االنيل الازرق- الدمازين – اكرم عبد النبي

تتسبب الصراعات القبلية والعرقية والسياسية والدينية في السودان في توترات مستمرة، تعمق من الانقسامات بين المجموعات السكانية على نحو يمزق من ترابط النسيج الاجتماعي، ويدفع البعض إلى التحريض على الكراهية والتمييز والعنف ضد الآخرين، بما يزيد من اشتعال نيران الاحتراب. و ان مكمن الخطر في خطاب الكراهية هو في تأثيره الذي لا يقتصر فقط على الافراد و المجموعات، بل يتعداهما ليمتد ويؤثر على مجمل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لاي مجتمع، على اختلاف طبيعة السياق من مجتمع الى اخر.

وفي سياق اقليم النيل الازرق يبرز تأثير خطاب الكراهية تاريخيا في تركته المثقلة بمخلفات تجارب الحرب المتكررة منذ ثمانينياث القرن الماضي؛ ابتداءا باحداث سقوط الكرمك في ايدي قوات الجيش الشعبي لتحرير السودان 1987م،  مرورا بالحرب بين الجيش الشعبي ـ شمال و القوات المسلحة السودانية بعد انفصال الجنوب 2011م، ثم احداث العنف التي تلت انشقاق الحركة الشعبية ــ شمال في 2017م والاصطفاف القبلي المصاحب لذلك. و لم تكن هذه هى خاتمة المطاف للتنازع المسلح و الاقتتال في النيل الازرق، حيث نشب في شهر يوليو 2022م قتالا قبليا داميا؛ على خلفية صراع اجتماعي حول ملكية الارض و صلاحيات الادارة الاهلية و قوانينها. وقد تزايدت حدة الكراهية بالاقليم جراء الحرب الحالية بين الجيش السوداني والدعم السريع منذ 15 ابريل 2023م.

اليوم، اذا كانت قضايا الظلم و التهميش السياسي و قوانين ملكية الارض والحواكير وقانون الادارة الاهلية، بالاضافة الى الصراع الايديولوجي التاريخي بين نظام المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، علاوة على المصالح الشخصية و السياسية للافراد و المجموعات؛ هي معامل (من مفردة معمل) انتاج خطاب الكراهية تاريخيا في النيل الازرق، قبل حرب 15 ابريل 2023م، هل هنالك ثمة معامل جديدة لانتاج هذا الخطاب وترويجه الان؟

في هذا الصدد يفيد خبير الشئون الانسانية و السلام و التنمية بالنيل الازرق، مهندس/ منير إلياس، انه يمكن تسمية طرفي الصراع القوات المسلحة و الدعم السريع و مؤسسات الاعلام الرسمي للدولة، وبعض قيادات الادارة الاهلية، والفاعلين السياسين المنطلقين من خلفيات جهوية او عرقية، وبعض (الفنانيين)؛ باعتبارهم المعامل الحالية الاكثر نشاطا في انتاج و ترويج خطاب الكراهية بعد الحرب الحالية في النيل الازرق. ووصف م. منير، خطاب الكراهية في السودان بالهيكلي ـ المؤسسي الذي يتغلغل بنية مؤسسات الدولة و يلقي بظلاله على كافة المجالات. و اشار الى ان الحرب لعبت دورا محوريا بارزا في تزكية خطاب الكراهية من خلال الدعاية الاعلامية الحربية للطرفين بغرض مراكمة و تضخيم الاصطفافات بين معسكري الصراع ، على نحو انعكس سلبا على وحدة و لحمة المجتمع.

وفي ذات السياق، قال مستشار مجلس السلام باقليم النيل الازرق، الاستاذ/ اشرف حسن خضر، ان جميع الجهات التى تروج لخطاب الكراهية في النيل الازرق تجمعهم كراهية الثورة؛ معددا الجهات بفلول النظام البائد، القوات النظامية، المجموعات القبلية التي تم خداعها واستغلالها من قبل الفلول، والمثقفين وانصاف المثقفين المعادين للثورة. وذكر ان لهذه الجهات وسائل خاصة و متعددة في تصدير الخطاب التعبوي العاطفي المتلون والمتغير بتغير الظروف والاحوال، و الذي يعمل على استثارة العاطفة الدينية حينا و القبلية احيانا كثيرة ، معتمدا في ذلك على الاكاذيب التي تقف وراءها الة اعلامية قوية بدأت التحرك منذ سقوط البشير و لا تزال مستمرة حتى الان. و أبان اشرف ان آلتهم الاعلامية شديد القدرة في التاثير على البسطاء بالنيل الازرق بشلها لتفكيرهم و توجيههم كيفما تشاء؛ وزاد “ان توقف الحرب لا يعني بالضرورة انتهاء خطاب الكراهية لكنه قد يعني انحساره و انكماشه نسبيا” .

الا ان المك/ الفاتح يوسف حسن عدلان، ناظر عموم قبائل النيل الازرق، جاء برأي محالف، بان الحرب زادت بالفعل من خطاب الكراهية لكن انتهاءها لا يعني انتهاء خطاب الكراهية، حيث قال في معرض افادته (لسلاميديا) ان خطاب الكراهية له عدة محركات و محفزات قد تظهر بين كل حين و اخر بحسب الظروف و الاوضاع المتغيرة و المحيطة بالمجتمعات. واشار المك الى انه ثمة عوامل سياسية واقتصادية ساهمت في توليد خطاب الكراهية، مثل تركيز التنمية والخدمات في مناطق معينة على حساب المناطق الاخرى دون الاهتمام بايجاد خطط سياسية واقتصادية تحقق التساوي بين الجميع في الحقوق و الواجبات.

و على حد قوله، فان الدور الاكبر في المحاربة و القضاء على خطاب الكراهية يقع على عاتق الحكومة من خلال القوانين و ما يصاحبها من اجراءات و عقوبات رادعة من شأنها الحد من تداول ذلك الخطاب من ناحية، و في تحفيز التنادي بقيم التسامح و الانفتاح بين مكونات المجتمع من ناحية اخرى.

بالمحصلة؛ تتعدد و تتباين الاراء حول المعامل المنتجة لخطاب الكراهية في النيل الازرق بعد الحرب، و في طرق محاربة ذلك الخطاب. الا ان الجميع يتفقون في ان الحرب زادت من انتاج و انتشار خطاب الكراهية على نحو واسع و مخيف؛ يستدعي سرعة التحرك من كافة قطاعات المجتمع الفاعلة لمجابهته قبل ان يعيد الجميع الى براثن الاحتراب و يسلب الصغار حليبهم. فكيف السبيل؟