تقرير سلاميديا
لم يكن قرار الخروج من مناطق النزاع أمراً سهلاً، بل أنه يمثل بداية لمعاناة جديدة بحثاً عن الأمان؛ سواء أن جاء الفرار من مدينة الفاشر- التي تشهد معارك ضارية وقصفاً مدفعيا وجوياً منذ أكثر من ثمانية أشهر- أو مدن دارفور الأخرى التي تواجه قصفاً جوياً مستمراً. من بين هؤلاء الفارين من جحيم الحرب، السيدة/ عرفة آدم، التي اضطرت إلى ترك مركز الإيواء الذي تمكث به في مدينة الفاشر، والاتجاه نحو مناطق سيطرة حركة تحرير السودان – قيادة عبدالواحد محمد نور بجبل مرة. تقول عرفة واصفةً معاناتها مع رحلة النزوح من الفاشر “بعد قضاء يومين على ظهر شاحنة مكتظة بالنازحين، تمكنا من الوصول إلى بلدة روكرو بجبل مرة” وتضيف “لم تكن الرحلة سهلة، فقد واجهتنا تحديات عدة، منها قلة الطعام والماء، مما جعلنا نشعر بالقلق على صحتنا وأطفالنا“. وفي ذات المنحى أوضح النازح سليمان إبراهيم، أن التنقل بين المناطق الجبلية المختلفة وصولاً إلى جبل مرة يمثل تحديا كبيراً؛ مضيفاً: “تضطر الأسر إلى السير لأيام في ظروف قاسية، حيث يواجهون شتاءً قاسياً، مما يزيد من صعوبة الرحلة“. وأشار سليمان إلى أن بعض النازحين يفضلون الانتقال بواسطة الشاحنات، حيث توفر لهم بعض الراحة والسرعة، بينما يختار آخرون السير على الأقدام بسبب نقص وسائل النقل والمال، مما يزيد من معاناتهم. وأضاف “يعاني الكثير من الأطفال والنساء من التعب والجوع، ويضطر البعض للتخلي عن متعلقاتهم أو حتى عن بعض أفراد الأسرة”.
تدفقات النازحين
رغم تلك الصعوبات التي تواجه الفارين من مناطق النزاع في طريقهم الى جبل مرة، إلا أنه في الأشهر الثلاثة الأخيرة استقبلت مناطق سيطرة حركة تحرير السودان حوالي 3,675 أسرة نازحة. بينما بلغ عدد النازحين من مدن ومناطق الإقليم الأخرى إلى جبل مرة منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023م أكثر من 93 ألف أسرة.
تحالف عسكري
هنا تجدر الإشارة إلى إعلان حركتي تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور وتجمع قوى تحرير السودان برئاسة الطاهر حجر، شروعهما في تكوين قوة محايدة لحماية المدنيين، تأمين القوافل الإنسانية والتجارية وتسهيل حركة النازحين. وجاء التحالف العسكري بناءً على الإعلان السياسي الذي وقعته الحركتان في الأول من أكتوبر 2023م بمدينة جوبا عاصمة جنوب السودان. وسبق إعلان إنشاء القوة المشتركة اجتماعات بين رئيسي أركان الحركتين، احمد ابوتنقة ويوسف كرجكولا، في جبل مرة في الفترة من 26 إلى 30 سبتمبر 2023م. ونصت المادة السادسة من الإعلان السياسي الموقع بين الحركتين، على تشكيل تحالف عسكري محايد، لحماية المدنيين والقوافل التجارية وتأمين حركة المدنيين والعاملين في المنظمات الإنسانية. وأشارت حركة تحرير السودان إلى أن القوة ستعمل على حماية المدنيين وتأمين القوافل في مناطق سيطرة الحركتين، وأن تمويل عمل القوة سيكون من الموارد الذاتية لمؤسسات الحركتين وليس من أية جهة أخرى.
حقوقيا
ينص القانون الدولي الإنساني على أن المدنيين الواقعين تحت سيطرة أي من أطراف النزاع، يجب حمايتهم ضد كل أشكال العنف والمعاملة المهينة؛ بما فيها التعذيب والقتل. بينما تنص المادتين الرابعة و15 من اتفاقية جنيف لحماية المدنيين في وقت الحرب، على انه يجوز لأي طرف إنشاء مناطق محيّدة بقصد حماية المدنيين من أخطار القتال دون تمييز.
خلفية حماية المدنيين
بعد اندلاع حرب دارفور في العام 2003م اتخذت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي قراراً بنشر قوة مشتركة لحفظ السلام (يوناميد) – وبحلول منتصف العام 2021م أنهت مهمة البعثة المشتركة في دارفور – كانت مهمتها الأساسية حماية المدنيين وتأمين المساعدات الانسانية الى الاقليم. وقبيل خروج البعثة، أعلنت الحكومة الانتقالية في البلاد عن تشكيل آلية وطنية لحماية المدنيين في السودان في الأول من يناير 2021م. وفي سياق متصل اتفقت ذات الحكومة مع حركات الكفاح المسلح على تشكيل قوة لحماية المدنيين في دارفور قوامها 12 ألف جندي، وذلك وفقاً للفصل الثاني، الباب الثامن، المادة (29) من اتفاقية جوبا لسلام السودان، لتقوم هذه القوة بعدة مهام من بينها ملء الفراغ الأمني بعد رحيل قوات (اليوناميد)؛ بجانب خلق بيئة مناسبة للعون الإنساني وحماية ومساعدة المدنيين. وفي مطلع العام 2023 م تم نشر قوة حماية المدنيين في ولايات دارفور، لكنها لم تباشر عملها بسبب اندلاع الحرب في 15 أبريل 2023م. وفي أغسطس 2023م، تشكلت قوة مشتركة محايدة من خمس حركات مسلحة لتقوم بمهام حماية المدنيين وتأمين القوافل والمساعدات الإنسانية، من مدينة كوستي وسط السودان الى الاقليم. إلا أن بعض الحركات المكونة للقوة خرجت عن الحياد وانضمت للقتال في صفوف القوات المسلحة السودانية ضد قوات الدعم السريع؛ وبذلك تبقت حركتان في الحياد من بينها حركة تجمع قوى تحرير السودان التي صارت جزءً من تشكيل قوة جديدة حماية المدنيين مع حركة تحرير السودان مؤخراً.
عمل مشترك
سبق للحركتين أن نفذتا عملاً مشتركاً في يونيو 2024م، أجلتا خلاله آلاف المواطنين من مدينة الفاشر إلى المناطق التي تسيطر عليها حركة تحرير السودان في بداية الحرب؛ بعد احتدام القتال بين القوات المسلحة وحلفائها ضد قوات الدعم السريع. وذكر الطاهر حجر، رئيس حركة تجمع قوى تحرير السودان في صفحته على فيسبوك أنهم قاموا بتجميع مئات السيارات المحملة بالنازحين من معسكر زمزم، بمرافقة قواتهم إلى محلية طويلة.
ومن جانبه يقول محمد الناير، المتحدث باسم حركة تحرير السودان لسلاميديا، إن التحالف الذي وقعته حركته مع تجمع قوى تحرير السودان، ليس تحالفاً جامداً بل إنه يرحب بكل جهة تؤمن بمبادئه وأهدافه؛ حيث أنه يمكن التعاون مع أي جهة تؤمن بهدف حماية المدنيين؛ وتقر بما جاء في الإعلان السياسي للتحالف. مشيراً إلى أن نطاق عمل القوة المشتركة سيكون محصوراً في مناطق سيطرة الحركتين أو تلك التي يمكن الوصول إليها. وحول سؤال (سلاميديا) حول ما إذا كان هناك تواصلاً مع أطراف النزاع للتنسيق، قال الناير، ليس هنالك تواصل مع أطراف الصراع في الوقت الحالي. وذكر أن القوة التي تم الإعلان عنها، هي قوة معتبرة العدد وجيدة التسليح للقيام بمهامها المعلنة في حماية المدنيين، وأضاف: “إنها قوة إبتدائية وسوف تزداد كماً ونوعاً مع مرور الوقت والحاجة”.
طرف ثالث
تعرضت القوة المحايدة لحماية المدنيين في اول نشاط لها الى هجوم من قوة عسكرية على مشارف بوابة مدينة كبكابية بشمال دارفور، التي تقع تحت سيطرة قوات الدعم السريع. وحمّلت القوة المحايدة في بيان قوات الدعم السريع مسئولية الحادث. وأوضحت أن القوة كانت برفقة قافلة تزيد عن مئة سيارة مدنية، تقل آلاف المواطنين الفارين من أهوال الحرب، متجهين إلى مناطقهم بشمال دارفور. وأشارت إلى أن الهجوم أسفر عن مقتل واصابة عدد من عناصر القوة والمدنيين. ومن جانبها قالت قوات الدعم السريع أن الحادث وقع نتيجة لاعتداء من طرف ثالث، وأبدت أسفها للحادث. وأعلنت- في بيان للناطق الرسمي- استعدادها لتشكيل لجنة مشتركة للتحقيق حول ملابسات الحادث، ودعت إلى المزيد من التنسيق مع القوة المحايدة في كافة المستويات لتجنب وقوع مثل هذه الحوادث مستقبلاً.
تبدو خطوة تشكيل قوة محايدة من بعض الحركات المسلحة في دارفور، لتعمل على تأمين خروج المواطنين من مناطق النزاع؛ وتأمين القوافل الإنسانية والتجارية في الإقليم خطوةً في محل تقدير، رغم التحديات الكثيرة التي ربما تواجهها، مما يصعب مهمتها ويعرض حياة المدنيين الفارين للمزيد من المخاطر، بسبب انتشار مجموعات مسلحة مختلفة، وتعقيدات المشهد بين هذه المجموعات. فالقوة المحايدة التي تم تشكيلها تشبه لحد كبير القوة المشتركة التي تقاتل ضد قوات الدعم السريع؛ بينما هناك مجموعات مسلحة أخرى تشبه قوات الدعم السريع في تكوينها، والتي قد لا تلتزم بعملية التنسيق لتحركات القوات المحايدة؛ وربما يؤدي ذلك إلى حدوث مواجهات مسلحة يكون ضحيتها المدنيين. في ظل هذا الوضع تأتي أهمية التعاون المحلي والدولي لتطبيق للقانون الدولي الإنساني، وضمان حماية المدنيين وتعزيز الأمن والاستقرار وإيصال المساعدات الإنسانية إلى المنطقة. فإن كان لابد للمجموعات المسلحة في دارفور أن تعمل لأجل حماية المدنيين؛ إذاً عليها الاسترشاد بالقانون الدولي الإنساني وإحكام التنسيق فيما بينها لتفادي تعريض المدنيين للمخاطر.