الخرطوم: حسين سعد
نحاول في هذه الحلقة إجراء مقارنة بسيطة لحال الاعلام في ظل الحكم الديمقراطي، وحالها في ظل الأنظمة الشمولية حيث نجدها في الاولي أكثر حيوية، وأكثر صدق،بينما شهد الاعلام في الثانية تراجع كبير، وقيود كثيرة، وتعتبر حرية الصحافة، وحرية التعبير تعتبر من المداخل الهامة لتطوير العمل الإعلامي والصحفي والارتقاء به.
21 صحيفة:
وفي كتابه الصحافة السودانية نصف قرن الصادر من دار مدارك للنشر كتب عميد الصحفيين الاستاذ محجوب محمد صالح في الوقت الذي صدرت فيه صحيفة الأيام كانت تصدر في السودان واحد وعشرون صحيفة مابين يومية وأسبوعية ونصف شهرية كلها ماعدا صحيفتين كانت تصدر باللغة العربية – أما الصحيفتان اللتان كانت تصدران بالانجليزية فهما سودان ستار ( يومية ) وسودان هيرالد اسبوعية – وحسب وثائق اتحاد الصحافة فكانت الصحف المنتظمة الصدور يوميا اول عام 1953م هي الرأي العام – النيل – صوت السودان – الأمة – الاشقاء – السودان الجديد – السوداني – الايام وسودان استار الانجليزية اما الاسبوعية فكانت : 1- الجهاد 2- الجبهة 3- العاصفة 4- الصيحة 5- الرياضة والسينما 6- اخبار الاسبوع 7- سودان هيرالد ( انجليزية ) 8- الشعب كما كانت هناك صحيفتان نصف اسبوعية هما الصراحة والتلغراف وصحيفتان اقليميتان هما كردفان والجزيرة التي تصدرها ادارة مشروع الجزيرة – لكن قبل نهاية الحكم الذاتي تقدم عديدون بطلبات لاصدار صحف بعضها تسلم التصديق لكنه لم يصدرها وبعضها صدر لفترات قصيرة ثم احتجب ولكن أهم الصحف الحزبية التي صدرت في هذه الفترة كانت صحيفة ( العلم ) التي اصدرها الحزب الإتحادي الديمقراطي وتولى تحريرها الجناح الممسك بوحدة وادي النيل واستثمرها في الدعوة للوحدة حتى اللحظة الاخيرة وتوقفت بعد ان اعلن الحزب انحيازه للاتقلال وشرع في تنفيذ القرار.ولقد ادت تلك الزيادة في اعداد الصحف الى زيادة كبيرة في عدد الصحفيين العاملين وحسب ما اثبتته محاضر اجتماعات اتحاد الصحافة السودانية عام 1951م فإن عدد الصحفيين العاملين المسجلين لدى الاتحاد بلغ واحدا واربعين صحفي ولايشمل هذا العدد اولئك المتعاونين بصورة راتبة مع الصحف ولا الذين يعملون في صحف حكومة مثل مجلة الصبيان التي يصدرها مكتب النشر ولكنه يشمل صحيفة الجزيرة التي يمتلكها اتحاد المزارعين ومجلس ادارة المشروع لأن اكثر من نصف اسهمها مسجل باسم اتحاد المزارعين بحسب ماافتي رئيس اتحاد الصحافة .واتحاد الصحافة الذي تأسس عام 1946م ظل جسما مهنيا يضم اعضاءه بمختلف انتماءاتهم السياسيىة ولكن تعرض لاول انقسام في صفوفه عام 1951 اذ ان بعض الاعضاء طالب بتأجيل الاجتماع المنعقد في 31يناير 1951 والبت في طعون تقدموا بها ضد بعض المسائل الاجرائية التي أدت الى حرمان بعض المتقدمين لعضوية الاتحاد من الحصول على العضوية واجازت اللجنة اسماء هم يطعنون في توفر شروط العضوية لديهم لكن الاجتماع العام قرر ان يواصل بحث اجندته حسب الأجندة المعدة بواسطة اللجنة وحسب ترتيب اولوياتها الذي حددته اللجنة التنفذية على ان ييحث خطابهم في نهاية الاجتماع وبعد انتخاب اللجنة الجديدة لأنه مدرج في بند ( الاعمال الاخري) في الاجندة ونتيجة لذلك انسحب من الاجتماع سبعة اعضاء من أصل اربعة وثلاثين عضوا حضروا الاجتماع العام وتواصل الاجتماع بهذا العدد حتى النهاية وانتخب اللجنة الجديدة بينما سعى المنسحبون لتأسيس جسم مواز للاتحاد وفعلوا ذلك وطلبوا من مكتب الاتصال العام الحكومي الاعتراف بهم بينما اعتراض الاتحاد الاول على قيام جسمين يمثلان الصحفيين – وظلت الاتصالات مستمرة بين الطرفين حتى نهاية العام حيث وافق الاعضاء المنسحبون على حل تنظيمهم دون قيد او شرط والعودة لحظيرة اتحاد الصحافة السودانية وبالفعل حضروا الاجتماع العام الرابع المنعقد فى 20/12/1951واستردوا بذلك عضويتهم ثم شاركوا في الاجتماع الخامس لانتخاب اللجنة الجديدة في اول يناير عام 1952وبذلك وضعوا نهاية لهذا الانقسام الذي دام عاما كاملا— من 31يناير عام 1951 الى اول يناير عام 1952.وكان الدرس الذي تعملوه من هذا الانقسام أنه لاينبغي (تسييس ) الأجسام النقابية اذ ان مصدر قوتها يكمن في قدرتها على الحفاظ على حيادها السياسي والتزامها المهني .
المؤسسية والقارئ المشارك:
الصحافة السودانية في سابق عهدها واجهت أمر المؤسسية بقدر عال من المرونة والتجاوب مع معطيات مجتمعها فلم تفهمها روتينية قاتلة، ولا هيكلية قابضة، ولكنها فهمتها فهماً مرناً متحركاً قادراً على تلبية إحتياجات كل مرحلة ومستعداً لموازنة الإنضباط مع حرية الإبداع وإستيعاب التعددية والإلتزام بالجماعية إنتماء وإرتباطاً . تعددت أشكال ملكية الصحف من الشراكة إلى الشركة إلى الملكية الفردية أحيانا ً ولكن كان السياج الواقي أبداً هو مفهوم (الأسرة الصحفية الممتدة) و( المدرسة الفكرية ) تستقطب رموزاً من المجتمع يشكلون الدائرة الأكبر للصحيفة وبرلمانها الشعبي بينما يعج داخلها بالتعددية الفكرية – محمد أحمد المحجوب ومحمد عشري الصديق كلاهما من مدرسة الفجر ولكن منطلقاتهما الفكرية جد متباعدة ومختلفة والحوار بين مواقفهما المتباينة أثرى المجلة ولم يفسد المؤسسية الواحدة فجمعت أقصى اليسار والوسط واليمين في تعايش راشد – فما كانت المؤسسية قابضة وكانت التعددية متجذرة وذلك ارث لو تعلمون عظيم .ظاهرة أخرى ميزت الصحافة السودانية كانت إمتداداً لمرونة مؤسسيتها – ظاهرة يمكن أن نسميها ( القارئ المشارك ) فقارئ الصحيفة السودانية لايعتبر نفسه ( متلقياً ) فحسب بل يعد نفسه عنصراً متفاعلاً مع الصحيفة ومشاركاً في ملكيتها وتحريرها لايتردد في ان يقتحم مكاتبها محتجا على ماكتبت أو ثائراً لأن مقالاً بعث به اليها لم ينشر فهو يعتبر نفسه صاحب حق أصيل فى صفحاتها وهو قادر على نقل إحتجاجة للصحيفة ان كان بعيدا عن مكاتبها عبر الرسالة المحتجة والمحادثة التلفونية الغاضبة . إنه صاحب حق انتهك فيما يري وهذه درجة في ( التفاعل ) قل نظيرها في تجارب الصحافة فى البلاد الأخرى وعندما ينظر الأكاديمون الإعلاميون في ضرورة أن يكون الإعلام طريقا ذا اتجاهين يتفاعل فيه متلقي الرسالة مع مرسلها يجدر بهم أن يدرسوا هذه الخاصية فى صحافة السودان التي نشأت معها منذ مولدها ولم يزدها مرور الزمن الإ رسوخاً .
التوعية والتعبئة:
يمضي المحجوب في كتابه بقوله :قدر الصحافة السودانية كان منذ سنوات حياتها الأولي أن تتحمل مسئولية (التوعية ) ومسئولية ( التعبئة ) في ان واحد فخلق ذلك ديناميكية خاصة .من بين كل مؤسسات المجتمع المعنية بالتغير عن الرأي العام كانت الصحافة هي الاولى مولداً وظلت تقف كالسيف وحيدة في الميدان امداً طويلاً من الزمان فيوم ان ولدت الصحافة لم تكن في السودان أندية ولاكانت فيه جمعيات وماكانت فيه احزاب وماكانت فيه نقابات وما كانت فيه مجالس بلدية أو ريفية ومن ثم كانت الصحافة منبر الرأي العام الوحيد وإستلهاماً له ومع تنامي الحركة الوطنية تحملت مسئولية تعبئة الرأي العام وراء الأهداف الوطنية وإستنفاره لتحقيق حريته وتحمل الصحفيون والصحافة المسئولية ودفعوا الثمن تضحية وسجناً وإغلاقاً ومصادرة فاكتسبوا مناعةضد القهر عند المصاعب أورثوه أجيالا لاحقة وسيظل ابدا صمام امان لهذه المهنة متى مااستلهمت ذلك الإرث العظيم،كل هذا الميراث والتاريخ الطويل والتجربة المتراكمة كان من شأنه – لو سارت الامور سيرا طبيعيا – ان يخلق فى السودان صحافة قوية متقدمة ذات بنيات اساسية راكزة ودور صحفية غنية ومطابع وتجهيزات حديثة وشبكات توزيع تغطي كل أنحاء القطر وموقف إقتصادي راسخ لكن شيئا من ذلك لم يحدث وأوشكنا ان نبدد ذلك من مؤسساتنا فأقعدتهاوبددت قدراتها وكان على راس تلك العوامل الأنظمة الإستعدادية التي ابتلي بها السودان وتعاقبت على حكمه منذ استقلاله ،أي مؤسسة تحتفل بمرور مائة على نشأتها ينبغى ان تستطيع الظهور بمظهر يليق بذلك العمر الطويل والتراث المتؤاكم لكن الناظر فى حال صحافتنا اليوم يجد انها لاتزال فى مراحل متأخرة من أمراض شتى وتواجه صعوبات بالغة وحصاراً متزايداً – بل ان بلاداً عرفت الصحافة بعدنا استطاعت ان تتجاوزنا كثيراً قد تهيأت لها امكانيات اكبر، السبب الأساسي في هذا التخلف الذي اصابنا إنما يعود إلي عدم الإستقرار السياسي وتعاقب الأنظمةالديكتاتورية التي سيطرت على مقدرات السودان ثلاث أرباع عمر استقلاله.
الانقلابات والاعلام:
كل الأنظمة الإنقلابية تتخذ موقفاً من الصحافة منذ إذاعة بيانها الأول تماما مثلما تتخذ ذلك الموقف من بقية أجهزة المجتمع الفاعلة – الحزب والنقابة والجمعية – وأول موقع تتحرك له دباباتها هو دار الإذاعة وأول مرفق يتم تعطيله هو الصحف – ولذلك فإن حظ الصحافة تحت الأنظمة الشمولية يتراوح بين الإغلاق والمصادرة والتأميم والرقابة مما قعد بها عن أداء مهمتها واورثها عدم الاستقرار فأصبحت مهنة طاردة تهيئ الأجيال مهنياً ليطردهم البيان الأول فيهربون خارج الحدود أو يستبدلون مهنتهم بمهنة أخرى وبالتالي انتفت فرص الاستثمار في الصحافة فما من مستثمر على استعداد ان يوظف أمواله في صناعة مهددة بالمصادرة والتأميم والحكم بالإعدام بل وأصبحت الصحافة طاردة للقارئ الذي يحس أن الصحافة لا تكتب إلا مايجيزه الرقيب فيعزف عنها ولذلك فإن الصحيفة السودانية اليوم لا توزع نصف ما كانت توزعه قبل ثلاثين عاماً ، أزمة الصحافة إنها كلما زال عهد وجاء عهد آخر يتحتم عليها أن تبدأ من جديد بإمكانيات جديدة وصحفيين جدد وتعمل تحت ظروف جديدة كل ذلك أعاق تواصل الأجيال وانتقال الخبرات ولذلك ينبغي ان يكون على رأس واجبات اليوم العمل الجماعي للإنتقال إلى وضع دائم للصحافة يقيها شر هذه التقلبات ويحقق للسودان إستقراره وذلك لن يتم إلا في إطار مشروع وطني يؤسس لسلام دائم واستقرار كامل وتحول ديمقراطي راشد ومستدام – الصحافة لن تخدم مصلحتها كمهنة إلا في إطار مشروع وطني جديد ومن ثم يكون واجبها أن تتبنى ذلك المشروع وتبشر به وتدافع عنه وتروج له .والآن فإن السودان يدخل مرحلة جديدة والصحافة السودانية تدخل قرنا جديداً ويقيني أن الصحافة وهي تبدأ مائتها الثانية لابد ان تتمعن في سلبيات ظروفها منذ الاستقلال وختى اليوم من ناحية وأن تستلهم تاريخها وموروثاتها من الناحية الأخرى فتستصحب ذلك الإرث وتطوعه لمقتضيات العصر محتفظة بإيجابيات تجاربها العديدة وتبني فوقها أطراً مؤسسية ومهنية جديدة قادرة على تحمل تبعات الحاضر والمستقبل . إن الصحافة السودانية – وهي تستقبل مئوية جديدة – تواجه تحديات مختلفة ومتغيرات عديدة على الصعيد الداخلي وعلى الصعيد الخارجي لابد أن تنتبه لها وأن تتعامل معها بأسلوب فاعل ومقتدر وتطوع مؤسسيتها ومهنيتها لتتحمل مسؤولياتها الجديدة . أولى هذه التحديات أنها مطالبة بدعم كل الجهود التي تسعى لبناء نظام سياسي جديد قائم على العدالة والمساواة والديمقراطية والتعددية والشفافية يتيح للسودان الفرصة لكي ينفك من أسار الحلقة الشيطانية التي ظل يدور دا خلها منذ الإستقلال حيث يسلمه نظام ديمقراطي هش إلى نظام ديكتاتوري باطش فيناضل الشعب بكل قدراته لإزاله ليعيد الكره مرة أخرى . النظام الديمقراطي الجديد المطلوب لابد من أن ينبني على المشاركة الفاعلة من القواعد حتى قمة الهرم وذلك لن يأتي دون إتساع دائرة الوعي وإندياح أمواجه لتغطي كل المجتمع وللإعلام المقروء والمسموع والمرئي دور مفصلي في هذه المهمة ونشر الإستنارة والوعي – مهمة إنتشار الوعي وتعبئة الشعب والزود عن المكتسبات وترسيخ دعائم الديمقراطية .
الإعلام السوداني:
من جهته قال ملتقي قضايا الاعلام(تجارب الماضي ورؤي الحاضر ورهانات المستقبل) الذي نظمه حزب الامة القومي في نوفمبر 2017م ان مهمة الإعلام السوداني الحديث في عهد الحكم الثنائي كانت بمكتب تابع لقلم المخابرات (مكتب الاتصال)انحصرت مهمته جمع المعلومات ، ثم تحول في العهد الوطني الي مكتب الارشاد القومي ثم الي مكتب الاستعلامات، والعمل ثم استمر الوضع على ما هو عليه حتى في العهد الديمقراطي الثاني، وبدايات نظام مايو ، ثم أصبحت في عهد مايو وزارة الارشاد القومي ثم وزارة الاعلام، والثقافة ثم وزارة الثقافة والاعلام وكانت هذه الوزارة تحت مسمياتها المختلفة تشرف على أجهزة الاعلام الرسمية وهي الإذاعة والتلفزيون ومكاتب الاعلام في الأقاليم وإدارة الوزارات المختلفة،أما الإذاعة السودانية فبدأ نشاطها في العام 1940 وكان الغرض منها هو بث اخبار الحرب العالمية الثانية وبعض البرامج القصيرة، وكانت ساعات البث محدودة خلال اليوم ثم تطورت بعد ذلك وأصبحت إذاعة امدر مان وتوسعت برامجها بزيادة ساعات البث الإذاعي اما التلفزيون فقد كان تأسيسه في عام 1962 وكان ارساله يغطي الدائرة حول العاصمة، وفي العهد المايوي شهد البث التلفزيوني توسعا بأنشاء محطة المايكرويف حيث وصل البث الي معظم أقاليم السودان.
صحف ومجلات:
ويمكن القول ان في الفترة من بداية 1900 وحتى الستينات عرف ميدان العمل الصحفي اكثر من ستين جريدة ومجلة (عدا الوكالات التي بلغ عددها الست)وقد أسس هذه الصخف والمجلات وعمل بها اشخاص عرفتهم الندوات الأدبية والثقافية والسياسية في ذلك الوقت أمثال التجاني يوسف بشير ومحمد احمد المحجوب والمؤرخ محمد عبد الرحيم ويوسف مصطفى التني الشاعر وسليمان كشة وعرفات محمد عبدالله والشيخ عبد الرحمن أحمد وأمين التوم و أحمد يوسف هاشم وغيرهم،وإذا كان لنا ان نقارن بين حال هذه الصحف في ظل الحكم الديمقراطي وحالها في ظل الأنظمة الشمولية سنجد انها في ظل الأنظمة الديمقراطية أكثر حيوية وأكثر صدق، نلمس فيما تطرح من موضوعات الجراءة والموضوعية والصدق والبعد عن الديماجوجية وحتى الاعلام الرسمي الإذاعة والتلفزيون تجدها أكثر اعتدالا، حرية الصحافة وحرية التعبير تعتبر من المداخل الهامة لتطوير العمل الإعلامي والصحفي والارتقاء به – ان الحرية تعني التعددية،والتعددية تعني التنافس الذي بدوره يقود الى التطوير كما يعتبران من أيضا من العوامل الهامة في تطوير الأداء الديمقراطي والممارسة الدمقراطية، الا انه من المهم ان نشير الى ان حرية الصحافة لا تعني الفوضى والتعدي على القيم الروحية والأخلاقية والاجتماعية التي يؤمن بها المجتمع، فلا بد من الالتزام بقانون العمل الصحفي لان المجتمع الديمقراطي في الأساس مجتمع قانون،أما الإعلام في ظل الأنظمة الشمولية فهو اعلام ميت تسيطر عليه الغوغائية، خطابه تفيض منه روح التعالي والازدراء للآخرين ممن يخلفهم الرأي، لا مجال فيه للنقد ولا يعطي فرصة للرأي الاخر فهو احادي الاتجاه هدفه الترويج والدعاية لأيدولوجية النظام.
نشرات داخلية:
ويوضح ملتقي الامة للاعلام انه في الأنظمة الشمولية نجد ان الصحف عبارة عن نشرات داخلية تحاور نفسها، فالصحف في مثل هذه الأنظمة اما ان تكون مملوكة للتنظيم الحاكم او لوزارة الاعلام إذا لم يكن مثل هذا التنظيم موجودا، لذلك يمكن القول ان أحد الأسباب الرئيسة لحالة الكساح التي يعاني منها الاعلام في السودان يرجع الي غياب حرية الراي وحرية العمل الإعلامي لفترات طويلة هي فترات الحكم الشمولي، ومهما يكن من امر فأن الاعلام بشقيه المرئي والمسموع والمكتوب (خاصة الصحافة) رغم بداياته المبكرة وادائه المتميز في الفترة الأولى نجده اليوم متدهورا شكلا ومضمونا، فأصبح كسيحا لم يستطيع الخروج من اطاره المحلي الى رحاب الفضاءات الدولية والإقليمية فالإذاعة السودانية لا تسمع في أماكن نائية داخل السودان ناهيك عن خارج الحدود، والقناة الفضائية السودانية والصحف التي توزع في الخارج يهتم بها السودانيون فقط لمعرقة اخبار الوطن ، فهي فقيرة في مادتها ، سيئة الإخراج وغالية الثمن، ويرجع البعض هذا الوضع الذي يفضل البعض وصفه بالتخلف الى قلة الإمكانات وعدم التحديث وغياب الأداء المحترف بسبب النقص في التدريب والتأهيل، ان أداء الاعلام السوداني الذي تتفق الآراء على انه فقير وبعيد عن المهنية لا يمكن عزله عن الحالة العامة في السودان فالتدهور والتخلف والتدني –للأسف الشديد – سمة بارزة من سمات المجتمع السوداني، فمؤسسات الدولة عانت طوال أكثر من ثلاثين عاما من عدم الاستقرار سببها جرثومة التسيس للأداء التنفيذي التي اتخذت من التطهير والطرد من الخدمة في بداية أكتوبر واثناء حكم مايو ثم اختتمها حكم الإنقاذ، وإذا كانت أجهزة الدولة طوال هذه الفترة من نزيف أصحاب الخبرة العلمية والعملية، وإذا كانت هناك بدائل للخبرة العلمية فأين البدائل للخبرة العملية.. هذا النزيف المستمر لمدة ثلاثة عقود جعل من كل مؤسسات الدولة السودانية مؤسسات كسيحة يعتمد عملها علي الاجتهاد وتشوبه العشوائية.
التعددية الاولي 1945-1958
أدى ظهور الأحزاب السياسية الي تنامي الوعي السياسي لدى قادة الرأي وسعى كل حزب للتأثير على الرأي العام بالإضافة الى ارتفاع نسبة التعليم وانفتاح المناخ السياسي الذي سمح بزيادة الإصدارات الجديدة ، فقد بلغ عدد الصحف الصادرة في فترة التعددية الأولى 77 صحيفة غير الصحف التي صدرت من قبل واستمرت في الصدور ، كانت نسبة الصحف السياسية 7.8 في المائة.
التعددية الثانية1964-1969
في هذه الفترة بلغ عدد الصحف الحزبية حوالي 45 صحيفة غير الصحف التي صدرت واستمرت ، وكانت نسبة الصحف السياسية 75 % وقد شهدت هذه الفترة ظهور الصحف العقائدية في مواجهة الصحف التقليدية ، حيث صدرت صحيفة الامة عن شركة الطبع والنشر المتحدة في 16 مايو 1945 ناطقة باسم حزب الامه الي ان تم ايقافها في حكومة 1958م الا انها عاودت الصدور في 1966م.
التعددية الثالثة 1985-1989
وحول الصحافة الحزبية في فترة التعددية الثالثة قال ملتقي حزب الامة انه يمكن الإشارة الي ان هذه الفترة تعتبر بحق الفترة الذهبية في الصحافة السودانية من حيث أساليب الممارسة الصحفية والقانون الذي سمح بتعدد اصدار الصحف فقد بلغ عدد التراخيص الصادرة من مجلس الصحافة والمطبوعات 134 ترخيصا منها حوالي 46 صحيفة سياسية ، 7 7صحف ثقافية وادبية وفنية رياضية و 4 صحف للأطفال وصحيفتين اجتماعيتين بالإضافة للصحف ذات التخصصات الأخرى. (يتبع)