يعد مشروع الجزيرة والمناقل، الممتد على مساحة 2.2 مليون فدان واحداً من أكبر المشاريع الزراعية في العالم العربي والأفريقي؛ ويضم 18 قسماً موزعة على 114 مكتباً. منذ إنشائه في عام 1925، مثل المشروع ثورة زراعية رائدة في السودان، حيث قامت فيه علاقات إنتاج مبنية على شراكة بين الدولة والمزارع والشركة الزراعية؛ وهو ما جعله محوراً تنموياً بالسودان. يتجاوز عدد سكان المشروع 4.5 مليون نسمة و130 ألف مزارع يعيشون في أكثر من خمس ألف وحدة سكنية.
الأزمة الحالية
واجه المشروع أزمات كبيرة بسبب الدمار الذي ألم به لسنوات عديدة، إلا أنه منذ اندلاع الحرب الحالية في 15 أبريل 2023م، تفاقمت الأزمة بظهور تحديات اقتصادية واجتماعية في مواجهة المزارعين. ونتيجة للصراع الدائر، تحولت المناطق الشمالية من الجزيرة إلى ساحة للعمليات العسكرية. ومع ازدياد تداعيات الحرب، واجه المشروع انهياراً في بنيته التحتية، كما تراجعت قدرته على تلبية الاحتياجات الغذائية لكل السودان، ولا سيما بالنسبة للمزارعين و مواطني الجزيرة على حد سواء.
حملة لازم نزرع
في مواجهة الأزمات الناتجة عن الحرب، أطلق تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل حملة تحت شعار”لازم نزرع، لازم نزرع” للموسم الزراعي 2023/ 2024م؛ بهدف تعزيز الزراعة في ظروف الحرب، رغم أن نسبة التحضير المعتاد حتى يوليو من العام الحالي لم تتجاوز الـ 2%. وقال الاستاذ/ عبدالرؤوف عمر، مقرر سكرتارية التحالف، “حملة لازم نزرع، ليست مجرد مبادرة زراعية، بل هي نداء للبقاء، ودعوة للصمود في وجه الحرب والمجاعة”.
شملت الحملة خطة لإعادة التأهيل من خلال رصد وتوثيق جميع ما تم نهبه وتدميره قبل وبعد الحرب؛ وذلك بالتعاون مع لجنة محامو الجزيرة ومرصد الجزيرة لحقوق الإنسان. كما تدعو الحملة إلى تشكيل لجان من العلماء والمختصين لوضع دراسات شاملة حول إعادة تأهيل المشروع، بما في ذلك استعادة البنية التحتية الزراعية، تحسين شبكات الري، ووضع خطط للتمويل وإدارة علاقات الإنتاج.
أهداف الحملة
بحسب البيان الذي اصدره التحالف بتاريخ 15 سبتمبر، والذي تحصلت (سلاميديا) على نسخة منه، جاءت حملة “لازم نزرع” بحزمة أهداف تركزت حول التمسك بالأرض، حيث يسعى المزارعون للحفاظ على أراضيهم الزراعية رغم كل التحديات؛ علاوة على تبني الدعوة لوقف الحرب، التي تهدد بتدمير ما تبقى من المشروع، إذ يعتبرون استمرار العمليات العسكرية العائق الأكبر أمام استعادة المشروع لدوره الحيوي؛ كما نادت الحملة بأهمية توفير الدعم الإنساني، الذي تسعى الحملة من خلاله لتوفير الغذاء والعلاج للفقراء من المزارعين والعمال الزراعيين الذين يعانون من أوضاع معيشية قاسية نتيجة للنزوح وانقطاع مصادر رزقهم؛ وأخيرا تبنت الحملة هدف المحافظة على البنية التحتية، الذي ينادي بضرورة المحافظة على خزان سنار وشبكات الري الرئيسية لضمان استمرار الحياة الزراعية والبيئية في المنطقة.
التحديات المستمرة
تنامت التحديات في مواجهة مزارعي مشروع الجزيرة والمناقل، وتمثلت في تعطيل شبكات الري والطرق والقنوات الزراعية؛ تضررت بسببه اكثر من 14 قسماً من جملة الـ 18 التي أصبحت ساحة للعمليات العسكرية.
وقال عبدالرؤوف “تعاني المناطق الزراعية في الجزيرة والمناقل من دمار واسع في البنية التحتية، صارخزان سنار وترعتي الجزيرة والمناقل منطقة للاشباكات بين أطراف الحرب وزادت أزمة نقص الوقود وارتفاع أسعاره، مما أدى إلى تعطيل عمليات النقل والمواصلات”.
بتوقف البنك الزراعي؛ انقطعت الإمدادات وانعدمت مدخلات الإنتاج مثل التقاوي والأسمدة والمبيدات، علاوة على انعدام الوقود الذي أثر على حركة النقل والمواصلات؛ كان من الصعب نقل المنتجات الزراعية للأسواق. إلا أن المزراعون نجحوا في استخدام ما هو متاح من الموارد المحلية للحفاظ على مستوى معين من الإنتاج الزراعي.
وكشف عبدالرؤوف في أفادات لـ (سلاميديا)، عن تعالي الدعوات المنادية بالزراعة الصفرية كخطة بديلة؛ وهي الزراعة من دون تحضير كامل أو من غير استخدام مدخلات إنتاج كافية كالأسمدة والمبيدات.
وعليه ساهمت تلك التحديات، في وصول الزراعة الصفرية في أقسام الجزيرة إلى نسبة انتاج بلغت 5% فقط، بينما بلغت نسبة الزراعة الصفرية في المساحة المزروعة في أقسام المناقل الـ 22% حسب إحصائيات الإدارة الزراعية.
لجان الطوارئ الزراعية
تستند الحملة إلى تجربة طوارئ العروة الشتوية لموسم 2020/ 2021م، حيث ستتولى لجان الطوارئ إدارة الحملة على مستوى الجزيرة والمناقل والأقسام المختلفة، بالتنسيق مع أصدقاء التحالف، لجان المقاومة. وتسعى الحملة للتعاون مع المنظمات المحلية والدولية لدعم أهدافها. ومن المقرر إطلاق نداء للمزارعين والمواطنين في الداخل والخارج للمساهمة في جهود إعادة تأهيل المشروع.
في ظل هذا الواقع، يطلق تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل نداءً عاجلاً إلى الأمم المتحدة ومنظماتها، وشعوب العالم، للعمل على وقف الحرب ومواجهة خطر المجاعة الذي يهدد كل السودان. كما يدعو التحالف أبناء وبنات السودان في الداخل والخارج إلى المشاركة في هذه الحملة لإنقاذ مشروع الجزيرة والمناقل الذي يمثل مفتاح التنمية في البلاد.
جهود التوعية المحلية
بحسب خطة العمل التي اصدرها التحالف يقول عبد الرؤوف، انهم سيقومون بتنظيم حملات توعوية بين المزارعين والمجتمع المحلي في الجزيرة والمناقل لتحفيز الجميع على المساهمة في الزراعة، وذلك عبر البيانات واللقاءات والندوات، توزيع الملصقات، واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل تطبيقي (الواتساب) و (الفيسبوك) لنشر التوعية حول أهمية الزراعة في هذه الظروف الحرجة.
لم يكتف المزارعون بالصمود أمام الحرب، بل عملوا على وضع خطة طارئة لزراعة محاصيل سريعة النمو وقليلة التكلفة خلال فترة وجيزة بين شهري سبتمبر وأكتوبر. شملت هذه المحاصيل السمسم، الذرة الرفيعة (الفترتيا) و البقوليات مثل العدسية واللوبياء؛ إلى جانب محاصيل العروة الشتوية مثل الفول المصري وعباد الشمس، باعتبارها محاصيل لا تتطلب تكاليف كبيرة وتمثل حلولاً قصيرة المدى لتأمين الغذاء في هذه الظروف.
تشجيع الزراعة المنزلية
كجزء من جهود مواجهة الأزمة، يشجع التحالف السكان على الزراعة المنزلية لزراعة الخضروات مثل الجرجير، البامية، القرع، والرجلة. هذا الأسلوب ساعد في تعزيز الأمن الغذائي للأسر التي تعاني من انعدام الموارد وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل غير مسبوق.
رغم الحرب والظروف القاسية التي واجهها مشروع الجزيرة والمناقل، لم يتوقف المزارعون عن العمل ولم يتخلوا عن أرضهم. وقد تواصلت جهودهم لعكس التزامهم الكبير بتحقيق الأمن الغذائي ، في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة.
في ظل ما يعصف بالبلاد من حروب وويلات، يبقى مشروع الجزيرة والمناقل رمزًا لمقاومة الشعب السوداني، وعلامة فارقة في صراع البقاء. يقف تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل، في وجه تحديات جمة مترتبة على الصراع الحالي؛ يثبتون بوقفتهم أن الأمل لا يموت. رسموا بحملة “لازم نزرع”، طريقاً جديداً النهضة الزراعية في وطنٍ أنهكته الحروب، مصمميين على الحفاظ على الأرض وفلاحتها والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي.