مزمل الغالي/ المحامي و المدافع عن حقوق الإنسان.

أعلنت إثيوبيا يوم الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 اكتمال مشروعها المائي العملاق، سد النهضة، الواقع في إقليم بني شنقول غربي إثيوبيا. وقد بدأت الأعمال فيه منذ عام 2011 ليصبح واحدًا من أضخم السدود في إفريقيا بسعة تخزينية تقارب 74 مليار متر مكعب، وقدرة على توليد الكهرباء تصل إلى أكثر من خمسة آلاف ميغاواط. وبلا شك يمثل هذا المشروع بالنسبة للإثيوبيين إنجازًا تنمويًا ونهضويًا ضخمًا.

من المعلوم أن الأنهار ليست موارد محلية حكرًا على دولة واحدة، بل هي موارد عابرة للحدود، ما يستدعي تنظيمها وفقًا للقوانين والأعراف الدولية. وقد جاء القانون الدولي للمجاري المائية الدولية لعام 1997 ليؤكد على مبدأين أساسيين، الاستخدام المنصف والمعقول، وعدم التسبب بضرر جسيم للدول الأخرى، سواء كانت دول منبع أو مجرى أو مصب. والنيل الأزرق الذي ينبع من بحيرة تانا في الهضبة الإثيوبية يشكل النسبة الأكبر من مياه نهر النيل، حيث يلتقي مع النيل الأبيض في الخرطوم ويتجه شمالًا إلى مصر، مما يجعله شريانًا حيويًا لكل من السودان ومصر في الزراعة وتوليد الكهرباء والاستخدامات الأخرى.

إن إقامة مشاريع تنموية كالسدود يُعتبر حقًا سياديًا للدول، غير أن هذا الحق تحكمه ضوابط التعاون والمشاركة، وفق قاعدة لا ضرر ولا ضرار. ففي عام 2011 أعلنت إثيوبيا عن مشروع سد النهضة، ورحبت مصر والسودان في البداية باعتبارهما شريكين في نهر النيل، وهو ما فتح الباب لمفاوضات توّجت بتوقيع إعلان المبادئ في الخرطوم عام 2015، الذي نص على التعاون والاستخدام المنصف والمعقول وعدم التسبب بضرر جسيم. غير أن الإعلان لم يتضمن تفاصيل عملية لآليات الملء والتشغيل، تاركًا الأمر لاتفاق لاحق لم يتحقق.

بدأت الخلافات تبرز منذ عامي 2018 و2019، حيث استغلت إثيوبيا حالة التغيرات السياسية في السودان وشرعت في عمليات الملء بصورة أحادية، مخالفة بذلك مبادئ إعلان الخرطوم. ورغم الشكاوى التي تقدمت بها مصر والسودان إلى الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، ورغم الوساطات الأمريكية، مضت إثيوبيا في خطتها الانفرادية، فتم الملء الأول عام 2020، ثم تلاه الملء الثاني والثالث والرابع حتى وصلت إلى التدشين الرسمي عام 2025.

ورغم ما قد يجنيه السودان من فوائد مثل تقليل الفيضانات وتوفير الكهرباء، فإن المخاطر تظل ماثلة، إذ تشمل احتمالات تتعلق بالسلامة الهندسية في حال حدوث خلل أو انهيار يهدد المدن السودانية، خاصة تأثيره على سد الروصيرص، فضلًا عن فقدان السيطرة على الفيضانات المفاجئة. كما أن عدم التنسيق في المواسم الزراعية قد يربك الدورة الزراعية ويؤثر على الأمن الغذائي. أما مصر، التي تعتمد على النيل بنسبة تفوق 90% من احتياجاتها المائية، فإن أي تراجع في حصتها المائية خلال فترات الملء والجفاف يشكل تهديدًا وجوديًا ينعكس على الزراعة ومياه الشرب وإنتاج الكهرباء من السد العالي.

إن الاستفادة من سد النهضة لا يمكن أن تتحقق على نحو مستدام إلا عبر إطار قانوني ملزم يضمن مصالح جميع الأطراف، وذلك من خلال التوصل إلى اتفاق واضح تحت ضمانة الأمم المتحدة أو الاتحاد الإفريقي، يحدد قواعد الملء والتشغيل خاصة في أوقات الطوارئ والجفاف. كما ينبغي وضع بروتوكول لإدارة المخاطر والفيضانات، وتشكيل لجان مشتركة لمراقبة التنفيذ وتبادل البيانات اليومية، مع تنسيق زراعي ومائي مستمر بين الدول الثلاث، وتفعيل آليات قانونية لحل النزاعات تجنبًا لأي صراع إقليمي.

سد النهضة يمثل بلا شك نهضة حقيقية لإثيوبيا ومكسبًا استراتيجيًا لإفريقيا، لكن تجاهل مصالح الدول الأخرى يفتح الباب لصراعات لا حاجة لها. إن الحل الأمثل يكمن في الالتزام بالقانون الدولي وتوقيع اتفاقيات ملزمة وتفعيل آليات التعاون المشترك على أساس قاعدة المصالح المتبادلة، فلا ضرر ولا ضرار.