إعادة ترتيب المنطقة أمنياً وأثرها علي الوضع في السُودان

نضال عبدالوهاب

المُتتبع للوضع في المنطقة حول السُودان ولجيرانها المُباشرين ، ودونما أي عناء يستطيع مُلاحظة أن هنالك تغييرات طالت أجهزة الأمن والإستخبارت بعدد من الدول حول السُودان في غضون أيام قليلة جداً ، بدأت بدولة جنوب السُودان والتي تم فيها إقالة أكول كور مدير الإستخبارات فيها من قبل الرئيس سلفاكير ميارديت ، والذي خدم لفترة طويلة إمتدت مُنذ إستقلال دولة الجنوب وإنفصالها عن السُودان في ٢٠١١ ، ثم قام الرئيس محمد إدريس دبي بإقالة محمد شرف الدين مرقي مدير الأمن العام في تشاد ، وكان قبلها قد تمت الإطاحة أيضاً بمدير مكتب الرئيس إدريس يوسف بوي ، بواسطة الرئيس محمد إدريس ديبي ، ثم أخيراً قام الرئيس عبدالفتاح السيسي بإقالة مدير المخابرات العامة والذي ظلّ في منصبه منذ العام ٢٠١٨ عباس كامل.
هنالك بلاشك ترتيبات جديدة لديها علاقات بالملف الأمني تحديداً وإستقرار الإقليم والمنطقة ، فهنالك صراع وحرب السُودان ، إضافة للصراع داخل دولة جنوب السُودان مابين الرئيس سلفاكير ورياك مشار ، وكذلك صراع آخر مابين مكونات قبيلة الزغاوة في تشاد وعدم رضاؤها عما يتم في دارفور والفاشر تحديداً وما تقوم به قوات مليشيا الدعم السريع ، والتسهيلات التي يقدمها لها النظام التشادي الحالي بواسطة الدعم الإماراتي المُباشر ، والذي ساهم في تمدد الحرب بالسُودان وإستمرارها ، وخاصة في دارفور والحصار المفروض علي مدينة الفاشر من قبل مليشيا الدعم السريع.
لا شك أن هنالك إرتباط مُباشر مابين الملفات السياسِية والأمنية ، ولحدوث أي إستقرار سياسي وأمني ، لابدّ أن تتبعه سياسات أمنية ونجاحات في هذا الملف تحديداً ، مع وجود قرارات سياسية يتحقق بها النجاح في خلق إستقرار أمني ، ومن المعلوم أن من يصنع هذه القرارات أو يُشارك في إدارة ملفاتها يكون له أدوار كبيرة في هذا الإتجاه ، سواء في تنفيذ السياسة العامة للدولة أمنياً وإستخباراتياً ، أو بالتنسيق الكامل مع دول ومؤسسات وأجهزة خارجية لخلق حالة جديدة في المنطقة ، ولعب أدوار مختلفة ، وتغيير في طريقة إدارة الملفات الأمنية تُسهم جميعها في الإستقرار الأمني للمنطقة وتجنيبها الحرب والصراعات ، وبالتالي عدم وضع العبئ علي المجتمع الدولي وعلي مايترتب من هذه الصراعات وبؤرها في المنطقة.
وفيما يتعلق بالوضع في السُودان فلا شك أن لهذه القرارات التي تمت في ثلاثة دول جارة للسُودان ، فمن المؤكد أن لها علاقة علي ما يجري من حرب به وصراع وفوضي وتهديد لكُل المنطقة والإقليم.
ولانستبعد أن هنالك تنسيق وإعادة ترتيب للمشهد أمنياً في السُودان والمنطقة ، فهذه الثلاثة دول لها علاقة جوار مُباشر مع السُودان ، وأمنها القومي مُرتبط به ، وتفجر الصراع في السُودان يلغي بظلاله عليها و يدخلها في حلبة هذا الصراع ، وكلنا شهدنا ووقفنا علي تصريحات حميدتي الأخيرة وإتهاماته لمصر في إشتراكها وتدخلها في الحرب لصالح الجيش السُوداني ، وفي المقابل شهدنا إتهامات لدولة تشاد بدعم المليشيا وبمساندة ونفوذ لدولة الإمارات التي أيضاً تمّ توجيه الإتهام المُباشر لها من السُودان وقيادة الجيش الحالية ، وكذلك الصراع القبلي وتداخله مابين دارفور وتشاد مُتمثلاً في عدم رضاء قبيلة الزغاوة ورموزها لسياسات الرئيس محمد إدريس دبي ومن كانوا يديرون ملفاته السياسِية والأمنية ، هذه التحولات في أجهزة الأمن والإستخبارات لهذه الدول الثلاثة تحديداً وتعيين آخرين في مكان من تمت إقالتهم أو إزاحتهم ، يذهب في تقديري في إتجاه إعادة لترتيب المشهد الأمني ، خاصة كذلك إذا ماتمت قراءتها من زاوية مايحدث في الحرب الإسرائلية الفلسطينية اللبنانية ، وإشتعال تلك المنطقة أيضاً والأدوار التي تتم من قبل الولايات المُتحدة لنزع فتيل الصراع وعودة الإستقرار وإبعاد نشوب حرب مُمتدة وذات بُعد دولي ، يُضاعف الكوارث وعدم الإستقرار لمنطقتي الشرق الأوسط والقرن الأفريقي ، وهذا أيضاً تمهيّد لتغيرات متوقعة للادارة الأمريكية في الفترة المُقبلة علي أساس الإنتخابات القادمة ، سواء فاز بها الديمُقراطيّون أو الجمهوريون ، أتت هاريس أو عاد ترامب.
ما يهُمّنا هو إنعكاس تلك القرارات بالتغيرات في أجهزة الأستخبارات والأمن في كلٍ من جنوب السُودان وتشاد ومصر علي الوضع في السُودان ، وماهي السياسات التي سيتم إعتمادها ولها علاقة مُباشرة بالحرب والصِراع والقتال في السُودان ، ونأمل أن يُسهم القادمون ممن سيديرون الملفات ذات الطابع الأمني والإستخبارتي في الجهود نحو وقف الصرّاع والحرب الدائرة في السُودان ، وأن لايتم أي تصعيّد أو دعم لأطراف الحرب بما يُساعد في إشعالها وإستمرارها ، وبالتالي جرّ كُل الإقليم والمنطقة لعدم السِلم والتوتر وعدم الإستقرار ، وأن تتكامل الجهود السياسِية والأمنية لوقف الحرب في السُودان وعودة فُرص حُسن الجوار وعدم التدخل في الشئون الداخلية للسُودان ولتلك الدول فيما بينها لكي تستقر المنطقة ويتم العمل وفق المصالح المُشتركة لها ، مع إيقاف تام للأدوار السالبة التي تقوم بها دولة الإمارات في السُودان والمنطقة من حولنا ، ووقف الدعم لمليشيا الدعم السريّع ، خاصة في ظل عمل ونقل المليشيا لتهديد دول أخري من حولنا ، وإدخالها في الصرّاع وعلي رأسها دولة مصر ، وكذلك ما تقوم به أيضاً دولة تشاد حالياً في دعم لإستمرار الحرب في السُودان وفي إقليم دارفور خاصةً ، ونتمني أن يكون القادّمون الجُدُد في ذات المواقع الإستخباراتية والأمنية لمصر وتشاد وجنوب السُودان وبتنسيق تام يجتهدون لعودة الإستقرار للمنطقة ووقف الحرب في السُودان والعمل الجاد المُخلِص من أجل ذلك.