سلاميديا: كمبالا
تقول حنان التوم إنها وصلت إلى العاصمة الأوغندية كمبالا قبل عام من الآن، ففي أواسط أغسطس 2023 قررت هي وزوجها الخروج من السودان، بعد أن تأكد لهما أن الحرب لن تتوقف قريبا.
وتضيف لـ”سلاميديا”: “اخترنا كمبالا لأنه لم يكن أمامنا أي خيار آخر، فمصر في ذلك الوقت أغلقت حدودها، ولم نكن نملك جوازي سفر، والبلد الوحيد التي تستقبل مثل حالنا كانت أوغندا”.
بعد مرور شهر على وجودهما في كمبالا، تقول حنان، تأكد لهما أن الحياة هنا أقسى مما يصوره البعض في مواقع التواصل الاجتماعي، لاسيما أنهما بلا مصدر رزق واضح، ويعتمدان بشكل محدود على إعانات الأهل على أمل حصول زوجها على فرصة عمل، وهو أمر صعب التحقق في كمبالا.
تتابع حنان قصتها وتقول: قررت أن أعمل لمساعدة زوجي، نعم نحن اثنان فقط وليس لنا أطفال بعد، لكنا أيضا بحاجة ماسة لـالمصاريف، ودفع الايجار وغيره.
جربت حنان بيع البخور، بعد أن تعلمت إعداده من “فيديوهات اليوتيوب”، وبمرافقة زوجها وزعت بضاعتها في محلات السودانيين، الذين – كما تقول – استقبلوها بترحاب لكن بعد شهرين أو ثلاثة توقف كل شيء وعادت هي وزوجها إلى نقطة البداية للبحث عن عمل ما، يساعدهما في العيش وينسيهما ألم الفقد والحنين.
تقول حنان: امتلأ السوق ببائعات البخور والعطور وبقية المستلزمات النسوية، وفهمت وقتها أن تجربتي تتكرر مع كل امرأة سودانية تصل جديدة إلى بلد اللجوء، إنهن يحاولن الكفاح ومصارعة ظروف الحياة الشاقة.. أما أنا وزوجي ففكرنا في بديل وكان مطعما لإعداد “الكوارع”.
فرن وباسطة
الشاب عزالدين الطيب، لاجئ سوداني وصل كمبالا بعد رحلة شاقة من مدينة نيالا في جنوب دارفور غرب البلاد. ولأنه كان يملك القليل من المال الذي تمكن بالخروج به من مدينته المشتعلة بالمعارك وقتها في أكتوبر من العام الماضي، قرر على الفور الاستثمار في مشروع تجاري.
وبعد أن أجرى تقييمًا على سوق الاستثمارات الصغيرة – كما يقول لـ”ـسلاميديا” – رأى أن يفتتح مخبزا لإنتاج “العيش السوداني”، والحلويات مثل الباسطة والبسبوسة.
يقول عزالدين: نجح المشروع في البداية، فأعداد السودانيين، كل يوم في تزايد، وموقع تجمعهم الرئيسي منطقة “آروا بارك” في قلب التاون بكمبالا حيث أسست مخبزي.
ويردف بالقول: مضى الآمر جيدا وحققت أرباحا ممتازة حتى أنني بدأت أحول أموالا لأهلي في نيالا، لكن فجأة انتبهت إلى أن المنطقة من حولي امتلأت بالمخابز، ثم توسع الأمر لأكتشف أن المخابز السودانية غزت جميع الأحياء في كمبالا، فحيثما يوجد سودانيون هناك فرن… “بار الرغيف” يقول عزالدين، ويضيف بحسرة: “الأوضاع غير مبشرة، أفكر جادا في المجازفة والهجرة عبر السمبك.
بن وشاي
في منطقة وندنقيا أحد أحياء مدينة كمبالا، قرر الصديقان اللاجئان الطيب فلاح ومجدي السر، افتتاح مقهى يقدم المشروبات السودانية الساخنة، فالمنطقة تعج بالشباب السودانيين من اللاجئين الطلاب والناشطين والفنانين.
قال الطيب لـ”سلاميديا”: “الجنبات” مهمة للسودانيين، ولا يستطيعون العيش من غير “التكيل” في قهوة وشرب الجبنة والشاي، لذا فكرنا في الأمر. يقاطعة مجدي ويضيف: المشروع كان ناجحا جدا، وفي البداية لم نكن نجد فرصة للراحة، خاصة في الليل. فمنذ بدايات المساء يبدأ الشبان والشابات بالقدوم إلى المقهى.. لكن بعد أشهر قليلة بدا وكأن فتورا ما أصاب الجميع. قل عدد الزبائن وبدأ في التقلص إلى أن صرنا نستقبل في اليوم ما يكفينا فقط لشراء البن والشاي والسكر.. إيجار المحل أصبح في جهجة.
نشاط سوداني
يقدر عدد اللاجئين السودانيين الذين وصلوا إلى العاصمة الأوغندية كمبالا، بعد اشتعال الحرب في السودان في الخامس عشر من أبريل 2023 بأكثر من ثلاثين ألف لاجئ سوداني. النسبة الأكبر منهم دخلت إلى أوغندا عن طريق دولة جنوب السودان، بينما عبر آخرون عن طريق دولة إثيوبيا وذلك قبل أن تسير شركات الطيران السودانية رحلات أسبوعية من مدينة بورتسودان إلى مطار عنتيبي.
وبحسب ملاحظة الصحفي السوداني “م. ح” فإن عدد الرحلات أخذ في التزايد بنسبة متوالية، بدأت برحلة في الأسبوع وتصاعدت إلى رحلتين وثلاث بحسب الشركة العاملة في الخط.
وفي حديثه لـ”سلاميديا” يرى “م. ح” إن الاندفاعة الكبيرة للاجئين السودانيين نحو كمبالا شكلت دفعة كبيرة للاقتصاد المحلي في المدينة، على الأقل في مستوى إيجار العقارات والمحال التجارية، للدرجة التي أصبح فيها الأوغنديون يفضلون المؤجر السوداني على غيره من المؤجرين لأنهم – مثلما يقول – باتوا يعتقدون بشكل جازم أن السودانيين يمتلكون المال ولا يترددون في الدفع.
ويستدرك الصحفي، “م. ح”: ربما لا يفهم الأوغنديون أو الجنسيات الأخرى الطبيعة التكافلية للأسر السودانية، فالكل يشارك في كفالة الكل، لاسيما في ظروف ما بعد الحرب القاهرة.
ويضيف: لكن بعد مرور أكثر من عام على الحرب، بدأت موارد السودانيين في النضوب، خاصة أن الحياة في كمبالا ليست بتلك السهولة، فالايجارات عالية ورسوم المدارس والصحة أيضا عالية جدا.
من جانبه يقول الباحث الاقتصادي “ض. ك” إن الأموال المتداولة التي دخلت إلى أوغندا بواسطة السودانيين بعد اندلاع الحرب لا تقل من 300 مليون دولار.
ويضيف لــ”سلاميديا”: لكن من المتوقع أن يحدث تقلص في حجم الكتلة النقدية المتدوالة بين السودانيين لعدة أسباب، من بينها صعوبة الحياة في كمبالا – أوغندا، وتراجع عدد السودانيين مؤخرا أقصد اللاجئيين الجدد، إضافة إلى أن الكثير من هؤلاء اللاجئين فضل العودة إلى السودان “نيالا – بورتسودان” بسبب الصرف الزائد ومحدودية الدخل وتآكله مع مرور الأيام.
مطعم حنان
بعد فشل مشروعها في إعداد البخور السوداني وبيعه، اتجهت اللاجئة حنان التوم إلى تنفيذ فكرة مشروع “الكوارع”، وقالت لـ”سلاميديا”: فكرت بالتركيز على صنف محدد يجعل مطعمنا الصغير مميزا وجاذبا، وبعد نقاش ومشاورات بين وزوجي ومجموعة أصدقاء اخترنا وجبة الكوارع بالنكهة السودانية المميزة.
وتضيف حنان، من داخل مطعمهما الصغير بـ “آروا بارك”: لقد بدأنا، وعدد الزبائن في تزايد، وندعو الله أن نوفق هذه المرة ونتمكن من تجاوز مصاعب الحياة في أرض كمبالا الجميلة.
الكثير من اللاجئين السودانيين داخل كمبالا، وفي المدن الأخرى في أوغندا، وفي معسكرات اللجوء، يحاولون جاهدين التأقلم على الحياة الجديدة، محملين بآثار الفقد والحنين والألم، ومجازفين من أجل توفير دخل محدود يساعدهم ولو قليلا في توفير “حق الإيجار واللبن وفطور الصباح”.
#كمبالا #اروا بارك #اللاجئين السودانيين في أوغندا