تقرير: سلاميديا
في إقليم دارفور يموت الأطفال الذين يمثلون المستقبل ويرحل كبار السن حاملين معهم الذاكرة والتاريخ في حرب مستعرة تعدت الـ 485 يوماً بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع؛ مخلفة وضعاً إنسانياً وصفته المنظمات والوكالات الأممية بالكارثي. وقد أعلنت الأمم المتحدة والشبكة الأمريكية لأنظمة الإنذار المبكر للمجاعة، عن مجاعة في معسكر زمزم للنازحين في ولاية شمال دارفور. بينما أفادت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين بدارفور بأن ذلك الوضع يشمل 171 معسكراً جميعها شبيه بحالة معسكر زمزم الذي دخل حيز الكارثة. وتُعزى أسباب المجاعة إلى القتال الدائر بين الأطراف، وعرقلة وصول المساعدات، إلى جانب العوامل الطبيعية المتمثلة في موسم الأمطار. وقد نفت مفوضية العون الإنساني القومية وجود مجاعة بمعسكر زمزم. بينما حملت قوات الدعم السريع التي تسيطر على أربع ولايات من أصل خمس في دارفور؛ القوات المسلحة مسؤولية تلك المجاعة، بسبب منعها وصول المساعدات الانسانية إلى الإقليم والمناطق التي تسيطر عليها.
إعلان المجاعة
جاء الإعلان وفقاً لتقرير لجنة مراجعة المجاعة التابعة للأمم المتحدة، والذي أشار إلى أن الوضع في المعسكر- الذي يقطنه نحو 500 ألف نازح- سيستمر خلال الشهرين المقبلين. فيما قالت الشبكة الأمريكية لأنظمة الإنذار المبكر للمجاعة في التقرير المشار اليه ان معسكر زمزم للنازحين وصل إلى اﻟﻤﺮﺣﻠﺔ الخامسة حسب ﺍﻟﺘﺼﻨﻴﻒ المرحلي للأمن الغذائي، وهي مرحلة المجاعة أو ما تسمى بالكارثة. وتوقعت أن يكون ذات الوضع في معسكري أبو شوك والسلام للنازحين، لكنها أشارت إلى أن الأدلة اﻟﻤﺘﺎﺣﺔ محدودة وتقلل ﻣﻦ القدرة ﻋﻠﻰ ﺗﺄﻛﻴﺪ أو ﻧﻔﻲ هذا التصنيف. تواصل فريقنا مع محمد آدم عبد اللطيف عضو غرفة طوارئ معسكر ابوشوك والذي أكد وجود حالات وفيات (لم يعرف عددها) نتيجة لانعدام الغذاء في المعسكر، وأن النازحين يعتمدون على الوجبات التي تعدها غرفة الطوارئ بالمعسكر في المطبخ التكافلي، وأضاف “في حال توقف المطبخ إلى يومين أو أكثر فإن معظم الأسر تلجأ الى التسول في الأسواق والأحياء من أجل الحصول على الغذاء. بينما قالت المنسقية العامة للنازحين واللاجئين في دارفور- في بيان عقب إعلان المجاعة في معسكر زمزم- ان الوضع في جميع معسكرات النزوح البالغ عددها 171 معسكراً شبيهاً بالوضع في معسكر زمزم، وذكرت أن 20 الى 25 شخصاً يموتون يومياً في المعسكرات، وطالب البيان بتعميم إعلان المجاعة على كافة المعسكرات في دارفور. الأمر الذي أكده عضو غرفة طوارئ معسكر أبوشوك بقوله لسلاميديا أن هناك اعداداً من الأطفال وكبار السن توفوا في المعسكر بسبب انعدام الغذاء واصابتهم بسوء التغذية، فيما أكد عبد الرحيم ادم محمد من معسكر عطاش بمدينة نيالا وفاة 25 طفلاً في غضون الأشهر الخمسة الماضية جراء إصابتهم بسوء التغذية، وأوضح أن مركز التغذية الذي تدعمه منظمة كير يقدم علاج سوء التغذية للعشرات من أطفال المعسكر. ونقلت موقع صفر عن فريق المساعدات الإنسانية بمنظمة ألايت (Alight قوله أن أربعة أطفال يموتون يومياً في معسكر كلمة بجنوب دارفور بسبب سوء التغذية وما يرتبط بها.
بالبحث في التقارير الأممية والصحفية التي جمعها فريق سلاميديا فإن الأمم المتحدة قدّرت حدوث مجاعة في أجزاء واسعة من دارفور. كما أن تقرير الفريق التقني العامل في التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي- الذي أجرى تحليلاً لخطر المجاعة في 16 منطقة ومعسكر بدارفور- خلص إلى أنه خلال الفترة من يونيو 2024م إلى سبتمبر القادم سيكون أكثر من 430 ألف شخص في ولايات دارفور الخمس تحت المرحلة الخامسة (الكارثة).
رسم بياني يوضح مناطق المرحلة الخامسة من المجاعة في إقليم دارفور
اتهامات متبادلة بين أطراف الصراع
نفت مفوضية العون الإنساني- في بيان لها في الرابع من أغسطس 2024م- تقرير الشبكة الأمريكية لأنظمة الإنذار المبكر للمجاعة. وقال البيان “إن مفوضية العون الإنساني تكذب هذه الادعاءات” إلا أنها أكدت- في ذات الوقت- إن النقص في المواد الغذائية والمساعدات الإنسانية يعود للحصار المفروض من قبل قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر.
بينما اتهم الفريق أول، عبد الفتاح البرهان، قائد القوات المسلحة، خلال محادثة له مع أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، قوات الدعم السريع بالتسبب في مجاعة سكان معسكر زمزم. فيما حملت قوات الدعم السريع؛ القوات المسلحة مسؤولية المجاعة في إقليم دارفور لعدم السماح للمساعدات الإنسانية بالمرور إلى مناطق سيطرتها.
أسباب المجاعة
بحسب البيانات التي جمعها مركز سلاميديا فإن أسباب المجاعة في إقليم دارفور تتمثل في استمرار القتال بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، عرقلة وصول المساعدات الإنسانية بواسطة الحكومة، إضافة إلى العوامل الطبيعية المتمثلة في دخول (فصل الخريف). وقال نائب ممثل الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية توبي هارورد لموقع سودان تريبيون أن طرفي النزاع في السودان يشكلان العامل الرئيسي في وقوع المجاعة في دارفور. وسبق أن أعربت الولايات المتحدة عن قلقها إزاء القرار الذي اتخذته القوات المسلحة السودانية بحظر دخول المساعدات الإنسانية عبر الحدود التشادية، بجانب مضايقة العاملين في المجال الإنساني وعرقلة إيصال المساعدات المنقذة للحياة.
وأكدت مصادر تحدثت إلى سلاميديا من مدينة برام التابعة لولاية جنوب دارفور، أن موسم الأمطار أدى إلى إغلاق الطرق التجارية التي تربط المدينة بالمدن الأخرى وجمهورية جنوب السودان ما نتج عنه شح في الغذاء وغلاء في الاسعار.
كذلك تقع ضمن أسباب المجاعة المشاكل المتعلقة بالمعابر، حيث قال إيديم ووسورنو، مدير العمليات في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في جلسة مجلس الأمن “إن المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة جاهزة للشحن والإرسال إلى مخيم زمزم للنازحين بشمال دارفور، لكن الأطراف المتقاتلة لن يسمحوا لها بالمرور، ولم يعد بوسع العاملين في المجال الإنساني الوصول إلى إمدادات إضافية في شرق تشاد بعد أن غمرت الأمطار الغزيرة آخر طريق عبر الحدود سمحت به السلطات السودانية لنقل المساعدات عبر معبر الطينة، لإنقاذ الأرواح ومكافحة المجاعة”.
وفي السياق ذاته قال مايكل دانفورد، المدير الإقليمي لبرنامج الغذاء العالمي لشرق أفريقيا: “يجب أن نكون قادرين على استخدام معبر أدري الحدودي ونقل المساعدات من بورتسودان لنتمكن من الوصول إلى الناس في أنحاء دارفور”. علما بأن السلطات في بورتسودان سبق أن وافقت على مرور المساعدات الانسانية عبر معابر (الطينة، بورتسودان، حلفا، الرنك، اضافة الى مطارات الأبيض، كادوقلي والفاشر) ورفضت مرورها عبر أدري على الحدود التشادية.
الجهود الدولية
هنالك مساعي وجهود دولية منذ بدء الحرب؛ لكنها غير كافية لمواجهة خطر المجاعة في السودان، جاء ذلك على لسان توبي هارورد نائب ممثل الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الانسانية، إن المنظمة الدولية طالبت على عدة مستويات محلية ووطنية وعالمية بوصول غير مقيد إلى جميع الأشخاص الأشد ضعفًا، وحثت الأطراف المتحاربة على الالتزام باحترام القانون الدولي الإنساني. بينما ذكرت مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين أن الحاجة للتحرك بشكل عاجل بات أمراً حيوياً لتجنب المزيد من حالات الوفاة والمعاناة في السودان. وفي ذات السياق قال كارل سكاو نائب المديرة التنفيذية لبرنامج الغذاء العالمي، إن الوضع في السودان لم يحظ بالاهتمام الذي يستحقه، وأن هناك حاجة ماسة إلى بذل جهود دبلوماسية متضافرة والمزيد من الموارد لتعزيز الاستجابة الإنسانية. في الأثناء أشارت إيديم ووسورنو، مديرة العمليات والدعوة في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أن النداء الإنساني للسودان ممول بنسبة 32% فقط؛ حيث تلقى 874 مليون دولار من أصل 2.7 مليار دولار المطلوبة.
استناداً على الأدلة والبيانات التي جمعها فريق سلاميديا عن تفاقم المجاعة في دارفور، وإجمالاً، حددت «رويترز» 14 مقبرة في خمسة تجمعات سكنية في أنحاء دارفور توسعت بسرعة في الأشهر الماضية، وزادت المدافن المحفورة حديثاً في هذه المقابر بمعدل أسرع ثلاث مرات في النصف الأول من العام الحالي، مقارنة بالنصف الثاني من العام الماضي؛ وتمثل هذه المقابر مؤشراً على وقوع المجاعة. ويشير التحليل إلى زيادة غير متناسبة في المقابر المجاورة لهذه المعسكرات على وجه التحديد، مع ملاحظة نمو أسرع بنسبة 26% في زمزم بين منتصف ديسمبر 2023م وأوائل مايو 2024م، مقارنة بفترة مماثلة من العام الماضي. ووفقاً لمقابلات مع قادة المجتمع المحلي، فإن الأسباب الرئيسية للوفاة في المخيمات كانت سوء التغذية والأمراض المصاحبة له. ويظهر جلياً من خلال التحليل كيف تسبب منع وصول المساعمات الانسانية من الغذاء والدواء في إزهاق العديد من، الأرواح ولازال الحال في خاله.