الخرطوم:حسين سعد
تتميز هذه الانتفاضة عن سابقاتها بكونها حراك نوعي، قوامه المراة، والشباب والطلاب والعمال، والمثقفون الذين يتمتعون بوعيٍ نقدي كامل لتجربة الحكم في السودان لفترة ما بعد الاستقلال، بشقيها العسكري والديمقراطي معًا، كما يتميَّز هذا الحراك بانتشاره في جميع مناطق السودان، وبمشاركة نسوية،وشبابية لافتة، سيكون لها أثرها في تحديد ملامح المرحلة المقبلة فوق ذلك، فقد تواصلت هذه الانتفاضة مدة أطول بكثير من ثورة أكتوبر 1964التي أطاحت الفريق إبراهيم عبود، وثورة أبريل 1985 التي أطاحت الرئيس جعفر النميري،والنقطة المهمة وهي التفاف القوي السياسية بكافة مكوناتها نداء السودان وقوي الاجماع الوطني بجانب الاحزاب السياسية الغير منضوية لهذه التحالفات السياسية كل هذه القوي السياسية توحدت خلف اعلان الحرية والتغيير، المقارنة الاخري هي ان الثورة الحالية واجهة قوة أمنية، وقمع أكثر من ثورتي أبريل، وأكتوبر،كما لعبت مواقع التواصل الاجتماعي التي كانت غائبة في ثورتي أكتوبر وأبريل، دورا مفتاحيا في الثورة ،نخلص الي ان الصمود النبيل للثوار أكد علي ان  القبضة الأمنية لا تستطيع أن تقتل إرادة شعب يسعى للحرية،فالقضاء على (الانتفاضة) ليس بإسكات الاحتجاجات الشعبية، ومطالبها المحقة في  الحرية ،وخروجها للشوارع والميادين العامة،وتسييرها للمواكب الهادرة، ولا بحل المشاكل الاقتصادية فقط، وإنما بضرورة بناء دولة ديمقراطية تمثل الإرادة الشعبية المعاصرة،والاستجابة لمطالب الجماهير في الحرية والتغيير، فالملاحم الثورية التي يخوضها الشعب السوداني اليوم عبر انتفاضته الباسلة ، تؤكد بأن هذا الشعب العظيم، وبالرغم من كل الممارسات القمعية، يثبت صموداً بلغ حدّ الإعجاز (وحياه الشعب السودانى..الثوره طريقى وايامى ) تتكامل هذه الصورة وتتلاحم مع صورالصمود، والبطولة التي تبذلها الجماهيرفي انتفاضتها المسلحة بالصبر، والمعنويات العالية ،والتي تتخذ من السلمية خيارا واحدا (سلمية سلمية) هذه الهتافات تمثل صدى رسالة غاندي، ومانديلا، ومحمود محمد طه،وأيقونات زمن الثورات والاحتجاجات السلمية، صدى قوة الحق، واللاعنف، والمقاومة السلمية من أجل تحقيق الحرية، ولفت انتباه كافة الشعوب المحبة للسلام في العالم، ومايميز هذه الانتفاضة إنها ثورة الجماهير بحق، قادها شباب مؤمن بنفسه ووطنه ومستقبله، حيث نزل إلى الشارع في سبيل أن يكون المستقبل مشرقا،فهذه الثورة التي ولدت من رحم الشعب، صنعت نفسها بنفسها، لذلك ستظل مستمرة حتى تحقق أهدافها بانتقال سلمي للسلطة، عليه يبقى كل الرهان على الشعب، وثورته الصامدة، والتي تحدت كل ما تسلح به النظام من أجهزة قمع، فحطمت جدران الصمت، والخوف، وهزمت أجهزة القهر في الميادين والشوارع، فقد برهنت هذه الانتفاضة أنها لن تتوقف، بل ستستكمل مشوارها إلى أن تتحقق الأهداف التي انطلقت من أجلها،وسيذكر التاريخ أن شاعر الشعب محجوب شريف الذي كان حاضرا بثقله الكبير، في انتفاضة شعب أراد الحياة صافية مبرأة من نكد الطغاة، مضمخة بعطور المحبة والوئام، مسيجة بسياج العدالة والسلام، مشحونة بقيم الحق والخير والجمال،(مليون سلام يا شعبنا أحرار وحريتنا في إيمانّا بيك ..ثوار بنفتح للشمس في ليلنا باب ..لي يوم جديد ..وبنفتديك ..وعيونا تتوجه اليك ..إنت المعلم والكتاب) 

وحدة المعارضة:

لم يسجل نظام البشير منذ، وصوله إلى الحكم إنجازات فعلية خلاف تمسكه بالسلطة، إذ فشل في الحفاظ على وحدة البلاد، وادارة تنوعها الثقافي، والديني ، كما فشل النظام في إدارة الامكانيات والموارد في البلاد ،وعلي رأسها المورد الزراعي ، والفشل في توفير السلع، والخدمات ،وكبح جماح الغلا ء وتفلت السوق وجنونه، وتراجعت قيمة الجنيه السوداني، مقابل الدولار الأميركي الواحد، عندما استلم النظام الحكم عام 1989، إلى أرقام فلكية بلغت نحو 70 جنيه، ويرجح خبراء اقتصاديين تجاوزه للمئة جنيها خلال الفترة القادمة ، كما فشل النظام في جلب استثمارات مفيدة لاقتصاد البلاد حتى بعد رفع العقوبات، فضلا عن تهريب الذهب الذي يمتلك السودان بعض أكبر مناجم التنقيب عنه، أما من ناحية المعارضة السودانية فنري إنها قادرة على اكتمال وحدتها، وقادرة ايضا علي صناعة التغيير، وتقف معها، وتسندها قطاعات عريضة من الجماهير السودانية، والكيانات الاجتماعية ،وفئات الشباب، والطلاب والمرأة والمحرومين الراغبين في التغيير فالاستبداد، والظلم وحد السودانيين الذين جمعتهم السجون، والمعتقلات، لكن هذه الوحدة  بحاجة إلي من يلتقطها، وينسج خيوطها،وحتي لا نضيع وقتا ثمينا،ونحن وبلادنا في وضع متحرك، يمكن للمعارضة السودانية أن تنطلق من تجاربها السابقة للخروج برؤية تعيد للسودانيين دولتهم المخطوفة والمنهوبة، وتعمل علي اعادة بناء الوجدان المشترك لشعبنا، والمطالب المشتركة، والعمل على تحقيق أوسع التفاف جماهيري ممكن حولها حتى تتحول الى مرجعية شاملة يتطلب تنفيذها حدود دنيا من التنسيق، و الاعداد المشترك ،وحدود عليا من المسوؤلية الوطنية، فالنظام استنفذ أغراضه، والأوضاع الحالية، والقمع طوال ثلاثة عقود يحفز الشعب للمضي في ثورته حتي نهاياتها السعيدة ،لذلك علي المعارضة ،مراجعة حساباتها ،ورسم أهدافها بحسب ما يتوفر لديها من إمكانيات متواضعة، وعدم إضاعت الوقت في البحث عن مواثيق جديدة، وعلي المعارضة البناء علي ما تم، لأن بلادنا وأزماتها في سباق مع الزمن الذي تتسارع فيه، وتيرة التغيير حيث باتت الحياة قاسية، وتصاعدت حدة الأزمة الاقتصادية والسياسية ،وتفشت وبشكل مزعج في السودان ثقافة العصبية ،والقبلية علي حساب ثقافة الوطن والمواطنة، وسادت ثقافة الغنيمة علي حساب ثقافة بناء الدولة والمؤسسات او كما يقول المثل الشعبي (دار ابوك كان خربت شيل ليك منها عود)،فالسودان من الدول الأكثر فقرا، وهشاشة لذلك هو مرشح لمخاطر اهتزاز أوضاعه، وتفاقمها في ظل الأزمات الحادة، وما يزيد من ذلك وجود مؤشرات تتمثل في تزايد معدلات الجريمة بهدف المال، والسرقة فضلا عن تنامي المواجهات القبلية الدامية هذه مؤشرات تدل على درجة عالية من الخطورة تهدد السلم الاجتماعي في البلاد التي تعاني أصلا من تراكمات ،تعمقت مع الزمن، ولم تستطع الأنظمة الوطنية تخليصه منها، بل أن بعضها زادتها تعميقا وتكريسا ،والشاهد هنا النظام الحالي، لفشله المستمر في النهوض الاقتصادي والاجتماعي، ومايعزز رؤيتنا هنا ماقاله القيادي الإسلامي البارز أحمد عبد الرحمن محمد في حوار له مع الزميل الصحفي صديق دلاي : القصة باظت وأوصي الإسلاميين (يسردبو بس) وأوضح :اشتغلنا بتفكيك الجبهة الداخلية بدون فائدة من ذلك وفرتقنا الأحزاب بقصر نظر عجيب وعجزنا عن تحقيق وحدة وطنية معقولة مع بقية السودانيين، وتعاملنا بطريقة غير مسؤولة مع ثوابت سودانية، طريقة بها عدم أمانة وفهم لطبيعة المكون السوداني فتعاملنا مع قطاعات ضخمة بولائها القبلي والجهوي وكان تعامل غير مسؤول للقضايا الوطنية،وأضاف: تعاملنا بالولاء القبلي والجهوي وهو عدم مسؤولية للقضايا الوطنية،ووصف عبد الرحمن التظاهر رسالة صادقة من الشارع والشباب. وفي سياق ذي صلة نقراء اعتراف مولانا أحمد هارون الرئيس المفوض للمؤتمر الوطني بقوله: ان مستقبل السودان لايشكله المؤتمر الوطني وحده ولا الاحزاب الاخرى بل يشكله الجميع بشكل تشاركي،وأضاف هارون في الحوار الذي أجرته معه الهيئة القومية للاذاعة والتلفزيون أن المشهد السياسي الوطني كله يحتاج إلى تغيير ليس في الشكل الظاهري بل في محتواه نحن في الحزب أمام تحول كبير نريد أن نشكله مع شركائنا في القوى السياسية أيا كان موقفهم وحتى يستقر السودان يجب أن نؤسس لادارة قواعد الاختلاف بدستورية جديدة يعبر عنها بدستور دائم للسودان،وفي مقال له بعنوان تعليقات في السياسة الداخلية نشرته الميدان أشار الاستاذ سليمان حامد الي ما نشرته الانتباهة في 27-مارس 2019م  عن قطبي المهدي القيادي في المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية(المؤتمر الوطني لم يعد مواكبا للمرحلة بل ويتحمل الاخفاقات الماضية، وبالتالي كان حاجة هناك لانشاء حزب جديد واحمد هارون مكلف بذلك) واقعيا ينقسم المجتمع السوداني إلى أثنين أقلية من الأثرياء، تعيش في أجواء من الترف والفساد، إلى جانب أكثرية ساحقة من الفقراء، والمعدمين، الذين يعانون قساوة الحياة في ظل تخلي الدولة عن أدوارها الاجتماعية والاهتمام بالشرائح الضعيفة، وكبار السن ، وما يزيد في تعمق هذا المشهد الاجتماعي المأزوم، غياب شبه كلي للطبقة الوسطى، التي تشكل صمام الأمان للمجتمع ورافعة لنهوض الدولة اقتصاديا واجتماعيا، كلها عوامل تجعل الأوضاع الاجتماعية قابلة للانفجار في أي وقت، لأنه من المرجح أن تزيد الأزمة الحالية هذه الأوضاع قتامة، وتفاقما خاصة إذا عرفنا أن البطالة سجلت أرقاما فلكية حيث تجاوزت 20 % ونسبة الفقر تجاوز 46 % ، (هذه الأرقام مشكوك في صحتها ) ،اقتصاديا ما زالت العملة الوطنية تواصل ترنحها أمام الأجنبية وفشل كل محاولات الإصلاح الاقتصادي كما ان الغلاء يطحن الناس وانهيار تام للقدرة الشرائية،التحدي الأخر هو انتشار الفساد المالي والإداري، والنهب الممنهج لثروات السودان،محاربة الفساد (القطط السمان) صارت واحدة من أدوات حسم الصراع داخل النظام،ما دفعنا الي تشريح هذا الواقع المؤلم هو استشرافنا للمستقبل، والاستفادة من دروس الماضي حتي لا تجد المعارضة نفسها في مناخ ملتهب، وأمام وضع جديد أدواته مختلفة، وإيقاعه أسرع من ما اعتادت عليه، فثورة ديسمبر دفعت الجميع إلى الأمام، ورفعتهم إلى أعلى،فهي بحاجة الي غطاء سياسي، أوسع ورافع خارجي لمخاطبة المجتمع الدولي والاقليمي.

وجدان مشترك:

بعد ثلاثة عقود من انقلاب الانقاذ، تسببت التغيرات في موازين النخب الاجتماعية لحساب الحركة الاسلامية التي استحوذت على مفاصل الاقتصاد والسياسة، وأصبحت تتمتع بغناء فاحش، في مقابل اتساع دائرة الفقر بين شعب السودان،وتسبب ذلك في كثير من الإحباط والصراع المكبوت، كما لم تقتصر الاحتجاجات على الفقراء فقط، أو منطقة جغرافية محددة، بل شملت مختلف المناطق والعرقيات،حتي الاغنياء ،فالمشروع الحضاري الذي فشل تماما، وكانت نتائجه كارثية علي الشعب السوداني حيث قيدت الحكومة الحريات، وتدخلت في الشان الشخصي ،ووصل الحد إلى التحكم في أشكال الملابس والسلوكيات كل ذلك خلق حالة امتعاض تنتظر فرصة التعبير،والاحتجاج،كما عمل النظام علي غرس بذور الفتنة القبلية، وتفشي العنصرية لكن الثورة ضمدت جراح الوطن المكلوم وعندما دمغت الحكومة طلاب دارفور كذبا هتف الشعب السوداني من شماله الي جنوبه وشرقه الي غربه ووسطه (كل الوطن دارفور)ومن أبرز علامات هذا الحراك أيضًا حرصه على الطابع السلمي ورفض أي شكل من أشكال العنف، فخلال نحو أربعة أشهر لم تُسجَّل حادثة تخريب، ويتميز هذا الحراك أيضًا بوقوف بعض الطرق الصوفية التي تنتشر في السودان على نطاق واسع إلى جانبه، ونري لهذا التحول دلالاته،ومنذ انتفاضة سبتمبر 2013، تمكّن الشباب والطلاب المنتفضون، عبر ممارسة العمل الطوعي، والتشبيك الرقمي لمجموعاتهم على منصات التواصل الاجتماعي، من تحقيق درجة عالية من التنظيم والتنسيق،وقد وجد هذا الحراك الرقمي فرصته ليتحول إلى فعلٍ لافت في الشارع مع اشتداد الظروف المعيشية، وسارعت الحكومة، منذ بداية الانتفاضة، إلى إغلاق منصتي فيسبوك وواتساب، إلا أن شيوع امتلاك الهواتف الذكية، والمعرفة بخاصية الشبكة الافتراضية الخاصة VPN، مكَّنا الشباب والكبار، معًا، من الالتفاف على الحظر الحكومي. ومن مؤشرات نجاح هذا التواصل الشبكي الواسع.
  ثورة شعب

يقول الخبراء انه ليس هناك ثورة بدون وعي ثوري، وليس هناك ثورة بدون إرادة ثوريَّة، وان الإرادة لن تنهض بدون روح الوطنية النابض في جسم الثَّائر،فالثَّورة وعْي متكامل عند الشُّعوب المقهورة، وهي علاج ناجع للشعوب المغلوبة على أمرها، لتنزع الذل والمهانة، والفقر والجهل والمرض،فالثورة يمكن وصفها بثوب مطرز بخيوط الإنصاف لتحقيق العدل والمساواة بين أبناء شعب واحد،وهي قلم ذهبي يسطر تاريخ المقهورين بكرم وشرف، فثورة السودان اليوم صارت ثقافة شعبية اجتماعية تجدها عند الاطفال وبراءتهم ولعباتهم، وقصصهم ،تجدها لدي الثوار في قصص صمودهم، وجسارتهم ،تجدها في زغاريد النساء التي تلهب الثوار ،تجدها في المستطيل الاخضر، وعند احتفال لاعبي كرة القدم بتسجيل هدف  ذكي ،الثورة حاضرة في مسارحنا ،وفي غنانا المشتهونو،ومساعد علي تحول هذه الهبّة الجماهيرية بهذه الوتيرة السلمية المتصاعدة، هو إمتلاكها لروح الإصرار، والتحدي، وبتقديمها كل هذه التضحيات إلى انتفاضة شعبية هادرة ،حيث إتسعت قاعدتها الجماهيرية ،والتفت حولها الجماهير،وبخلفية بسيطة نجد ان الإحتجاجية الشعبية جاءت بعد سنين طويلة من الإفقار الاقتصادي، والقمع ، فالبركان الذي انفجر قد سبقته شروط ،ومسببات امتدت لأعوام عديدة، وما كان يعتمل في داخل هذا البركان الخامد إنفجر في لحظة الذروة، لقد زاد من حدّة غليان الشارع الاستفزاز للشعب، والأزمة الإقتصادية الأخيرة، ونهج السياسة الإقتصادية القائم على آليات السوق، وتوصيات المؤسسات الرأسمالية الدولية، ووصفاتها في التقشّف، والخصخصة، وتخفيض الدور الإجتماعي للدولة مع ارتفاع مستويات الفساد المالي، والنهب الممنهج، وفشل كل الوعود التي اطلقها النظام لمحاربة القطط السمان، والتي تعتبر صراع أجنحة، فملايين العاطلين عن العمل من الشباب الخريجيين ومئات الآلاف من المزارعين، والعمال وفئات واسعة من الطبقة الوسطى التي اندثرت قد وجدوا انفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: إمّا الرضوخ للأمر الواقع والاستمرار بشروط الحد الأدنى من العيش، وبشروط الحد الأقصى من قمع الحريات المدينة والسياسية وإمّا الانتفاضة ومحاولة تغيير الواقع،وبالفعل انتصر هذه المرة هو الخيار الثاني، ولو كانت تكاليفه مرتفعة، ولكن لم يكن امام الشعوب حل آخر مفضل ، وفي المقابل لم يخرج النظام عن أساليبه التقليدية في القمع، والبطش لكل معارض، كما ما زال مستمرًا بسياسة تمرير الوقت ريثما يتوصل للقضاء نهائيًا على كل صوت معارض بكافة الاساليب الممكنة، كما أن النظام ما زال يلوّح بسياسة التهديد بالأوراق التي يملكها امام الدول الكبرى،(الارهاب والهجرة غير الشرعية) ولكن لا يوجد حتى اليوم مؤشر على إنه سيخاطر بلعب هذه الأوراق ،صحيح ان بعض الدوائر الدولية ما تزال تجد في النظام ضمانة للاستقرار في المنطقة،وإن أقصى ما تريده هذه الدوائر هي بعض المكاسب السياسية المتعلقة بترتيب أوراقها في المنطقة، ولا يخفي على أحد أن هذه الدوائر لا تضع في حساباتها مصالح الشعب السوداني وطموحاته المشروعة في الحرية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية،لكن هناك دول مشغولة بالازمة السورية، والصراع الاقليمي بالمنطقة التي تعيش سيولة غير مسبوقة، وبحسب بيان لحزب الامة القومي فأن ميزانيةهذا العام 2019م تُنذر البلاد بكارثة كبـرى، بما فيها من عجز، وزيادة في الانفاق، وضعف تمويل الانتاج، وإهمـال خدمات ومعاش الناس، يؤكد ذلك ارتفاع الانفاق الي 53% عن العام الماضي، والعجز ارتفع الي 90% واصبح يمثل 25% من العجز الكلـي ومصادر تمويل هذا العجز هي طباعة بلا تغطية، مما يرفع التضخم والاسعار والقروض، كما أن نسبة التضخم المستهدفة 27% وهذه نسبة غير واقعية فالنسبة السائدة 90%، وعَجز الميزان التجاري المستهدف 2,5 مليار دولار، والعجز الفعلي في ظل الصـادر والوارد لا يقل عن 6 مليار دولار في العام هذا العجز مرشح للزيادة في ظل الفجوة بيـن سعر الدولار في السوق الموازي وسعر آلية السوق، إضافةً الـي أن شُـح  النقد نَسـف ما تبقـي من ثقة في النظام المصرفـي وانكسار الدورة النقدية، هـذه المؤشرات تؤكد بأن هذا النظام مستهدف لشعبنا في معاشه واستقراره، فكلفة بقاءه باهظة، ورحيله أول خطوات التعافـي الاقتصـادي.

ميزات الثورة:

كشف الاحتجاجات منذ بدايتها عن مجموعة من الخصائص، منها سلمية المواكب ،والالتزام بالمواعيد والدقة  في التنظيم،كما يتميز الحراك  بمستوى عالي من الوعي، والتحضر، وتدل علي ذلك مؤشرات عديدة مثل تقديم المياه ،والعصائر للثوار والمساهمة في اصلاح تهشيم زجاج عربة احدي المواطن تهشم بالخطاء، ولم تسجل المواكب التي دخلت شهرها الرابع اي حادثة،وتنظيف الشوارع ،كما لم ينسي الثوار رد التحية بأحسن منها ،وذلك من خلال تسير موكب الي منزل المناضل المهندس صديق يوسف عميد المعتقلييين، وتكريمه بمسجد الملازميين ،فالميزة المهمة ايضا تتمثل في الحشد من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، ولعبت صفحات الفيسبوك دورًا أساسيًا في نشر الفكرة والوعي بين المواطنين، وحشد الجماهير، وحثها على أخذ الاحتياطات اللازمة كعدم الاصطدام مع الأجهزة الأمنية، وعدم الاستماع إلى الشعارات المنادية بالعنف والشغب، ويشارك في المواكب كل الفئات العمرية، والطبقات الاجتماعية، وفئات من المستويات التعليمية والثقافية كافة، رجالاً ونساءً، وشباب ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي (خاصة فيسبوك) في حشدها،فضلا عن تجنب استخدام أساليب الشغب والعنف اللفظي أوالمادي،وتوحيد الشعارات والمطالب التي رفعها المواطنون، ونادوا من خلالها بالتغيير الجذري للحكومة، والإصلاحات الشاملة لكل المجالات سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا،وعكست المواكب  صورة إيجابية عن الوحدة الوطنية، بحيث لم تظهر شعارات عنصرية، فقد تمكنت الثورة من توحيد الصفوف، وتجاوز معيار الجهوية والعرقية والإثنية بل العكس عندما اتهمت السلطات ابناء دارفور ببعض الاحداث هتف الثوار(كل الوطن دارفور) كما فشلت كافة الخطوات التأمرية التي سعت لدمغ الثورة بأنها تحركها أطراف خارجية،المدهش في الثورة هو مشاركة المراة بشكل كبير وفي كل المواكب والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية.(يتبع)تنحي بالتقسيط المريح