تقرير: سلاميديا – كمبالا

في محاولة جديدة لوقف نزيف الحرب الدامية في السودان، قامت دول الرباعية المكونة من الولايات المتحدة الامريكية، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة ومصر، مؤخراً قامت بإصدار بياناً دعت فيه الأطراف المتحاربة إلى الالتزام بهدنة إنسانية لثلاثة أشهر؛ يعقبها وقف دائم لإطلاق النار تمهيداً للشروع في عملية سياسية شاملة، وبالتالي حكومة مدنية في غضون تسعة أشهر. 

وحمل البيان لهجةً أكثر وضوحاً لم تكتف بالمطالبة بإنهاء العمليات القتالية فحسب، بل أكدت عدم وجود حل عسكري للصراع، وأن الوضع الراهن في السودان يهدد السلام والأمن الدوليين. وشدد البيان أن مستقبل الحكم لا يحدده الإسلاميون الذين اتهمهم ـ البيان ـ بزعزعة الاستقرار في المنطقة؛ وإنما يقرره السودانيون من خلال عملية انتقالية لا تهيمن عليها أي جماعة مسلحة. ويعد ما ذهبت إليه الرباعية خطوة تعكس مقاربة إقليمية ودولية لقطع الطريق أمام عودة التيارات الإسلامية إلى دائرة النفوذ في السودان.

تزامن بيان الرباعية مع قرار مجلس الأمن الدولي بتمديد العقوبات المفروضة على السودان ــ منذ العام 2005م ــ بموجب القرار 1591 لمدة عام آخر، اضافة الى عقوبات الخزانة الامريكية على الدكتور/ جبريل ابراهيم، وزير المالية بمعية لواء البراء المكون من عناصر ينتمون للحركة الإسلامية. 

سبق بيان الرباعية مبادرة من مجموعة المناصرة من أجل السلام في السودان (AGPS) التي تبنت إيقاف الحرب والتأسيس لمواطنة شاملة أولوية لها. وبحسب عصام الدين عباس، عضو مجموعة المناصرة، فإن الرؤية الاستراتيجية للمبادرة تقوم على توحيد جهود جميع السودانيين من أجل سلام دائم بالبلاد عبر مسار شعبي واسع للتشاور الوطني. 

وأوضح العضو الأخر بالمبادرة الدكتور/ عبد الله النعيم، أنها انطلقت بعد سلسلة من اللقاءات التشاورية التي انعقدت في يوليو 2025م بمشاركة مفكرين، قيادات مدنية وناشطين، بهدف تطوير بديل موثوق به وطويل الأمد يقوم على الإرادة الشعبية لمواجهة الحرب. 

فهل تقود هذه التحركات مجتمعة الى سلام في السودان ؟ في هذا التقرير يرصد فريق سلاميديا جهود الرباعية لحل الازمة في البلاد، ومواقف الفاعلين السودانيين. كما يستقرأ آراء بعض الخبراء والمختصين في دراسات السلام وحل النزاعات والمحللين السياسيين، بجانب استبيان الرأي العام السوداني حول ما جاء في بيان الرباعية.  

اعتمد التقرير على منهج مختلط بين المصادر الأولية والمفتوحة؛ وشمل ذلك المقابلات مع ستة خبراء في مجال القانون الدولي، والدبلوماسية، دراسات السلام، الجغرافيا السياسية، التحليل السياسي، اضافة الى عدد 15 استطلاعاً عبر الهاتف مع لاجئين، نازحين، قيادات مجتمع مدني، نساء وشباب، بجانب استبيان شمل 56 شخصاً.

نشأة الرباعية

بعد الانقلاب العسكري الذي أطاح بالشراكة المدنية – العسكرية في 25 أكتوبر 2021م، تشكلت آلية من الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة (بريطانيا)، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة (المجموعة الرباعية)؛ بهدف المساعدة في حل الأزمة السياسية التي دخل فيها السودان بعد الانقلاب. وبالتنسيق مع الآلية الثلاثية المكونة من بعثة الأمم المتحدة (يونيتامس UNITAMS) والاتحاد الأفريقي والهيئة الإقليمية المعنية بالتنمية (الإيغاد IGAD)؛ لعبت الآليتان دوراً في الوصول إلى الاتفاق الإطاري في العام 2022م.

بعد إندلاع الحرب قادت السعودية وأمريكا مسار محادثات جدة في مايو 2023م بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، ما عزز اضطلاعهما بالملف السوداني، وبالمقابل تراجع دور بريطانيا بسبب الخلافات حول كيفية تقييم الوضع في السودان، الأمر الذي سمح بدخول مصر بناء على تأثيرها في الملف السوداني، دون إعلان انسحاب بريطانيا رسمياً.

ورغم الجهود التي بذلتها مجموعة الرباعية لنزع فتيل التوتر بين القوات المسلحة والدعم السريع لتفادي المواجهة العسكرية في السودان في ذلك الوقت، إلا أنه لم يُشهد لها أي تحرك منذ اندلاع الحرب، سوى اجتماعاً واحداً في سبتمبر 2025م، سبقته محاولة اجتماع في واشنطن في 30 يوليو 2025م، والذي تم الغاؤه بسبب تقاطعات مواقف بعض أعضاء المجموعة.

ويقول المحلل السياسي، عثمان فضل الله، إن ما يميّز بيان المجموعة الرباعية الأخير هو إتيانه بأكبر الفاعلين المؤثرين في الحرب السودانية حول طاولة واحدة، في لحظة نادرة منذ اندلاع القتال في أبريل 2023م. بدا ذلك وكأنه يعيد الحياة لمفهوم الضغط الجماعي القادر على فرض هدنة، أو على الأقل جعل كلفة التعطيل باهظة. وبحسب فضل الله، إن ما زاد البيان قوةً هو تحديد جداول زمنية واضحة لأول مرة؛ مثال: هدنة إنسانية لثلاثة أشهر، يليها وقف دائم لإطلاق النار، ثم عملية انتقالية شاملة خلال تسعة أشهر. هذه الجداول تمنح المجتمع الدولي معيارًا لقياس التقدم، وتجعل الالتزامات السياسية قابلة للمساءلة.

أثار بيان الرباعية ردود فعل واسعة سواء في الأوساط السودانية، الاقليمية أو الدولية؛ فقد وجد ترحيباً بدرجات متفاوتة ما بين التأييد، الرفض أو التحفظ. 

من خلال استطلاعات الرأي التي أجراها فريق سلاميديا عبر الهاتف مع 13 شخصاً بينهم ثمانية لاجئ من بلدان مختلفة، اثنين من ولايتي شرق دارفور وجنوب كردفان، إضافة إلى صحفيين اثنين ومحامي؛ تبين أن تسعة من الإفادات أجمعت على أن التحركات التي بدأتها المجموعة الرباعية ربما تفضي إلى سلام في السودان.

في ذات الحين نبه بعض المستطلعين إلى ضرورة إشراك القوى المدنية، وإبعاد الإسلاميين من المشهد؛ اضافة للإلتزام والجدية من قبل طرفي الحرب والمجموعة الرباعية، على أن يشمل ذلك ضمانات بعدم الإفلات من العقاب سواء من جانب قوات الدعم السريع أو القوات المسلحة. بينما رأى اثنان من المستطلعين أنه ليس في مقدور الرباعية تحقيق السلام في السودان، بقول أحدهم “انها لا تجدي نفعاً بوجود الإسلاميين” 

المواقف المحلية 

قابلت الحكومة (الأمل) في بورتسودان، والحركة الإسلامية بيان المجموعة الرباعية بالرفض القاطع. وقالت وزارة الخارجية إن حكومة السودان لا تقبل أي تدخلات دولية أو إقليمية لا تحترم سيادة السودان ومؤسساته الشرعية، كما أنها ترفض أي محاولة للمساواة بينها وقوات الدعم السريع. 

وجاء رد فعل التيار الإسلامي العريض بقيادة علي كرتي، مستهجناً للغة البيان التي وصفها بأنها تنضح بالاستعلاء والتدخل السافر في شؤون السودان الداخلية بفرض حلول خارجية. وقطع التيار عدم استطاعة أي جهة فرض قوات الدعم السريع كطرف في أي تسوية سياسية أو عسكرية في السودان. ووصف اتهام الحركة الإسلامية وحلفائها بتأجيج الصراع في البلاد بأنه محاولة بائسة لإضعاف وحدة أهل السودان.

ومقابل رفض الحكومة في بورتسودان، أبدى التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة (صمود)، حكومة تحالف السودان التأسيسي (تأسيس) وحركة تحرير السودان – قيادة عبد الواحد نور، كلهم أبدوا ترحيبهم ببيان الرباعية. ودعا تحالف صمود أطراف الصراع والأسرة الإقليمية والدولية إلى التنسيق المحكم لضمان تنفيذ رؤية الرباعية، بما يقود لسلام دائم وعادل في السودان. 

ومن جانبها أكدت حركة تحرير السودان – قيادة عبد الواحد نور، أنه لا يوجد حلاً عسكرياً، وأن استمرار الصراع يعمق الأزمة ويحول دون الوصول إلى تسوية سياسية عادلة وشاملة؛ ودعت إلى تفعيل الضغط الإقليمي والدولي لدفع الأطراف نحو وقف إطلاق النار والانخراط في عملية حوار وطني شامل يضع أسس واضحة لمعالجة جذور المشكلة.

أما تحالف الحرية والتغيير- الكتلة الديمقراطية المتحالف مع القوات المسلحة، رحب بجهد الرباعية، مشترطاً أن نجاح الوساطة يتوقف على الإصغاء لصوت الداخل السوداني، والتعامل مع جذور الأزمة لا مظاهرها فقط. وأكد في بيان إن السودان لن يخرج من أزمته إلا عبر سلام عادل ودولة مدنية ديمقراطية تحمي سيادته وتوحد شعبه. 

ويرى التحالف أن الأزمة الإنسانية المتفاقمة تتطلب استجابة عاجلة وفعّالة، تستوجب وصول المساعدات دون قيود، وأن أي طرف يعرقل ذلك يجب أن يتحمل تبعاته. واتفقت الكتلة الديمقراطية مع بيان الرباعية، بأنه لا سبيل لإحلال سلام حقيقي ما لم يتوقف الدعم الخارجي للحرب؛ مشددة إن مستقبل السودان يتوقف على وجود جيش قومي موحد ومؤسسات أمنية مهنية محايدة. وأكدت تمسكها بانتقال مدني ديمقراطي، مع وجوب تطوير ما جرى في مؤتمر القاهرة؛ محذرة من أي محاولات لإضفاء الشرعية على قوات الدعم السريع وداعميها.

ومن جهته، رأى الرئيس المفوض لحزب المؤتمر الوطني، أحمد هارون، أن الجهات التي أشعلت الحرب أو ساهمت في اندلاعها لا تصلح للاضطلاع بمهمة إطفاء نيرانها، مشككاً في نوايا بعض الأطراف الدولية التي تقود جهود التسوية. وقال ـ في بيان “الشعب السوداني ليس قاصراً ليتم التقرير بشأن مستقبله من دول أخرى، و المساواة بين الجيش الوطني والدعم السريع وإعادة إنتاج تحالف قوى الحرية والتغيير تحت أي مسمى جديد يُعد إهانة لتضحيات أهل السودان”.

وفي ذات السياق، أشار الحزب الشيوعي السوداني الى تقديره لما توصلت إليه الرباعية من قناعات وردت في بيانها. وقال إنه سيعمل بإيجابية مع كل ما ورد في البيان لجعله واقعاً ملموساً في حياة الشعب، والحفاظ على وحدة الوطن وسيادته، والسعي لإكمال وإنجاز ما لم يرد من مطالب الشعب في بيان الرباعية.

 ويقول عمر قمر الدين، وزير الخارجية الأسبق – في تصريح لسلاميديا، إن التفاعل بين الدولة السودانية والرباعية يمثل أحد أهم المؤشرات على مسار الأزمة السودانية وتوجهاتها المستقبلية. ويضيف “بالنظر إلى لغة البيان، يمكن ملاحظة أنه اعتمد خطاباً يميل إلى الحياد، إذ تحدث عن طرفي النزاع دون تسمية الجيش أو قوات الدعم السريع، ما أوحى بوجود مساواة ضمنية بينهما. كما لم يشر البيان إلى الاعتراف بشرعية الحكومة القائمة في بورتسودان، ما اعتبرته الحكومة تجاوزاً سياسياً مقصوداً أو على الأقل تهميشاً لدورها الشرعي”.

ويرى أنه في الوقت الذي تسعى فيه الرباعية إلى تقديم نفسها كإطار داعم لجهود إنهاء الحرب وتهيئة البيئة السياسية لمرحلة انتقالية، جاء رد وزارة الخارجية السودانية على بيان الرباعية ليعكس درجة عالية من الحذر والصرامة في التعاطي مع ما تعتبره بورتسودان مساساً بمبدأ السيادة أو محاولة لتكريس معادلة سياسية تساوي بين القوات المسلحة باعتبارها المؤسسة الوطنية الشرعية، وبين قوات الدعم السريع بوصفها جماعة مسلحة متمردة؛ مفسراً “هذا التباين بين خطاب الرباعية ورد الحكومة في بورتسودان يفتح المجال لقراءة معمقة في البنية الدبلوماسية والسياسية للأزمة”.

وجاء رد قمر الدين للسؤال المركزي: هل رفضت الحكومة السودانية بيان الرباعية أم قبلته بشروط؟ قال “رغم اللغة الصارمة في بيان الخارجية، إلا أن التحليل الدقيق يكشف أن بورتسودان لم تغلق الباب كلياً أمام التعاون مع الرباعية. فالموقف يمكن وصفه بالقبول المشروط، وذلك من خلال قبول مبدأ انخراط المجتمع الدولي في دعم جهود وقف الحرب، والتحفّظ على الصياغات التي تمس بالسيادة أو تساوي بين الجيش والدعم السريع، ورفض أي محاولة لفرض وصاية سياسية على المرحلة الانتقالية القادمة”. مشيرا الى ان الحكومة السودانية بهذا الموقف تتبنى استراتيجية مزدوجة هي إظهار الصلابة في الدفاع عن السيادة، مع إبقاء هامش للتعاون الدولي إذا ما جرى احترام شروطها.

وفي تحليل لبيان الرباعية يقول الكاتب الصحفي، عثمان ميرغني، أن البند المتعلق بالهدنة الإنسانية لمدة ثلاثة أشهر، يبدو غير عملي. ويرى أن تنفيذ هدنة في ظل اتساع رقعة العمليات العسكرية التي تمتد لمساحات شاسعة تعادل غرب أوروبا، يُعد أمرًا صعبًا؛ إذ قد تكون الهدنة هشة و قابلة للانتهاك، مما يعيق إيصال المساعدات الإنسانية. وذكر أن الأنسب هو استبدال هذا البند بدعوة إلى إنهاء الحرب من خلال اتفاق سلام شامل يوقف النزاع بشكل نهائي ودائم، مع اتخاذ إجراءات عملية لتحقيق ذلك.

قراءة في موقف حكومة الأمل

يقول عمر قمر الدين وزير الخارجية الأسبق، في قراءته لبيان وزارة الخارجية أنه جاء كرد مباشر وصريح،  من خلال رفضه أي تدخلات دولية أو إقليمية لا تحترم سيادة السودان. وقال “الوزارة أكدت أن السودان  كدولة ذات سيادة لا تقبل أن تُفرض عليها رؤى أو صيغ جاهزة من الخارج؛ وهذه الإشارة تستهدف بالأساس الخطاب الدولي الذي يحاول صياغة الأزمة السودانية بوصفها نزاعاً داخلياً بين قوتين متكافئتين، وهو ما تعتبره بورتسودان تجاوزاً للسيادة الوطنية”. وتابع “بهذا المعنى، فإن بورتسودان أرادت أن تضع خطاً أحمراً أمام أي محاولة لإضفاء شرعية سياسية على الدعم السريع عبر الخطاب الدولي”. 

وذكر في تحليله، أن رفض الحكومة يرتكز على بعدين أساسيين وفق موقفها من قوات الدعم السريع في فترة ما بعد الحرب؛ الأول شرعي لجهة أن دستورية مؤسسة الدولة الوطنية (القوات المسلحة) قائمة منذ استقلال السودان في عام 1956م؛ بينما الدعم السريع كيان شبه عسكري تم تشكيله بقرارات سياسية استثنائية وفقد شرعيته بانقلابه على الدولة. والبعد الثاني أخلاقي مرتبط باتهام الحكومة قوات الدعم السريع بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية واسعة النطاق. وهو ما يجعل أي مساواة بين القوتين يمس بمصداقية المجتمع الدولي نفسه؛ مبيناً ” بورتسودان لا تدافع فقط عن موقع الجيش، بل عن تصور أوسع للدولة السودانية ككيان شرعي لا يجوز المساومة على وجوده”.

وأشار قمر الدين الى أن الإصرار على مبدأ السيادة في بيان وزارة الخارجية يعكس ثلاث رسائل متداخلة، تتمثل في التمسك بمرجعية القانون الدولي الذي يقر حق الدول في رفض أي تدخل يتجاوز سلطاتها الوطنية؛ ورسالة سياسية مفادها أن بورتسودان تريد تأكيد أنها ليست في موقع الوصاية الدولية كما حدث في دول أخرى، وأنها ما زالت تمتلك حق تقرير مصيرها. هذا اضافة الى رسالة تفاوضية حيث إن التشديد على السيادة يمنح الحكومة موقع قوة في أي محادثات لاحقة، إذ يجعلها الطرف الوحيد الذي يملك الحق في تمثيل السودان. 

المواقف الإقليمية والدولية

بمجرد صدور بيان الرباعية سارع الاتحاد الأفريقي والايقاد إلى الترحيب بالبيان، وقالوا في بيان مشترك ان ما اعلنته الرباعية يتماشى بشكل كامل مع خارطة الطريق التي وضعاها من أجل تحقيق السلام في السودان. وأعلنت الجهتان استعدادهما للعمل في شراكة مع الرباعية، الشعب السوداني وجميع الشركاء؛ لإنهاء الحرب وحماية وحدة وسيادة السودان وتعزيز الانتقال السياسي الشامل بقيادة مدنية.

وكذلك رحب وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية توم فليتشر، بالتقدم الذي أحرزته الآلية الرباعية نحو هدنة إنسانية تشتد إليها الحاجة في السودان. وقال فليتشر أن الأمم المتحدة مستعدة للوفاء بالتزاماتها، مشدداً على أهمية ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين في السودان دون عوائق.

وفي تطور لاحق في نيويورك، انعقد إجتماع ضم 25 من ممثلي الهيئات الدولية، الاتحادين الأوروبي والأفريقي وبعض الدول، لبحث كيفية معالجة الوضع في السودان وتنسيق الجهود الدولية نحو حل النزاع. ورحب المجتمعون في بيان مشترك ببيان الرباعية، معربين عن دعمهم لجهود الاتحاد الأفريقي وهيئة الإيقاد لتنسيق الجهود الدولية والثنائية للضغط على جميع الأطراف السودانية من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار والعمل الإنساني والحوار السياسي.

في ظل الترحيب الاقليمي والدولي بمساعي الآلية الرباعية لايجاد حل للازمة السودانية، شرع المستشار الخاص للرئيس الأميركي لشؤون أفريقيا، مسعد بولس، في تحركات لدعم التنفيذ الفعلي لخارطة الطريق التي رسمتها الرباعية؛ حيث أجرى بولس مباحثات مع رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، محمود علي يوسف، ركزت على التنسيق بين الرباعية، الاتحاد الأفريقي وهيئة الإيقاد لتفعيل خارطة طريق الرباعية، بما يسند خطتها لحل الأزمة السودانية وفق جداول زمنية محددة. 

وقال بولس في مقابلة تلفزيونية ان الولايات المتحدة تتابع الازمة في السودان من خلال الرباعية وأطر أخرى، وأضاف “الوضع في السودان له بعد إقليمي، ونحن نعمل على حل هذا الوضع، لأن أهم شئ لادارة الرئيس ترامب هو الاستقرار الإقليمي. نحن لا نحبذ انتقال الصراع من السودان الى اي دولة اخرى من دول الجوار”. وتابع “الازمة مؤسفة جداً ويجب حل النزاع بشكل سلمي وفوري ولا يجوز أن يستمر الوضع كما هو عليه”.

وذكر بولس في مقابلة اخرى ان الولايات المتحدة لها تواصل دائم مع قائدي القوات المسلحة وقوات الدعم السريع منذ فترة وهناك درجة عالية من التعاون من قبل الطرفين خاصة في الجانب الإنساني، وقال إنهم متفائلون بإحداث تقدم في ملف المفاوضات المباشرة بين الطرفين، “نحن الآن على تواصل مع الطرفين كل على حده، ونأمل في اعادة احياء منبر جدة وإعادة اللقاءات المباشرة بين الطرفين برعاية السعودية والولايات المتحدة”

في رده على سؤال سلاميديا حول ما إذا كان المجتمع الدولي بات جاداً على فرض سلام في السودان؟ قال الخبير في الشأن الأفريقي والسلام، صابر أبو سعدية، إن واقع الحرب الحالية خلق انقسامات هيكلية عميقة وسط المجتمع السوداني، بسبب غياب الثقة بين الأطراف المتنازعة وضعف المؤسسات الوطنية وعدم قدرتها على تحقيق الاستقرار، العدالة والإنصاف؛ وتابع “الأسباب أعلاه تجعلنى غير متفائل بأن تنجح الرباعية”

ويرى أبو سعدية أن حل الأزمة داخلياً (سودانى – سودانى)، يبدأ بسؤال ما هي جذور المشكلة ؟ أما دور الرباعية فيمكن ان يكون مساعداً بالمال والخبرة لإرساء السلام على حد تعبيره؛ وأردف “أكرر الحل داخلي سوداني ويبدأ بالاعتراف بالمظالم التاريخية منذ الاستقلال”

ونبه أبو سعدية، أن دور المؤسسات الافريقية في إحلال السلام بأفريقيا ضعيفاً دون مستوى حجم الأزمات التي شهدتها القارة (الصومال، دارفور ورواندا). وعزا ذلك إلى التحديات الهيكلية والمؤسسية للمؤسسات الافريقية، قلة الموارد المالية والاعتماد على التمويل الخارجي، إضافة الى تذبذب الارادة السياسية وسط القادة الأفارقة كل على حسب مصالحه. لكنه عاد وأكد على أنه رغم هذه التحديات يبقى الاتحاد الأفريقي إطار مهم للحلول الأفريقية، فقط يحتاج إلى مزيد من الدعم السياسي والمالي. 

ومن منظور أوسع يرى البروفيسور جمعة كندة، الخبير في الجغرافيا السياسية لإفريقيا، ــ حسب تصريح لسلاميديا، أن بيان الرباعية يمثل الخطوة الأولى ضمن خطة أمريكية شاملة لمنطقة البحر الأحمر والقرن الإفريقي، مع وجود السودان كعنصر رئيسي ضمن الخطة، وليس كغاية مستقلة، وأن أي سلام محتمل سيكون مرتبطاً بمدى مشاركة القوى السودانية في صياغته، وإلا سيظل مجرد حل مرحلي يخدم مصالح اللاعبين الإقليميين والدوليين أكثر من خدمته للشعب السوداني. 

الضغوط على الإسلاميين

ينظر عدد من الخبراء الذين تحدثوا إلى سلاميديا، أن العقوبات التي فرضتها الخزانة الأمريكية على وزير المالية الدكتور/ جبريل ابراهيم ولواء البراء بن مالك المحسوبين على الحركة الإسلامية بالتزامن مع صدور بيان الرباعية، أنه أتي لقطع الطريق أمام الحركة الاسلامية المتهمة بعرقلة المساعي المبذولة لحل الأزمة السودانية بدءً من اتفاق جدة والمنامة حتى مشاورات جنيف. 

ويقول البروفيسور كندة، أن البيان تزامن مع سلسلة من الخطوات مثل: فرض عقوبات على مسؤولين سودانيين لهم ارتباط بجماعات إسلامية ومع دولتي إيران وتركيا، إضافة لبداية حراك دبلوماسي من قبل منظمات دولية وإقليمية، بما في ذلك المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي والإيقاد، اضافة الى جولات مبعوث الأمم المتحدة رمطان العمامرة، التي شملت لقاءات مع جميع الأطراف السودانية، من الحكومة إلى المعارضة والقوى المدنية. 

وقال كندة، إذا ما تمت قراءة بيان الرباعية الذي تزامن مع قرار العقوبات الأمريكية على وزير المالية ولواء البراء، فإن ذلك يكشف عن استراتيجية أمريكية جديدة بشأن السودان. وبذلك يبدو أن استراتيجية جيدة تتشكل لخلق جبهة متسقة من الحلفاء الإقليميين، لدعم حملة تحقيق السلام والحكم الديمقراطي، ضمن أجندة أمنية تركز على مواجهة الإسلام السياسي والنفوذ الإيراني في السودان. واضاف “لا يظهر تأثير بيان الرباعية وإدراج العقوبات عند النظر إليهما بمعزل عن بعضهما البعض؛ بيد أنهما يكشفان النقاب عن استراتيجية أمريكية جديدة ومتماسكة. فبيان الرباعية يُحدد السياق الدبلوماسي والتوافق بين الأطراف، فيما تفرض العقوبات الخطوط الحمراء وكلاهما يعزز الادعاءَ الرئيسي بأن شبكات الإسلاميين في السودان، بالدعم الخارجي الذي تتلقاه، تُشكل تهديداُ للأمن الدولي”

  بينما يرى الدكتور سليمان بلدو، خبير حل النزاعات، الإغاثة في حالات الطوارئ، التنمية، وحقوق الإنسان في أفريقيا، أن نظرة واشنطن للأزمة في السودان تبدو بمثابة تحد يتعلق بمكافحة الإرهاب، أي أن الحركة الإسلامية في السودان تمثل تهديدا للسلام والأمن الدوليين؛ ما يفسر سبب استهداف وزارة الخزانة الأمريكية للواء البراء والدكتور/ جبريل إبراهيم وزير المالية وقائد حركة العدل والمساواة الذي زار إيران موخراً؛ ما يجعل السودان منصة محتملة لعودة التطرف والعنف بدفع من الإسلاميين ورعاية إيرانية.

وذكر أن بيان الرباعية والعقوبات الأمريكية المتزامنة معه، ترسل رسالة واضحة مفادها أن من يعطلون السلام في السودان سيواجهون ضغوطا متزايدة؛ لكنها قد لا تكفي لإنهاء الحرب واصفاً إياها بالأمر بعيد المنال، خاصة بعد صدور تصريحات من الحركة الإسلامية، وصفت فيها خارطة بيان الرباعية بالمؤامرة الأمريكية – الإماراتية التي تهدف إلى كبح التقدم العسكري للقوات المسلحة في كردفان.

ويعتبر المحلل السياسي، عثمان ميرغني، إن البند الرابع (الخاص بالإسلاميين) في بيان الرباعية هو الأكثر حساسية؛ ويعكس هواجساً إقليمية ودولية ترى في تمدد نفوذ الإسلاميين خطراً أمنياً يتجاوز حدود السودان، استناداً إلى تجارب سابقة في عهد نظام الإنقاذ. 

بينما يرى المحلل السياسي، عثمان فضل الله، أن بيان الرباعية الذي وصف الإسلاميين بالتطرف، قد يقرأ كإعلان حرب سياسية على الحركة الإسلامية التي ما زالت تحتفظ بنفوذ واسع داخل الجيش وأجهزة الدولة. ويقول إن شعور الإسلاميين بالإقصاء قد يدفعهم لتخريب أي تسوية، أو إعادة تنظيم صفوفهم ميدانياً. مشيرا الى انه بالعودة الى بيانات الحركة الاسلامية فقد تقرأ بأنها ليست تصريحات غاضبة فقط وإنما رسائل مشفرة الى حكومة بورتسودان، تفيد بأن أي حل يتجاوز الإسلاميين لن يمر دون مقاومة.

مصالح الرباعية

اعتبر الدكتور/ سليمان بلدو، بيان الرباعية أنه يمثل خطوة كبيرة إلى الأمام في إتجاه تعزيز التوافق الذي لم يكن مجرد تصور الوصول إليه في المفاوضات السابقة ممكناً؛ عندما قامت القاهرة وأبو ظبي بعرقلة الاجتماعات السابقة للرباعية وإفشال إصدار بيان ختامي في اجتماع لندن في أبريل 2025م. 

ونبه دكتور سليمان بلدو إلى أن البيان جمع الدول الأربع في توافق ظاهر؛ نتيجة لضغوط واشنطن على حلفائها لتقديم تنازلات تنسجم مع منطقها في مكافحة الإرهاب؛ وقد مثلت الوثيقة تحولاً جذرياً من الخلافات السابقة لهذه المجموعة. مشيراً إلى أن مصر التي كانت تصر على وصاية القوات المسلحة السودانية وحدها على مستقبل السودان، قبلت بالبيان الذي يضع المدنيين وليس الجنرالات في قلب ترتيبات ما بعد الحرب. بينما وقعت الإمارات المتهمة بتقديم دعم عسكري وسياسي لقوات الدعم السريع على ذات البيان الذي يدعو جميع الأطراف إلى التوقف عن دعم الأطراف المتحاربة.

من جهته قال البروفيسور/ جمعة كندة، الخبير في الجغرافيا السياسية، إن الاجتماع الذي كان مقرراً لإصدار بيان الرباعية نهاية أغسطس 2025م، لم يتم بسبب تضارب مصالح الدول الثلاث الحليفة للولايات المتحدة في السودان (السعودية، الإمارات ومصر)، حيث لكل دولة مصالح وتصورات تختلف عن بعضها بشأن الاستقرار السياسي في السودان. هذا التضارب أدى- بحسب كندة- إلى تأجيل المضي قدماً في إصدار البيان إلى أن تمكنت الإدارة الأمريكية من إيجاد صيغة متوازنة تضمن مصالح كل طرف من هذه الدول في إطار استراتيجيتها في منطقة البحر الأحمر؛ على أن يكون النظام السوداني الحالي (حكومة ومعارضة وأجهزة عسكرية) منفذاً لهذه الاستراتيجية، وليس مساهماً في صياغتها أو تحديد أجندتها، “الولايات المتحدة ستحقق مصالحها الاقتصادية والأمنية والاستراتيجية في منطقة البحر الأحمر، عبر إبعاد روسيا وإيران وتركيا والصين وغيرها من القوى المنافسة في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، وذلك من خلال استغلال السودان ونظام الحكم فيه، أياً كانت طبيعته”.

ويتفق عمر قمر الدين، وزير الخارجية الأسبق، جزئياً مع ما ذهب أليه البروفيسور كندة، بان صورة الرباعية ارتبطت في الذهنية السودانية الرسمية بكونها أداة ضاغطة لا تنطلق من دوافع إنسانية أو سياسية محضة، وإنما من مصالح استراتيجية لكل الدول الأعضاء فيها. فالولايات المتحدة ــ بحسب قمر الدين ــ تنظر إلى السودان من زاوية الاستقرار الإقليمي ومنع التمدد الروسي، بينما تعتبر مصر أن لها إرثاً تاريخياً وواجباً سياسياً في متابعة ملف السودان. أما السعودية والإمارات فترتبطان بالملف من خلال اعتبارات الأمن الإقليمي، والتنافس على النفوذ الاقتصادي، والمخاوف من تداعيات الحرب على البحر الأحمر.

فرص ودور القوى السودانية

وفقاً للبروفيسور/ جمعة كندة، فإن الأثر الإيجابي لتحركات الرباعية تجاه عملية السلام في السودان محتمل، لكنه مرتبط بشروط محددة تتمثل في ضرورة منح القوى المدنية والسياسية السودانية دوراً فعالاً في صياغة عملية السلام، لكيما تتحقق نتيجة تتوازن فيها مصالح الداخل السوداني مع الاستراتيجية الأمريكية، وتجنب أن يكون السلام مجرد هدنة مؤقتة تحت الضغط الدولي، الذي يمكن أن تقبله الأطراف السودانية على مضض كما حدث في اتفاقيات نيفاشا والدوحة وجوبا، والتي ساهمت في تهدئة الصراع مؤقتاً لكنها لم تمنع تجدد العنف في البلاد. 

وتوقع أن تقود التحركات هذه المرة قد إلى واقع مغاير عما شهدناه في السابق، غير أن التجربة التاريخية لاتفاقيات السلام في السودان تكشف عن قاسم مشترك بينها جميعاً إذ أنها وُقعت تحت ضغط خارجي وبمساهمة ضعيفة ــ إن لم تكن غائبة تماماً ــ من القوى السودانية، ولهذا ظلت تحمل في داخلها بذور فنائها منذ لحظة ميلادها.

فيما يرى الدكتور/ سليمان بلدو أن بيان الرباعية يُفسر انتعاش التواصل الدبلوماسي مع القوى المدنية؛ فقد أبدى رئيس الاتحاد الأفريقي ودا مفاجئاً تجاه الدكتور/ عبد الله حمدوك رئيس تحالف صمود، وبذل المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، رمطان لعمامرة، جهوداً لفتح حوار مع قيادات (صمود). كذلك لقاء لعمامرة بممثلين تحالف تأسيس الموالي لقوات الدعم السريع وحركة تحرير السودان – عبد الواحد نور، التي التزمت الحياد في الحرب. ويضيف “إذا كان المدنيون يريدون حقا وقفا فوريا لإطلاق النار، وإغاثة إنسانية بلا قيود، وحماية فعالة للمدنيين، ومساراً ديمقراطيا موثوقاً، فعليهم اغتنام هذه اللحظة لتوضيح دورهم في صياغة وتنفيذ خارطة الطريق”

وينبه دكتور بلدو الى ان العقوبات الاميركية قد تُهمش بعض الجهات الفاعلة، لكنها لا تُعالج التشرذم الهيكلي في السودان أو الكارثة الإنسانية المتفاقمة. ويقول “قد تُحدد واشنطن وتيرة الأمور، لكن الرؤية التي يقودها المدنيون وحدها هي التي تُحدد ما إذا كانت هذه الوتيرة ستؤدي إلى انتقال ديمقراطي حقيقي – أو تكتفي ببساطة بتحقيق الاستقرار في السودان وفق شروط الولايات المتحدة”.

مستقبل المفاوضات 

ذكر قمر الدين، أن موقف حكومة الأمل من بيان الرباعية ستكون له عدة انعكاسات على مسار المفاوضات؛ ويرى أنه من الصعب نجاح أي تفاوض إذا لم يتم وضع اعتبار للمشاركة فيه كحكومة وليس كقوات مسلحة؛ وأن تجاهل هذا المطلب سيؤدي إلى تصلب الموقف وإفشال المحادثات. 

ويشير إلى أن الحكومة تدرك أهمية السعودية كحاضنة لمفاوضات جدة، لذا ستسعى إلى الفصل بين اعتراضها على الصياغة العامة وبين علاقاتها الثنائية القوية مع الرياض. لكنه أشار إلى أن العلاقة المعقدة مع الإمارات بسبب اتهامها بدعم قوات الدعم السريع، سيجعل لغة الحكومة أشد حدة في مواجهة أي محاولة إماراتية لتسويق فكرة المساواة بين الطرفين. اما انعكاس موقف الحكومة على الخطاب الدولي فإن بيان وزارة الخارجية السودانية يفرض على المجتمع الدولي إعادة النظر في لغته، ويجبره على التمييز بين الشرعية والمتمردين إذا أراد الحفاظ على قنوات الاتصال مع الحكومة. 

الخيارات المتاحة

بحسب عمر قمر الدين، فإن الواقع الذي أحدثه الحراك الدولي  ـ الذي يبدو جديا هذه المرة ــ يضع الرباعية والحكومة الموالية للقوات المسلحة أمام خيارات؛ إما أن تعدل الرباعية خطابها بما يتفق مع موقف الحكومة، أو المخاطرة بفقدان أي نفوذ دبلوماسي في الملف السوداني. بينما خيارات الحكومة تتمثل في الاستمرار في التمسك بخط السيادة ورفض المساواة أوفتح قنوات تفاوضية مع دول منفردة من الرباعية (مثل السعودية أو مصر) لكسر جمود الموقف، وتعزيز شراكات بديلة مع أطراف أخرى (روسيا، الصين، الاتحاد الأفريقي) لتقوية موقفها التفاوضي.

ويرى وزير المالية الأسبق، الدكتور ابراهيم البدوي، أنه رغم هذا الانقسام الداخلي حول الرباعية إلا أنها تحمل فرصاً مهمة يمكن البناء عليها، فهي تحظى بدعم إقليمي ودولي واسع يشمل الاتحاد الأفريقي والإيقاد والجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي، ما يمنحها زخماً إضافياً على الساحة الدبلوماسية؛ كما أنها توفر أساساً لإطلاق مسار سياسي مدني شامل بعد إخفاق مبادرات عديدة سابقة.

ويشيرالبدوي، الى أن أهم ما جاء في بيان الرباعية تناوله بوضوح مسألة وقف الدعم العسكري الخارجي الذي يعد عاملاً مركزياً في استمرار الحرب. لكنه ينبه الى أن الطريق أمام تنفيذ هذه الخطوة سيظل محفوفاً بتحدياتٍ كبيرةٍ، أبرزها الانقسام الداخلي بين القوى السودانية الذي يعكس غياب أرضية توافق وطني، ويهدد بتحويل المبادرة إلى مجرد تسوية بين النخب المسلحة، اضافة الى خطر إعادة إنتاج شراكة كارثية بين العسكريين على غرار ما حدث بعد ثورة ديسمبر 2018م، إذا لم يُضمن الدور المركزي للقوى المدنية. ويضاف إلى ذلك أن تضارب أجندات الدول الراعية للمبادرة واحتمال توظيفها لخدمة مصالحها الإقليمية، سواء في البحر الأحمر أو في ملفات النفوذ السياسي والاقتصادي، ما قد يعقد المشهد ويحد من استقلالية القرار السوداني، فضلاً عن أن استمرار العمليات العسكرية والكارثة الإنسانية يضعف فرص نجاح أي هدنة أو عملية سياسية.

ويقول الأستاذ عثمان فضل الله، وسط هذا المناخ الدبلوماسي الملتهب يقف القائد العام للقوات المسلحة عند مفترق طرق، فمن جهة هو من أعطى الوعود والضوء الأخضر بالسير في هذا الاتجاه؛ ومدى قدرته على الالتزام بوعوده والإبقاء عليها من جهة أخرى. 

ونقل فضل الله عن مصادر دبلوماسية رفيعة تحدثت أليه، تأكيدها بأن “الحقيقة الواضحة أنه لا حل سياسي إلا على رقاب الإسلاميين”. ويضيف “بيان الرباعية يستهدف قبل كل شيء وقف الحرب عبر تحييدهم. وهنا تكمن ورطة البرهان فرفضه يعني خسارة القاهرة والرياض، وهو ما يعادل خسارة كل حلفائه تقريبًا، أما قبوله فسيضعه في مواجهة الإسلاميين الذين كانوا حاضنته السياسية والعسكرية في يوم ما”.

أما الحركة الإسلامية ــ وفقاً لفضل الله ــ فهي أمام خيارات محدودة جدًا، وهي الانزواء طوعًا أو قسرًا وعليها أن تختار بين الأمرين بعد أن  أخطأت التقدير ودفعت ثمناً باهظًا في هذه الحرب.