ابحث عن

أساتذة وتلاميذ: أين تفترق الطرق ؟ (3) الاستاذ الشيخ حسن الترابي وتلميذه المحبوب

بقلم: محمد فتحي أورفلي

الخرطوم سلاميديا

النموذج الثالث لدي هو من اصعب النماذج والاكثر تعقيدا نسبة لتاريخهم الحديث جدا والمعاصر وايضا لبعض الاختلافات الجوهريه عن النماذج الاخري المذكورة ولذلك سأحاول ان اكون اكثر حذرا في تناول قصتهم،  رغما عن انني اكتب عنهم دون تعمق ولكن اتناول مافي قصتهم من اوجه ارى انها قريبة جدا لقصص الشخصيات واحداثهم التي ذكرت من قبل .

" الشيخ حسن الترابي وتلميذه المحبوب عبدالسلام " :

هو الدكتور حسن عبدالله الترابي الذي ولد في مدينة كسلا السودانيه في وسط اسرة ذات صيت ديني كبير يعود نسبها الي الشيخ حمد النحلان احد اشهر دعاة الاصلاح الديني الرايدكاليين والمتصوفه في عصر الدولة السناريه كما وثقت لذلك باسهاب طبقات ودضيف الله .

عرف حسن الترابي اليتم مبكرا حيث توفت والدته وهو في سن الخامسه من العمر تقريبا ونشأ في حضن والده الشيخ عبدالله دفع الله الترابي اول من عينته الادارة البريطانيه في سلك القضاء الشرعي، كان والده عالما تقليديا رصين يهتم جدا بعلوم الفقه واللغة العربية، لذلك كان يحرص اشد الحرص علي تعليمه تلك العلوم منذ نعومة اظافره هو واخوته الثلاثة.

كان الترابي طفلا نابغة، متقد الذهن، حاد الذكاء، مميزا في وسط اقرانه طيلة مراحله الدراسية حتي بلغ كلية الخرطوم الجامعية في العام 1951 .

واصل تحصيله العلمي بنفس تميزه ونبوغه وحصل علي الماجستير من جامعة لندن وحصل علي الدكتوراة من جامعة باريس في الفقه الدستوري المقارن.

عاد الي الخرطوم وتم تعينه استاذا بجامعة الخرطوم واصبح اول عميد سوداني لكلية القانون وهو في سن الثانيه والثلاثين .

كان الترابي يعتقد ان هناك انحرافا في الدين وانه بحاجة الي الاصلاح والاجتهاد من اجل تنزيه الدين من الكثير من الخرافات ولذلك انضم الي جماعة الاخوان المسلمين التي كانت تمثل في ذلك الوقت الجهة التي تحمل لواء الاصلاح والتجديد في العالم الاسلامي حسب شعارات اصحابها .

انطلق الترابي بسرعة جدا وترقى الي قيادة جماعة الاخوان المسلمين حتي اصبح قائدا لها وهو في سن صغيره رغما عن وجود الكثير من الشيوخ المبرزين فيها في ذلك الوقت، عمل الترابي علي اعادة ترتيب فكر الجماعة وعلي تجديدها وسودنتها بما يناسب البيئة السودانية وهذا هو سراختلافه عن بقية القيادات التي سبقته في جماعة الاخوان.

كان الشيخ الترابي ذو كاريزما طاغية وصاحب خطاب بليغ مؤثر وشخصية قادرة علي سحر كل من يقترب منها، اصبح ايضا في فترة وجيزة رقما مؤثرا في الساحة السياسية السودانية ، بل اصبح فيما بعد عرابا لاقوى الانظمة التي مرت على حكم السودان .

الحديث عن الترابي وفكره بالتفصيل يحتاج الي الكثير والكثير من المقالات ومقالاتي هذه تركز اكتر علي ايضاح العموم منه بايجاز مع التركيز علي النتائج المتمثله في التطور الفكري الممتد الي تلاميذه وموقفهم المفارق لفكر الاستاذ الذي وصل الي درجة الاختلاف فكريا بينهم وهو ما اسلط عليه الضوء ممثلا في نموذج المحبوب عبدالسلام.

كان الترابي يهتم جدا باستقطاب اصحاب العقول المميزة ذو الملكات الفكريه البارزة ولذلك كانت الاجيال التي تم استيعابها في فترة قيادة الترابي لتنظيم الاخوان المسلمين في معظمها من اصحاب التفوق الاكاديمي والفكري ايضا، كان التنظيم حاشدا بالكثير من الاسماء الشابة ذات الوهج الفكري المتقد ولكني سأكتفي بذكر واحدا منها وهو محور مقالتي والنموذج الثالث لها وهو الدكتور المحبوب عبدالسلام.

نشأ المحبوب عبدالسلام في مدينة ام درمان وترعرع فيها وكانت لتلك النشاة تأثيرها الهام والمباشر في شخصية المحبوب، ولكي افسر للقارئ اهمية تلك النشاة ساتحدث باختصار موجز عن ام درمان ومجتمعها، برزت ام درمان في فترة الدولة المهديه واضحت المصب لكل القبائل السودانيه بمختلف ثقافاتها المتنوعة، يمثل مجتمع امدرمان اقصى درجات التماذج والتعايش والانصهار بين المجتمعات السودانية في العصر الحديث،  حيث اختلاط الثقافات السودانية المختلفة والمتنوعة التي اهدت السودانيين خلاصة المنتوج السوداني الحديث من حيث الثقافة العامة التي صارت الوجه العام لكل ماهو سوداني، في ام درمان وحيثما كنت ستجد تاريخ التطور والتبلور لكل ماله علاقة بالثقافة، هنا ستجد الغناء يتدرج من الرق الي الاوركسترا، وهناك ستجد تاريخ نشأة المسرح والتلفزيون والاذاعة، ستجد تاريخ الشعراء والادباء والرسامين والنحاتين، ستجد تاريخ نشأة الرياضة وخاصة كرة القدم منذ كورة الحواري الي اندية القمة السودانية ، ستجد هل ما هو معتق وطيب وجميل، ستلمس في كل درب فيها لمحة من كل قبائل السودان، ستصادف هناك كل السحنات السودانية المميزة من اقصى الشمال الي اقصى الجنوب ، ومن اقصى الغرب الى اقصى الشرق، تلك هي ام درمان بإيجاز وفي هكذا بيئة كانت نشاة المحبوب عبدالسلام وبالتأكيد ستكون شخصيته معجونة بكل ما سبق ذكره.

 نشأته ..

ولد المحبوب من اب تاجر جاب وهاد كردفان وأسس فيها تجارةً كبيرةً ورغم أنه لم ينل تعليماً نظامياً توفر على ثقافه عالية وكانت له مكتبة خاصة من الادب الاسلامي وخاصة التصوف أضاف اليها أبنائه وبناته كتباً من مختلف ضروب الثقافة والادب كما كانت للأب ميوله السياسيه اضافة الي انتمائه الي احدي اكبر الطوائف الدينيه في السودان وهي الختميه.

كان المحبوب هو اصغر اخوته وسط ثمانية من الاولاد والبنات ، كان طفلا طبيعيا هادئ الملامح تلاحظ في عينيه نظرة ذكاءة لا تخفي على احد، تمتع بذهن متقد وشخصية لها تأثيرها في وسط اقرانها وجيلها، عرف اليتم مبكرا وهو في عمر العاشرة من عمره حيث توفي والده وهو في تلك السن تاركا له ارث ثقافي ظل مؤثرا في نشاة المحبوب ، ترك له مكتبة ثرة وغنية بكل ماهو متنوع في عالم الكتب نهل منها المحبوب كل اصناف العلوم ، بالاضافة الي تأثير اخته الكبري في تمتعه بثقافه عاليه وهي التي كانت من اوائل من كتب في الادب النسوي السوداني، بل هي أول سودانية تكتب قصة قصيرة وفقاً لكتاب فؤاد مرسي القصة القصيرة في السودان.

درس المحبوب جميع مراحله الدراسيه بام درمان ثم جامعة القاهرة حيث تخرج في  قسم  الفلسفه التي احبها، كان أول  رئيس لاتحاد طلاب جامعة القاهرة ممثل للاتجاه الاسلامي بعد ربع قرن من تأسيسها إذ كانت حكراً علي اليسار، عرف عنه اسلوبه الراقي في الحوار وثقافته العالية وادبه الجم واستطاع ان يضفي علي اركان النقاش الطلابيه نكهة فكرية بعيدا عن الهتر والنقاشات السفسطائيه التي اشتهرت وعرفت بها اركان النقاش الطلابية .

نال دبلوم عالي جامعة الخرطوم بمعهد الدراسات الافريقية والاسيوية في العلوم السياسية ، ثم حصل علي الماجستير من جامعة باريس في علم اجتماع سياسي، ثم بدا في الدكتوراة في الدراسات القرآنية ولم تكتمل بسبب عدم وجود اساتذة متخصصين في هذا المجال ..

بداية انضمامه للحركة الاسلامية كانت منذ صباه الباكر عندما كان في السنة الثالثة المتوسطة، قصة تجنيده تستحق ان تورد لانها ستبين ملامح عن ما تتمتع به شخصيته من ذكاء فطري واهتمام فكري عميق وكاريزما مؤثره ..

كان الاستاذ ابوبكر محمد احمد وهو شخص عرف عنه انه انسان منهجي ملتزم وفيلسوف ذو فكر ثاقب وعميق، كان ياتي الي مقابلة شقيق المحبوب الاكبر لتجنيده وضمه  الي صفوف الحركة الاسلامية لما له من تاثير واضح علي الشباب وشخصيته القياديه البارزة ولكن شاءت  الاقدار ان يلتقي الاستاذ ابوبكر بالمحبوب في تلك الزيارات ويدور نقاش معه رغم صغر سنه مما حول تركيز ابوبكر من اخيه اليه بعد ان رأى ولمس فيه الثقافة العالية والذكاء الفطري الثاقب والتفكير الفلسفي، تم تجنيد المحبوب وصار عضو في الحركة الاسلامية ومنذ ذلك الوقت تدرج المحبوب في صفوف الحركه بسرعة كبيرة حتي صار من المقربين وهو في المرحلة الجامعية من عرابها ومفكرها وقائدها الشيخ الترابي.

هنالك الكثير من المحطات الهامة في حياة المحبوب والتي لها تأثيرها الكبير علي مجرى حياته ولكني سأعتبر ان لقائه بالاستاذ ابوبكر محمد احمد هي اولى المحطات ثم محطة الانفصال والانشقاق الشهيره بينهم وبين اخوانهم المسيطيرين علي مقاليد الحكم في العام ١٩٩٩ والتي تم علي اثرها تأسيس حزب المؤتمر الشعبي الذي قام على رؤي واضحة المعالم يأتي في مقدمتها الاعتراف باخطاء الماضي والنضال من اجل الحرية والتعددية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والاهم اتاحة الفرص للاحلال والابدال في الوظائف القياديه وتلك كانت منصة تأسيسيه انطلق منها المحبوب ورفاقه في مشوار جديد في عالم السياسه السودانيه او هكذا تمنى، ثم ايضا هنالك المحطة الاكثر بروزا في مشواره السياسي وهي مذكرة التفاهم التي تم توقيعها بين الحركة الشعبيه بقيادة د.جون قرنق وبين المؤتمرالشعبي والتي كان هو عرابها ومهندسها مع اصحاب الفكرة من الجانب الاخر ياسر عرمان وباقان اموم الذين لولا جهودهم المضنيه لما رات المذكرة النور، تلك محطات بارزة في مشوار المحبوب كان لها اثرها البارز في حياته الفكرية والسياسية.

بداية الخلاف والتمرد ..

عرف عن المحبوب حبه للفكر والحقيقة وتلك مبادئ ظل وفيا لها دائما عبر مشوار حياته ، اثبت مرارا عبر الكثير من المواقف انه يملك الارادة اللازمة والشجاعة المطلوبة للوصول الي اقصى مدى في البحث والتقصي والتحري عن الحقيقية والتمسك بها مهما كان الثمن غاليا فلا شئ اغلي عنده من الوفاء لفكره.

لكل ذلك كان امر الاصطدام والاختلاف امرا حتميا ومسألة وقت لا اكثر، اضف الي ذلك انه كان محسودا في وسطه بسبب تميزه الملموس في كل شئ وهو امر جلب له المشاكل واللعنات طيلة مسيرته في الحركة الاسلامية.

بدا الاختلاف يطفو الي السطح عندما اصبح يطالب دائما من قيادته الالتزام بكل ماهو متفق عليه ومنصوص من ادبيات جديده في الحزب، كثرت مطالبته ولم يجد اذانا صاغية، اصبح اكثر استهدافا من زملائه واصبح الاستاذ محاطاً بمجموعات يكثر الي الاصغاء  الى الوشاة منهم الساعين بالفتنة والايقاع بينهم ، اما الضربة القاضيه فكانت بعد انتخابات 2010 عندما كتب خطابا من اكثر من اربعين صفحة عرف ب ( المقدمات ) طالب فيها من قائده وشيخه واستاذه ان يلتزم باعراف السياسة المعاصرة لمن ارتكباً خطأ جسيماً في السياسة أي الاعتذار والاعتزال، وان يتنحى مفسحا المجال لقيادات جديدة ، هو وكل قيادات الصف الاول التي طال امد تواجدها في كبينة القيادة وتلك كانت القاصمة ونقطة التحول الكبيره والمباشرة في الصدام واشهار تمرده علي استاذه.

تحرر المحبوب بعد ذلك من كل القيودات الفكرية واستطاع ان يقدم نقد ذاتي لكل تجربته وتجربة الحركة الاسلامية واخرج للناس خلاصة ما يجب ان تكون عليه بنية وعي الحركة الاسلامية الجديدة بعد ان تتخلص من كل اعباء الماضي الفكرية وتحطم كل اصنام مسلماتها وتتحول الي ما يجب ان تكون عليه حركة تهتم بأصلاح وبناء المجتمع ذات بعد فكري حداثوي يؤمن بالتجديد والتغيير ويعترف ويحترم ويقدر كل ماهو مختلف والاهم ان تعترف بكل ما اقترفته من ذنب في عالم السياسة السودانية لتطهر منه وتصبح لديها فرصة الانطلاق بثوب جديد مرن قادر علي استيعاب كل المتغيرات الفكرية والاجتماعية والثقافية من حوله وتلك خطوات بالرغم منها اكسبته سمعة طيبة ولكنها اكثرت من الاعداء حوله واغضبت منه الكثيرين وخاصة في وسط من نشأ معهم.

لم يكن المحبوب ليتفوق علي استاذه لولا تمسكه بالوفاء لفكره والايمان بحريته المطلقه دون قيود، لم يتفوق عليه بسبب ذكأئه المفرط وشخصيته المؤثره ولكن تفوق عليه لانه غلب الحقيقة علي مصلحته وعلى الانا في نفسه وتخلص من اوهام الذات وحب السيطرة و شهوة السلطه والمال.

تلك امور تقرا بسهولة ولكنها تحتاج الي شجاعة منقطعة النظير والى ارادة يلين امامها المستحيل والى عقل قادرا علي نقد كل ماهو امامه من فكر بكل صفاء ذهن وصدق نية ونقاء ضمير.

لم يكن الاساتذة الثلاثه تنقصهم الشجاعة ولا الذكاء او الكاريزما بل كانوا هم الاكثر استحقاقا واكثر تفوقا فيها من تلاميذهم، لكن هؤلاء التلاميذ الثلاثة ايضا اثبتوا ان كل تلك الصفات دون ارداة قادرة علي ضبط النفس على الثبات على المبدأ والتحرر من القيود الفكرية البالية التي تقيد العقل وتمنعه من الانطلاق نحو افاق ارحب وعلى المقدرة علي التوقف والمراجعة والاعتذار والبدء من جديد ، لهي صفات لا تساوي شيئا ولا تفضي الي اي شئ سوى فشل يصاحب كل من تنقصه مثل هذه الارادة كائن من كان.

ان الافغاني والاليجاه محمد والترابي  لهم الكثير من الصفات المشتركه التي تجمع  بينهم مثل الكاريزما ذات التأثير القوي والشخصيه الساحرة المسيطرة القادرة على الاقناع وتملك العقول والقلوب عند الجميع وهي التي اهلتهم لتسيد المنابر وجعلتهم قادة يشار اليهم بالبنان لا يختلف في ذلك عدو وصديق.

كان يجمع بينهم ايضا استخدامهم لذكائهم وتسخيرهم لعلمهم للولوج والاقتراب من السلطه واصحابها ليس حبا في اصحابها ولكن طمعا في السلطة نفسها، التي هي بالنسبة لهم رغبة شخصية تقتضيها ايمانهم بأنهم اصحاب رسالات تنقصها قوة الدولة لكي تطبق علي ارض الواقع ، وهي تستند علي فكرة متأصله فيهم تنبع من رغبتهم في اصلاح وتغيير المجتمع وهي نقطة انطلاقتهم في العمل العام وصولا الي اقتناعهم بأن افضل وسيلة لتحقيق هذه الغاية هي السلطة، مع تثبيت الفرق في مفاهيم الالية لدى  الاليجاه محمد الذي لم يكن يطمح في سلطة سياسية او يدعو الى التغيير والاصلاح عبرها، فقد كان مكتفيا بسلطته المجتمعية التي كرسها وعمل على احكام قبضته عبرها على مجتمع السود الذي كان يتحرك في وسطه وتلك كانت حدوده فقط .

يجمع بينهم ايضا تدثرهم بالغطاء الديني واحساسهم القوي بإرتباط افكارهم مباشرة بالسماء لانها الاكثر صحة وقربا من الحقيقية السماويه وهو ما شكل لديهم دافعا قويا وثقة مطلقة في كل ما ينتجه فكرهم الذي سيتحول الي منهج له اتباع ومريدين يؤمنون به ايمانا لا يداخله شك او ريبة البتة.

يجمع بينهم ايضا فشلهم في الاعتراف بفشل مشروعهم حتي بعد معرفتهم بذلك ولولا تلاميذهم الثلاثه لما عرف احدا الحقيقه وظلت مخفية الي الابد.

والذي يجمع بين محمد عبده ومالكولم اكس والمحبوب ايضا الكثير من الصفات مثل الصدق العالي مع النفس والارادة الجبارة والوفاء للمبادئ والايمان بالحقيقة مهما كان موضعها واينما كانت تقف، يجمع بينهم وضوح رؤيتهم لما يريدونه من انفسهم وما يودن فعله بفكرهم وما سيقدمونهم لمجتمعهم ، جمعتهم رغبتهم الصادقه في اصلاح مجتمعاتهم وفي اصلاح حال دينهم وتنقيته من الشوائب وتقديمه للناس بشكل يخدمهم وينفعهم  اكثر مما يخدم السلطة وينفع الاشخاص من حولها..

سنظل مدينين  لهؤلاء التلاميذ الثلاثه الذين اعطونا درسا بليغا حول ما معني ان تكون ذو علم وارادة وشجاعة وصدق معا، سنظل مدينين لهم بكشف غطاء الكثير مما كان سيخفي من اعيننا لولاهم من عيوبا وثغرات في بنية فكر الاسلام السياسي، ستظل حركة التطور التاريخي للفكر الاسلامي مدينة لهم علي تضحياتهم الغاليه في سبيل تطوير ورفعة الفكر الاسلامي في تاريخنا الحديث.

لقد اثبتوا انهم الاكثر شجاعة وصدقا في تاريخ المفكرين الاسلاميين الحديث وتلك جذوة نار علوم ستضئ لكل الاجيال القادمات ..

فليرقدوا بسلام الشيخ محمد عبده ومالكولم اكس وكامل التمني للمحبوب عبدالسلام بدوام الصحة والعافية.

Pin It

مبادرة حمدوك بين تعمد النخب واستهبال الساسة

 

بقلم: الصادق كرم الله

كلما نظرت لتصرف السيد رئيس الوزراء في كيفية التعامل مع الأزمة السودانية يصيبك الكثير من الإحباط والحسرة لتلك الآمال العراض التي بناها السودانيون والتي ناضلوا من أجلها أزمان طوال ودفعوا في سبيل تحقيقها دماء ودموع وعذابات شتى آلاف السودانيين من مختلف بقاع هذه الأرض الطيبة لاجل ان يكون التغيير واقعا ملموسا وحياة يجد فيها كل السودانيين أنفسهم اعزاء أحرار على قدم العدل والمساواة واكثر من ذلك مهدوا له الطريق وساندوه وفتحوا له اعظم صفحة في التاريخ هى من أندر الصفحات ليكون أعظم قائدة القرن الواحد والعشرين إلا أن (المحرش ما بكاتل ) والأزمة السودانية لم تراوح مكانها وازدادت تعقيدا علي تعقيد .

 فإذن ماهى الأسباب الرئيسية التي تكمن وراء هذا الفشل المريع وهذا التخبط العشوائي المدمر ؟

إن الذي يؤسس لدولة الثورة يحب أن يكون بروح الثورة ذاتها وان يكون على حالة من اليقظة والانفتاح على هموم شعبه وقضاياهم ولكن عندما تمت روح الثورة وتنهزم قيم الحياة الإنسانية تضيع بوصلة التغيير وتنعدم روحه ولا ترى في الازمة السودانية سوى أنها أزمة سياسية من الدرجة الأولى بامتياز.

والحقيقة تقول غير ذلك لان الازمة في اصلها هى ازمة اخلاق في المقام الاول وازمة قادة في المقام الثاني وهذه الاحزاب السياسية التي تريد المبادرة لخلق جبهة عريضة منها للانتقال لم تكن في اي يوم من الايام جزء من التغيير او حريصة عليه فهى مظهر شاذ من مظاهر هذه الازمة العتيدة التي انعكست في واقع الحياة السودانية سلوك مختلف في شكل التحالفات وفي شكل الصراع الدائر بين هذه القوى المتشاكسة ورغم ان الصراع امر طبيعي ومفهوم وضروري للمجتمعات البشرية الا ان التحدي الذي يواجهنا دائما هو في كيفية نقل هذا الصراع مما هو اناني ذاتي الى ما هو قيمي انساني . فهل تمتلك هذه المبادرة بزعمها روح التغيير والثورة وروح المبادرة نفسها ؟ وهل لديها التصور السليم لبناء امة سودانية موحدة على هدى قيم هذه الثورة في الحرية والسلام والعدالة ؟ اما انها روشتة سياسية لمصلحة الوقت والالتفاف ؟

على كل حال فان جلية الامر والحقيقة الواضحة ان هذه القوى السياسية بمختلف مسمياتها مجلس الشركاء والحرية والتغير والجبهة الثورية والحزب الشيوعي غير مؤهلة لاي ممارسة سياسية رشيدة وبالتالي فهى غير مؤتمنة علي هذه البلاد .

Pin It

وحدة القضايا و تعدد الأجسام الصحفية

 

بقلم : محمد بدوي

حملت وسائل الاخبار  في ٢٣ اغسطس ٢٠٢١  حادثة الإعتداء علي الصحفي السوداني علي الدالي و مواطن اخر من قبل حوالى أربعة من منسوبي وحدة الاستخبارات العسكرية التابعة للقوات المسلحة ، مما قاد الي تلقي الدالي الرعاية الطبية فيما لم تحمل الاخبار و البيانات المختلفة اية تفاصيل عن هوية وحالة الشخص الاخر، دون الخوض في تفاصيل و اسباب الحالة  حيث لا يوجد مبرر لاستخدام العنف المفرط أو التعذيب في مواجهه المدنيين   لمخالفة ذلك تفويض القوات النظامية وتعارضها مع  القانون والوثيقة الدستورية ٢٠١٩ والتزامات السودان الدولية ولا سيما بعد المصادقة علي اتفاقية مناهضة التعذيب.

جاءت ردود  الافعال  تتفق جميعها في استهجان الإعتداء على الأستاذ الدالي، من  كل من شبكة الصحفيين السودانيين ، اللجنة  التمهيدية لنقابة  الصحفيين السودانيين و بيان مشترك من اللجنة التمهيدية لنقابة الصحفيين ، لجنة استعادة نقابة الصحفيين ، اللجنة التأسيسية لنقابة الصحفيين الذي حمل الي جانب الاستهجان الدعوة لاحتجاج سلمي في اليوم التالي ٢٤ اغسطس امام مجلس الصحافة والمطبوعات بالخرطوم و قرار بمقاطعة تغطية اخبار القوات المسلحة السودانية لثلاثة ايام.

 كشف الحادث عن تعدد الاجسام الصحفية، و ذلك يثير التساؤل  حول الاسباب مقارنة بالحالة قبل ابريل ٢٠١٩  حيث الالتفاف النسبي حول جسم واحد وهو امر شكل مركز مقاومة شرس خلال فترة سيطرة الإسلامين السودانيين جعل منه احد المستهدفين الاساسيين بالقيود الادارية والقانونية ووسائل القمع والقهر و التعذيب لتقييد  الدور الايجابي والرئيسي  للصحافة والاعلام وأدائها  المرتبط بالمهنية و الاستقلالية و الالتزام.

برغم واقع التعدد الا انه ليس هنالك خلاف حول القضايا و المبادئ المرتبطة بكفالة حرية التعبير الامر الذي يحيل للنظر الي السلبية المرتبطة بذلك بالقياس على  الحالات المشابهة و هنا اشير الي تحالف الحركات المسلحة التي وقعت علي اتفاق سلام السودان بمدينة  جوبا بدولة جنوب السودان و التي  كانت قبل ٢٠١٨ ديسمبر ترفض التفاوض مع المؤتمر الوطني المحلول   بنهج  التجزئة لتشابه مدخل وجذور الازمات لكنها تنازلت عن وحدتها وتفاوضت عبر ما عرف بالمسارات ثم وقعت كأطراف علي الوثيقة النهائية .

الواقع يشهد طرح مسودات لقوانيين للصحافة والمطبوعات، الحصول علي المعلومات، والبث التلفزيوني مما يتطلب جهود واسعة وكبيرة لوصول الي المسودات النهائية في صيغ  تلبي حوجة القطاع و تعزز الحماية وبيئة العمل، بالضرورة ان الجهد الجماعي والموحد اقدر علي تحقيق ذلك .

اخيرا : الروح التي تشهدها حالات التضامن من حضور ومشاركة في الوقفات الاحتجاجية من مختلف الاجسام  مدعاة للنظر الي المشتركات التي تمثل مدخلا لرؤية موضوعية للحالة في سياق الوحدة و منهج صراع الأفكار و كيف يمكن تعزيز الحريات دون التنافس حول من يقود ذلك .

Pin It

الحاصل شنو!

 

بقلم : محمد بدوي

 

المراقب للمشهد السوداني  يلحظ تراجع في حالة الأمن خلال الأسبوعين المنصرمين    شمل السجل    ( ٨ ) أحداث يمكن إستعراضها علي النحو التالي ،   ولاية وسط دارفور حادثة طلاب جامعة زالنجي  التي راح ضحيتها طالب أثر الإصابة بعيار ناري له الرحمة و للمصابين  عاجل الشفاء ، الإعتداء و تخريب و حرق لمبني أمانة حكومة الولاية نتجت عنها  خسائر كبيرة  شملت عشرات السيارات التى  سلمتها بعثة اليونامد للحكومة المحلية ، العنف الطلابي و ممارسة حرية التعبير  بجامعة بحري بين تنظيم الجبهة الديمقراطية و طلاب حركة العدل والمساواة ، التعسف في إستخدام السلطة في حالة إقالة عميد طلاب جامعة النيلين الدكتور مجدي عزالدين حسن أثناء إدارته لمناظرة حول الفكر الجمهوري بين الأستاذة أسماء محمود محمد طه و الدكتور حيدر إبراهيم مدير مركز الدراسات السودانية ، ظاهرة العنف العرقي بولاية البحر الأحمر  و الإعتداء على حي سكني بمدينة بورتسودان و سلب و سرقة لملحقات بعض المساكن ، الترويع و إستخدام السلاح الناري الناتج عن تأخر تنفيذ بند الترتيبات الأمنية فى  إتفاق سلام السودان ٢٠٢٠ حمل علي مواجهة مسلحة بين  قوة حكومية مدمجة و بعض أفراد الحركات بضاحية سوبا بالخرطوم ، قتل فيها احد منسوبي احد الحركات والقبض علي  سبعة ٱخرين كما  جرح شرطي  من  القوة المدمجة  ، العنف و التهديد بالسلاح  لاحد وكلاء النيابة من قبل احد قادة حركة تمازج حمل رتبة اللواء  بمقر عمله  بمدينة الجنينة بولاية غرب دارفور ، القبض علي اثنين من منسوبي التحالف السوداني الموقع علي اتفاق جوبا  علي خلفية حادث قتل خارج نطاق القضاء مصحوب بعملية سلب  راح ضحيته مدنيين بمدينة الجنينة ، العثور علي سيارة بمحلية كلمندو بشمال دارفور بعد تعرضها لعملية سرقة تحت تهديد السلاح بمدينة الفاشر بشمال دارفور،  القتل خارج نطاق القضاء في حالة  المدير التنفيذي لمحليه أبو زبد بولاية غرب كردفان صلاح هارون له الرحمة الذي عثرت علي جثته  بالقرب من مطار الأبيض  بولاية شمال كردفان وهو مصاب برصاصة في الرأس العثور له الرحمة.

بالنظر إلي الأحداث و  ما يربط بينها،  اشتركت في كونها جرائم و إنتهاكات  وفقا للقوانيين السودانية او مواثيق حقوق الإنسان، راح ضحيتها (5) اشخاص بينهم  (٤) مدنيين ،  نطاقها الجغرافي  شملت  سبع ولايات سودانية (٣) ولايات بدارفور ، (٢) بكردفان ثم ولايتي بورتسودان شرقا و الخرطوم  ، (٣) منها  شكلت الحركات المسلحة الموقعة علي اتفاق سلام السودان طرفا فيها ،  ارتبطت (٣) منها بشكل و ٱخر  بجامعات سودانية  .

بالنظر اليها في واجب الدولة و الحماية و سيادة القانون ، عبرت عن تراجع تدخل السلطة الوقائي او بعد الحدث مباشرة او بعبارة أخري تراجع  دور الشرطة  المقترن بالغياب النسبي  للمعلومات التفصيلية بشكل رسمي في غالبها و انعكاسها علي المشهد  .

سياسيا تمثل  عرض  لمسار التغيير المرتبط بثورة ديسمبر ٢٠١٨ نتاج  لإنحراف مسار القوة الدافعة  إلي حالة  الإرتداد الداخلي ، و تأثير العاملين  موضوعي و ذاتية يمكن قراتها علي النحو التالي

الموضوعي مرتبط  بشكل السلطة الانتقالية من الشراكة بين المدنيين والعسكريين ، طبيعة المكون العسكري الذي ارتبط بالمؤسسة العسكرية و المليشيات و ارتباطهما  التاريخي معا بالعلاقة مع النظام السابق ، و الصراع غير المعلن  داخل المكون العسكري و اثره في الصراعات التي شهدتها الفترة الانتقالية من ( بورتسودان ، كسلا ، الجنينة ، أبيي ، نيرتتي ، قريضه ، و غيرها )  ، إقتران ذلك مع  غياب ترسيم شكل الدولة، كل ذلك  مع  تغييب  المحكمة الدستورية، أجهزة تنفيذ العدالة، تأهيل القوات النظامية ، وتشكيل  البرلمان، وتأخر اجازة القوانيين المنظمة لحرية التعبير، وتشكيل  الحكومات الولائية في مستواها التاني المرتبط بالوزراء او  التنفيذيين  المحترفين،  ذلك اثر في اكتمال   السلطات الثلاث التشريعية، القضائية و التنفيذية بما جعل الامر يرتكز في زاوية السلطة و ممارستها دون ضمانات مما قد يقود  نحو تراكم الاخطاء و انسداد افق الحلول او بعبارة اخري ما تحقق ضلع واحد لا يمكن ان ينهض مستقيما .

أما ذاتيا  عدم  تناسب ترتيب  اجندة التغيير جعلت الجهد التنفيذي يهمل مسالة الامن الداخلي في كونه  يعزز حالة  رفع اسم السودان من قائمة الارهابشش، ومناخ افضل   لتطبيق اتفاق السلام،  لانعكاس الاصلاح الاقتصادي ،  هو ما جعل التراكم السالب تتجه بوصلته  نحو الداخل المستهدف بمراكز مقاومة النظام السابق بكافة الاشكال الاقتصادية و الامنية و الاعلامية التي لا تفتر في ارهاق المشهد بالشائعات و التشكيك بهدف فصم عري العلاقة بين الثورة و غاياتها  .

الادوات التي اعتمد عليها الشارع في الثورة شكلت حزم خلاقة استطاعت كسر اطواق  الايدلوجيا السياسية والعسكرية التي تحصن خلفها النظام السابق ، في ذات الوقت اعاد تقديم حزم ادوات التغيير السلمية في ماهيتها هزمت سياسات المفاضلة او فلسفة الهبوط الناعم فوجدت اهتمام و احترام اقليمي وعالمي  ، هذا التميز والوعي اعاد الثقة و التتويج لإرادة الشعوب و الشارع السوداني بشكل خاص ، لكن تأثير  الذاتي و الموضوعي   قاد الي ما يمكن وصفه بحالة الياس او الاحباط و عدم القدرة علي استجلاء المشهد

اخيرا: في تقديري ان الحالة تدعو للنظر ابعد من مبادرة رئيس الوزراء ناهيك عن  التركيز علي الاسماء التي حملتها لأنه قبل اكتمال السلطات التشريعية و القضائية يمثل الامر إنشغال بفروع في غياب الاصل ، و يتأتى ذلك باستخدام الجهاز التنفيذي لصلاحياته و هو مسنود الظهر بالشارع وقوي الثورة و من ثم فلتاتي المبادرات لتحل المعضلات لكن بعد ان يكتمل الشكل ، و لدفع الاحباط والياس و الحاصل شنو ؟ لابد من النظر الي  الثورة و التغيير كحالة مستمرة حتي نهاية  الفترة الانتقالية

و الحاصل شنو !

Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

106 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع