عادل عبد الله نصر الدين المحامي

نفى الجيش في بيانٍ منشور مسؤوليته عن الانتهاكات الجسيمة التي وقعت في مدينة ود مدني عقب استرداده لها بتاريخ ١١ يناير ٢٠٢٥، خاصة تلك التي تخللتها عمليات ذبح وحرق وتمثيل بالجثث في الكنابي.

وأكد في بيانه بأنها عمليات فردية، أي لا علاقة للجيش بها. دا كلام ممتاز، يعني أن الجيش اعترف بأن أؤلئك الأفراد يتبعون له، وأن القادة على علم بتلك الجرائم التي ارتكبت في مدني المدينة والكنابي، ومن هنا يمكن إثارة عدة أسئلة تقتضي الإجابة عنها وهي: هل وجه أؤلئك القادة بإجراءات فتح بلاغات في مواجهة الأفراد المتهمين بتلك المجازر؟ وهل تم القبض عليهم أو حتى على أي فرد منهم؟ وهل هم في الحبس الآن وإجراءات استجوابهم وتوجيه التهم إليهم تسير وفق مقتضيات العدالة؟ وإن كان بالفعل تم اتخاذ إجراءات في مواجهتهم لماذا لم يتم نشر أسماءهم وأرقام البلاغات المفتوحة ضدهم؟ مع العلم لا حصانة في دماء البشر واعتبار نشر أسماء أؤلئك الأفراد بالأسرار العسكرية. ذلك جانب، والجانب الآخر هو انتشار فيديوهات ورسائل تحمل الوعيد بالتحريض على إبادة سكان الكنابي مع الترويج الواسع لها، خاصة أنها صادرة عن أفراد معروفين بانتمائهم للمليشيات والكتائب الإسلامية والحركة الإسلامية، ويحاربون مع الجيش. فما هي التدابير المعقولة التي اتخذتها قيادة الجيش لمنع وقوع تلك المجازر؟ حتى الآن قادة الجيش في لجة صمت المقابر إزاء مرتكبي تلك المجازر، فالفعل الوحيد الذي قاموا به هو البيان الذي اتخدوا منه ملاذ إنكار لنفي مسؤوليتهم دون أن يدروا إنه سند إدانة ضدهم. فنفي أو إنكار مسؤوليتهم عن تلك الجرائم وتحميلها لأفراد كخط دفاع لبراءتهم، يبدو ذلك مثل الشخص الذي يبني سدا من قصب البوص أمام شلال لحبس مياهه، فالقاعدة (١٥٣) من القانون الإنساني الدولي واضحة في قضائها بتجريم القادة، إذ إنها قضت بتجريم القادة إذا عرفوا بوقوع الجريمة ولم يعاقبوا مرتكبيها، أو أنه كان لديهم علم بوقوعها ولم يتخذوا التدابير المعقولة لمنعها وجاء في نص القاعدة (القادة والأشخاص الآخرون الأرفع مقاما مسؤولون جزائيا عن جرائم الحرب التي يرتكبها مرؤوسوهم إذا عرفوا، أو كان بوسعهم معرفة أن مرؤوسيهم على وشك أن يرتكبوها، أو كانوا يقومون بارتكاب مثل هذه الجرائم ولم يتخذوا كل التدابير اللازمة والمعقولة التي تخولها لهم سلطتهم لمنع ارتكابها أو معاقبة الأشخاص المسؤولين عنها. بكل تأكيد إن تحمل نتائج جرائم جسيمة بهذا الحجم قد يكون مستحيلا ابتداء من أعلى الرتب العسكرية إلى أدناها، لذا قد يدفع أحد أفراد الجيش أو بعضهم ممن ارتكبوا تلك الجرائم الجسيمة المنتهكة للقانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان في مدينة ود مدني والكنابي التابعة لها بأن ما قام به من قتل وحرقٍ واغتصابات وتمثيل بالجثث إلا طاعة لأوامر قائده وبكل تأكيد أن ذلك الدفع لن يصمد أمام القاعدتين بالرقمين (١٥٤/ ١٥٥) من ذات القانون، أي القانون الإنساني الدولي، حيث تنصان وعلى التوالي على الآتي: (يجب ألا يطيع المقاتل أمرا من الواضح إنه غير قانوني)  و(لا يعفي المرؤوس من المسؤولية الجزائية إطاعة أوامر عليا إذا عرف أن الفعل المأمور به غير قانوني أو كان بوسعه أن يعرف ذلك بسبب الطبيعة غير القانونية الواضحة للفعل المأمور به). وبحسب نصي المادتين أعلاه أن مجرد علم أو معرفة المرؤوس (العسكري) بأن ما يرتكبه يشكل جريمة لا يستفيد من الدفع بطاعة أوامر قائده، إذ يتحقق علمه أو معرفته بأن ما يرتكبه جريمة بسلطة تطبيق القانون الجنائي السوداني٩١ المعدل عليه وذلك حسب (الباب الثامن عشر /الجرائم ضد الإنسانية والجرائم الخاصة بالحرب)، فوفقا لقواعد القانون الإنساني الدولي أن قادة الجيش ابتداء من أعلى الرتب في السلم العسكري والقادة الميدانين الذين أداروا معركة تحرير مدني يتحملون نتائج الانتهاكات الجسيمة التي تشكل جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وأيضا لا يعفي العساكر الذين ارتكبوا تلك الانتهاكات من تحمل نتائج ارتكابهم لها بحجة طاعة أوامر قادتهم.

فيا قادة الجيش حتى لا تتساقط فؤوس المحكمة الجنائية الدولية على رؤوسكم وتصبحون ملاحقين دوليا عليكم:

أولا: بالسيطرة علي ميادين القتال وإصدار أوامركم بوقف الانتهاكات ولن يتحقق لكم ذلك إلا بإبعاد الدواعش وحسم تدخل الكرتيون في شأن الجيش .

 ثانيا: تقديم مرتكبي الانتهاكات للمحاكمات.

ثالثا: تقديم من يبثون فيديوهات ورسائل التحريض والكراهية للعدالة .