تقرير سلاميديا

صاحبت الحرب السودانية الحالية بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع عدة عمليات اعتقال، احتجاز، إختفاء قسري من قبل أطراف الحرب؛ طالت عدداً كبيراً من المدنيين في مختلف أنحاء البلاد، بذريعة الاتهام بالتعاون مع أحد أطراف الحرب.

وأبدى السيد، رضوان نويصر، خبير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان المعني بالسودان، قلقه من تدهور حالة حقوق الإنسان في السودان. وقال نويصر في بيان صحفي، صادر عن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إنه حث السلطات خلال زيارته للسودان مؤخراً، على اتخاذ إجراءات عاجلة في أربعة مجالات من بينها: وقف الاعتقال والاحتجاز التعسفي للأشخاص، بما في ذلك نشطاء المجتمع المدني؛ وضمان محاسبة جميع الضالعين في انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان.

وقال السيد، فولكر تورك، مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان بمناسبة مرور عام على الحرب في السودان “منذ اندلاع القتال في 15 أبريل 2023م، تعرض كثيرون من المدنيين للإخفاء القسري والاعتقال التعسفي، فضلاً عن وجود تقارير مثيرة للقلق حول ممارسة التعذيب بحق هؤلاء من قبل كلا الطرفين”. وأدان المفوض السامي الاعتقالات التعسفية والاحتجاز والتهديد والترهيب ضد ممثلي المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين وغيرهم.

الاعتقالات في دارفور

من خلال الرصد والبحث الذي أجراه فريق سلاميديا لإعداد هذا التقرير، فقد تبين أن الجهات التي تمارس عمليات الاعتقال والاحتجاز والاخفاء القسري في اقليم دارفور تعددت وفقاً لتعدد الجيوش والفصائل المسلحة في الإقليم؛ وذلك بعد انضمام عدد من الحركات المسلحة للقتال في صفوف القوات المسلحة، حيث شملت الاعتقالات الصحفيين والمحامين والناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان في منظمات المجتمع المدني، وامتدت لتشمل زعماء القبائل والنازحين والموظفين الحكوميين وغيرهم.

التضييق على الصحفيين

منذ اندلاع الحرب لقي نحو تسعة من الصحفيين السودانيين مصرعهم، وتعرض العشرات منهم للاعتقالات والتهديد. وبحسب نقابة الصحفيين السودانيين، فإن أكثر من 40 صحفياً تعرضوا للاعتقال والاحتجاز منذ اندلاع الحرب بعضهم من إقليم دارفور، كان من بينهم، أحمد جمام الذي تم اعتقاله بواسطة القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح بمدينة الفاشر، بينما اعتقلت قوات الدعم السريع الصحفيين عيسى دفع الله بنيالا، عبد العزيز عرجة بزالنجي، زمزم خاطر بمدينة الفاشر وانعام النور بمدينة الجنينة.

وأشار موقع سودان وور مونيتور إلى أن قوات الدعم السريع احتجزت المصور احمد عبد الحق في 30 أبريل 2024م من المدخل الغربي لمدينة الفاشر أثناء قدومه من مدينة كتم وعذبته حتى الموت.

اعتقالات المحامين والمعلمين

طالت الاعتقالات التي تمارسها أطراف الحرب في السودان عدداً من المحامين والمعلمين بولايات دارفور، ففي 2 مايو 2024م قالت لجنة المعلمين السودانيين، في تصريح صحفي إن قوات الدعم السريع اعتقلت الدكتور آدم إسحق إدريس، المعلم بولاية جنوب دارفور و اقتادته إلى مكان مجهول. وفي 3 أغسطس 2023م أورد راديو دبنقا نقلاً عن هيئة محامي دارفور قولها، إن قوات الدعم السريع اعتقلت رئيس فرعيتها بجنوب دارفور المحامي ادم شريف. وقالت الهيئة في بيان بتاريخ 2 مايو2024م، إنها منذ عدة أشهر مضت لم تتلق أي معلومات عن علي حسين اندنتود المعتقل لدى قوات الدعم السريع منذ 15 أبريل 2023م. وطالبت الهيئة بالكشف عن مكان اعتقال الخبير الحقوقي عبد الإله عبد القادر الحسن، مدير منظمة اليراع للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة. وأشارت في ذات البيان الى أن قوة من عناصر الدعم السريع اعتقلت كذلك مبارك عبد الله محمد أحمد من مكان عمله بموقف الجنينة بمدينة نيالا، ونقل ومعه آخرون إلى معتقلات فندق الضمان بحي المطار.

وفي منتصف مايو الماضي، اعتقلت استخبارات القوات المسلحة البروفيسور عبدالله موسى يعقوب مدير جامعة الفاشر، والدكتور عيسى داؤود رئيس مركز الدعوة والإرشاد والمصالحاتً بالجامعة وفقاً لصحيفة دارفور24

وقال دكتور فضل الغالي الأستاذ بجامعة نيالا ان استخبارات القوات المسلحة اعتقلته من موقف الجنينة في مطلع أكتوبر 2023م، وقضى 20 يوماً متنقلاً في عدد من المعتقلات داخل قيادة الفرقة 16 مشاة، وأوضح الغالي في تسجيل فيديو حصل عليه موقع سلاميديا أن عددهم في غرفة واحدة كان 68 معتقلاً توفي ثمانية منهم داخل المعتقل.

اعتقالات الناشطين

نفذت استخبارات القوة المشتركة للحركات المسلحة، في يونيو 2024م حملة اعتقالات واسعة طالت قادة سياسيين ومواطنين بمدينة الفاشر، بسبب الاشتباه في تعاونهم مع قوات الدعم السريع. وقال المحامي عبد العزيز سام في رسالة وجهها لقائد حركة تحرير السودان مني اركو مناوي، بتاريخ 22 يونيو2024م إن استخبارات حركة تحرير السودان اعتقلت البرلمانية السابقة والناشطة الحقوقية سهام حسن حسب الله. وكما اعتقلت القوة المشتركة، الموظف بحكومة شمال دارفور والقيادي بالحركة الشعبية شمال قيادة مالك عقار، محمد عبد القادر جلاب.

وفي 23 يوليو 2024م أجرت صحيفة دارفور24 مقابلات مع معتقلين سابقين بواسطة القوة المشتركة للحركات المسلحة بمدينة الفاشر، حيث قال مهيمن يوسف، انه أمضى 47 يوماً معتقلاً بالمقر السابق لبعثة (يوناميد)، وأنه شهد وفاة سبعة من المحتجزين معه في الغرفة بسبب الجوع والمرض والتعذيب. فيما أفادت عائشة آدم أحمد، وهي مواطنة من الفاشر، إن اشخاصاً يرتدون زياً مدنياً ويستغلون سيارات عسكرية اعتقلوا زوجها من منزلهم بحي النصر يوم الجمعة 17 مايو 2024م واقتادوه إلى جهة مجهولة.

وأوردت صحيفة دارفور24 نقلاً عن أحد عناصر الشرطة بمدينة الفاشر، قوله إن القوة المشتركة اعتقلت زميله مساعد شرطة عبد المعز جمال الدين، الذي يعمل في الجوازات والهجرة بشمال دارفور من منزله بحي درجة أولي في يونيو 2024م، واقتادوه الى المعتقل ليموت جراء تعرضه للتعذيب. وروت مكينة أحمد، أن القوة المشتركة التابعة لحركات الكفاح المسلح اعتقلت ابنها ليتم إطلاق سراحه لاحقاً بعد وساطة عدد من أعيان الفاشر، بينما لم يتم اطلاق سراح شقيقها يوسف أحمد، وانقطعت أخباره عن الاسرة.

وقالت مصادر وفق صحيفة دارفور24، إن 34 محتجزاً لدى قوات الدعم السريع تمكنوا من الفرار بعد اعتقالهم من الأحياء الشرقية الجنوبية بالفاشر في فترات متفرقة منذ اشتداد المعارك في العاشر من مايو الماضي.

وقال الناشط المدني، عثمان يوسف لـ صحيفة دارفور24، إن قوات الدعم السريع اعتقلت كل من علي الطاهر محمد جابر، محمدين الزاكي خوف، الطيب الجميل، يوسف داؤود و33 آخرين بمدينة برام بسبب اتهامهم بالموالاة للقوات المسلحة ورفضهم الاستنفار لصالح قوات الدعم السريع.

وقالت صحيفة سودان وور مونيتور، إن قوات الدعم السريع بمدينة نيالا اعتقلت ما يزيد عن 80 شخصاً خلال أسبوعين بتهمة الموالاة للقوات المسلحة. وأشارت وفقاً لمصادر من نيالا الى ان الاعتقالات استهدفت منسوبي الشرطة والجيش السابقين بهدف تجنيدهم في صفوفها، اضافة الى موظفين بالخدمة المدنية ومواطنين ليس لديهم صلة بالقوات النظامية.        

اعتقالات جهوية اثنية

وخصل فريق سلاميديا من خلال بحثه على حالة اعتقال واحدة بدوافع جهوية داخل اقليم دارفور حيث ذكر مواطن من الفاشر لـسودان وور مونيتور أنه تعرض لإحتجاز من قبل استخبارات القوات المسلحة بالفرقة السادسة مشاه لمدة أسبوعين في الفترة من الأول إلى 15 يوليو 2024م. وأوضح أنه تعرض لإساءات لفظية من منسوبي الاستخبارات العسكرية ووصمه بالتمرد لكونه ينحدر من منطقة كتم التي تسيطر عليها قوات الدعم السريع.

والجدير بالذكر ان هناك اعتقالات لأبناء دارفور في عدد من ولايات السودان التي تقع تحت سيطرة القوات المسلحة مثل نهر النيل وبورتسودان والقضارف بدوافع جهوية.

اعتقالات الظواهر السالبة

اعلنت الادارة المدنية التي شكلتها قوات الدعم السريع بجنوب دارفور، حالة طوارئ بمدينة نيالا، شنت بموجبها حملة اعتقالات طالت اعداداً من المواطنين. وقالت مصادر مطلعة لـدارفور24، إن الحملات التي طالت أسواق وأحياء المدينة تم خلالها القبض على مئات المواطنين لمخالفتهم أوامر الطوارئ الصادرة من الإدارة المدنية. وأعلن رئيس الادارة المدنية بالولاية محاكمة 37 متهماً بالسجن والغرامة لمخالفتهم أمر الطوارئ، بينما تستمر عمليات التحري لمحاكمة آخرين. ونقلت شبكة SBC عن أحد المعتقلين الذي أطلق سراحه، إن قوات الدعم السريع لا زالت تعتقل المدنيين والعسكريين تحت ذريعة محاربة الظواهر السالبة. وأضاف أن المكان الذي اعتقل فيه يوجد به أكثر من 100 معتقل، بتهم مختلفة وعليهم دفع مبالغ مالية وأداء قسم لكي يتم إطلاق سراحهم.

مواقع المعتقلات

تعددت مواقع المعتقلات لدى أطراف الحرب في دارفور، ووفق ما تحصل عليه فريق سلاميديا من خلال بحثه، ان الاطراف استغلت مراكز الشرطة، المقار الحكومية بجانب المقر السابق لبعثة يوناميد لأغراض الاعتقال. وفي مقابلات أجرتها دارفور24 مع عدد من المفرج عنهم ومقربين من بعض الضحايا الذين لقوا حتفهم في معتقلات مدينة الفاشر، قال مهيمن يوسف إنه تم احتجازه في المقر السابق لبعثة (يوناميد) والذي أصبح المقر الرئيسي لقوات الحركات المسلحة بالفاشر؛ وهو ما أكده أحد أفراد الشرطة في ذات المقابلات، أن القوة المشتركة لديها عدة معتقلات في الفاشر من بينها المقر السابق لليوناميد ومخيم زمزم بالإضافة إلى سجون أخرى في منطقة خزان قولو الذي يبعد تسعة كيلومترات غربي الفاشر.

وذكر عثمان عبدالله، أحد سائقي السيارات السفرية من مدينة الضعين لـ دارفور24، إنه جرى اُعتقاله من سوق المواشي بالفاشر بواسطة خمسة مسلحين، وتم واقتياده إلى نقطة تفتيش الصومعة، وحبسه برفقة آخرين في حاويات تضم الواحدة أكثر من 10 أشخاص. بينما أوضح أحد المفرج عنهم لسودان وور مونيتور أن قوة من الدعم السريع اقتادته منزله بنيالا إلى قسم شرطة السوق الشعبي بتهمة التعاون مع القوات المسلحة السودانية، قبل أن يتم تحويله إلى مقر استخبارات الفرقة 16 مشاه بوسط المدينة. كما أوضح مواطن تم اعتقاله بواسطة قوات الدعم السريع في موقف الجنينة بنيالا أنه تم احتجازه في مقر الشرطة الشعبية بحي المطار جوار الهلال الأحمر السوداني شرق إدارة شرطة المرور. بينما أشار أبو بكر عمر الذي أطلق سراحه بعد ثلاثة اسابيع من الاعتقال لدارفور24 أنه تم حبسه بمقر جهاز المخابرات العامة شرق مدينة نيالا. وقال معتقل تم الإفراج عنه لشبكة SBC بأنه اعتقل من السوق الشعبي بمدينة نيالا، وجرى اقتياده إلى موقع بحي المصانع شمال نيالا مكث فيه لفترة تقارب الشهر قبل أن يطلق سراحه لاحقاً.

وكشف مفرج عنه  لـدارفور24 علمه بوجود عدد من المعتقلات في أم القرى أكثر من 40 كيلو متر شمال غربي نيالا، سجن دقريس حوالي 20 كيلومتر غرب نيالا، أقسام شرطة نيالا وسط، شمال والجير، ومعتقل خاص بقيادات الإدارة الأهلية بمقر الدعم السريع بحي المطار ومعتقل الشرطة الأمنية غرب البورصة

ومما يجدر ذكره أن الحكومة الامريكية أشارت في تقريرها السنوي للعام 2023م، والخاص بحقوق الإنسان في السودان، أن أطراف الحرب في السودان مارست انتهاكات خطيرة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان. وبناء على المعلومات الواردة في التقرير قال وزير الخارجية أنتوني بلينكن إن أفراداً من القوات المسلحة وقوات الدعم السريع ارتكبوا جرائم حرب، وأن أفراد من قوات الدعم السريع والمليشيات المتحالفة معها ارتكبوا جرائم ضد الإنسانية وتطهيراً عرقياً.