وبينما نحن، جنبًا إلى جنب مع العديد من محبي السلام وغيرهم من الأفراد ذوي النوايا الحسنة، نسعى جاهدين وندير أي حجر غير مقلوب لمكافحة خطاب الكراهية من أجل جعل هذا البلد مكانًا مضيافًا وأفضل يمكن أن يستوعب جميع السودانيين بتنوعهم واختلافاتهم، هناك ومن ناحية أخرى، بعض المفسدين والأفراد ذوي النوايا السيئة الذين يعملون بلا كلل على تأجيج خطاب الكراهية اللعين هذا من أجل جعل السودان مكانًا بغيضًا وغير مناسب للعيش فيه. وظل أصحاب النوايا الطيبة والمؤسسات في البلاد يحذرون هؤلاء السيئين من الوقوع فريسة لإغراءات العنصرية وعقدة الاستعلاء، إلا أن تحذيراتهم قوبلت بآذان صماء وقلوب عمياء. مثل هؤلاء الأشخاص لا يريدون خيراً لهذا الوطن. إن هدوء واستقرار هذا الوطن ليس من أولوياتهم لأنه لا يخدم مصالحهم وأجنداتهم الشخصية والسياسية. ولا يتم تحقيق أجنداتهم إلا من خلال إثارة مضاجع وهدوء الشعب السوداني وإزعاجه.

      إن إثارة خطاب الكراهية مضرة غاية الضرر بالتماسك الاجتماعي ونسيج علاقات المجتمع. إن الذين يزرعون بذور الفتنة والكراهية من خلال لغتهم البذيئة ومواقفهم وسلوكياتهم الاستفزازية لن يحصدوا إلا الأسى والرثاء. ويقال أن الفتنة أشد من القتل. إن خطاب الكراهية، إذا ترك دون رادع، سيولد خطاب كراهية مضاد. لابد من بذل جهود هيكلية مستنيرة للقضاء على خطاب الكراهية في مهده قبل أن يتحول إلى غوريلا هائلة تصعب السيطرة عليه. ومن المؤسف أن بعض السودانيين في هذه الأيام في بعض القطاعات والمواقع الجغرافية يتبنون نوعا من العبارات الطنانة الغريبة عن المعجم الأخلاقي والثقافة السودانية. هذه العبارة الطنانة هي “الوجوه الغريبة”. ظل هؤلاء الأفراد السودانيون يلوكون هذه العبارة الطنانة في تلك القطاعات والمواقع الجغرافية المحددة من أجل تبرير وإضفاء الشرعية على أعمالهم الوحشية ضد هذه المجموعات العرقية المعينة. هذا نوع من خطاب الكراهية المطلق. إنه نوع متطرف من خطاب الكراهية الذي يهدد تماسك وبنية البلد بأكمله الذي يعاني بالفعل من الهشاشة وعدم التماسك.

        يجب علينا جميعًا أن ندين هذه العبارة الطنانة “الوجوه الغريبة” بأقوى عبارات الشجب والإدانة الممكنة. يجب إغلاق هذا الباب بأسرع ما يمكن لأنه إذا ترك مثل هذا الباب مفتوحا فلن يتم إغلاقه بسهولة مرة أخرى. هذه العبارة الطنانة “الوجوه الغريبة” تذكرنا بالجروح القديمة لـ “الأكياس السوداء”. لا يزال بعض السودانيين ذوي الذاكرة القوية يتذكرون بوضوح الكلمة العبارة الأخري “الأكياس السوداء” التي كانت تستخدم في فترة معينة من نظام معين في السودان. لقد تم إضفاء الطابع المؤسسي والشرعي على هذه العبارة الطنانة “الأكياس السوداء” وتنظيمها من قبل ذلك النظام بالذات، وأصبحت تلك العبارة  جزءًا لا يتجزأ من السياسة العامة للدولة في ذلك الزمان. وبناءً على تلك السياسة العامة سيئة السمعة، تمت إزالة جميع “الأكياس السوداء” من “العاصمة المثلثة” الخرطوم. وتم تطهير العاصمة الخرطوم وتعقيمها وتنقيتها من هذه “الأكياس السوداء” وهي؛ أطفال الشوارع والشباب. تم نقل بعض هؤلاء الأطفال والشباب قسراً إلى أدغال الجنوب كمقاتلين (مجاهدين) ولم يعود معظمهم مرة أخرى، وتم سجن البعض الآخر، بينما تم إعادة البعض إلى مناطقهم الأصلية. وهناك حتى الآن العديد من الأطفال والشباب  لا أحد يعرف أماكنهم. كانت العبارة الطنانة “الأكياس السوداء” نوعًا من خطاب الكراهية الهيكلي الذي سيتعمق في ذاكرة تاريخ السودان. العبارة الطنانة “الوجوه الغريبة” هي نسخة طبق الأصل من العبارة الطنانة القديمة “الأكيا السوداء”، وكلاهما مصنف على أنه خطاب كراهية متطرف.

     قد يدفع مثل هذا الخطاب المتطرف بعض المتطرفين السودانيين عمداً إلى المحاولة الرجوع الي عصر ما قبل دخول العرب إلى السودان ليريدوا تلك “الوجوه الغريبة” التي عبرت البحر الأحمر ودخلت السودان. ربما يريدون معرفة أماكن تواجودهم الأن. ألم تكن تلك الوجوه غريبة أيضًا؟ رجاءً إغلقوا هذه النافذة. رجاء أغلقوا باب هذا النقاش

         أود أن أختتم بالقول إن التاريخ السوداني المكتوب وغير المكتوب مليء بالكثير من الفصول السوداء والصفحات سيئة السمعة المسكوت عنها والتي تحتاج الي مراجعة دقيقة. أقول عفي الله عما سلف من أجل هذا الوطن الجريح النازف. دعونا لا نثير أو نمس هذه الجروح القديمة حتى لا نحي تلك الجراحات والذكريات القديمة. إن مس هذه الجروح القديمة سيفتح بابًا للجحيم على مصراعيه، والذي سيصعب غلقه مرة أخرى. إن الجروح القديمة المتقيحة سيكون لها آثار وتداعيات مدمرة على البلد بأكمله. فلنضع معًا حدًا لهذه العبارات والمصطلحات والمفردات الإستفزازية مثل “الأكياس السوداء”، و”الوجوه الغريبة” وما شابه ذلك.

       أولاً، دعونا نركز بكل الوسائل والطرق على وقف  هذا النزيف الحاد لهذا الوطن الحبيب وذلك من خلال نزع فتيل هذه الحرب اللعينة المستمرة ثم نتجه بعد ذلك إلى الإصلاحات الأساسية والجوهرية  والتي تتمثل في الأتي؛ الإصلاح الدستوري، الإصلاح السياسي، الإصلاح الإداري، الإصلاح القانوني، الإصلاح الحكومي، الإصلاح البرنامجي، الإصلاح التنظيمي، إصلاح نظام القيم والمبادئ. عندما يتم إجراء مثل هذه الإصلاحات والتعديلات الهيكلية، فإن خطاب الكراهية سوف يختفي تلقائيا. ويختفي معه الفساد والمحسوبية والمحاباة . وسوف يختفي سوء إدارة التنوع. وسوف يختفي القمع والبطش. كما أن تعقيدات الفوقية والدونية لن تكون موجودة. القيادة السيئة لن تكون موجودة بعد الآن. وبدلا من ذلك، سوف تسود السودانوية الساحة. ستظهر المبادئ النبيلة والقيمه الجوهرية. إنه المكان الذي يمكن للقطط والفئران أن تتعايش فيه بسلام وتتعاون من أجل مصلحتهم المشتركة.

محجوب سليم قدال/ كمبالا – أوغندا

الاثنين 30 ديسمبر 2024

يمكنك التواصل معي على: البريد الإلكتروني: – mahjoubferen@gmail.com 

أو عبر رقم الجوال: (+256)763766631، أو: (+256)763766631