تقرير: سلاميديا

يعاني المواطنون في إقليم دارفور من نقص حاد في الغذاء والمواد الأساسية، فضلاً عن قلة الأدوية الضرورية لإنقاذ الحياة، مما أدى إلى ارتفاع ملحوظ في وفيات الأمهات والحوامل. وعلى الرغم من ذلك، فإن فقدان الأمن والاستقرار نتيجة القتال العنيف في مدينة الفاشر بين القوات المسلحة والقوة المشتركة من جهة، وقوات الدعم السريع من جهة أخرى. كما أن الضربات الجوية فاقمت سوء الأوضاع في المناطق التي توقفت فيها الاشتباكات، أو التي خضعت لسيطرة الدعم السريع.

تخفي هذه الظروف أزمة إنسانية متزايدة، حيث يعاني النازحون والمجتمعات التي تستضيفهم من نقص حاد في المواد الغذائية، ولا تستطيع النساء والأطفال من الحصول على الرعاية الصحية اللازمة؛ بسبب تعطل النظام الصحي في المنطقة. فيما يخص التعليم، هناك نسبة مقدرة من الأطفال غير ملتحقين بالمدارس. علاوة على ذلك، زادت معدلات الحوادث والاضطرابات الأمنية في المناطق التي لا تشهد نزاعاً.

يلخّص هذا التقرير مجمل الكوارث الإنسانية التي ظل يتعرض لها المدنيين في دارفور جراء الحرب وغارات طيران الحربي للقوات المسلحة، ولا سيما دعوات الجهات الرسمية لإغلاق المعابر التي تتدفق من خلالها المعونات الإنسانية. أنتج ذلك كوارث وضعت إنسان دارفور في دوامة تكاد تنعدم معها فرص النجاة. تحيط كل هذه الكوارث بإنسان دارفور، وبالتالي تلقي بمسئوليات جسيمة على عاتق المجتمع الدولي والإقليمي؛ أهمها الضغط في المقام لإيقاف الحرب، إضافة إلى السعي الجاد لتوفير المعونات الإنسانية لإنقاذ  المدنيين من خطر الجوع، بجانب الضغط لترتيبات تحفظ حياة الإنسان بالإقليم من المخاطر الأخرى.

كارثة المجاعة

كارثة المجاعة

 المتأثرين من السكان بالمجاعة في مستوى الكارثة (الجوع الحاد) خلال الفترة من بداية الحرب وحتى أغسطس 2024م

الولايةدرجة حدة المجاعةعدد الذين شملهم المسحالعدد الفعلي المتأثرنسبة السكان
وسط دارفورالمجاعة الحادة2,000,000100,0005%
شرق دارفورالمجاعة الحادة1,800,00018,0001%
شمال دارفورالمجاعة الحادة2,500,00150,0006%
جنوب دارفورالمجاعة الحادة3,600.000144,0004%
غرب دارفورالمجاعة الحادة1,300,00052,0004%
جملة الواقعين تحت تصنيف الجوع الحاد464,000 

 تناولت الأرقام في الجدول أعلاه الواقعين تحت تصنيف “مرحلة الجوع الحاد” فقط، إستناداً إلى تقرير التصنيف المرحلي للأمم المتحدة. وبالتالي فإن العدد الكلي للمصنفين تحت الجوع الحاد حتى أغسطس 2024م بلغ 464,000 فرداً أي ما يقرب نصف المليون. خلال الفترة من أغسطس وحتى نهاية أكتوبر 2024م. لم تصدر أي معلومات دقيقة أو تقارير تشير إلى زيادة أو نقصان عدد المتأثرين الواقعين تحت تصنيف مرحلة الجوع الحاد؛ ومع ذلك، فقد صدرت تحذيرات من خبراء أمميون في مجال حقوق الإنسان بأن 97% من النازحين داخلياً، إلى جانب المدنيين الذين بقوا في منازلهم، يواجهون مستويات شديدة من الجوع تهدد حياتهم. وما يجدر ذكره؛ ظهور جهود محدودة الأثر لتوفير المعونات للمتضررين في دارفور أدخل بموجبها برنامج الغذاء العالمي مساعدات غذائية لتغطية ما يقارب الــــ 360 ألف شخصاً في دارفور عبر معبر أدري الحدودي منذ إعادة فتحه في أغسطس 2024م. وعليه اكتملت عمليات توزيع المساعدات على أكثر من 200 ألف شخصاً في  مناطق كيرينيك وسربا بولاية غرب دارفور. وبالمقارنة فإن الفجوة بين أرقام المستهدفين بالمساعدات الإنسانية، والذين تلقوا المساعدات بالفعل، تصل إلى حوالي الـــــ 160 ألف شخصاً بالإقليم. 

محدودة الأثر لتوفير المعونات للمتضررين في دارفور أدخل بموجبها برنامج الغذاء العالمي مساعدات غذائية لتغطية ما يقارب الــــ 360 ألف شخصاً في دارفور عبر معبر أدري الحدودي منذ إعادة فتحه في أغسطس 2024م. وعليه اكتملت عمليات توزيع المساعدات على أكثر من 200 ألف شخصاً في  مناطق كيرينيك وسربا بولاية غرب دارفور. وبالمقارنة فإن الفجوة بين أرقام المستهدفين بالمساعدات الإنسانية، والذين تلقوا المساعدات بالفعل، تصل إلى حوالي الـــــ 160 ألف شخصاً بالإقليم. 

غارات الطيران

مثلت الغارات الجوية للطيران الحربي التابع للقوات المسلحة منذ بداية الحرب، هاجساً مرعباً لمواطني الإقليم، إذ ظلت الأهداف المدنية وتجمعات المدنيين على الدوام هدفاً لهذه الغارات تحت ذريعة أنها تمثل “حواضن إجتماعية” لقوات الدعم السريع. تنوعت الغارات من حيث الطائرات المستخدمة، الذخائر والمواقيت التي تحدث فيها. فهناك غارات يتم فيها إلقاء البراميل المتفجرة بواسطة طائرات الانتينوف، التي تحدث تدميراً  كبيراً على التجمعات في القري والمدن، إضافة إلى إرتفاع حجم الخسائر البشرية والرعب الذي تسببه للمدنيين. هنالك أيضاً غارات تتم بواسطة الطائرات المقاتلة(للمزيد)

نموذج للدمار الذي سببته الغارات الجوية: مدينة الكومة – المصدر: صحيفة التغيير

إحصائيات الغارات الجوية

المدينة/القريةعدد الغاراتالضحايا
الفاشر/مليط/كبكابية/دونكي البعاشيم/الزرق/الكومة318 قتلي وجرحي غير محدد
الضعين344 قتيلا ، 62 جريح
الجنينة21 قتيلا 6 جرحى

وفيات النساء الحوامل

إن حجم الوفيات التي تحدث وسط النساء الحوامل والأطفال صارت من القضايا في طي النسيان، حيث قدر مختصون ارتفاع نسبة وفيات الأمهات في السودان بشكل عام ما بين 6.7% قبل الحرب إلى 15% بعد اندلاع الحرب، وذلك بسبب انهيار النظام الصحي وتوقف أكثر من 80% من المستشفيات والمراكز الصحية. ونتيجة لذلك،  فإن كثيراً من هؤلاء النسوة فقدن حياتهن أثناء الحمل. قدّرت هيئة الأمم المتحدة للمرأة أعداد النساء الحوامل في السودان بأكثر من 160 ألف امرأة، وتعتبر هذه النسبة كبيرة. في جنوب دارفور وحدها سجلت منظمة أطباء بلا حدود  في تقرير وصفته بالصاعق، وفاة 46 امرأة حامل في الفترة من يناير وحتى أغسطس 2024م، بينما سجلت وفيات الأمهات في معسكرات النازحين (كلمة، عطاش، دريج ومجوك) حوالي الــ 87 حالة. (للمزيد، تقرير سلاميديا).

وفي أخر تحديث، عقدت وزارة الصحة بمدينة بورتسودان إجتماعاً لمناصرة قضية صحة الأم والطفل في 31 أكتوبر 2024م، بحضور عدد من المنظمات العالمية؛ أفاد فيه وزير الصحة، هيثم محمد إبراهيم، أن نسبة الوفيات وسط الأمهات بلغت 295 حالة وفاة بين كل 100 ألف حالة ولادة، بينما بلغت وفيات المواليد 51 حالة وفاة بين كل 1000 طفل.

أسباب وفيات النساء الحوامل

التضييق على الحريات

تطورت الانتهاكات لتشمل التضييق على الحريات عبر قطع ومنع خدمات الاتصالات ووضع العراقيل أمام حركة المواطنين. وقد رصدت سلاميديا في تقرير سابق.

تلخصت أسباب الاعتقالات بواسطة كافة الأطراف المتحاربة بدواعي التعاون مع الطرف الآخر. إضافة إلى الحد من حرية تنقل المواطنين بين المدن والقرى، عبر الطرق التي يسلكونها عادة للنجاة بأنفسهم من القتل نتيجة للمعارك وغارات الطيران. وفي طريق البحث عن مخارج للعبور إلى مناطق أكثر أمناً يتعرض المدنيين الفارين لعمليات نهب مسلح، وضغوط أمام نقاط التفتيش التي يقيمها أطراف الحرب.

انقطاع شبكات الاتصال

يعاني المدنيين في دارفور من حظر إستخدام الإنترنت الفضائي (ستارلينك Star-Link) بعد أن توقفت خدمة الاتصالات التي كانت توفرها الشركات الوطنية، منذ مايو 2024م. يتسبب هذا المنع بصورة مباشرة في توقف المعاملات المصرفية والتجارية التي كانت تتم عبر التطبيقات البنكية، والتي كانت تساهم بقدر كبير في الحركة الاقتصادية بالإقليم و تمكنهم من شراء احتياجاتهم؛ إضافة حدها من التواصل. إن توقف خدمات شركات الإتصال الوطنية والتحجيم على الاتصال البديلة (ستارلينك Star-Link)، يزيد ويفاقم من حجم المعاناة، بفقدان السكان المدنيين لوسيلة الحصول على التحويلات المالية التي تمكنهم مقابلة احتياجاتهم اليومية من الغذاء والأدوية على قلتها.

توقف المؤسسات التعليمية

تطل كارثة التعليم خاصة وسط الأطفال كحدث منسي في خضم التركيز على الكوارث مثل المجاعة والموت بالغارات الجوية وغيرها. فنتيجة لاستمرار الحرب تدمرت البنى التحتية للتعليم بالإقليم أسوة بما حدث لقطاعات الصحة وغيرها. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من خمسة ملايين طفل سيفقدون فرصهم في التعليم، ونحو 100 ألف طالب في مؤسسات التعليم العالي فقدوا حقهم في التعليم بإقليم دارفور، الذي توقفت فيه قراية 4000 مدرسة بجميع المراحل بما فيها مدارس الرحل. 

جهود محلية محدودة

تصدت مبادرات محلية لمواجهة أزمة التعليم المنسية فتكفلت بعض المنظمات الدولية بصيانة عدد من المدارس، كما انطلقت مبادرات محلية بمدينة الجنينة ومبادرات فردية في شمال دارفور لتعليم الأطفال. وفي آخر تحديث تتبعته سلاميديا حول التعليم بدارفور، فإن كل ما تم رصده عن أوضاع التعليم بدارفور، هو إعلان وزارة التربية والتعليم بالإدارة المدنية لجنوب دارفور عن بدء العام الدراسي الجديد 2024- 2025 م بمدارس الولاية.

تبرز من تراكم الانتهاكات التي رصدتها سلاميديا من خلال تقارير مختلفة الموضوعات، نجد أنها عبارة عن سلسلة من الإنتهاكات تكاد تطبق على المدنيين بدارفور، و تستهدفهم بصورة مباشرة، فهذه الانتهاكات لا تقع على الأطراف المتقاتلة بقدرما أن كل هذه الأطراف تمارس هذه الإنتهاكات ــ وبمسببات مختلفة ــ على المدنيين العزل، وكأنما ميدان هذه حرب هو أجساد المدنيين وبيئاتهم التي يعيشون فيها. فمن لم يمت بمختلف الأسلحة النارية في المواجهات والغارات الجوية، قتلته المجاعة وأمراضها، ومن قُدرت له النجاة من هذه وتلك، أُغلقت أمامه كل طرق الهروب نحو ملاجئ آمنة. وتتزايد كل يوم أرقام الذين يعانون من هذه الأزمات بسبب الحرب. إن الملاحظات الواجب تدوينها هي، إن أوضاع المدنيين داخل نطاق الحرب في دارفور تخطت مرحلة استخدامهم كدروع بشرية إلى ما هو أكثر خطورة، وهو فقدان قيمة الحياة بالنسبة للمدنيين، فموت الإنسان في دارفور بأي وسيلة كانت لم تعد قضية تعني الأطراف المتحاربة من قريب أو بعيد. إن المجتمع الدولي والإقليمي مطالب أكثر من أي وقت مضى بتفعيل آليات حماية المدنيين في دارفور وبقية أرجاء السودان.