عين علي الحرب
الجميل الفاضل
قصة «الحاء الرابعة» ومأساتھا؟!
قام نظام “الإخوان المسلمين” في السودان، علي صيغة أطلق عليھا “سيد الخطيب” احد منظري الإخوان، وصف “الكُل المُركب”.
والكُل المُركب في تصور الخطيب ھو بوتقة تنصھر أو تتكامل فيھا علي الأقل ثلاثة “حاءات”، ھي حاء الحركة الإسلامية “التنظيم الإخواني”، وحاء الحزب “المؤتمر الوطني” الذراع السياسي للحركة، ثم حاء الحكومة التي يحكمھا ويتحكم فيھا الحزب إنابة عن الحركة.
بيد أن “الخطيب” صمت في ظني عن “حاء رابعة”، ربما لأن وقتھا لم يحن آنذاك، وھي “حاء الحرب”، كرت الإخوان الأحمر، الذي أشھروه بلا ھوادة منذ الخامس عشر من ابريل العام الماضي، والي يومنا ھذا، بوجه شعب أعزل ما كان له أن يثور لإقتلاع من زرعھم الله ھنا، ثم آتاھم الملك للحكم بإسمه، وبتفويض مفتوح، بلا قيد ودون شرط كما يتوھمون.
فھذه الحاء الرابعة، حاء الحرب، لا تنفصل عما أستقر في مؤخرة أدمغة الأخوان، من ظن عبر عنه بصريح العبارة “عمر البشير” في إحدي إجتماعات ھيئة شوري التنظيم، ناقلا مادار بينه وشيخه الترابي بعد إعلان الأخير حل ما يسمي بالحركة الاسلامية، قال البشير: “قلت له الدولة ملك من يا شيخ حسن؟.. فنحن مقتنعون بأنها ملك للحركة الإسلامية”.
بل وتأكيدا لأن ھذا القول قد تبعه بالفعل عمل.
كان وثائقي لقناة “العربية” عُرض على (3) أجزاء تحت عنوان “الأسرار الكبرى.. جماعة الإخوان”، قد أظهر الرئيس المخلوع عمر البشير وهو يعترف في جلسة سرية لأعلي سلطة تنظيمية، بفصل أكثر من (600) ألف سوداني من وظائفهم وإستبدالهم بعناصر إخوانية.
وفي المقطع، كان البشير يقول: “الإخوان يتواجدون الآن في كل مفاصل الدولة.. كل مفاصل الدولة يمسك بها الإخوان.. ليس نحن فقط في القيادة.. كل المفاصل يسيطر عليها الإخوان.. والناس الذين عابوا علينا أننا أتينا بالإخوان الآن شاهدوا ما حصل بمصر لأن مفاصل الدولة كلها (هناك) ضد الإخوان.. أزالوھم في يوم واحد”.
وھنا أيضا فقد كان البشير صريحا للغاية في تبريره حول لماذا وضع “الأخوان” في كل مفاصل السلطة؟. فالإجابة البديھية المباشرة ھي.. لكي لا يحدث لھم ما حدث للإخوان في مصر الذين أزالوھم في يوم واحد (حسب تعبير البشير).
وھذا ربما يفسر، لماذا سكت “سيد الخطيب” لو أنه كان يعلم في ذلك الوقت المُبكر عن ھذه “الحاء الرابعة” المھمة؟، وعن متي يمكن أن تدخل الي حيز التنفيذ وفي أي حالة؟.
إذ يبدو أنه بسقوط أھم الحاءات الثلاث، “حاء الحكومة” التي ھي بمثابة حجر زاوية “الكُل المُركب” وركنه الركين، فإن ورقة “الحاء الرابعة” كان ينبغي أن تدخل تلقائيا ومباشرة، لاستعادة كيمياء النسق الثلاثي الذي ظل فاعلا بنجاح لنحو ثلاثين عاما.
المھم فإن رابع الحاءاتِ حاءُ الحرب، ھي حاءٌ مقدسة، عند ھذه الجماعة التي وصفھا المفكر الراحل منصور خالد: بأنھا جماعة تتملكھا شھوة تغيير العالم برمته، وھذا ما يفسر الي الآن لماذا ھي أميل في كل مواقفھا للصدام مع العالم، ولمناطحة المجتمع الدولي؟.
ورغم إن “الإخوان” درجوا في كل مكان علي ألا يتورعوا بدعوي مظلومية زائفة، من إدخال الشعوب التي عاشوا فيھا أو حكموھا، والزج بھا في صراعات لا ناقة أصلا لھذه الشعوب بھا، وبالطبع لا جمل لھا فيھا.
صراعات تصور العالم بكل تفاصيله ومفرداته كعدو دائم تَجبُ مناجزته في كل حين وآن.
ولعل فكرة المنازلة الدائمة والمستمرة للعالم وبشتي السبل، قد نشأت علي مظان فاسدة وتوھمات كاذبة لا زالت تعشعش في الدماغ المركزي المسيطر علي ھذه الجماعة حيثما وجدت.
أنظر كيف يُحيل ھنا القيادي الإخواني ابراهيم السنوسي في برنامج ” الكشاف” الذي كان يقدم بقناة سودانية (24) في وقت سابق، تبريره لإستيلاء الأخوان علي السلطة في السودان عبر الانقلاب في العام ( 89) بقوله: أن الإخوان المسلمين قد تلقوا صفعات من الجيوش في العالم الاسلامي حالت بينهم والتمكين علي السلطة، مؤكدا أن كل الحركات الاسلامية ضربت من الجيش، سواء في مصر أو في باكستان بإنقلاب ايوب خان، أو في العراق بانقلاب عبدالكريم قاسم، وفي سوريا كذلك ضرب الأخوان، وفي الجزائر أحرزت جبهة الانقاذ 81% من الأصوات لكن الجيش منعها الحكم”.
في حين يقطع الأب المؤسس لجماعة الإخوان المسلمين حسن البنا بالقول: “الإسلام الذي يؤمن به الإخوان المسلمين يعتبر الحكومة ركنا من أركان الدين، مثلها مثل الصلاة والصوم والحج. فالتمكين كغاية والعنف كوسيلة لبلوغ السلطة، ھما من جوهر فكر الإخوان المسلمين، فقد أشار حسن البنا في رسالة المؤتمر الخامس لإستخدام العنف والقوة بقوله: “عندما يكون منكم ثلاثمائة (كتيبة) حينها سأغزو بكم كل جبار عنيد”.
تصور.. ثلاثمائة كتيبة تكفي لغزو العالم إشباعا لشھوة تغييره، وإستكمالا لأركان الإسلام بالركن السادس “ركن الحكومة”.