ابحث عن

لقاوة رائدة للاعتصامات السلمية إلى تماس الصراعات المسلحة

بقلم : محمد بدوي

الراهن المرتبط بتراجع حالة الأمن خلال الفترة الإنتقالية ليست سوي اثر مباشر لسياسات حكومة الحركة الإسلامية السودانية وحزب المؤتمر الوطني خلال سيطرتهم على السلطة، ودفعهم لإحتقان الأوضاع الراهن الإنتقالي، وتعددت الأسباب لكن تكامل نتائج تلك السياسات مع صناعة الأزمات،حيث لم يمضي وقت طول من إحتواء نذر الصراع بين الحمر والمسيرية بغرب كردفان، الإ وعادت المواجهه بين المسيرية والنوبة بلقاوة فى إتجاه اَخر من ذات الولاية منذ 10 أكتوبر 2022 التى نتج عنها مقتل حوالي 15 من الطرفيين و 20 مصابا و ادعاء لحالة خطف من قبل النوبة لطفل من المسيرية  بالإضافة إلى نزوح لما يقارب 4000 شخص او 800 أسرة، بدأت الأحداث بنزاع فردي حول ملكية أرض بين طرفين من المسيرية والنوبة بقرية جنقارو حوالي 3 كيلومتر شرق مدينة لقاوة  فى 10 أكتوبر2022 تطورت الاحداث فى 13 أكتوبربسوق لقاوة بإشتباك الطرفين وتبادل إطلاق الرصاص قبل أن تتطور فى يومي 14-15 أكتوبر الى نطاق واسع عن خلفيتها التى ارتبطت بإعلان الحركة الشعبية لتحرير السودان قيادة الحلو عن أسر ٩ من قوات الدفاع الشعبي انحدرت اصولهم من المسيرية داخل مناطق سيطرتها فى أغسطس 2022، قبل اطلاق سراحهم فى 16 اكتوبر 2022 بوساطة من مستشاررئيس جمهورية جنوب السودان السيد: توت قلواك، صدرت عدة تصريحات بينها بيان من المسيرية طالبوا باطلاق سراحهم أواتخاذهم ما يمكنهم من ذلك، ثم قبل وصولهم للخرطوم من جوبا احتفل المسيرية بلقاوة بذلك وأرسلوا  خلاله رسائل شكر لقائد قوات الدعم السريع ونائب رئيس المجلس السيادي الانقلابي الفريق أول محمد حمدان دقلو على وساطته التى من الراجح انها توقفت عن توت قلواك الذى دفع بها للحركة الشعبية، بتتبع التصريحات المنشورة من الأطراف يمكن الوقوف على أحدها صادر من مجموعات توحيد شعب جبال النوبة  لم يحمل تاريخ لكنه نشر فى 15 أكتوبر 2022أشار الى لقاوة بإسم الياواك ، وهنا مربط الفرس الذي يحيل الصراع الى دائرة الارض، قبل المضي لابد من الإشارة الى ان سياسات التقسيم التى نفذتها الحكومة السابقة بتقسيم الاقاليم السودانية المختلفة  إلى عدة ولايات ثم تقسيمات لاحقة فى 2013 ذهبت لتقسيمات أخري هدفت السيطرة السياسية بتقسيم جعل الحدود الادارية تقف على حواف قبلية تاريخية حينا وحينا تحدث التعدي كقنبله موقوته للصراعات التى تجعل المجتمعات تنخرط فيها تحصد فيها أرواح الأطراف وتهدر فيها الموارد الشحيحة فى الأصل فى شراء السلاح، الديات التى ارت أقرب لعمليات المقاصة  وعلاج المصابين لتأخذ الاشتباكات هدنة فى فصل الخريف ثم تتكرر الدائرة مهدرة الموارد عقب ذلك فى إتجاه اَخر بصراعات مرتبطة بمسارات الماشية وهكذا ما تلبث الإ وتتجدد بنمط فردي محدود الى حالة واسعة النطاق، هذا يظهر فى حالتي المسيرية والنوبة على إمتداد الفترة الانتقالية كحالة نموذجية، يمكننا تقصي ذلك أن المسيرية إلى جانب الاحداث الراهنة، سبقتها ثلاثة أحداث مع الحمر ،ثم الصراع بينها وعشائر دينكا نقوق الذي إتخذ هدنة طويلة من 2015 ليبدأ فى التصاعد فى 2019، بالنظر الى المجموعات الثلاث المسيرية والحمر ودينكا نقوق يمثل النشاط الرعوي نمط علاقات الانتاج الأساسية بما يجعل هذه الصراعات على أهبة التجدد فى الصيف حينما يحين مواعيد الطلق فى  نهاية شهر فبراير  ثم مواقيت المراحيل عقب ذلك
بالنظر إلي سجل النزاعات للنوبة خلال الفترة الانتقالية نجدها بدات مع القرعان فى ولاية نهر النيل بمربع 6  فى مايو 2019، إنتقل إلى  ولاية البحر الاحمر بورتسودان فى حالتين مع البني عامر، ثم مع البني عامر فى ولاية كسلا بكسلا وحلفا الجديدة ثم مع البني عامر بالقضارف، و الاَن النوبة والحمر بلقاوة، و محاولات  فى أغسطس 2022 لدق اسفين بين النوبة والجعليين فى بالقطينة 2022،هذا السجل  الاحداث يمثل حالة نموذجية لدراسة التاثيرات التى التى أستخدمت لإفتعال الأسباب فى سياق التركيز على مجموعات محددة ليتم إستغلالها فى إحداث مخطط تراجع حالة الأمن فى الفترة الإنتقالية مع عدم إغفال الأثر السالب لذلك  فحتى الاَن لم يشهد الواقع حالات محاسبة مثالية تفضي الى  العدالة و التعويض جبر الضرر، وهنا يمكننا الربط والعودة للمسيرية مرة اخري فهى شكلت أوئل المجموعات التي اَستهدفت فى بالعسكرة فى مليشيات المرحليين فى 1984 لتواجه تمدد الحركة الشعبية لتحرير السودان اَنذاك، إمتد الأمر الى إستهدافها فى نوفمبر 1989 بالانخراط فى صفوف الدفاع الشعبي، هذا غير الصراع الداخلي بين بطون المسيرية الذي أمتد من 1993- 2015، فى 1997 تاثرت البنية الزراعية للهشاب الصمغي  بإنشاء الخط الناقل للبترول، ظل الحال مراجعا فى التوظيف والخدمات بالمنطقة  حتى إعتصام لقاوة فى 2014 الذي امتد لثلاثة اشهر او (٩٧) يوما على وجه الدقة  ومثلت مطالبه فى جلها إرتباط بالخدمات فى المنطقة التى تحتضن حقول النفط، و شارك جميع مكونات لقاوة فيه و كان من الشعارات الاساسية فى الإعتصام " لا جهوية لقاوة هى القضية"  تضامنت الحركة الشعبية لتحرير السودان انذاك بتصريح من القائد عبدالعزيز الحلو والذي رفضته الخرطوم بشده بل سارعت فى فتح بلاغات جنائية فى مواجهه صحيفة الميدان على خلفية نشر تضامن الشعبية، وهذا يكشف ان هنالك تضامن بين المسيرية والحركة هذا دون الخوض بان الحركة بها اعضاء من مكونات مختلفة من السودان بما فيها المسيرية ، عبورًا إضافة الى أن لقاوة تشكل سوق ومنفذ لكافة المجموعات بما تشمل المنضوين تحت الحركة وهو سوق ظل يتسم بالهدوء لا سيما منذ 2017 ليثور السؤال حول سبب تراجع الاحوال؟  هذا بناء على أن الحركة سارعت بالنفي فى 12 أكتوبر 2022 عن مشاركتها فى الاحداث بينما ذهب بيان للجنة امن محلية لقاوة فى 18 اكتوبر 2022 واَخر لقوات الدعم السريع فى 19 اكتوبر باتهام للحركة بقصف لقاوة فى 17 أكتوبر2022 بينما أشار بيان القوات المسلحة فى 18 أكتوبر الى مجموعات فى الحركة الشعبية، اضف إلى ذلك الاسلحة التى أشير إلى إستخدامها حملت الامر على انه قصف وليس هجوم بأسلحة مواجهه ميدانية، كل هذه التطورات جاءت فى سياق زمني هو فصل الخريف الذى  يعقبه التحول للمسارات التى تعبر بعضها مناطق  النوبة، وبعضها الى مناطق دينكا نقوق عبورا الى جنوب السودان، لم يفلح مؤتمر عنتبي 11-13  مايو2022 بين المسيرية ودينكا نقوق  فى نزع فتيل الازمة بين الاطراف لإصطدامه بإرتباط الحل بحكومتي السودانيين أي الحل السياسي لكنهما يمكنهما المساهمة فى العيش الامن  
أخيرا: تظل تكلفة الصراعات عالية جدا ولا سيما فى  الحاضر الذي يشهد تراجع اقتصادي عالمي وإنزلاق فى البلاد بسبب انقلاب 25 اكتوبر 2022  الذى تشير الاحصائيات لوكالات الامم المتحدة بان هنالك 11.7 مهددين بنقص الطعام بالبلاد ، إضافة إلى موقف المجتمع الدولي الذى جمد المساندة الاقتصادية، فرغم الأسباب المختلفة التى سقتها اليه  تتاثر بشدة بالعلاقة من الحالة بين المكونين العسكريين بالسلطة خلال الفترة الانتقالية  وبطريقة الحلول التى فى الغالب تنحي الى دعم عسكري للفصل بين الاطراف مع الابقاء على جذور الصراعات، او ترسيم ملغم للحدود له ما بعده، الامر الذى يتطلب جهودا كبيرة من كافة الاطراف التى تقف بعيدة عن المسرح تاركة الأمر على  اكتاف الادارة الاهلية التى تحاصرها المجموعات المنتمية للنظام السابق من جانب ومن جانب اخر تماس العلاقة بين المكونات العسكرية مع او ضد، العدالة دون سواها من حلول عرفية تمثل الحل الناجح لمعالجة الاحداث ودوننا الحال فى اقليم النيل الازرق فرغم اكتمال التحقيق فى الاحداث الاولي الا ان تراخي الاستمرار فى تطبيق العدالة ساهم إستمرار الاحداث حتى الراهن، فلابد من الإنتباه إلى  الصراعات فى لقاوة والنيل الأزرق يمكن الإشارة إليها مبدئياً بنمط الإقصاء الإجتماعي الذي الى جانب العدالة تتطلب الإنتباه الى دور الدولة والخدمات المرتبط بالتنمية كعامل يحفز على الخروج من الإسباب المتراكمة .

Pin It

إصلاح قطاع الطب العدلي فى السودان والعدالة

بقلم: محمد بدوي

فى البدء لابد من الإشادة بالتعميم الصحفي للجنة التحقيق فى إختفاء الأشخاص الصادر ١٩سبتمبر ٢٠٢٢، و الذى جاء على خلفية إدراج اللجنة كعضو مراقب فى لجنة دفن الجثث بالمشارح فى نطاق ولاية الخرطوم، والذى كشف عن موقف لجنة التحقيق من اللجنة، وما ذهب إليه من التعارض بين تفويضها ولجنة دفن الجثامين، إضافة إلى حجتها القانونية القوية التى ساقتها فى تكوين اللجنة التى يواجه عدد من إعضاءها إجراءات قانونية أمام اللجنة على علاقة بذات الجثامين التى يهدف تشكيل اللجنة إلى تفريغ المشارح منها، من ناحية تانية تأثير الدفن على مسار عمل اللجنة وتحقيق العدالة، إضافة إلى أسانيد للدفن لعدد من الجثامين دون استيفاء إجراءات التعرف، على خلفية قرار صدر من النائب العام المكلف السابق مولانا مبارك، والتحديات التى ظهرت متمثلة أن الازمة ليست فى تحديد برتوكول الدفن بل الجهات والكيفية التى تتعامل مع تطبيق البرتوكول، ذهب التعميم إلى التحديات التى واجهتها من عدم التعاون، والعقبات التى أعاقت فريق الأنثروبولوجي والطب الشرعي الارجنتيني من انهاء مهامه أثناء زيارته للسودان لمعاونة تقنية للجنة التحقيق،  وثم القرارات التى صدرت بتكليف جهات آخرى بأعمال من صميم إختصاص لجنة التحقيق، ثم افاضت اللجنة حول موقفها الداعم لدفن الجثامين لكن باستيفاء الطرق العلمية التى تساعد على حفظ كرامة الجثث وحقوق أسرهم فى التعرف ومساندة تفويض اللجنة بما يفضى إلى تحقيق يساهم فى تعزيز تحقيق اهدافها المرتبطة بالعدالة، إحاطة اللجنة بأن الجانب الفني المرتبط بالطب الشرعي يجدر أن يتكامل بالآخر القانوني لتكتمل عملية إفراغ المشارح بولاية الخرطوم بمنهج وطريقة لا تبرر المصلحة العامة مقابل إهدار الحقوق والعدالة، ولا سيما أن هنالك إقرارات قضائية مرتبطة بانتهاكات التعامل غير القانوني فى الأعضاء البشرية لبعض الجثث مجهولة الهوية المتواجدة داخل مشارح ولاية الخرطوم، يمكن تلخيص التعميم في.

لجنة دفن الجثث تشكل إعاقة لعمل لجنة التحقيق، فى صيغة ينتج عنها انعدام سبل الوصول إلى العدالة، وهو بعض الدفع الذى اعتمدت عليه مجلس الأمن الدولي فى إحالة ملف دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية والمتمثل فى أن النظام القانوني غير راغب وغير قادر فى تحقيق العدالة، مع الإختلاف بأن عنصر الرغبة هنا متوفر لدى لجنة التحقيق التى أنجزت الكثير و عملت على حل عنصر عدم القدرة بالإستعانة بالفريق الأرجنتيني، إذن جهود تذليل عنصري الرغبة والقدرة تواجه عقبات  لكن تعتبره عقبات بما قد تجد سندا للوقوع تحت توصيف " إعاقة النظام الوطنى فى جهد تحقيق العدالة".

التعميم الصحفى للجنة التحقيق فى احترافيته أستطاع ان ينهض مستند رسمي صادر من لجنة تتمتع بصلاحيات تحت قانون الإجراءات الجنائية السودانى١٩٩١ وقانون النائب العام ٢٠١٧، إضافة إلى كونه حمل قوة قانونية كشفت لكافة الأطراف بما فى ذلك الجهه التى شكلت لجنة الدفن واعضاءها عن النتيجة الراجحة للدفن وإعاقة تحقيق العدالة فى قضايا إختفاء الأشخاص فى حادثة ٣ يونيو٢٠١٩ "الاعتداء على اعتصام القيادة السلمي" والحالات اللاحقة عقب ذلك، وتعارض عمل لجنة الدفن مع إختصاص اللجنة فى تفصيل استند على وقائع كشفت إلى جانب ذلك عن ادعاءات بانتهاكات أخري تعطل التحقيق فى بعضها لأسباب لم يكشف عنها، وهذا يقود مرة ثانية إلى سؤال النزاهة والاستقلالية.

ما كشفه تقرير الفريق الطبي الارجنتيني المشار إليه فى التعميم عن تقييم قطاع الطب العدلي السودانى يحمل قوة قانونية ايضا لكونه صدر من فريق دولي محترف زار السودان بناء على طلب رسمي عبر السلطات لذات الغرض.

ما اشرنا اليه اعلاه وفى حال بدء لجنة الدفن أي انشطة فإنه يعطى لجنة التحقيق الحق فى ممارسة سلطاتها والتحري مع الجهات المشاركة او التى على صلة على سند قانوني يدفع بالمسئولية الجنائية والمدنية معا، سواء من أصحاب المصلحة المباشرة والمصلحة العامة، لكن رغم ذلك قد تبقي تعقيدات تاريخية مرتبطة بحرمان أسر وذوي المفقودين التعرف عليهم أو اعاقة التعرف على مصيرهم لأي سبب الراجح منها ما يتعلق بسؤال البرتكولات المشار اليه ( من وكيف)؟

 

 ساندت عده جهات مدنية بما شمل نقابة الصحفيين السودانيين ما حمله التعميم ولا سيما أن لجنة الدفن حددت بدء عملها اليوم ٢٥ اغسطس٢٠٢٢ لبدء عملها فأن سارت فى الامر سيمثل هذا التاريخ  بدء دخول قضية الإختفاء القسري وإدعاءات التعامل فى الأعضاء البشرية مرحلة مختلفة إنسانيا وقانونيا.

اخيرا: إصلاح قطاع العدل الطبي سينعكس على تحقيق العدالة الذى يمثل احد الأجندة المهمة فى مسار التغيير، وهنا يثور سؤال عن الاثر الإيجابي لو هيأ الحال للفريق الطبي  الأرجنتيني لأكمال مهمته فى يوليو٢٠٢١؟  الاجابة فى أحد جوانبها  أنه من الراجح أن يعين نتاج ذلك الكثير من لجان التحقيقات فى إكمال أعمالها، فعلى سبيل المثال لا الحصر   هاهو رئيس لجنة التحقيق  قضية إعدام ال(٢٨) ضابطا فى ١٩٩١أصدر فى ١٤ سبتمبر ٢٠٢٢ امرا  بإطلاق سراح مشروط  للمتهمين بعد أن واجه رفض القاضى تجديد حبسهم لتطاوله.

Pin It

رؤية حول مسودات قوانين الصحافة والمطبوعات

بقلم : محمد بدوي

المقدمة

في البدء لابد من الإشارة إلى ان الورقة ( كتبت فى مايو 2021) وإستندت على جهد وزارة الثقافة و الإعلام السودانية  ( قبل إنقلاب اكتوبر2021 التى طرحت آنذاك  مسودات لقوانين الصحافة والمطبوعات والبث التلفزيوني  ومسودة الحق فى الحصول  على المعلومات 2021 للنقاش وابداء الآراء حولها، في ظل غياب المؤسسة التشريعية البرلمان  الذي كان بالضرورة بحكم تفويضه أن يقوم بالدور الرئيسي والهام في ترسيم الإصلاح القانوني في شمول يتسق و إعادة الإصلاح المؤسسي ، بالإضافة إلى تغييب المحكمة الدستورية هذا الغياب لمؤسسات تعبر عن إكتمال شكل الدولة و تشكل رقابة على الفصل بين السلطات الثلاث التشريعية ، القضائية و التنفيذية ، يشكل خصماً على نهج الإصلاح القانوني من عدة نواحي حيث يحيل سلطات البرلمان إلى المجلسين السيادي و التنفيذي أي تفويض جهد 300 مقعد من البرلمان إلى حوالى 30 مقعد سيادي و تنفيذي مع واقع  الاختلاف النوعي و الكمي  الناتج عن  الخلفيات المهنية  والفئوية التي يوفرها البرلمان  مقابل رؤى سياسية جاء بعضها نتيجة الشراكة المدنية العسكرية و مشاركة الحركات المسلحة وكتل أخرى بموجب اتفاق سلام السودان 2020 .

 تأثر بنية المحكمة الدستورية السودانية في العهد السياسي السابق بالنفوذ  المرتبط بالتدخل السياسي في صناعة الدساتير و التسوية التي طالتها بموجب اقتسام سياسي مقاعدها على خلفية اتفاق السلام الشامل 2005 ، امتد الأثر في غياب دستورية القوانين في ارتباطها بما نص عليه دستور العام 2005 من التزام الدولة بالالتزامات و الاتفاقيات الإقليمية  و بنيتها المستندة على دستور 1998 الذي عرف سياسياً ب" دستور التوالي " ، الأمر الذي يقود الراهن الإنتقالي إلي مواجهة بنية قوانيين مصدرها دستور التوالي ذو المرجعية الإيدلوجية و الأهداف المرتبط بالنهج السياسى للنظام السابق ، والتي يمكن تلخيصه في العداء لسيادة حكم القانون ، في صيغة إقصاء القانون من التنظيم إلى توظيفه للتجريم السياسي مع إتساع نطاق العقوبات القاسية و الحاطة للكرامة و السالبة للحرية في تعارض مع دور القانون والإصلاح .باختبار ذلك في مجال حرية التعبير نجد أن القوانيين المنظمة له والتي شرعت في العهد السابق كقانون جرائم المعلوماتية 2007 و قانون الصحافة والمطبوعات شكلا نموذجين لذلك ،  لكسر أطواق الأيدلوجيا التى سورت  تجرية التشريعات الوطنية لابد من الإستفادة القصوى من الفترة الإنتقالية فى عملية إصلاح شاملة  للمؤسسات ، التشريعات و رفع الوعى المعرفي للعاملين  بالمعاهدات الدولية و ثقافة حقوق الإنسان لمعالجة الإحلال لثقافة الفساد  الذي خلفه سياسات النظام السابق، هاهو الحال يدفع نحو ميلاد نقابة للصحفيين  الامر الذى شجع على نشر الورقة بعد أن قطع الإنقلاب على مقترحات المسودات ان تحظى بالنقاش و الخروج الى الواقع قوانيين

1-    الإطار القانوني للمنهج

بالنظر إلى المسودات المطروحة للتداول من الصحافة و المطبوعات والبث التلفزيوني  وقانون الوصول للمعلومات 2021، فقد جاءت تقتفي أثر نهج ممارسة النظام السابق  الذي ظل يفصل بين القطاعات المرتبطة بطبيعة مشتركة في الحقوق ليسهل عليها السيطرة السياسية وتنفيذ أفعال التجريم الممارسات المرتبطة بالحقوق للتضييق على ممارستها سواء في الفضاء العام أو الرقمي  بالإضافة إلى عدم رغبتها فى إتساع نطاق التمتع بالحقوق لكافة القطاعات المشتركة المشمولة بالحماية ، وهذا ما يفسر طرح ثلاثة مسودات دون النظر إلى الطبيعة المشتركة ، فالرجوع إلى مسودة قانون الصحافة والمطبوعات فإلى جانب الوثيقة الدستورية فقد نصت إلى المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حرية التعبير, وعدد من البروتوكولات بحماية الصحفيين  كإطار للالتزامات، بالنظر إلى حرية التعبير سنجد أنها لا تقتصر على الصحافة الورقية  والمطبوعات فقط بل تشمل  الصحافة الإلكترونية حيث يجدر الإنتباه إلى أن الإصلاح لا يعني نسخ أو التقيد بالإطار الذي اتبعه النظام السابق في الفصل  بين القطاعات بتشريعات مختلفة، ولعل عملية الإصلاح لابد لها من نهج إستراتيجي يجعل من مسالة حرية التعبير تقرأ في صورتها الكبيرة المرتبطة بمفهوم الإعلام  التشريعات والمرتبطة بمفهوم الإعلام، الفصل الإداري بين القطاعات قد يكون مفهوم بقصد التنظيم الإداري، لنجد أن ممارسة حرية التعبير المحمية بالتشريع الوطني الوثيقة الدستورية 2019،والمعاهدات والبروتوكولات تقود إلى مسودة قانون الإعلام 2021 التي يجدر أن تأتي لتنظيم الصحافة بشقيها الورقي و الإلكتروني ( وهنا يتخطى الأمر الصحف الإلكترونية إلى الأشكال الاخري بما تشمل  المواقع الالكترونية) والمطبوعات، البث الرقمي الذي لا يقتصر على التلفزيوني والإذاعي المرتبط بهيئات حكومية قومية إلى أشكال أخرى صارت متاحة وشائعة اختبرت قدرتها ومساهمتها في سياقات المساهمة الايجابية سواء في البث المرتبط بقضايا متخصصة أو رفع الوعي أو غيرها، التمتع بممارسة حرية التعبير تدفع إلى  الحق في الحصول على المعلومات والحق في الحصول على الإنترنت بما يتطلب الدفع بتشريع أو إدراجه بعد  تعديل قانون جرائم المعلوماتية 2007 الذي يتطلب الكثير من النظر من عنوانه الذي قد يبدو غير متسق لغوياً حيث أن القانون يعمل على مكافحة الأفعال التي تشكل جرائم ، هذا بالإضافة إلى نصوصه ولا سيما التي تمثل تكرار في القانون الجنائي السوداني 1991 مثل اشانة السمعة حيث أن إحكام الضبط قد يشمل الفعل سواء بالنشر الورقي أو الالكتروني بما يقلل تعدد الإختصاص والخضوع  لأكثر من تجريم في فعل واحد تعددت وسائل نشره ،إرتباط الأمر بتحقق العدالة وتكلفة اقتصادها يدعو لتعزيز من شمول النظر والتفكير في تشريعات حرية التعبير في وثيقة قانونية تحت مسودة قانون الإعلام لنمضي نحو بناء قانونى ونقابي وإداري  فاعلين .

2-    : الإصلاح تحت نهج الإطار القانوني

استناد عملية الإصلاح تحت مفهوم الإعلام تعززه التطورات حيث أن مسودة  قانون الصحافة والمطبوعات تشمل الصحف والمطبوعات الورقية فقط ، بينما أن الممارسة دلت على أن الصحف تنشر ورقيا والكترونيا، وان  المخطوطات صارت تصدر في شكل المطبوعات ورقية والكترونية نسخ PDF و مسموعة كصوت ، و تحوي ذات المواقع الصحفية على سبيل المثال قنوات لبث الفيديوهات أو الصوت ، بما جعلها تضيف ميزة البث الرقمي، تعتمد على الحصول أو توفر  الإنترنت والمعلومات بما يجعل جميع الحقوق المرتبة تظهر في نشاط واحد بدأ ورقياً أو الكترونياً ،هذا يحيل إلى أن أهداف مسودات القوانين المطروحة وغيرها فى نطاق الحالة تتحول إلى علاقة تكامل حيث يمكن الإشارة إلي أنها يمكن أن تقرأ في تحول الصحف  فعليا إلى مؤسسات اعلامية بحكم الواقع رغم الترخيص كصحف ، بما يدفع إلي تعزيز الحالة بالدفع نحو مؤسسات إعلامية يمكنها ممارسة كل أو بعض الانشطة المرتبطة بحرية التعبير المرتبطة بمفهوم الإعلام ( صحف ومطبوعات ورقية والكترونية وبث رقمي  ......) ، في السياق المرتبط بالمواءمة  ، يجدر الإنتباه إلى  استجابة المسودات  للتطورات  المرتبطة  بشروط الاستخدام المنصوص عليها في المواقع ونوافذ النشر للاستفادة منها بما يتسق والتزامات السودان والوثيقة الدستورية 2019 حيث يجرم حجب أو الوصول إلى المواقع أو الصحف دون أمر قضائي ،  وتعزيز الحماية الايجابية في نص يجرم الصدور أو  النشر أو البث لمواد تمييز على أساس ديني أو جغرافي أو عرقي وثقافي أو صدور أو نشر أو بث يتعارض مع مفهوم المواطنة وفقا للوثيقة الدستورية أو يحط من التنوع بالدولة.

3-    أهداف مسودات أو مسودة القانون /  القوانين :-

  • تعزيز ممارسة حرية التعبير ( وفق التخصص ) وفقاً للدستور والالتزامات الإقليمية والدولية .
  • سيادة أحكام القضاء علي الأفعال المرتبطة  بنشاط الاعلاميين / المؤسسات الاعلامية  ( لا حاجة للنص على غياب الرقابة في ظل وجود 1 و2 ).
  • ممارسة فاعلة لحرية التعبير بما يعزز المساهمة الايجابية في الفترة الإنتقالية .

4-    الحماية  و أشكالها :

  • الحماية القانونية للإعلاميين عبر الحصانات الشكلية التي توجب إذن النقابة في حالة القبض من قبل سلطة مختصة
  • الحماية المرتبطة بالغير : تشمل الحماية القانونية للمصادر ، وحقوق الغير المرتبطة
  • الحماية من المخاطر مع تعزيز حرية الحركة دون الحاجة لإذن مسبق 

5-    : الدور النقابي

الفصل بين الدور النقابي و إخراجه من ثوب مجلس الصحافة السابق إلى نقابة الإعلاميين  على إمكانية أن تكون هنالك تصنيفات فرعية للقطاعات ،  صحفيين .... على النحو المقترح التالي :

  • الحق في منح الترخيص المؤقت والدائم هذه النقطة تنقل إلى تعريف الصحفي و الاعلامي تحت سند قيد النقابة
  • بالإضافة إلى ذلك قيام النقابة بشؤون منح الصفة
  • ميثاق الشرف ورعايته وصياغته وغيرها من صميم اختصاص النقابة الاختياري وهو يخرج مسالة شرف المهنة التي لم يتم التوافق عليه بعد أو الذي قد ينتج مسعود بنفوذ سياسي كما تم في ٢٠١٨ من صلب مقترح القانون وقوته إلى الارادة الأخلاقية وليست القانونية لأنه يصعب قياس الجزاء المترتب و لا سيما أن هنالك أفعال ينظمها القانون و اخري القاضي فيها ضمير الجماعة و المجتمع وإلا نكون قد أسقطنا فكرة التجريم والإباحة على خلفية من السلوك و الالتزامات لم تحدد بعد أو قد تأتي معارضة لروح القانون او القوانين  المقترحة.

6-    : مجلس الصحافة أم مجلس الإعلام

هنا يمكن النظر إلى تكوين مجلس الإعلام بدلا من مجلس الصحافة والمطبوعات  بمهام فنية تنحصر فى :

  • تنظيم امتحان مزاولة المهن المرتبطة بالقطاعات ان كانت هنالك حوجة
  • ممارسة اختصاصات تحديد عدد صفحات الحد الأدنى الصحف مع ملاحظة ان الصدور في ٨ صفحات لا تتناسب وفكرة التطوير المرتبطة بالمؤسسات الصحفية و راكمت الفترة السابقة لأسباب عديدة أثرت سلبا منها القيود الجمركية علي المدخلات و غيرها وكلها كانت تصب في انهاك الصحف و ابقاءها في إصدارات من عدد محدود من الصفحات قد لا تتناسب ومساهمة الصحافة و الإعلام في المرحلة الراهنة
  • اضف الى ذلك قد تتمتع الإدارة الجديدة بممارسة الرقابة على بيئة العمل التي تشمل الصحافة الرقمية ايضا من كل ناحية بما يمكن اعطائها سلطات التفتيش الاداري الى جانب إشرافها على الأمور الفنية المتعلقة بالحد الادني للعاملين في الصحيفة أو المؤسسة و الشروط الفنية الأخرى ذات الصلة

7-    : إدارة  الإعلام  بوزارة  الثقافة والإعلام

إداريا التطوير الفني و تعزيز سيادة حكم القانون على قطاع الإعلام :-

  • ضمان ومراقبة الوصول للأنترنت
  • لتولي بقية اختصاصات كانت للمجلس الصحافة والمطبوعات أو مستحدثة وفقا للحوجة طالما ان الوزارة هي المظلة الرئيسية وهذا يجعل القرارات الصادرة من الإدارة  قابلة للطعن الإداري لدى المحكمة الإدارية و هذه النقطة تنقل المؤسسة الصحفية و الصحيفة والمؤسسة الاعلامية الي مظلة الإدارة  المقترحة تحت ولاية الوزارة و تبعد تعقيد العلاقة بين تبعية المجلس الى مجلس الوزراء كما أن كان المجلس بذات الطبيعة في قانون ٢٠٠٩ و تحويلها إلى  مسودة القانون أو القوانين  الجديدة
  • إسناد وظيفة المفوض الواردة في مسودة قانون الوصول إلى المعلومات إلى إدارة  الإعلام وإحالة سلطاته إليها
Pin It

من النّضال المسلّح الى الكفاح السّياسي

 
 
هوّيات وتحوّلات (1)
أحمد يعقوب
لعلّ التكلفة العالية؛ لمسألة النضال المسلح ضد الأنظمة الشمولية بالاضافة الى التّحولات الجّيوسياسيّة وتقلُّبات المناخ السّياسي الاقليمي والدولي،تطرح اسئلة مهمة للكيانات المسلحة حول ضروة التحوّل لاحزاب سياسية مدنية ؛ خاصة مع ضمور عملية الدعم من قبل الفاعليين الاقليميين والدوليين وهي عملية ترتبط بتحولات شتى في المسرح السياسي الاقليمي والدولي للبلدان التي تقدم الدعم(....) وهنالك عامل رئيسي مهم وهو التحوّلات السياسية الداخلية في الجغرافيا المعينة؛ على سبيل المثال التحولات التي حدثت في مسرحنا السياسي بقيام ثورة ديسمبر وسقوط نظام الحركة الاسلامية.
ومع ندرة الدراسات التي تناولت هذه المسألة ؛ فقد نظمت وحدة الدراسات الاستراتيجية بالمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مؤتمرها الأول بعنوان: "من السلاح إلى السلام: التحولات من العمل السياسي المسلح إلى العمل السياسي السلمي "وقد قدمت عدة أوراق في هذا المؤتمر تناولت باستفاضة حول التحولات من السلاح الى العمل السياسي؛ وللمهتمين يمكنهم مراجعة موقع المركز على الشبكة لمزيد من الاطلاع.
هذه المقالة وعبر سلسلة ؛ تطرح اسئلة محددة على شاكلة؛لماذا تقرر الكيانات المسلحة انشاء احزاب سياسية او تريد التحول لاحزاب سياسية مدنية؟ ماهي الظروف التي تتطور فيها الاجنحة السياسية للحركات لتصبح الوسيلة الرئيسية للتعبير عن الكيان المسلح والذي يؤدي في النهاية الى التخلي عن السلاح؟ كيف تحدث مثل هذه التحولات؟ ولماذا تحدث؟ وما شروط بدء عمليات التحول نحو اللاعنف؟ وما شروط استمرارية النشاط السياسي السلمي؟ وما المسارات المختلفة لعمليات التحول والخروج من إطارات العمل المسلح؟ وهل يحدث التحول بعد انتصار عسكري، أم على العكس بعد هزيمة عسكرية؟.
ليس التحول من العمل السياسي المسلح إلى النشاط السياسي غير المسلح ظاهرة جديدة، فقد أظهرت دراسة إحصائية أنّ من أصل 268 مجموعة مسلحة تمت دراستها ونَشطت في الفترة 1968 - 2006 ، هناك 20 فقط )أي 7 في المئة( هزمت عسكريًا. في حين انضمت 114 منها )أي 43 في المئة( إلى التيار السياسي المؤسسي السائد، سواء أكان ذلك على شكل أحزاب سياسية أم حركات سياسية اجتماعية.
وفي الاصل فان مشاريع الحركات المسلحة هي مشاريع سياسية يُرى ذلك من خلال الاطروحات الفكرية في المنفستوهات والدساتير ؛ غير أن الالية المستخدمة هي الية العنف ؛والذي فرضته اجهزة الدولة بقمعها لكل الاصوات المناوئة لها، فتم مواجهة العنف بالعنف وفي وقت يبدو صوت البنادق مسموعاً اكثر من صوت العمل السياسي السلمي؛وهو ما يعني ان احتكار الدولة لاجهزة العنف،ولّد ما يمكن أن يطلق عليه بمشروعية احتكار القمع لدى مؤسسة وحيدة ويتم استخدام هذه الالية بسبب أو دون سبب وبالتالي نشأت كيانات تستخدم نفس الالية لاسماع صوتها.
ترتبط فكرة التحول من العمل المسلح الى العمل السياسي السلمي بعدة عناصر أهمها المصداقية في التسويات السياسية وتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه ؛ مع وجود بيئة سياسية خالية من القمع والعنف.ثمة إجماعًا بين الباحثين على أن عملية التحول هي في حد ذاتها شديدة الحساسية للبيئتين المحلية والدولية. بعبارة أخرى، أيّ بيئة سياسية يسود فيها القمع الاستبدادي والانقلابات العسكرية والحروب الأهلية وغيرها من أشكال العنف السياسي واللااستقرار الاجتماعي؛فإن العمل المسلح والنزاع العنيف المستدام سيكونان في الأغلب النتيجة الوحيدة .ومحاولات التّحول في اتجاه نشاطات سياسية غير مسلحة سيكون لها على الأغلب تأثيرات قصيرة الأمد أو تبدأ لتنهار سريعًا.
هنالك أهمية كبيرة لتحول الحركات من النضال المسلح الى النضال السياسي؛ حيث أنها ستكون مضطرة لمخاطبة جمهور واسع وعريض وجديد عبر خطاب سياسي فيما تسوّق هي ايضاً خطابها السياسي؛ ولخوض اي انتخابات لابد من وجودها في شكل احزاب سياسية إذ انها الالية الوحيدة المعترف بها لخوض انتخابات ؛ ثمة أهمية اخرى لقرار التحول لحزب سياسي وهو حشد جمهور نوعي من المثقفين وصنّاع الرأي والمؤثرين واستقطابهم لبرامجها السياسي ولكن هذا التحول مشروط باعادة بناء للايدلوجيا والهرم التنظيمي وكذا السلوك الممارس من قبل العضوية مع إحداث نوع من عمليات التحديث للتنظيم وفك الإرتباط بين الهرمية العسكرية كمرجع اساسي لاتخاذ القرار لصالح الهيئات المؤسسية داخل التنظيم سياسياً ولاستيعاب افكار الاجيال الجديدة ومحاولة مزج المرجعيات المتباينة.
يقتضي التحول الى العمل السياسي المدني واتخاذه كآلية بديلاً لآلية العنف، توفر عدة شروط داخلية؛ أعني رغبة الحركات المسلحة للانفتاح وممارسة العملية السياسية بشروط جديدة كلياً ؛ وكذا رغبتها في إنزال برامجها السياسية لفئات جديدة كانت تخاطبها عبر فضاء لايوجد به تواصل فيزيقي محسوس، وهو أمر يقتضي كلياً إعادة النظر في شكل خطابها السياسي الذي قدمته في فترة الصراع،وضرورة تغييره ليواكب المتغيرات والاجيال الجديدة والمناخ السياسي المُعايش. لايقف الامر عند هذا الحد بل يتخطاه الى احداث جراحات عميقة في شكل المؤسسات السياسية التنظيمية التي تروم بنائها ومدى مرونتها والاتفاق على خطوط اللعبة السياسية وما يقتضيه المشهد السياسي وشكل تحالفاتها مع القوى الاخرى. والاهم من ذلك ضرورة المراجعات الفكرية لمشاريعها السياسية؛ ويشكل غياب العمل الفكري السياسي أحد أهم العناصر الاساسية التي يفتقدها المشهد السياسي بكل احزابه؛ فالمراجعات الفكرية وان وجدت فهي بعيدة عن الفكر العلمي وتتلخص كلها في الشروحات والسرد التاريخي وهو ما يجعل الحركات والاحزاب على السواء تعيش في ( زمن ماضوي ).
تعاني الحركات المسلحة بلا استثناء من عدم الاستفادة من كادرها وذلك بسوء التوظيف تارة والخوف من احداث التغيير في شكل التنظيم تارة اخرى وهو ما يفسر الانقسامات المتواترة هنا وهناك؛ وهو امر تشترك فيه مع القوى السياسية المدنية؛ وهي من ضمن الأمراض التي تصيب البنى المؤسسية للتنظيمات الحزبية :المركزية البيروقراطية، التي تمنع التنظيمات من الإبداع والتفكير الحر، والانشقاقات التنظيمية التي تحيل على الظاهرة الانقسامية التي ناقشها "واتربوري" في حقل السياسة، وعدد من الباحثين في حقل الأنثروبولوجيا مثل غيلنر وغيرهم، ثم العفوية، أو الارتجال وأخذ مسافة عن الفكر العلمي. هذه الأمراض الثلاثة التي تفتك بمختلف التنظيمات الحزبية، هي التي تحوّل البنى الحزبية إلى كائنات استبدادية نرجسية تضخم الذات وتقصي الآخر، وتقتل الحقيقة حين تلغيها عن الآخرين وتنسبها فقط للذات.
Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

418 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع