكتابه العسكرية وتحالفاته القبلية وجيوبه السرية، يفكرون باستمرار علي تفجير الوضع امنيا لقطع الطريق امام العملية السياسية الجارية.
– بعض القوي الحاملة للسلاح وحلفائها فيما يعرف بالكتلة الديمقراطية، فمصالحهم في السلطة تتعارض مع ماجاء في الاتفاق الاطاري، وفعليا لا يرغبون في انتقال ديمقراطي حقيقي، يفتح افقا للتنافس السياسي حول السلطة بارادة شعبية وجماهيرية، ستنتج قيادة جيادة تسحب البساط من تحت ارجلهم، لذلك الوضع الانقلابي الحالي، يشكل بيئة مناسبة لهم للبقاء في السلطة دون جهد سياسي معقد بالنسبة لهم للوصول الي السلطة عبر عملية ديمقراطية حقيقية.
– تفكك قوي الثورة وقوي الانتقال الديمقراطي وعدم قدرتها على التوافق حول مباديء وآليات ازالة الانقلاب والمضي قدما فى تعبيد الطريق نحو الانتقال الديمقراطي، الشيء الذي وفر للفول والانقلابيين وشركائهم، فراغا كبير يستغلونه الان لاجهاض العملية السياسية والتملص من بنود الاتفاق الاطاري والتلاعب بالجميع حتي ولو عبر صناعة حرب مدن مع الدعم السريع.
هذه المخاطر كحزمة، يمكن ان تقود الى سيناريوهات خطيرة على وحدة واستقرار السودان، فاما حرب اهلية شاملة او استمرار انقلاب ٢٥ اكتوبر، مستعيدا سلطة فلول المؤتمر الوطني وكتائبه بالتحالف مع القوي التى ليست لديها مصلحة فى الانتقال الديمقراطي، لمجابهة هذه المخاطر، لابد من الحوار الموضوعي والواقعي بين القوي الثورية ممثلة في قوي التغيير الجذري، لجان المقاومة، حركتي عبد العزيز الحلو وعبد الواحد نور وقوي الحرية والتغيير القائدة للعملية السياسية الحالية، بغرض توحيد الصف الوطني، المؤمن بالانتقال الديمقراطي وازالة انقلاب ٢٥ اكتوبر وقطع الطريق امام عودة الفلول وضمان وحدة واستقرار السودان، هذه القوي تتباين رؤيتها وادوات عملها لصناعة التغيير، لكن المتفق حولها كل هذه الادوات، هي الوسائل الوحيدة لاسقاط الانقلاب وتبعاته والمخاطر الناجمه عنه حال استمراره، فادوات التغيير الثوري تترواح مابين، الفعل الثوري الشعبي اليومي، الكفاح المسلح والتفاوض السياسي، اذ يعتمد ذلك على سياق الصراع في السودان حاليا وطبيعة تعقيداته والفرص المتاحة امام كل اداة من تلك الادوات، ففي حالتنا الراهنه، كل هذه الادوات مطلوبة، اذ لا يمكن تحقيق التغيير الجذري الذي ننشده لاستقرار السودان بأداة واحدة فقط، حسب تعقيدات الواقع السياسي، الاجتماعي والامني.
هنالك تحدي آخر، يواجه اكمال العملية السياسية وهو تحدي داخلي لتحالف قوى الحرية التغيير – المجلس المركزي، يتمثل فى اختيار رئيس الوزراء الذي سيقود الفترة الانتقالية القادمة حال نجاح العملية السياسية الجارية، خصوصا وان بنود الاتفاق الاطاري، وضعت فى يد رئيس الوزراء سلطات جوهرية لاستعادة المسار الديمقراطي والاصلاح المؤسسي وتكملة عملية السلام، فلابد من قراءة ذلك برؤية اكثر عمقا من مجرد اختيار اي احد ليكون رئيسا لوزراء الفترة الانتقالية المنتظرة، ويجب اخضاع عملية اختياره لمعايير تتوافق مع المطلوب منه انجازه وان يحظى بالقبول الاجتماعى والشعبي وليكون ذلك ممكنا، فلابد ان يكون من خارج كل القوي السياسية بمختلف تكتلاتها وتخالفاتها، حتى يستطيع ان يعبر عنهم جميعا، بعيدا عن الصراعات السياسية وتجاذبات مراكز القوي، بمعنى انه رئيس وزراء للشعب السوداني لاداؤ مهام محددة بأجل الفترة الانتقالية، على ان تتفرغ القوي السياسية لاعادة بناء نفسها وملء الفراغ السياسي واسناد رئيس الوزراء وحكومته، عبر العمل السياسي الرامي لتحقيق الانتقال الديمقراطي.