تقرير: سلاميديا
أثار قرار بنك السودان المركزي بتغيير بعض فئات العملة السودانية ردود أفعال واسعة؛ وذلك لما له من آثار اقتصادية وسياسية مرتبطة بالحرب التي تشهدها البلاد. ورغم أن البنك المركزي صاغ جملة من المبررات لطباعة العملة الجديدة، من بينها تجفيف الأسواق من العملات المزورة والمنهوبة من البنوك، المصارف، الشركات، المحلات التجارية ومن المنازل. إلا أن القرار ربما يتسبب في معاناة معيشية إضافية للمدنيين في مناطق النزاع خاصة إقليم دارفور، لفقدان البنك المركزي لآلية توزيع العملات النقدية الى ارجاء البلاد وعدم قدرته إرسال الفئات الجديدة إلى تلك المناطق، التي خرجت فيها البنوك والمصارف عن الخدمة. فالمعارك التي دارت بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في المدن الرئيسية لإقليم دارفور أدت إلى تدمير أغلب فروع البنوك بعد نهب ما فيها من أرصدة، وبالتالي خروجها تماماً عن الخدمة؛ ما أدى إلى شح في السيولة النقدية لدى المدنيين لدرجة انعدامها بسبب الانقطاع التام للتغذية الدورية بالأوراق النقدية لمدن الإقليم.
في هذا التقرير يرصد فريق سلاميديا آثار الحرب على القطاع المصرفي، توفر العملات النقدية في دارفور، المعاملات المالية بين مواطني الاقليم عبر التطبيقات البنكية وطرق أخرى لتبادل السلع والمنافع. اضافة الى الآثار المتوقعة لقرار تغيير بعض فئات العُملة، كما يرصد ردود الفعل التي أثارها القرار.
القطاع المصرفي
تملك أغلب البنوك والمصارف السودانية فروعاً بمدن ولايات دارفور الخمس؛ وبحسب مصادر تحدثت لسلاميديا، أن عدد فروع البنوك والمصارف يفوق الـ 63 فرعاً؛ بواقع 22 فرعاً في مدينة نيالا، 14 في الفاشر، 10 في الجنينة، 12 في الضعين و 5 فروع في زالنجي؛ اضافة الى فروع البنك الزراعي في المحليات بالولايات الخمس التي لم نتمكن من حصرها. ما يجدر ذكره أن كل هذه البنوك والمصارف تأثرت بالحرب وخرجت تماماً عن الخدمة.
البدائل بعد الحرب
نتيجة للدمار الذي طال القطاع المصرفي بدارفور، زاد اعتماد المدنيين على التطبيقات البنكية التي أتاحت لهم استقبال وإرسال التحويلات والمعاملات المالية. هذا الاعتماد الجماعي على التطبيقات البنكية واجه عقبة تمثلت في التناقص المستمر في السيولة النقدية، بسبب عدم وجود آليات رسمية لاستبدال العملات أو سحبها وضخ فئات نقدية من خارج الإقليم؛ مما دفع أصحاب الحسابات على التطبيقات البنكية العاملين في مجال التحويلات المالية وتسليمها إلى خصم نسب وصلت الى 30% من المبالغ المحولة مقابل دفعها لمستقبليها في أغلب أرجاء الإقليم،مستغلين الندرة في النقد؛ وبذلك تضاعفت معاناة المواطنين الذين يعتمدون على التحويلات. في المقابل أصدرت الإدارات المدنية المكون بواسطة قوات الدعم السريع بولايتي وسط وجنوب دارفور، وكذلك الإدارة المدنية في مناطق سيطرة حركة تحرير السودان ــ قيادة عبد الواحد نور، قرارات خفضت بموجبها نسبة الخصم إلى 7% في جنوب دارفور، 10% في وسط دارفور، 10% في مناطق سيطرة حركة تحرير السودان؛ إلا أن تلك القرارات لم يتم الالتزام بها، وفق متابعات سلاميديا. وقد أجبرت أزمة شح السيولة النقدية، سكان بعض المدن والمناطق في الإقليم لإتباع نظام المقايضة (التبادل السلعي). فيما اعتمدت الأسواق بمدينة الجنينة بغرب دارفور عملات أجنبية مثل الدولار الأمريكي والفرانك الأفريقي للتداول التجاري و مواجهة شح السيولة النقدية.
اعلان تغيير العملة
قرر بنك السودان المركزي في التاسع من نوفمبر 2024م، طرح ورقتين بديلتين لفئتي الألف جنيه والخمسمائة جنيه، في محاولة لدرء الآثار الاقتصادية المترتبة على فقدانه التحكم في الكتلة النقدية بالبلاد ومجابهة الشح في النقد الناتج بسبب عمليات النهب التي طالت شركة مطابع السودان للعملة ومقار بنك السودان في العاصمة وبعض الولايات. ونتج عن فقدان السيطرة على النقد انتشار واسع لعملات مجهولة المصدر وغير مطابقة للمواصفات الفنية من الفئتين المراد تغييرها، لذلك اتخذ البنك المركزي مجموعة من الإجراءات لغرض تنفيذ عملية استبدال الفئتين.
آثار تغيير العملة
بدأ ظهور بعض الآثار على خلفية القرار الذي اتخذه بنك السودان المركزي بتغيير بعض فئات العملة السودانية، حيث أفاد تجار في مناطق حدودية لدارفور مع دول الجوار بأن التجار الجنوبيين والتشاديين أوقفوا التعامل بالجنيه السوداني منذ سماعهم بقرار بنك السودان المركزي، واشترطوا التعامل بالفئات الجديدة. بينما سمح التجار التشاديين بأن تتم عمليات الشراء عبر التطبيقات البنكية المتاحة أو الدفع عبر عملة الفرنك.
ردود الأفعال
صدرت مجموعة من ردود الفعل إزاء القرار، أبرزها من قوات الدعم السريع التي ادعت أن القرار بمثابة التمهيد لتقسيم البلاد. ونقلاً عن (اسكاي نيوز)، أشارت قوات الدعم السريع، إلى عدم قانونية قرار تبديل العملات والسودان يعاني من انهيار شامل ونظام مصرفي مختل ومعطل في غالب الولايات، “لا يستند إلى مسوغ قانوني، وتبطله نظم الحماية المالية للأفراد في ظل الكوارث والحروب، ويبقى محض تهور اقتصادي لتحقيق أهداف سياسية معلومة”.
وفي ذات السياق يتفق المحلل المالي، أحمد بن عمر، مع زعم قوات الدعم السريع، بأن القرار ربما يكرس لانفصال إداري يقود بدوره إلى تشكيل حكومتين بنظامين ماليين مختلفين. وذهب الدكتور، حافظ الزين، أستاذ الاقتصاد في عدد من الجامعات، لوصف تبديل العملة بالتمرين على الانفصال النقدي، الذي يليه انفصال سياسي ثم جهوي.
إلا أن الخبير المصرفي والمسؤول السابق في بنك السودان، محمد عصمت، نفى إمكانية تكريس القرار لتقسيم البلاد على أساس الجهة المسيطرة (القوات المسلحة والدعم السريع)؛ مبيناً أن القرار يهدف إلى “قتل” النقد الموجود لدى الجمهور في مناطق سيطرة الدعم السريع
ويرى المحلل الاقتصادي آدم أحمد، إن القرار سيكون له أثر كبير على المدنيين في مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، وقال أن الحل يكمن في تطبيق القرار بمرونة تسمح بتداول العملة النقدية القديمة بجانب العملة الجديدة لفترة تصل لستة أشهر على الأقل. ويقول المحلل الاقتصادي وائل فهمي، إن قصر فترة السماح بتداول العملة القديمة سيؤثر على المدنيين الذين يحوزون على الفئات القديمة، لاحتمالية انعدام قدرة الوصول للبنوك.
لا تنحصر تداعيات عملية تغيير العملة فقط على الإشكاليات الإقتصادية والنقدية، وإنما تمتد إلى تداعيات سياسية داخلية وأمنية إقليمية من المحتمل أن تحمل نتيجتها النهائية أكثر من تصور لدولتين منفصلتين أو نظامين سياسيين في دولة واحدة مقطعة الأوصال. إن تغيير العملة ليس إجراء روتيني عادي، وإنما له تبعات إقتصادية وسياسية وإجتماعية مميتة في حال حدوثه بغير شروطه المتعارف عليها عالمياً. أننا في سلاميديا نلفت الإنتباه إلى خطورة هذا الإجراء والقيمة المكلفة لفاتورته الإقتصادية والسياسية.