تقرير: سلاميديا

أدى تعطل دولاب العمل منذ اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م، إلى توقف اغلب المؤسسات الخدمية باقليم دارفور من بينها مصلحة الأراضي بالولايات الخمس. وبعد سيطرة قوات الدعم السريع على اربع من ولايات الاقليم، ازداد الأمر تعقيدا،ً خاصة بعد ان اجبرت الحرب آلآف السكان على النزوح وربما اللجوء تاركين أراضيهم السكنية والزراعية.

أوضاع مكاتب الاراضي

تعد ولاية شرق دارفور هي الوحيدة من بين ولايات دارفور التي لم تتدمر مؤسساتها بسبب الحرب، التي انتقلت الى الاقليم بمجرد اندلاعها في الأيام الأولى. ويقول أحد الصحفيين  المستقلين المتواجدين بمدينة الضعين، ان سجلات الاراضي بالولاية لم تتضرر لجهة انها كانت محفوظة داخل لمحكمة بمدينة الضعين عاصمة الولاية. بينما تأثرت مكاتب الأراضي ــــــ التي تحتوي على سجلات ووثائق الأراضي ــــ في بقية ولايات الاقليم مثل غيرها من المؤسسات والمرافق الحكومية التي طالها التخريب.

المعاملات والتزوير

لاحظ فريق سلاميديا من خلال الافادات التي حصل عليها من مصادر عديدة ان المعاملات الخاصة بالاراضي في أغلب ولايات الاقليم لا زالت مستمرة رغم تأثر مكاتب سجلات الاراضي بالحرب؛ باستثناء مصلحة الأراضي بولاية شرق دارفور. و أوضح الصحفي المستقل، أن معاملات الأراضي في الولاية انحصرت فقط في استخراج المستندات القانونية بواسطة المحامين سواء ان كانت تنازلات أو توكيلات بشرط توفر الشهود. وذكر ان كل الاجراءات القضائية بالولاية توقفت بمجرد سقوط قيادة القوات المسلحة بالولاية في يد قوات الدعم السريع، حيث أمر رئيس الجهاز القضائي بسحب القضاة وتوقفت على أثره المحاكم، مع استمرار نزاعات الأراضي في المحكمة في وقت سابق لذلك، حيث كانت الإدارة الأهلية تنظر في بعضها وتترك البعض الآخر متعللة بعدم الإختصاص “الادارة الاهلية درجت على تأجيل النظر في القضايا المتعلقة بالاراضي؛ باعتبارها قضايا ليست من اختصاصها”. وأوضح صحفي آخر من الضعين، انه بعد توقف الجهاز القضائي بشرق دارفور عن العمل، اصبحت تعاملات الأراضي تتم عبر المحاميين، واضاف “البيع يتم بالتوكيل الشرعي، مالك الارض يعمل تنازل وينقل الملكية للمشتري بالتنازل؛ بعد توفر الشهود والضمانات من قبل المحاميين”.

أما في ولاية جنوب دارفور فتشير المصادر الى استمرار المعاملات في مجالات البيع والشراء وتسجيلات الاراضي، وقال احد العاملين في سوق الأراضي بمدينة نيالا، انه لا توجد اي اجراءات لتقنين أو تسجيل الاراضي بالولاية، لكنه كشف عن وجود اشخاص يعملون على تزوير المستندات ويستخرجون شهادات بغرض التنازل، واضاف “الآن هناك عقودات وشهادات للأراضي مزورة دخلت السوق”

في ظروف الحرب هذه، استأنفت مصلحة الاراضي بغرب دارفور عملها، ويقول الصحفي من مدينة الجنينة ــــ نتحفظ على ذكر اسمه ـــــ أن حكومة الولاية تعمل على إصدار شهادات إثبات الملكية (شهادة بحث)، وهي وثيقة تصدر من السلطة الاتحادية التي انقطع التواصل بينها وبين السلطة الولائية لظروف الحرب. وتساءل الصحفي”هم شغالين يطلعوا شهادات بحث كيف؟”.

وكذا هو الحال في ولاية وسط دارفور التي تواصلت فيها المعاملات الخاصة بالاراضي، ويقول المحامي من مدينة زالنجي لسلاميديا، ان هناك اجراءات غير قانونية تواصلت بعد الحرب يتم خلالها تمليك اراضي بواسطة المستندات التي تم نهبها من المحكمة خاصة اوراق التنازلات. وذكر المحامي ان هناك قسماً في المحكمة يعمل الآن على البت في قضايا الاراضي بوسط بمدينة زالنجي.

لا يختلف الوضع كثيراً في ولاية شمال دارفور التي كانت تسيطر عليها القوات المسلحة حتى وقت قريب؛ حيث توقفت الاجراءات الخاصة بالاراضي بالولاية بعد اندلاع الحرب، كبقية دواوين الخدمة المدنية في بعض مناطق السودان. وإلا أن أحد كبار المسؤولين السابقين بمصلحة الاراضي، يقول أنهم طرحوا  خطة إسكانية جنوب المدينة باسم المخطط الجنوبي أو (قوز دامرقا)، التي لم يقبل عليها المواطنون بسبب انعدام السيولة؛ مشيراً إلى استمرار المعاملات الأخري الخاصة بالتصرفات في الأراضي مثل الرهن والهبة والبيع والتوكيل والتنازل وغيرها حتى تاريخ 14 يوليو 2024م. وأكد أنه لا توجد محاكم للأراضي في الوقت الراهن، ماعدا قسم تسجيلات الأراضي؛ وأن أغلب التسويات تتم بواسطة الإدارات الأهلية وأصحاب الحواكير.

التعدي والنزاعات

كشف تقرير سابق لسلاميديا حجم التلاعب والفساد في الأراضي بمدينة نيالا ـــ جنوب دارفور، خاصة المنازل الخالية من ملاكها الأصليين، بأن تم بيع عدد منها بعد تزوير مستندات الملكية. ووفق شهادة أحد العاملين بمصلحة اراضي جنوب دارفور، أن هنالك العديد من حالات التعدي على الاراضي عبر تزوير المستندات ومن ثم بيعها وشرائها؛ كاشفاً عن وقوفه على بيع قطع سكنية في مربعات 11/ي، 4/ي بأحياء شرق مدينة نيالا (حي دريج) و6/ل و14/ل بأحياء جنوب المدينة (تكساس)، وأضاف “كل هذه بيوت ناسها غائبين وتم التصرف فيها وبيعها عبر تزوير مستنداتها، والآن هناك عقودات وشهادات أراضي مزورة دخلت السوق، بالاضافة لنزاعات الأراضي في بعض المحليات مثل السلام وبليل”. هذا علاوة على استيلاء بعض الناس على اراضي الغير التي يقومون بزراعتها وتأجيرها، في ظل غياب أي سلطة يتوجه اليها أصحاب الاراضي بالشكوى لغياب الدولة ــــ على حد قوله.  

لم تشهد ولاية شرق دارفور أي صراعات أو نزاعات تذكر بسبب الاستيلاء او سرقة مستندات، لجهة أن كل السجلات الخاصة باراضي الولاية محفوظة بمقر محكمة الأراضي التي لم تتضرر بالحرب؛ ما عدا القضية القديمة المتعلقة بمركز الضعين الثقافي الذي تم تحويله الي متاجر. وقال مصدر صحفي طلب عدم الافصاح عن هويتة، “هذا النزاع بسبب قرارات قديمة والناس حتى الان يعملون على مناهضتها لتؤول هذه المتاجر الى شباب الضعين”. ويفيد الصحفي المستقل من مدينة الضعين أن الإدارة الأهلية ظلت تفصل في بعض قضايا الأراضي بين المتنازعين في غياب الجهاز القضائي. وأكد أن الولاية لم تشهد حالات تنازع على الاراضي، سوى قضية مركز الضعين الثقافي.

يعتبر وضع الأراضي في ولاية غرب دارفور شبيهاً بولاية جنوب دارفور؛ نسبةً لوجود جرائم تتعلق بتزوير مستندات الاراضي، في ظل وجود محكمة طوارئ تعمل تبت في الكثير من القضايا من بينها قضايا الاراضي، اضافة الى عمل سلطات الولاية الحالية على استخراج شهادات المكية للقطع السكنية بالولاية. ويؤكد الصحفي من مدينة الجنينة وجود الكثير من المشاكل المتعلقة بالاراضي بغرب دارفور، الا انه قطع بصعوبة امكانية التغول على الاراضي التي يمتلك اصحابها شهادات الملكية.

يختلف الوضع كثيراً في ولاية وسط دارفور، لاحتواءه الكثير من النزاعات حول الاراضي بعد اندلاع الحرب، لجهة أن بعض الأسر بمدينة زالنجي تم اجبارها على الخروج من منازلها وتم الاستيلاء عليها من قبل آخرين تحت تهديد السلاح، وفق شهادة أحد المحاميين من زالنجني لسلاميديا “أجبرت اسرة على ترك منزلها بحي الوحدة شمالي مدينة زالنجي والسكن في منزل آخر بحي الثورة”. وأشار الى ان هناك اشخاصاً تمكنوا من سرقة مستندات أراضي سكنية خاصة بآخرين وقاموا ببيعها، بينما تم ارغام آخرين على التنازل عن أراضيهم أمام المحاميين.

وفي هذا السياق، لا يمكن المقاربة بين ما حدث في بقية الولايات وشمال دارفور، التي لم تسجل أي حالات سرقة أو استيلاء علي مستندات الأراضي في مدينة الفاشر. وأكد المسؤول السابق بمصلحة الاراضي خلو الفاشر من نزاعات الأراضي، مع احتمال وقوعها في محليات أخرى بالولاية لخروجها عن سيطرة الحكومة ــــ على حد قوله “لم تمر علي شخصياً حالة تصرف بطرق ملتوية، وقد لا تكون ظاهرة لنا في وزارة البني التحتية، لكنها ان حدثت ستظهر في تسجيلات الاراضي بالجهاز القضائي”.

تعد النزاعات حول الأراضي باقليم دارفور من القضايا الضاربة في القدم على مر تاريخ الاقليم في ظل الدولة الحديثة بعد الاستقلال؛ وذلك بسبب القوانين المجحفة واستغلالها بواسطة بعض النافذين في الدولة للتعدي على أراضي المواطنين حسب وصف بعض القانونيين. وذات حدة التعديات على الأراضي في أوقات متفرقة متسببة في صراعات اتسمت بالقبلية في احيان كثيرة؛ علاوة على آثار الحرب الحالية. وهنا يبرز السؤال: إلى ماذا ستؤول أوضاع الأراضي بعد توقف الحرب، في حال تواصلت اجراءات تمليك وتقنين وتسجيل الاراضي في الوقت الراهن؟