بقلم : محمود الشين
علاقتي بالفاشر وبعض رموز من أهلها الطيبيين ، أقل ما توصف به أنها حميمة ودافئة ، وهي مدينة ماهلة ووممهولة حد التريث ، تبدو لمن لا يعرفها خاملة وكسولة ، غير أن تلك بعض قيمها وتقاليدها الراسخة. يصحو اهلها علي وقع محركات مئات السيارات من مختلف الموديلات وهي تجوب شوارعها الضيقة وتدفع بمخلفاتها في سماء المدينة ، ولا بواكي علي المعايير والمواصفات.
لا أدري – كيف يدير الناس هناك أوقاتهم الثمينة ، حيث تبدأ رحلة تفقد الجيران بالأحياء وأماكن العبادة وعلي الطرقات العامة للوقوف علي أحوال بعضهم البعض ، وهو طقس تصاحبه في الغالب مائدة إفطار صباحية حافلة بالأنس البريء.
هنا لا مكان للسرعة ، فالعجلة عندهم من (الشيطان). وربما يقول لك آخر (مالك يا وليد خجلان) ؟ وخجلان في قاموس الفاشر تعني المتسرع. ولأهل دارفور حكايات مع الوقت كقيمة ، وهم يقولون في أمثالهم الشعبية ( دنيا بأكلو بحمار أعرج)! فلما الشفقة والتسرع؟
أبو زكريا شهد علي مدي سنوات أزمة دارفور نهوض البنية التحتية في عدد من الاحياء ، غيرت ملامح الشكل التقليدي للفاشر الكبير. وهي نهضة أساسها القطاع الخاص الذي سعي بإخلاص لتلبية احتياجات المنظمات الدولية التي دخلت بكثافة للإقليم المنكوب.
منازل ذات طوابق متعددة ، فنادق فخمة ، مطاعم راقية ، مصارف كبيرة وسيارات فارهة ، هي الآن تحت تصرف زوار المدينة ..إن نهضة الفاشر التي لم تستلهم عراقة المدينة ، أفقدتها بعض مزاياها وخصوصيتها ، أو هكذا بدأ المشهد العام في حاضرة السلاطين.
إن كان حجر (نلا) هو النواة الاولي لنيالا ، فإن حجر قدو ، هو روح الفاشر وقلبها النابض عبر كل الحقب والأزمان. فما هذا الإجماع علي إزالة آثار ومعالم المدن الكبيرة في هذا الاقليم؟
ما حدث ينبيء بوضوح أن السلطات هناك ، لا تصغي لأحد ، وأن المواطن المسكين ليس شريكاً في إتخاذ القرارات التي تؤثر في حياته وكل مستقبله ، وأي مستقبل بلا تاريخ أو آثار؟
كان الراحل عبدالنور عبدالخير حريصاً علي إرث وتاريخ مدينة الفاشر ، وهو يكتب ليل نهار علي جدران أبنيتها العتيقة عبارته المحببة (النظافة عنوان عبدالنور) ، يمضي أعز وقته ليعلم الناس معني أن يخدموا أنفسهم من خلال مساعدة عمال النظافة.. سلام عليه في الخالدين.. رجل مفعم بالحياة والحيوية ، تتمني أن تكون مثله.. كلما زرت الفاشر ورأيت مآلات واقعها الراهن ، أكتشف أن مكانه ما زال شاعراً
ويراهن قدماء المدينة وحتي أجيالها الجديدة علي المفعول السحري لآبار منطقة حجر قدو في أن من يشرب منها ولو جرعة ماء واحدة ، هي كفيلة بأن تعيده مجدداً للفاشر ، وكأنها مصدر إلفة وشوق ، يجعل من الصعوبة بمكان التفكير في نسيان ذكري أداب العاصي.
يبدو أن سلطات الفاشر ، نحت منحي سلطات نيالا في إرتكاب الأخطاء الجوهرية ، فالأولى (خططت) علي علم ودراية – أقيم منطقة أثرية بالمدينة (حجر نلا) كمجمع للبنوك وبعض المحال التجارية ، ولم تعر أي إهتمام لرجاءات أفندية قطاع السياحة أو حماة الاثار.
والثانية لم تعتبر – فقد تغولت علي منطقة (حجر قدو) أحد أهم معالم مدينة الفاشر ، وقضت من حيث لا تدري علي منبع الإلهام والحنين للمدينة الراقية. حضرت ولم أجد ذاك المكان بكل سحره الاخاذ ورواياته المثيرة.