تقرير:حسين سعد
دفعت النساء السودانيات ثمناً باهظًا في النزاعات المسلحة، والقمع السياسي، وانتهاكات حقوق الإنسان التي إجتاحت البلاد، خصوصاً في مناطق مثل دارفور، وجبال النوبة، والنيل الأزرق، والجزيرة وسنجة والخرطوم ، تعرّضن للقتل والتشريد والإغتصاب والتهميش الممنهج، ليس فقط كأضرار جانبية للنزاع، بل كأهداف مباشرة في سياق إستهداف المجتمعات بكاملها. ومع ذلك، لم تكن المرأة ضحية صامتة، بل قاومت، ونظّمت، وقادت حركات إحتجاجية، وشكلت لجان مقاومة، وطالبت بالعدالة والمحاسبة، وبناء السلام المستدام، واليوم صارت مشاركة المرأة في مسارات العدالة الانتقالية تمثّل اليوم نقطة تحول تاريخية، إذ تُصرّ النساء على أن يكون لهن دور أساسي في الكشف عن الحقيقة، وتوثيق الإنتهاكات، وضمان عدم الإفلات من العقاب، وتحقيق جبر الضرر. إن الاعتراف بمعاناة النساء ليس ترفاً أخلاقياً، بل شرط أساسي لتحقيق عدالة شاملة وحقيقية. فبدون أصوات النساء، تبقى رواية الظلم ناقصة، وتظل الفرص الحقيقية للمصالحة والإنصاف محدودة.
سرديات الألم والصمود:
هذه المشاركة ليست مجرد تمثيل رمزي، بل مطالبة فعلية بإعادة تشكيل مفهوم العدالة ليشمل الأبعاد الاجتماعية والنفسية والثقافية التي ترتبط بتجارب النساء، فالعدالة الانتقالية لا تنحصر في المحاكمات والاعتذارات الرسمية، بل تتجلى أيضاً في توفير المساحة للنساء ليروين قصصهن، ويطالبن بحقوقهن، ويكنّ جزءاً من صياغة مستقبل الوطن، إنّ توثيق الانتهاكات التي تعرضت لها النساء هو أكثر من مهمة توثيقية، إنه عمل مقاوم، ومطلب للكرامة، وأداة لضمان عدم تكرار الماضي، ومن خلال تضمين هذه الروايات في صلب عملية العدالة الانتقالية، نرسم معالم طريق أكثر إنصافاً، حيث تتحول المعاناة إلى ذاكرة حية، والذاكرة إلى وعي، والوعي إلى فعل يُمهّد لمجتمع لا يُقصي أحداً، وخاصة النساء، في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ السودان، تقف المرأة السودانية في الصفوف الأمامية لمسار العدالة، لا كضحية فقط، بل كمُطالِبة ومُبادِرة، تصوغ ملامح وطنٍ يتعلم من ماضيه، ويصالح نفسه، ويصنع مستقبله بعدالة ومساواة.
لا عدالة بدون النساء:
العدالة الانتقالية لا يمكن أن تكتمل بدون العدالة الجندرية، فإن إفساح المجال للمرأة السودانية كي تكون جزءاً فاعلاً في هذه العملية، هو بمثابة تصحيح لمسار طويل من الإقصاء والتهميش. إنها لحظة فارقة تُستعاد فيها الأصوات التي تم كتمها طويلاً، وتُرفع فيها مطالب النساء ليس فقط بالإنصاف الفردي، بل بإعادة تشكيل البنية المجتمعية التي ساهمت في إعادة إنتاج الظلم، إن حضور المرأة في هذا السياق لا يقتصر على الشهادة أو البوح، بل يمتد إلى دورها في تصميم سياسات العدالة، والمشاركة في لجان تقصي الحقائق، وفي تطوير آليات لجبر الضرر تراعي السياق الثقافي والنفسي والاجتماعي للضحايا. لقد أثبتت تجارب العديد من الدول أن إشراك النساء في مراحل العدالة الانتقالية يفضي إلى نتائج أكثر شمولاً واستدامة، وهو ما تطمح إليه النساء السودانيات اللائي عشن فصول الألم، ويُصررن الآن على كتابة فصول التعافي بإرادتهن.
كسر الصمت:
وفي ظل التحولات السياسية والاجتماعية التي يشهدها السودان، برزت مبادرات نسائية لافتة تسعى لتوثيق الانتهاكات، وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي للضحايا، وتنظيم حملات ضغط لضمان مشاركة النساء في مفاوضات السلام، وفي هيئات العدالة الانتقالية. هذه المبادرات، التي يقودها جيل جديد من النساء الواعيات والملتزمات، تُعيد تعريف أدوار النساء في المجتمع، وتكسر القوالب التقليدية التي لطالما رُسّخت حول أدوار النساء في فترات النزاع وما بعدها، غير أن الطريق نحو عدالة شاملة لا يخلو من التحديات، فثمة فجوات قانونية، ومجتمعية، وثقافية، لا تزال تعيق المسار، من بينها الصمت المجتمعي حول قضايا العنف الجنسي، ووصم الضحايا، وتهميش قضايا النساء في الخطابات السياسية الرسمية. ومع ذلك، فإن إرادة النساء لا تزال أقوى من كل الحواجز، وإصرارهن على تحويل معاناتهن إلى قوة دافعة نحو التغيير يُعد من أبرز ملامح المشهد السوداني الراهن، إدماج المرأة السودانية في مسارات العدالة الانتقالية ليس فقط ضرورة أخلاقية وإنسانية، بل هو ركيزة من ركائز بناء وطن جديد، لا يُكرّر أخطاءه، ولا يُعيد إنتاج الظلم، وطن تُبنى فيه العدالة على الحقيقة، والمصالحة على الاعتراف، والسلام على المساواة. إنها دعوة لكل مؤسسات الدولة، ولكل الفاعلين في المجتمع، للاعتراف بأن لا عدالة بلا إنصاف النساء، ولا مستقبل بلا مشاركتهن الكاملة في كل مراحل التحول.
حين تتكلم الجراح:
وتقول الاستاذة هالة الكارب ت المديرة التنفيذي لشبكة نساء القرن الأفريقي (صيحة) في حديثها مع (سودانس ربورتس) ُشكّل النساء السودانيات عصب مجتمعاتهن، إذ يُحرّكن الاقتصاد المحلي كمزارعات وتاجرات صغيرات، ويُعدّن المحرك والمساهم الرئيسي في اقتصاد الرعاية، أكثر من 40% من المنازل تُديرها نساء، يتخذن قراراتٍ حاسمة، ويحمين أسرهن ومجتمعاتهن، ويتطوّعن، ويُنقذن الأرواح. تُهرّب النساء في المناطق المحاصرة في دارفور وجنوب كردفان ينقلن الغذاء والدواء إلى مجتمعاتهن، مُخاطرات بحياتهن. لولا وجود النساء في الخطوط الأمامية كمتطوعات ومدافعات عن الحقوق، لما تمكّنّا من الوصول إلى معلوماتٍ عن الجرائم المُرتكبة ضد النساء والمجتمعات في جميع أنحاء السودان، ولما شاركنا في أنشطة الحماية، ولما ساهمنا في جهود الإنقاذ لتمكين النساء من الحصول على الخدمات. إنهنّ يُمثّلن الحكمة والحقّ والتوق إلى العدالة. ومع ذلك، ليس لنا حضورٌ في السياسات والأوساط السياسية. علاوةً على ذلك، ورغم الطبيعة الجندرية الواضحة لهذه الحرب، واستخدام أجساد النساء كأسلحةٍ وأدواتٍ للتهجير القسري وإذلال المجتمعات، لا تزال النساء السودانيات لا يتلقّين أيّ دعمٍ او تقدير لأوضاعهن سواء من النخب السياسية او العسكريةالسودانية، ولا تزال النساء يعانين ويقاومن طبقاتٍ الألم والعنف والفقر
المرأة تكتب العدالة بدمها وذاكرتها
ومن جهتها تقول المحامية رانيا ادم في حديثها مع (سودانس ريبورتس ) رغم الإنتهاكات الواسعة التي تعرضت لها المرأة السودانية خلال الحرب، من قتل واغتصاب ،إختفاء قسري ،نزوح وتهجير قسري ، إلا أنهن ما زلن منخرطات في مسارات العدالة الانتقالية، وسعين لتوثيق الانتهاكات والمطالبة بمحاسبة الجناة. في معسكرات اللجوء، والمناطق المتضررة من النزاع، تنشط نساء في جمع الشهادات، ودعم الناجيات، وتقديم رؤى واضحة حول المساءلة والإنصاف. لكن لا تزال مشاركة النساء في عمليات صنع القرار محدودة. يتم تغييب أصواتهن عن المفاوضات واللجان الرسمية، رغم أنهن في مقدمة المتأثرين بالحرب، وفي طليعة من يعملون لأجل العدالة. هذا الإقصاء يثير مخاوف حقيقية من تكرار سياسات التهميش، ومن بناء عملية عدالة لا تُراعي احتياجات النساء ولا تعترف بمعاناتهن. لا بد أن يكون للمرأة السودانية دور حقيقي ومباشر في تحديد مسارات العدالة، ووضع الآليات التي تُنصف الضحايا وتضمن عدم الإفلات من العقاب.
المطالبة بالإنصاف:
وفي المقابل تضيف الاستاذة نهلة الخزرجي النساء في السودان هن جراب الحقيقه والعداله تاريخيا كل الحروب في السودان دفعت ثمنها النساء بطرق مختلفه ومتعدده أبرزها العنف القائم علي النوع الاجتماعي والنزوح والقهر والاغتصاب خصوصا بعد حرب 15ابريل2023التي استخدم فيها العنف الجنسي كسلاح اساسي ومع ذلك نجد النساء اساسيات في ميادين البحث عن السلام والعداله ليس كناجيات او ضحايا لهذه الحروب بل كفاعلات لهن ادوار في عمليات التوثيق والحكي والشهاده والتحليل النساء هن من يحمين ذاكرة المجتمع بحفظ الادله والشواهد وكشف الحقيقه رغم الخوف والصمت المجتمعي نحو الاعتراف بهذه الأدوار الجوهريه إلا ان هذه الأدوار يجب ان تضمن بمشاركة النساء في مسارات العداله الانتقاليه كاساس يجب الاعتماد عليه ولايمكن تجاهله في لجان الحقيقه والمصالحه وجبر الضرر والإصلاح المؤسسي وكتابة الحكايه الوطنيه نوكد ان العداله الانتقاليه بوابة للتعافي والتصالح المجتمعي بعيون النساء لان ذلك يعيد لهن كرامتهن ومكانتهن بسبب الإفلات من العقاب ندعو موسسات المعنيه بالعدالة الانتقاليه اشتراط وجود النساء في عمليات العداله الانتقاليه وحماية اصواتهن وتشجيعهن علي الاستقلاليه وعدم التهميش العداله الانتقاليه لن تكون حقيقيه من غير أصوات النساء