انتقلت الحرب في السودان الى مرحلة جديدة منذ نهاية العام 2024م ، بتكثيف طرفاها الهجمات الجوية ما نتج عنه دماراً واسعاً للبنية التحتية وسقوط أعداداً كبيرة من الضحايا المدنيين. رغم أن القوات المسلحة اعتمدت على سلاح الطيران ــ الطائرات الحربية والمسيرات ــ بصورة كبيرة منذ بداية الحرب في مواجهتها لقوات الدعم السريع؛ إلا أن الأخيرة دخلت حلبة القتال بالمسيرات في مطلع العام 2025م، بعد إعلان قائدها خطة بديلة انسحبت بموجبها من عدة مدن كانت تسيطر عليها. في المقابل تراجعت معدلات الطلعات الجوية لسلاح الجو التابع للقوات المسلحة عما كانت عليه في العام 2024 م. 

آثار كارثية

عادة ما تخلف الغارات الجوية سواء كانت عبر المسيرات أو الطائرات الحربية آثاراً وخسائراً كبيرة على المدنيين والبنية التحتية بما في ذلك صفوف الطرف الآخر؛ وهو ما شهدته مدن مثل نيالا و الكومة ومليط وغيرها من المدن التي استهدفتها غارات الطيران الحربي كما وثق سلاميديا في تقرير سابق. إلا أنه وفي الآونة الأخيرة كثفت قوات الدعم السريع هجماتها عبر الطائرات المسيّرة، التي استهدفت بشكل مباشر مواقع استراتيجية، إلى جانب منشآت حيوية ومحطات كهرباء ومطارات ومستودعات وقود في الولايات التي تسيطر عليها القوات المسلحة.

لا مكان آمن

ألحقت مرحلة حرب المسيرات التي دخلت فيها البلاد، أضراراً كبيرة بأغلب الولايات؛ بما فيها ما كانت تعتبر آمنة، مثل ولاية البحر الأحمر التي شهدت موجة من الغارات الجوية في الأيام الماضية. ورغم أن أصابع الاتهام تتجه نحو قوات الدعم السريع، إلا أن هناك تقارير تشير الى تورط جهات أخرى في قصف تلك المواقع خاصة مطار بورتسودان وقاعدة فلامينغو البحرية. واستندت تلك التقارير على مستوى الدقة التي نفذت بها تلك الغارات (تقرير مركز التقدم للسياسات – Progress Center For Policies)؛ هذا علاوة على عدم إعلان قوات الدعم السريع مسؤوليتها عن الغارات. 

امتلاك المسيرات

لم تمتلك قوات الدعم السريع تمتلك مسيرات عند اندلاع الحرب في أبريل 2023م؛ سوى ضمن ترسانة الأسلحة التي استولت عليها من المقرات العسكرية للقوات المسلحة بالعاصمة الخرطوم، مثل مجمع اليرموك للصناعات العسكرية، الذي سيطرت عليه في يونيو 2023م. ويشير موقع بيانات وأحداث الصراعات المسلحة (ACLED) أنه منذ مايو2023م، شرعت قوات الدعم السريع في شن عدة غارات، بمسيرات، تم اعتراضها في ولايات تخضع لسيطرة القوات المسلحة، مثل شندي بولاية نهر النيل، وكوستي وربك بولاية النيل الأبيض، وولاية القضارف، مستهدفة مقرات عسكرية وقواعد جوية ومطارات حربية. ومع تقدم الحرب، بدأت كل من القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في الحصول على أنواع مختلفة من المسيرات، عبر حلفائهما الإقليميين. وتشير تقارير الى أن سماء السودان تحلق فيه أنواع عديد من المسيرات (إيرانية، تركية، صينية وأمريكية الصنع)، في ظل اتهام دولة الإمارات العربية المتحدة بتزويد الدعم السريع بمعدات عسكرية؛ رغم نفي الإمارات للاتهام. 

انواع المسيرات لدى الطرفين

للتحقق من أنواع المسيرات المستخدمة بواسطة طرفي الحرب قام فريق (سلاميديا) باستخدام أدوات البحث العكسي على تقارير تم نشرها في مواقع عالمية، ووجدنا إن المسيرات المملوكة للقوات المسلحة هي من نوع البيرقدار التركية، إضافة إلى مهاجر، وزاجل الايرانيتين؛ بينما تمتلك قوات الدعم السريع مسيرات FH-95 منها DJI Mavic 3، اضافة الى مسيرة يُعتقد أنها من إنتاج محلي ربما بتعاون تقني أو هندسي محدود من الخارج ــ يُشتبه في أن بعضها مستوحاة من تصميمات إيرانية (مهاجر 136) أو تجميع من مكونات تجارية. 

مسيرات القوات المسلحة

استهداف الأعيان المدنية

إلى جانب الجرائم العديدة المرصودة إثناء الحرب الحالية، نجد أن أغلب أطرافها يتحملون وزر الاعتداء على الأعيان المدنية، ما يعد من جرائم الحرب وفقاً البروتوكول الأول، المادة 51-2 والبروتوكول الثاني، المادة 13 من القانون الدولي الإنساني الذي ينص: “الاعتداءات على المدنيين وأعمال العنف أو التهديد بها، والتي تهدف بشكل أساسي إلى بث الرعب بين السكان المدنيين” والبروتوكول الأول، الموادّ 52 إلى 56، والبروتوكول الثاني، المادتين 14 و 15: “استهداف الممتلكات المدنية، التراث الثقافي، أماكن العبادة، البنية التحتية اللازمة لسلامة المدنيين، والمواقع التي تحوي مواد خطرة قد تؤذي البيئة وتضر بصحة ورفاهية السكان”؛ ولا سيما اتفاقيّة جنيف واحد المادة 19، جنيف اثنان المادة 23، اتفاقيّة جنيف أربعة، المادة 18، البروتوكول الأول المادة 12، والبروتوكول الثاني المادة 11 التي تشدد ألا تكون الوحدات الطبية وأفراد الخدمات الطبية أهدافًا للهجمات. 

وقد رصد فريق سلاميديا استهداف محطات توليد الكهرباء، المطارات، قاعدة عثمان دقنة الجوية في ولاية البحر الأحمر، مصفاة الجيلي، وعدد من مخازن الوقود، الكباري، المدارس والمستشفيات، القصر الجمهوري بالإضافة إلى محطة سد مروي لتوليد الكهرباء.

العاصمة المؤقتة تحت النيران

في مطلع مايو 2025 تفاجأ السودانيون بانفجارات قوية ضربت العاصمة الادارية بورتسودان، ما نتج عنها انقطاع تام للتيار الكهربائي وهلع المواطنين ومخاوف من انتقال الحرب الى المدينة التي ظلت بعيدة عن المواجهات المسلحة. ومنذ ذلك اليوم استمرت طلعات المسيرات بصورة يومية حتى كتابة هذا التقرير.

أسفرت هذه الهجمات عن موجة نزوح واسعة بحسب مصفوفة تتبع النزوح التابعة لمنظمة الهجرة الدولية.

اضافة الى مغادرة بعض البعثات الدبلوماسية وبعض موظفي وكالات الأمم المتحدة. كما أصدرت بعض المؤسسات الإقليمية والدولية بجانب بعض الدول مثل السعودية، قطر، الكويت، مصر، جيبوتي، أمريكا والنرويج بيانات إدانة لما يجري في بورتسودان.

المسيرات والعلاقات الخارجية

ويقول مراقب للأوضاع الانسانية فضل حجب اسمه، إن المسيرات دخلت حرب السودان منذ أغسطس 2023م بواسطة الدعم السريع، وفي 2024م استخدمتها القوات المسلحة في معارك الإذاعة السودانية بامدرمان. وذكر أن دخول المسيرات في الحرب مرتبط بعلاقات الطرفين وتحالفاتهما الخارجية، ويشير إلى أن هناك سوق عالمية مرتبطة بالموارد السودانية قوامها الذهب مقابل الاسلحة.

ونبه الى أنه في العام 2025م ظهرت لدى الدعم السريع مسيرات أكثر تطوراً من حيث المدى في ولاية الخرطوم، ويعتقد بعض المراقبين بأن هذه المسيرات كانت تنطلق من منطقة الصالحة جنوب امدرمان وهي آخر المناطق التي خرجت منها قوات الدعم السريع، وأضاف “بعد اعادة سيطرة الجيش على ولاية الخرطوم يمكن ملاحظة تراجع الدعم السريع في اطلاق المسيرات بالخرطوم”

وفيما يتعلق بالغارات على مطار بورتسودان شرقي البلاد، قال المراقب إنه لم يجد ما يعزز بشكل رسمي تبعيتها للدعم السريع، لكنه عاد وأكد أن هذا لا ينفي امتلاك الدعم السريع لمسيرات متطورة وعالية الدقة. وأشار إلى أن التطور في استخدام المسيرات يدفع نحو علاقة التنافس في سوق تصنيع المسيرات من قبل تلك الدول، وتداخلها مع القصف الاسرائيلي لمطار صنعاء باليمن والصراع حول أمن البحر الأحمر، وما يدور في الشرقين الاوسط والاقصى من تطورات ولا سيما المفاوضات الأمريكية الإيرانية وعلاقتها بالتسلح.

وقال إن حرب المسيرات تكسب الأطراف مساحات للسيطرة والتمركز بشكل أسرع من المشاة، لكن بالمقابل، فإنها تخضع لتغيرات الأحوال اقليمياً ودولياً؛ الأمر الذي يجعل استمرار استخدامها مرهوناً بالحصول عليها. وأضاف أن تركيز القوات المسلحة على قصف مطاري نيالا والجنينة بولايتي جنوب وغرب دارفور كمنافذ للإمداد العسكري، دفع الدعم السريع للتحول إلى السيطرة على قواعد حدودية كالمثلث على الحدود السودانية ــ الليبية ــ المصرية كمنفذ للامداد. وخلص المراقب الى أن المسيرات يمكن اعتبارها أسلحة تنعكس في اختصار الزمن للسيطرة عكس القصف المدفعي والمشاة وانها تختصر الفترات الزمنية المعارك التي تعتمد على القتال المباشر.

إن دخول المسيرات إلى ساحة الحرب في السودان، غير بشكل كبير في طبيعة الصراع، حيث أصبحت الغارات الجوية شائعة ومؤثرة على نحو متزايد. وقد ألحق تصاعد استخدام المسيرات من قبل الطرفين، دماراً هائلاً وخسائر فادحة في أرواح المدنيين. تُظهر هذه المرحلة تحولًا في التكتيكات، حيث كثفت قوات الدعم السريع غاراتها الجوية، مستهدفة البنية التحتية الحيوية، بينما تراجعت وتيرة الطلعات الجوية للقوات المسلحة.

 ومع استمرار القتال واستخدام المسيرات من قبل الطرفين، يتزايد القلق بشأن مستقبل السودان وتأثير ذلك على المدنيين. ويتطلب الوضع الحالي جهودًا مكثفة وضغطاً أقوى من المجتمع الدولي على طرفي الحرب لوقف العنف وحماية المدنيين والتوصل إلى حل سلمي للأزمة.