ابحث عن

النزلاء "الجنوب سودانيين" في السودان

 
الخرطوم: أجوك عوض

ومضى قطار نيفاشا متجاوزاً الكثير من المحطات لسبب أو لآخر حتى بلغ آخر محطاته بانشطار السودان الى دولتين مخلفاً وراءه العديد من القضايا العالقة بفعل المشاكسات والمكايدات التي اتسم بها طابع التعاطي مع بنودها بين الشريكين الأكبر المؤتمر الوطني والشريك الأصغر الحركة الشعبية؛ وما أن أسدل الستار على فترة الشراكة التي انتهت بانقسام البلدين حتى بدأت رحلة معاناة مجموعة كبيرة كانوا بين طيات الإهمال والانشغال عند مداولة الشريكيين للأمور، من بينها ملفات النزلاء الجنوبيين في السجون السودانية بعد أن أوقع القضاء عليهم أحكاماً وغدوا في مواجهة مواد مختلفة أبرزها الإعدام والديات؛ وعندما أطلقت أبواق عربات العودة الطوعية الصافرة  إعلاناً عن بداية الرحلة في موسم الهجرة الى الجنوب طوى النسيان والبعاد والترك صفحات أولئك النزلاء في ذاكرة أهاليهم الذين ضاعوا هناك وسط ضجيج وزحمة الدولة الجديدة ليتم نسيانهم تماماً في قعر السجون يواجهون أقدارهم ليرحل من حان أجل حكمه بصمت مستقبلاً المقصلة. وليس أشد عليه من مواجهة اللحظة إلا إهمال دولته وعدم مواجهة من جمع الدم بهم.


وبينما نحن نجمع أطراف التقرير الذي بين يديك وتعانق عينيك هذه الأسطر يساق النزيل لوال لوال كويك الذي صدر في مواجهته حكم تحت المادة (130) لمواجهة اللحظة الأخيرة أمام مقصلة سجن كوبر اليوم بعد أن تم ترحيله من سجن الهدى يوم أمس الى سجن كوبر ليقدم للتنفيذ صباح اليوم بعد الفشل في العثور على أولياء الدم. الذين ينحدرون من ذات منطقته أويل.
الشاهد أن لول لوال الذي يعاني من اضطرابات نفسية ليس الحالة الوحيدة، فالنزيل عبدالله دينق المحتجز في سجن الأبيض منذ مارس من العام 2016م تبقت له أيام معدودة أيضاً ليساق الى نفس المصير بعد أن قيد في مواجهته المادة 130، وبعد انقضاء فترة سجنه لم يتم الوصول الى أولياء الدم بالرغم من أنهم ينحدرون والضحية من منطقة واحدة وهي منطقة "واراب" بدولة جنوب السودان، بينما لا يدري دينق كير كير الذي بات في انتظار التنفيذ في أي ساعة ينادي منادي الرحيل وكانت السلطات السودانية ألقت القبض عليه في العام 2014م بمنطقة ولاية جنوب كردفان ضمن آخرين ينتمون للحركة الشعبية قطاع الشمال وقضى الحكم عليه بالإعدام أيضاً، كما يواجه منير في سجن بورتسودان ظروفاً مماثلة تماماً لظروف دينق كير كير.
دور سفارة جوبا بالخرطوم :
أفاد سفير جوبا بالخرطوم ميان دوت وول في حديثه لـ"الأخبار" بأن هناك لجنة مكونة من قبل السفارة بجانب وفد ممن أسماهم لجنة حقوق الإنسان يسعون في أمر النزلاء الجنوبيين في السجون السودانية وقد بدأوا الآن في حصر النزلاء بولاية الخرطوم والذين بلغ عددهم بحسب  دوت وول 45 نزيلاً على أن تنتقل اللجنة الى الولايات كاشفاً عن أن مجهودات السفارة أسفرت عن إطلاق سراح 12 نزيلاً بعد دفع الديات التي حكمت بها المحكمة مبيناً أن بعض أولياء الدم في حالة انتماء الجاني والمجني عليه  لدولة جنوب السودان تطالب بأن تسلم الدية أبقاراً بدلاً عن المبالغ النقدية وقد كان في أكثر من حالة، غير أن السفير حصر المشاكل التي تواجههم في غياب أهل الدم وعدم التعرف والوصول إليهم لجهة أنهم يكونوا قد عادوا الى مناطقهم الأصلية في جنوب السودان.
لجنة مجهولة الهوية.. ومجهودات هلامية:.
ما يجدر ذكره في هذا المعرض بالإشارة الى حديث السفير عن اللجنة التي تكونت من قبل السفارة بالتضامن مع حقوق الإنسان فإن اللجنة المعنية لم تحقق شيئاً ملموساً حتى الآن على أرض الواقع بحسب التقصي كما أنها لم تقم بزيارة أحد من النزلاء ولم يتسنّ لـ(الأخبار) التعرف على أعضائها ولا معرفة ماهية عضوية حقوق الإنسان التي ترافق اللجنة..
بصيص أمل ولكن...
ولما كان أولياء الدم في أغلب القضايا غادروا الى بلادهم بعد انفصال السودان عقب إعلان نتائج الاستفتاء الذي قضت بانشطار البلاد فإن مهمة البحث عن أولياء الدم تغدو بمثابة البحث عن إبرة في كومة "قش" نسبة لصعوبة الوصول لأهل الدم بدون مساهمة السلاطين غير أن ثمة تحديات حقيقة تواجه مساعي السلاطين بحسب السلطان مروب الذي ناشد السلطات في حديثه لـ"الأخبار" بقبول الديات وإيداعها خزانة الحكومة لحين ظهور أولياء الدم الذين سيحضرون عاجلاً أم آجلاً لأن ظروف البلاد معروفة مطالباً السلطات بأن تمدد لهم في الوقت بدلاً عن الجنوح لتنفيذ الأحكام حتى يتسنى لهم الوصول الى أولياء الدم وتلك مهمة ليست بالسهلة كما وصفها السلطان مروب.
لأن يخطئ الإمام في العفو خيراً من أن يخطئ في العقوبة.:
ومن جهته أفاد المحامي الحقوقي نبيل أديب بأن الوالي أو رئيس الجمهورية ولي من لا ولي له في حالة عدم ظهور أولياء الدم مؤكداً في حديثه لـ"الأخبار" أن ليس هناك نص يلزم الوالي بالتمسك بالقصاص وعدم قبول الدية وفي حالة عدم ظهور أولياء الدم فبإمكان رئيس الجمهورية تمثيل أولياء الدم وقبول الدية وإسقاط حكم الإعدام.
الجنوح للعفو وقبول الدية:
ويعضد القس ماركو دينق ميول رجل الدين والناشط في قضايا النزلاء لـ"الأخبار" ما جاء في إفادة السلطان مروب  حول حقيقة صعوبة الوصول والاتصال بأولياء الدم مع ظروف انقسام السودان ومغادرة الكثير من أولياء الدم الى بلدهم ومن ثم الى مناطقهم، مؤكداً أنه دائماً ما يجد صعوبة بالغة في الوصول الى أولياء الدم، مضيفاً أن الدين المسيحي لا يتمسك بالقصاص، بل يميل أولياء الدم للعفو في إشارة الى حال انتماء الجاني والمجني عليه الى دولة جنوب السودان "الجنس للجنس رحمة".
أحرار رغم القيود..
وبحسب المحامي أبوهريرة عثمان عبدالسلام الذي رافع متطوعاً عن معظم الحالات الخاصة بالمتهمين الجنوبيين  تمت تسوية أغلب الحالات الخاصة بالإعدام بعد الوصول الى أولياء الدم. وفي الوقت الذي بلغت أتعاب مرافعات المحاميين عنان السماء اختار أبو هريرة الوقوف الى جانب الإنسانية وروى في حديثه لـ"الأخبار" قائلاً: "في إحدى المرات وبعد أن سعيت لتسوية في قضية (130) وتم إسقاط القصاص عن المتهم جمع زملاءه النزلاء مبلغ 500 جنيه قاموا بتحويله كرصيد اتصال على هاتفي تعبيراً عن سعادتهم".

Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

123 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع