ليبيا – سعدية آدم
عقب اندلاع الحرب بالسودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع قبل عام في 15 أبريل/ نيسان 2023 نزح قرابة 6.6 ملايين شخص داخل البلاد فيما فر حوالي ميلوني فرد عبر الحدود إلى دول الجوار منها ليبيا ومصر وتشاد وجنوب السودان وأفريقيا الوسطى.
تعاني النساء بشكل خاص من وطأة الحرب إذ مثلن 53% من إجمالي حالات النزوح في البلاد، كما من المتوقع أن يتسبب العنف في إصابة البلاد بأكبر أزمة جوع في العالم؛ وستكون محصلتها وفاة 7 آلاف أم جديدة في الأشهر المقبلة إذا لم يتم تلبية احتياجاتهم الصحية والغذائية، وفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للمرأة. وتحتاج قرابة 150 ألف حامل نازحة إلى الرعاية الصحية اللازمة في الحمل وبعد الولادة وسط خروج 80% من المستشفيات عن العمل، إضافة إلى حوالي 6.7 ملايين سيدة تواجه مخاطر محتملة من العنف الجنسي، بحسب صندوق الأمم المتحدة للسكان.
الفرار إلى ليبيا بحثًا عن الأمان
دفعت تلك الأخطار النساء المخاطرة بحياتهن والفرار عبر الحدود وبعضهن تحرك دون معيل فكن هن المعيلات لأطفالهن وأسرهن في رحلة محفوفة بالمخاطر، واخترن التوجه نحو ليبيا عبر منطقة المثلث منطقة حدودية تربط ثلاث دول هي السودان ومصر ليبيا وهي منطقة عبور لمعظم اللاجئين السودانيين القادمين لليبيا ومنها إلى مدينة الكفرة حوالي 650 كيلو من المثلث حاملين معهم الكثير من الذكريات المؤلمة وقليل من الثقة والأمان بعد أن فقد معظمهن أزواجهن واصبحن بلا عائل.
يعيش 125 ألفًا و363 لاجئًا ومهاجرًا سودانيًا في ليبيا، وصل منهم قرابة 6 آلاف بعد الصراع الذي اندلع في 15 أبريل 2023، لتبلغ نسبة المهاجرين السودانيين في ليبيا 18% من إجمالي عدد السكان المهاجرين وهم ثالث أكبر مجموعة مُهاجرة في ليبيا، بحسب تقرير صادر عن المنظمة الدولية للهجرة في مارس 2024. وتمثل النساء قرابة 7% من المهاجرين وطالبي اللجوء في ليبيا، ولكن لا توجد إحصائيات لعدد النساء التي هربن إلى ليبيا بأطفالهن دون معيل لهم.
من جحيم الحرب إلى قسوة المعيشة
تختار النساء ليبيا كواجهة للهجرة لوجود مقر للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين، لكن بحسب العديد من النساء التي قابلهم المهاجر ذكرن أنهن منذ وصولهن لدولة ليبيا ظلوا على اتصال لقرابة الست أشهر أو يزيد يحاولن التواصل مع المفوضية عبر أرقام الطوارئ والواتساب المُعلن عنها لحجز مواعيد التسجيل، إلا أن محاولتهن باءت بالفشل بسبب عدم الرد أو عدم الوصول للأرقام المشار إليها.
ومن هؤلاء النسوة، مروة محمد الطيب، طبيبة، تبلغ من العمر 28 عامًا، فرت مروة من حي الأحياء في مدينة الفاشر (بولاية شمال دارفور) منتصف شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2023 بعد سوء حالتها النفسية إثر المشاهد التي رأتها أثناء عملها كطبيبة متطوعة منذ بداية الحرب.
تحكي مروة لـ المهاجر تفاصيل ما عنته في الفاشر قبل قرار السفر إلى ليبيا قائلة: قررت الخروج من السودان بسبب حالات الإصابة التي كانت تصل إلى مكان عملي، معظم الإصابات كانت بليغة من رصاصات وهجمات جوية عشوائية؛ تتسبب في عاهات مستديمة أما مدافع الآر بي جي والدانات والقنابل كانت تقطع الجثث إلى أشلاء، وأغلب الإصابات هي لنساء وأطفال وكبار السن.
“منظر تقشعر له الأبدان” هكذا وصفت مروة مشاهد الإصابات التي أصابتها بحالة من الخوف والهلع، وكل ذلك يحدث وسط انعدام الأدوية المنقذة للحياة.
الخروج من الفاشر
اتخذت مروة قرار الرحيل عن البلاد بعد قصف الطيران الحربي التابع للجيش السوداني المدينة، تحركت الأسرة دون ترتيب مُسبق إلى مدينة مليط 80 كم شمال الفاشر، في رحلة استغرقت يومين بدل ساعتين؛ بسبب تعطل السيارة في منطقة قريبة من معسكر قوات الدعم السريع.
وصلت مروة بصحبة ابنها البالغ من العمر عامين في ساعة متأخرة من الليل وبدأت رحلة البحث عن سيارة أخرى تقلهم من مليط لمنطقة المثلث الحدودية مع ليبيا.
تقول مروة ظللنا نبحث عن سيارة بسعر معقول لمدة 4 أيام كاملة؛ فالسائقين يُمارسن الغش والابتزاز وكل سائق يعرض أجرة بسعر مختلف عن الأخر، حتى استطعوا الوصول لسائق عرض عليهم أجرة تصل لـ 270 ألف جنيه سوداني للفرد الواحد.
تضيف: بعد سداد المبلغ تفاجأنا أننا حصلنا على مقعد واحد فقط وليس مقعدين كما تم الاتفاق، لكن صمتنا خوفا من عدم وجود بديل أفضل، وخرجنا من المنطقة صباح اليوم التالي.
6 أيام في الصحراء
قطعت السيارة الطريق بين مليط ومنطقة المثلث الحدودي 6 أيام بلياليها وسط برودة طقس ديسمبر وعدم وجود مياه كافية؛ لكثرة عدد الأفراد في العربة والذين وصلوا لـ 15 فردًا من الأطفال والنساء يجلسن في مساحة لا تسع أكثر من 10 أفراد، بحسب ما ذكرته مروة.
في منطقة المثلث بدأت عملية الحصر والتسجيل من محلية وادي حلفا للراغبين/ات في العبور تجاه ليبيا، تصف مروة الوضع قائلة: في المثلث بدأت رحلة أخري من المتاعب بعد حجز مقعد بـ 70 ألف جنيه سوداني للفرد الواحد، وبعد رحلة استمرت قرابة السبعة ساعات وصلنا مدينة الكفرة وفي بوابة الكفرة كانت هناك مطاردة للسيارة التي تقلنا مع ركاب آخرين مما أدى لانحراف السيارة عن الطريق وانقلابها، وأصيب الركاب بإصابات بالغة وتعرض أحد الأطفال لكسر في يده مع خوف وهلع وسط الأطفال داخل السيارة، وتم اسعافنا للمستشفى وخرجنا اليوم الثاني.
إلى المفوضية
في الكفرة جلست مروة 4 أيام حتى استخرجت الكارت الصحي الذي تصدره إدارة الهجرة غير الشرعية في ليبيا للتأكد من خلو المهاجرين وطالبي اللجوء من الأمراض، ثم حجزت سيارة أخرى لطرابلس حيث واجهتهم الاساسية مقر مفوضية اللاجئين، استغرقت الرحلة 48 ساعة وسط سقوط أمطار ودرجة حرارة أقل من 15 درجة مئوية، كما تعرضن لعمليات تفتيش اضطرهم للنزول من السيارة.
وصلت مروة طرابلس وسكنت مع أحد أقربائها، وتجد صعوبة في إيجاد سكن مناسب بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات، وتقول مروة “ليبيا بالنسبة لي حاليا منطقة آمنة لي ولي ابني، لكن نعاني من غلاء المعيشة والايجار وعدم توفر ومحدودية فرص العمل للنساء”.
لا أوراق ثبوتية
لم تكن حظ نضال أحمد، مهاجرة سودانية في ليبية، والبالغة من العمر 30 عاما، افضل حالا من مروة، تقول إنها أتت وعائلتها إلى ليبيا بعد معاناة استمرت قرابة 15 يوما في الصحراء بعد أن تاهت بهم السيارة في الصحراء حتى وصولهم لمدينة الكفرة.
تجلس نضال وأسرتها الآن في طرابلس منذ 10 أيام تقريبًا، حاولت خلالها التواصل مع المفوضية لبدء إجراءات اللجوء لكن الحظ لم يحالفها حتى كتابة التقرير، تُناشد نضال المفوضية بإيلاء مزيد من الاهتمام باللاجئين السودانيين حتى تستطيع الحصول على الحماية والوثيقة للتحرك والبحث عن العمل لعدم وجود هويات إثبات لديها بعد أن فقدت كل مستنداتها في السودان أثناء رحلة النزوح الطويلة داخل السودان قبل الخروج منه.
“أعاني نفسيا من تأثير الحرب حيث كنت فى الخرطوم بالمهندسين وتعرضت للتهديد حيث من قبل إرتكاز يتبع لقوات الدعم السريع أمام الشقة التى أقيم فيها أنا ووالدتي”. هكذا بدأت أمل عبدالله
حديثها لـ المهاجر. كانت أمل مقيمة في منطقة المهندسين في أمدرمان بالعاصمة الخرطوم واتخذت قرار بالرحيل بعد التهديد الذي طالها وأسرتها من ميليشيا الدعم السريع.
في يوم 19 أبريل 2023 والموافق 28 رمضان وبعد حوالي 5 أيام من اندلاع الصراع تحركت على الطريق إلى مدينة الفاشر شمال دارفور وفي تلك الرحلة تعرضت لخطر النهب المسلح حتى وصلت للفاشر، كان وقتها استولى الدعم السريع على الطريق ونشر ارتكازته التي أغلقت شوارع المدينة ونشر القناصة على أسطح الغرف والمنازل، وبدء الطيران الحربي في القصف العشوائي الذي استهداف المنزل، وتسببت إحدى القذائف في اندلاع حريق قضى على جزء من منزل أمل الذي كانت تقيم فيه في شمالد دارفور.
تحكي أمل اضطررت لترك شمال دارفور وتحرك باتجاه مدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة بمساعدة “الخيرين” الذين أمدوها بالمال اللازم للسفر، ولكن عقب اجتياح مدني من قبل الدعم السريع في 15 ديسمبر 2023، نزحت مرة أخرى إلى القضارف ثم إلى كسلا، ومنه مرغمة إلى دولة ليبيا حيث تعرضت لحادث أدى إلى كسر كاحلى اليسار وما زلت تحت العلاج وبدون عمل وبدون حماية كلاجئة ومعرضة للخطر تحت أي لحظة