بقلم : محمود الشين
توفرت عوامل كثيرة ومتراكمة أدت إلى إندلاع ثورة ديسمبر المجيدة وإن سبقتها ثورات أخرى كان ينقصها دقة التنظيم وإدارة البرامج المرحلية والتوعوية التي من شأنها أن تشكل رأي عام رافض لبقاء نظام حكم البلاد لثلاثة عقود ولم يعد يملك مشروعاً وطنياً جدير بالإستمرار.
نظام يعش في عزلة كاملة ، يغالب هواجسه ، رئيسه مطلوب للعدالة الدولية وتلاحق رموزه وقياداته العليا والوسيطة قضايا فساد – أسهمت مع العقوبات المفروضة اصلآ على البلاد في رفع معدلات التضخم والإنهيار الإقتصادي بشكل غير مسبوق.
في تلك الأيام الصعبة ، تطاولت صفوف العملاء لسحب مدخراتهم من المصارف التي وجهت بأن تدفع لهم مصروفات شخصية على طريقة دم الحجامة ، وذلك من باب السيطرة على الكتلة النقدية بعد هلع العملاء الذين تضررت مصالحهم الإقتصادية ومعاملاتهم التجارية.
وفي المقابل تمتد صفوف المخابز ، محطات المحروقات ، ونفدت حتى الأدوية المنفذة للحياة ، بينما يمارس الدولار هوايته المحببة للصعود إلى أعلى ، ويمد لسانه ضاحكاً وفي باله هذا السؤال : ( أية دولة هذه التي تملك الموارد والثروات وتنتظر الدعم الخارجي لتسد رمق شعبها)؟ . إنه بحق سؤال الماضي والمستقبل.
كانت معركة صامتة تدور في أروقة التنظيم الحاكم بين من يطالبون بالإصلاح ويرفضون مبدأ ترشيح الرئيس المعزول لولاية رئاسية جديدة وبين الذين كانت لهم نظرة وردية للواقع مع أنه آخذ في التدهور. إنها الحاشية الفاسدة ، فهي آفة الطغاة في كل مكان.
ليس صحيحاً أن كل الإسلاميين كانوا على وفاق أو توافق مع الرئيس المعزول ، فقد مارس بعضهم النقد ودعوا للإصلاح ، ولكن على طريقتهم ، وهي طريقة ناعمة تستهدف إبعاد بعض الأشخاص كلياً عن المشهد السياسي والإبقاء على المشروع الإخواني في هرم الدولة ، وهو توجه يرفضه الشارع العريض.
لقد ضربت تلك الحاشية نوعاً من العزلة على الرئيس ليكون بعيداً عن المؤثرات والمتغيرات المحلية والإقليمية التي قد تجعله يعد النظر في كثير من السياسات المعلنة ، وتغيير هياكل الأجهزة وبناء اجنحة التنظيم المتصارعة. وفي غمرة هذا الإنشغال بالذات – نسيوا أو تناسوا أن المد الثوري يتصاعد إلى درجة الغليان ، لكن النظرة الوردية تحجب سحب التغيير التي تتكون في سماء الخرطوم.
لم تكن حاشية الرئيس يومئذ مهتمة أو آبهة لمن وصفتهم (الأطفال الثوار) ومضت في تخطيطها وحشد الموارد ومراجعة خارطة الولاء من أجل الوصول بهدوء إلى إنتخابات 2020 م مهما كان حجم التحديات – لكنها إرادة الله غالب.
كان شركاء النظام في السلطة من الأحزاب الصغيرة ، الحركات والتنظيمات الأخرى ، الذين تماهوا أو جاءت بهم بعض الإتفاقيات الصورية ، هم أسوأ بكثير من التنظيم الحاكم (المؤتمر الوطني) ، فقد زينوا الباطل للتقرب زلفي ودعموا الرئيس المعزول ضد عضويته الإصلاحية وجعلوا منه دكتاتورا كامل الأطوار.
لقد بالغت في تقديم فروض الولاء حين طلبت منه أن يكون رئيسا مدى الحياة. في إشارة إلى أن الأزمة في تنظيمك الذي يعارضك وليست في أحزاب الشركاء الموالية.. ألم أقل انهم أكثر سؤً من المؤتمر الوطني نفسه؟ ففي الأيام الأخيرة أصبح الرجل إنفعاليا ولم يعد يحتمل النقد أو إسداء النصح في أشياء قد تخالف قناعاته كرئيس وقائد. وأهل السودان يقولون في أمثالهم الشعبية (النصيحة جبة شكوك) ، لكن من يريد الشوك وبين يديه حرير ونعيم السلطة؟!