تحقيق ــ نيالا ــ مصطفى حسين – الهادي حسن
تحوز العديد من التساؤلات على اذهان غالبية الشعب السوداني، ولا سيما المواطنين بالولايات؛ والتي تأتي احيانا كثيرة مقرونة بثورة ديسمبر وما تبعها من ظروف اثرت على مجريات الحياة العامة المتردية يوما بعد يوم. افرزت الثورة العديد من الصراعات بين مكونات شتى وعلى خلفيات متباينة شكلا ومتسقة مضمونا بحساب الخاسر في معترك الثورة (اتباع النظام البائد)، الذين افرغوا جام غضبهم في المشاكسة وخلق الصراعات التي من شأنها ان تؤثر سلبا على المواطن المغلوب على امره. فنجدهم تارة يلجأون للدين (الستر التاريخي) أو القبيلة (الملجأ التقليدي) تارة اخرى، لتحوير معاركهم السياسية لتبدو اجتماعية البنيان. هذا ما قاد اللجان الشعبية القديمة للتصارع مع لجان التغيير والخدمات ـــ البديلة لها ـــ في عهد الثورة بعدد من المدن والولايات.
اتهام، فساد ومشاكسة
شهدت ولاية جنوب دارفور منذ العهد البائد فسادا وتلاعبا بالاراضي السكنية بمحلية نيالا شمال (حي الفتيحاب)؛ بواسطة اللجنة الشعبية بالحي في عهد الانقاذ. وتفيد المعلومات الواردة لــ (سلاميديا) ان التلاعب تم في عملية اعداد كشوفات الحصر لتحديد المستحقين وغير المستحقين تمهيدا للشروع في تخطيط الحي وتحويلة من سكن عشوائي الي درجة رابعة؛ وهنا كانت بداية الخلاف بين اللجنة الشعبية القديمة ولجنة التغيير والخدمات حديثة التكوين. بادرت اللجنة الشعبية بتقديم طعن اداري في ذات الكشوفات التي اعدتها في السابق، والتي آل امر متابعتها للجنة التغيير والخدمات في عهد الثورة، وبالمقابل اتهمت لجنة التغيير والخدمات في شكوى دفعت بها لامين عام حكومة ولاية جنوب دارفور في شهر يونيو 2022م ــ والتي تلقت (سلاميديا) نسخة منها ــ اتهمت رئيس اللجنة الشعبية بحي الفتيحاب، المدعو عوض محمد حسن واعوانه بالفساد وتعطيل عملية تخطيط الحي لقرابة الـ (15) سنة وتلقيهم مبالغ مالية من المواطنين بالحي وخارجه بحجة تمليكهم اراضي سكنية.
ومن جانبه نفي عوض محمد الحسن تهم بالفساد ضده واعوانه، موضحا ان الطعن الاداري الذي تقدموا به لم يعنوا به الكشوفات التي اعدوها في السابق؛ وانما على اساس اضافة (100) شخص للكشوفات بواسطة لجنة التغيير والخدمات لاشخاص ليسوا من سكان الحي. وبحسب مصادر ضليعة بالامر، ان عوض محمد حسن، عمد على تأليب المواطنين على لجنة الخدمات والتغيير قائلا: “عايزين ياكلوا قروشكم ودي حكومة انتقالية لاتستطيع ان تملككم اي قطعة أرض”. لم ينكر عضو لجنة التغيير والخدمات احمد مرحال حقيقة انهم طالبوا مواطني الحي المستحقين بدفع مبلغ (3000) ثلاثة الف جنيه سوداني، كرسم لتسيير عمل اللجنة، ومن ثم الغت لجنة التغيير والخدمات الرسم بعد عملية التحريض من قبل رئيس اللجنة الشعبية، والذي وصل حد الدفع بعريضة امام نيابة المال العام (لم تكلل مساعي سلاميديا بنجاح للحصول على اي معلومات او افادة بشأن العريضة والطعن الاداري).
ادى استمرار المشاكسات بين اللجنتين الى حرمان بعض المواطنين من الاستمتاع بحقهم في السكن لعدم اكتمال عملية تخطيط الحي؛ الى ان تدخل المدير التنفيذي لمحلية نيالا شمال وامر بتكوين لجنة عريفين من الطرفين (اللجنة الشعبية ولجنة التغيير والخدمات) بالاتفاق مع إدارة الاراضي لاستئناف توزيع قطع الاراضي المتبقية على المتضررين من فتح الشوارع.
امانة الحكومة ومحلية نيالا شمال
تواصلت احتجاجات اللجنة الشعبية وداعميها بإغلاق شارع المطار بمدينة نيالا، مطالبين بحل لجنة التغيير والخدمات. وقال معاوية عبدالله ــ احد المناصرين للجنة الشعبية ــ في تصريح لسلاميديا، انهم خاطبوا الحكومة لحل اللجنة بحجة ان تكوينها لم يكن عبر جمعية عمومية، مدعيا ان لجنة التغيير اخطتفت ملف الاراضي. على اثر تلك الاحتجاجات والمشاكسات والمطالبة بوقف مراجعة عمل الاراضي في فترة ماقبل الثورة، تواصل المدير التنفيذي لمحلية نيالا شمال مع المحتجين ووعدهم بحل لجنة التغيير والخدمات، كذلك وعدهم الوالي بحل لجنة التغيير ومن ثم حول الملف لنائب امين عام الحكومة، ولم يتم الفصل الامر. وكشف أمير محمد عضو لجنة التغيير والخدمات عن تناقض نائب امين عام الحكومة الذي ادعى حل اللجنة؛ بينما لايوجد مايفيد بحل اللجنة التي ظلت مواصلة لعملها. وتابع أمير ان امين عام الحكومة فشل في حل المشكلة بعد تسلمه الملف وقال:”جلسنا معاه فى إجتماعات عديدة من دون فائدة في كل مرة يقول ان المشكلة سوف تتحل إلى أن تم إرجاع الملف إلى محلية نيالا شمال مرة أخرى”
وفي حديث مع (سلاميديا) اوضح نائب امين عام الحكومة بولاية جنوب دارفور ابوالقاسم محمد احمد بان طرفي النزاع (لجنة التغيير والخدمات – اللجنة الشعبية السابقة) يمارسون الكذب على بعضهم الاخر، وان لا علاقة لهم بعمل الاراضي “قلنا لهم لجنة التغيير والخدمات ليس لها أي علاقة بعمل الأراضي”.
سبب المشكلة
افصح المدير التنفيذي لمحلية نيالا شمال ابوسفيان عبدالله محمد ان العمل في تخطيط الحي كان يسير بصورة طيبة إلى أن تقاطعت مصالح لجنة التغيير والخدمات، اللجنة الشعبية ومجموعة من القوات النظامية؛ ادت الى توقف العمل، مما تسبب في إنقسام وسط سكان الحي على بعضهم وتبادلوا اتهامات تعطيل عملية التخطيط. وتطور الامر حتى قيام اللجنة الشعبية بإغلاق شارع المطار، ما ادى لتدخل لجنة أمن المحلية للوقوف لإيجاد حل للمشكلة. وعبر أبوسفيان عن تفاجئهم بتحويل الملف إلى نائب أمين عام الحكومة “كمحلية وقفنا وماعندنا دخل بالموضوع مادام تم تحويله”؛ في اشارة الى توجيه الوالي بتكوين لجنة تغيير وخدمات جديدة تشمل المجموعتين مع تمثيل للنساء. وحمل أبوسفيان رئيس اللجنة الشعبية عوض بالتسبب في كل المشاكل، وذلك لان لجنته هي المسؤولة عن إعداد كشوفات الحصره وقتها، واتت لاحقا وطعنت ضد نفس الكشوفات التي حصرتها.
مرجعية إدارة الأراضي
تعتمد إدارة الاراضي بولاية جنوب دارفور على قرارات لجنة الاستئنافات فيما يخص منح الاراضي لمستحقيها. وقال مدير عام الاراضي بالولاية عبدالمنعم آدم أزرق (لسلاميديا)، أنهم يعتمدون على قرار لجنة الاستئنافات لإستبعاد بعض الطعون التي تقدمت به مجموعة من حي الفتيحاب “منحناهم أسبوعين للإتفاق فيما بينهم، وفى حالة لم يصلوا إلى اتفاق ستقوم إدارة الأراضي باعتماد الكشوفات المرفوعة وإكمال التعاقد وإجراء القرعة لبقية القطع المحجوزة البالغ عددها 300 قطعة من أصل 537 قطعة بمربع52/ي”، ووجه عبدالمنعم الجهات المتضررة بالذهاب إلى محكمة الطعون الإدارية.
تجدر الاشارة ان حي الفتيحاب هي المساحة الوحيدة غير الممسوحة بمدينة نيالا، وعليه قام المواطنون بمخاطبة المجلس التشريعي والذي بدوره قام بمخاطبة وزارة البنى التحتية والتنمية العمرانية في العامين 2004 – 2005؛ الا ان الوزارة لم تسجل زيارة ميدانية الا بعد عامين (2007) لتحديد صلاحية الارض للسكن من عدمه، وذلك وفقا لما صرح به أحمد مرحال لسلاميديا.
تم تتقدير المساحة الكلية للحي بــ (850) قطعة وبحسب حديث مرحال تم رفع الطلب لما يصل لــ (1000) قطعة. بدأت الإجراءات إلى إن تم التصديق فى العام 2010. واوضح مرحال ان ثمة عقبة واجهت عملية اكمال إجراءات مسح الحي في بداية الامر لعدم وجود شعبة أساس بالمنطقة (شعبة الاساس هي مجموعة تكون من كوادر المؤتمر الوطني الحاكم إبان عهد البشير)؛ وفي العام 2010 تم تكوين شعبة الاساس ومن ثم تكونت اللجنة الشعبية بعدها لتتولى عملية الحصر ودراسة المستحقين؛ الا ان العمل توقف فجأة لمدة سبع سنوات ولم يباشر حتى انتصار ثورة ديسمبر حيث استؤنف العمل فيه في العام 2021.
شملت الدراسة والحصر حوالي الـ (969) أسرة فى 2010، واكثر من (800) اخرى فى 2013، ما جاء في افادة عوض محمد حسن رئيس اللجنة الشعبية آنذاك “قمنا برسم الكروكي فى الاتجاه الغربي امتداد 16ك بالإضافة إلى كروكي ثاني وتم رفع كروكي ثالث في مربع 52/ي”.
نشأة الحي
دفعت ظروف الحياة حوالي سبع اسر اللجوء للسكن بتلك الرقعة التي لمم تتوفر فيها ادنى مقومات العيش الكريم، وشيئا فشيئا توافد السكان واخذوا يبحثون عن امكانية إصلاح امرهم وتوفيق اوضاعهم ليصبح مكانا افضل للعيش. وقال احمد مرحال “تقدمنا بطلب إلى المجلس التشريعي من أجل تقنيين الحي لكنهم رفضوا بحجة ان المكان غير صالح للسكن”. طلبت السلطات من السكان اصلاح الارض اولا ، حيث كانت عبارة عن حفر يأخذون منها التراب لعمل الردميات بالمدينة.
لم يكن سكان حي الفتيحاب من النازحين، كما هو الحال في كثير من المساكن العشوائية بإقليم دارفور، بل انه تكون من سكان مدينة نيالا الذين اجبرتهم الظروف على السكن العشوائي وذلك وفقا لما افاد به آدم احمد رئيس لجنة التغيير والخدمات.
ويرجئ المدير التنفيذي لمحلية نيالا شمال نشأة الحي لما يقارب 15 – 17 سنة، فبل بداية اجراءات إستيعابهم فى نفس المكان وتكوين لجنة العريفين من المحلية لتنظيم ومساعدة إدارة الأراضي، مؤكدا بدء الدارسة والحصر في العامين 2010 – 2013.
مرت أكثر من اربعة سنوات منذ إندلاع الثورة التي نادت بالحرية والسلام والعدالة، ولكن ما زالت التحديات ماثلة امام الدولة لتحسين حياة الناس كي يتمتعوا بحقهم في العيش بكرامة من خلال توفير السكن اللائق على انهم بشر وفق نص المادة 17 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “لكل فرد حق في التملك بمفرده او بالاشتراك مع غيره”؛ وتقع مسؤولية توفير السكن الكريم في السودان بصورة مباشرة على الحكومة ابتداء من المحلية مرورا بالولاية ممثلة في وزارة التخطيط العمراني وصولا لمصلحة الاراضي القومية.
الى متى تستمر معاناة العديد من نساء ارامل واطفال ايتام حي الفتيحاب في سبيل الحصول رقعة ارض يلتحفون ارضها؟ ألا يستحق المواطن السوداني ويلات الحروب والاهمال ان يعيش بكرامة الى ما ان يغادر هذه الفانية غض النظر عن التعقيدات والمشكلات التي ساهمت في هضم حقوقه؟