ابحث عن

ما هو سقف توصيات آلية مبادرة حمدوك؟

 


صلاح شعيب

مشكلة السيد حمدوك الأساسية هي أنه يبحث عن الضوء بينما هو يملأ أرجاء ناظريه. فهو قد أتت به ثورة، ومنحته بثقة مطلقة التفويض الكامل لاتخاذ ما يراه مناسبا في الجهاز التنفيذي. فكيف إذن يعود لنا بعد عامين ليحدثنا عن ضرورة عقد إجماع حول كذا، وكذا، من القضايا العالقة، وكأن التفويض الذي حاز عليه لم يكن من ثورة أجمع عليها شعب السودان؟. وقد توقعت أن صديقنا ياسر عرمان سيكون أكبر معين لرئيس الوزراء في المضي قدما لتحقيق الممكن خلال عامين قبل انقضاء تفويضه. ولكن يبدو أن الأستاذ عرمان لن يعين في هندسة ما أخفاه حمدوك من وضوح مطلوب، وشفاف، مع الثوار في ما خص شمل الإسلاميين في مركب الشركاء، أم لا.
حمدوك يدرك حقا أن الوثيقة الدستورية قررت عقد الانتخاب الذي سيكون بعد عامين، كما جزم وزيره لشؤون الرئاسة الأستاذ خالد عمر. إذن فليس أمام الدكتور أي وقت كثير ليضيعه في تكوين لجنة المبادرة، والتي تنبثق عنها لجان، ولجان..لتتوصل إلى ماذا؟ ..الله أعلم. وما دام العامان سيمران سريعا فأمام حمدوك وقت قصير لإنجاز ما لم ينجزه أللهم إلا لو أننا موعودون بتمطيط جديد للفترة الانتقالية قد يتجاوز الخمسة، أو الستة أعوام، أو قل عشرة فمن يوقف النافذون سلطويا عن رغائبهم في غياب المحاسبة البرلمانية؟. وما الذي يمنعهم عن تجاوز الوثيقة - على عينك يا تاجر - ما دام هؤلاء النافذون قد رموا بفكرة المجلس النيابي المعين عرض الحائط.؟
بجانب كل هذا فإن التنظير الذي احتوته ديباجة المبادرة حول معضلات منعت توافق "الكتلة التاريخية السودانية" ليس شغل حمدوك بالأساس، والإحساس. فالمؤتمر الدستوري الذي اقترحته الوثيقة الدستورية هو الوحيد الذي ستنعقد له الولاية، والأهلية، في بحث هذه المعضلة التاريخية لنظام الحكم، وهناك معضلات أخرى تتعلق بهيكلية الدولة السودانية هي معقدة، ومتفرعة.
فحمدوك ولأن لديه مجرد عامين فقط فإنه بحاجة إلى تجويد أدائه التنفيذي الآن، وهذا هو معنى، ومظان، تفويضه الثوري. فصميم فكرة مبادرته التي جاءت معممة بحيث أن تبين الشياطين في التفاصيل لن تسعفه توصياتها في ضبط الأداء الوزاري الآن. فهناك إخفاقات اقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وإعلامية، ودبلوماسية، إلخ تحتاج فقط للمعالجة التنفيذية، ولا أظن أن خلاصات المبادرة تمثل أولويات أفضل من أولوية معالجة هذه الإخفاقات.
الملاحظ أن العضوية الذكورية بنسبة ٩٥ من المئة لآلية المبادرة ضمت تقريبا معظم المؤيدين للشركاء في الحكم الانتقالي، وإذا كان الأمر كذلك أفلا من الأفضل توفير الوقت، والطاقة، إذا تركوا لمجلس الشركاء البديل للمجلس التشريعي نفسه مهمة إيضاح أمر المبادرة، وقيادتها لخواتيمها، حتى يتفرغ الدكتور لشأنه التنفيذي، وما أقسى المهام المدرجة في جدول أعماله!.
دعك من كل هذا لنسأل عن أقصى سقوف التوصيات التي ستخرج بها مبادرة رئيس الوزراء: هل ستصدر توصية بالمصالحة مع الإسلاميين مثلا، هل ستقنع الحزب الشيوعي، وتجمع المهنيين - المهمشين دون عضوية الآلية - للعودة للمشاركة في السلطة؟ وهل تحل التوصيات قضية جيوب الاقتصاد العسكري، والامني، وهل تضع حلولا للإصلاح الاقتصادي العام بعيدا عن الروشتة المعمول بها حاليا، وهل ستعيد السلام على مستوى الأرض، وهل تنادي بتنظيف الدولة من عضوية المؤتمر الوطني؟ إلخ “الهلات”.
إن الناظر للمشهد السياسي اليوم يلاحظ أن مشكلة الفترة الانتقالية واضحة، ولا تحتاج لبحث، أو نظر استثنائي، أو خارق. فهناك كتل ثورية متنائية لا يجمع بينها رابط، وضف المكون العسكري الذي آلت إلى مسؤوليته الشرطة، والأمن. وهناك مجلس الشركاء الذي جمع جزء من مكون قوى الحرية والتغيير، والعسكر، والحركات المسلحة، وحمدوك.
وأهداف هذا المجلس المعين بذكاء متناغمة حتى الآن. وعلى الجانب الآخر هناك جزء من مكون الحرية والتغيير، وجزء من الحركات المسلحة، يقفان على نقيض أهداف مجلس الشركاء، وكما نعلم أن نصفاً من قحت وعد من قبل بإسقاط شراكة المجلس، وسلطته المتضامة. وعلى ناحية ثالثة هناك معارضة الحركة الإسلامية بشقيها الوطني، والشعبي، فضلا عن اتجاهات معارضة أخرى، وهؤلاء يقترب من هدفهم الاستراتيجي سياسيون ليسوا بإسلاميين...سقط بعضهم مع البشير، وآخرون تخلوا عن النظام في الساعة الخامسة وعشرين.
هل تريد مبادرة حمدوك مثلا عجن كل هذا الخبيز السياسي ووضعه على طاولة المشهد السياسي مثلا حتى تتغذى به القيادة الرشيدة للبلاد؟
عملياً، هناك استحالة في توحيد كل هذه النثارات المجتمعية لكونها تمثل جيوبا لمصالح جهوية، وعسكرية، وذكورية، وأيديولوجية، ومجتمعية، موروثة منذ الاستقلال، وأخرى حديثة لا شك. والسؤال هو: إذا كان حمدوك قد عجز في توحيد المكونات التي ساهمت في إسقاط سلطة البشير بهدف إنجاح الفترة الانتقالية فكيف تستطيع مبادرته توحيد أهل القبلة السودانيين جميعهم في مقابل بقية الكتل السياسية غير الثورية؟
عودا إلى بدء: الضوء واضح أمام حمدوك. فأمامه يرى حربا شرسة ضد سلطته يقودها الإسلاميون بطوائفهم كافة، وجزء من قحت ترى بوجوب إسقاطه، ولا مانع في الحوار معه في ذات الوقت، وهناك مكون عسكري يمشي خطوة لدعم الانتقال الديموقراطي وخطوتين لتعويقه.
لو أن قصرت مبادرة حمدوك هدفها على توحيد المكونات الثورية التي قادت الثورة عبر إعلان الحرية والتغيير فإن ذلك يبقى أمرا واضحا وواجبا لدعمهم. ولكن أن تصل توصيات المبادرة إلى تفريق دم الفشل القيادي على الكتلة التاريخية التي يجد فيها الإسلاميون مقعدا ضمن تحالف الراغبين في الشراكة، فذلك بعض من توقع أرجو أن يخيب بشدة.

Pin It

العدالة و ترسانات الرغبة و القدرة أو " محاكمة شهداء الأبيض"



بقلم : محمد بدوي
 

في البدء لابد من شكر مستحق لأساتذتي وزملائي الأجلاء أعضاء هيئة الإتهام  أمام المحكمة  الجنائية العامة  بمدينة الأبيض ، ولاية شمال كردفان على  الجهد و  التضامن الخلاق  حيث إنتظم بالهيئة حوالي   "35" عضواً  في تمثيل  لمختلف الجغرافيا السودانية ، شكّل  تلاحماً إرتقى لقامة ثورة ديسمبر المجيدة،  تأتي الإشارة هنا على سبيل المثال لا الحصر حيث  تولى رئاسة الهيئة الأستاذين عثمان صالح و محمد الحبيب من مدينة الأبيض التجاني حسن و محجوب داؤد من الخرطوم ، عصام محمد فرح " شوربجي "  من مدينة  كريمة ، إسلام عمر  من  مدينة سنار ، محي الدين. من مدينة  الدلنج  و أخريات و آخرين لهم ترفع القبعات إجلالاً وإحتراماً ، بالإضافة إلى ممثلي مكتب النائب العام   مولانا تاج السر الحبر النائب العام السابق في الجلسات الأولى ثم مولانا مبارك محمود النائب العام المكلف  في جلسة القرار، إلى جانب ممثلي  اللجنة التسييرية لنقابة المحاميين السودانيين  ،   تكاملت  الجهود  في دأب منذ الحدث في التاسع من يوليو 2019  إلى جلسة القرار  في الخامس من أغسطس 2021
خلفية المحاكمة حملتها وقائع البلاغ بالرقم 2637 /2019 عقب مقتل  7 من السودانيين اغلبهم من الطلاب دون المرحلة الجامعية لهم الرحمة جميعاً ، نتيجة للإصابة بأعيرة نارية  أثناء ممارستهم الحق في التعبير والتظاهر  في مسيرة سلمية   بوسط مدينة الأبيض من قبل قوة عسكرية مكونة من " 9 " أفراد تتبع لقوات الدعم السريع التي أخضعتها الوثيقة الدستورية 2019 لإشراف القائد العام للقوات المسلحة السودانية ،
في الخامس من أغسطس  2021 أصدرت المحكمة  برئاسة القاضي أحمد الحسن الرحمة قرارها  الذي خلص الي إدانة  "6 " من المتهمين لمخالفة المادة 130 من القانون الجنائي السوداني  1991 بالإشتراك قبل أن توقع عليهم عقوبة الإعدام ، و تبرئة "2"  من المتهمين  مع إحالة واحد  " 1"  إلى محكمة الطفل .
التقدير أيضاً للأستاذ علي عجب  المحامي الذي كفاني جهد الخوض في الكثير من التفاصيل بمساهمته الثرة  بصحيفة سودانايل  و التي نشرت في السابع من  أغسطس 2021 ، حيث تناول نهج المحكمة التي حملتها حيثيات القرار و تلخصت في إستنادها على ما خالف تعريف البينة قانوناً ، قصور شمول التهم للأفعال و انعكاسه في قصور توجيه  الجرائم ضد الإنسانية المعرفة في المادة 186 من القانون الجنائي  1991 بالإضافة إلى الإحالة المتأخرة لاحد المتهمين  إلى إختصاص محكمة الطفل ،   كما دفع بإشارات أخرى في سياق التزيد اللغوي الذي حمله المحضر من الإشادة غير المبررة بقوات الدعم السريع  بما قارب بين حيثيات القرار و الخطب السياسية لتمارس المحكمة  حرية تعبير  غير آبهة بإرتباط المحاكمة بوقائع إرتبطت فيها الأفعال بإنتهاك لحرية التعبير .
ما أود الإشارة إليه أن القرار كشف أن  إجراءات التحري  و المحاكمة منذ مراحلها الأولى  قد كيفتا  إلى الحالة  كجريمة قتل عمد بالاشتراك ،  دون  النظر إليها في سياق مجموعة أفعال إرتبطت بإنتهاك لحالة حقوق الانسان شكّل القتل أحد أفعالها فقط  لينعكس ذلك في القرار النهائي   ، بالبحث عن الأسباب في تقديري أن الطبيعة المرتبطة بطبيعة العديد من  الجرائم / الأفعال في الفترة السياسية السابقة و خلال الفترة الإنتقالية  الراهنة تواجه تعقيدات/ تحديات مرتبطة ببنية أجهزة تنفيذ القانون و يمكن تلخيصها في  نطاق (الرغبة / القدرة) وهما  سؤالي الكفاءة  المهنية و المؤسسية  ؟ إمكانية الوصول للعدالة  ؟ يتفرع من ذلك خلال الفترة الإنتقالية  ماهي محصلات المحاسبة هل تحقيق العدالة أم  المحاسبة  المنقوصة ؟
إن  العبور من هذا النفق يتطلب ان تبدأ عمليات الإصلاح القانوني بشكل مؤسسي و عاجل  مع ضرروة أن   تتوفر الإرادة السياسية ، لكن حتى يتحقق ذلك أو للمساهمة النسبية في سبيل ذلك ،   لابد من الإنتباه أن هنالك تطورات عقب 2018 أفرزت تغيرات عديدة منها ، التحول من تمثيل الدفاع إلى تمثيل الإتهام في الحالات المرتبطة بالإنتهاكات الواسعة أو الجرائم ذات الطابع المنظم ،  مما يتطلب في تقديري أدوات فاعلة مثل الإستناد  لمناهج التقاضي الإستراتيجي ،  دون إسهاب  من متطلبات ذلك التخطيط للحالة بما يمكنها من عبور حواجز تغييب القدرة والرغبة أو الترسانات  في النظام القانوني ، لأنها ستقود عمليات المحاسبة " ميس "  وتحقيق العدالة و في ذات الوقت تدفع بالإصلاح القانوني من سياق الممارسة العملية .
 
أخيراً: المحاكمة التي شهدتها المحكمة الخاصة بالأبيض تمثل دراسة حالة يجدر الإنتباه   إليها لتشابه الأفعال التي إرتبطت بسجل الإنتهاكات و لكونها كشفت و بجلاء أن أحد الحلقات المفقودة تتمثل في النظر إلى السجل بين تكييف الجرائم و الإنتهاكات المرتبطة بحالة حقوق الإنسان ، ليكتمل عقد تحقيق العدالة بما  يحقق المحاسبة وينصف الضحايا.

Pin It

أزمة الطب الشرعي و ما بعدها

بقلم : محمد بدوي

من نافلة القول أن التطورات السياسية في السودان عقب ابريل 2019 ظلت تؤكد حرص الشارع السوداني على مبدأ المحاسبة في ترجمة لشعار السلمية الذي شكل روح وفلسفة التغيير، لكن رغم ذلك تعددت الأسباب التي ظلت تعيق السير الطبيعي في ذلك منها سياسية مرتبطة بطبيعة العلاقة في الشراكة بين طرفي السلطة المدنيين والعسكريين التي ظلت تخضع لصراعات معلنة وغير معلنة أثرت على مجمل الأداء، بالإضافة إلى الفساد الذي طال أجهزة تنفيذ القانون و بنيتها خلال الفترة السياسية السابقة، الصراع الذي سبق التوقيع على الوثيقة الدستورية إنعكس سلباً في محتوى الوثيقة وقصورها في أحكام شمولها بما يتسق و طبيعة المرحلة الإنتقالية المرتبطة بسجل واسع من التراجع لفترة ٣٠ عاماً.

بالمقابل ظلت المؤسسات التي تخضع للإشراف السيادي ترزح في بيئة عملها وهيكلتها المرتبطة السابقة دون جهود جدية للإصلاح، الأمر الذي إنعكس ايضا في تراجع دور بعض هذه المؤسسات  التي أخضعت للنفوذ السياسي للسلطة السابقة وإستغلالها بما يدعم السلطة السابقة في البقاء والقهر وتنفيذ السياسات الحزبية ، فتشكلت بنيتها مرتبطة بممارسة مناهضة للمهنية و سيادة حكم القانون و الحرمان من الوصول للعدالة، بالنظر إلى النيابة العامة تعتبر حديثة التكوين في العام 2017 وصاحب تعيين أول نائب لها عقب الثورة تطورات كثيرة بين رفض لبعض المرشحين من قبل بعض مكونات السلطة  إلى أن إستقر الحال على النائب العام السابق مولانا تاج السر الحبر الذي إعتذر قبل قبوله الأمر، والذي إنتهى به الحال بالإستقالة بعد أن شهدت فترة توليه صراعات يمكن وصفها من حيث الطبيعة تنفيذي نقابي دون الخوض في تفاصيله الآن لكنها كشفت عن التعقيدات التي شابت بيئة العمل والأثر المرتبط بذلك في فترة النيابة العامة أحوج فيها إلى مناخ معافى وبيئة عمل مساعدة ومعينات تقنية ومادية لأداء دورها المرتبط  بالتأسيس لسجل المحاسبة و المساندة لتحقيق العدالة.

بالرغم من إستقالة مولانا تاج السر الحبر من منصب النائب العام وتكليف مولانا مبارك محمود تراجع الصراع التنفيذي النقابي لكن ظل الواقع يشير إلى بقاء الأزمات في مسار بيئة الأداء على سبيل المثال لا الحصر مسألة الطب العدلي أو بتعبير آخر الدعم التقني الذي تتطلبه بعض القضايا.

التطورات  التي إرتبطت بزيارة الفريق الطبي الأرجنتيني والجدل الذي صاحب زيارة الفريق لمشرحة مستشفي الامتياز بالخرطوم دون الخوض في تفاصيلها كشفت ضعف التنسيق بين مؤسسات الدولة المختلفة  وغياب أدوات إدارة الأزمات بقوة دفع إيجابية ليستمر المشهد ليحرم الدولة من الإستفادة من فرص جوهرية تقدمها بعض المؤسسات الدولية  بشكل مستقل و أحيانآ تعاقدي و تارة تحت إشراف بعثة اليونتامس حيناً في إطار التعاون الدولي ولعل الخطوة التي كشف عنها النائب العام المكلف في لقائه باحدى القنوات الفضائية  والتي كشف خلالها عن نقل رفاة أحد المقابر الجماعية إلى دولة الإمارات لإجراء فحص عن DN نسبة لتوفر المعامل وتطورها  يثير الأسف و الأسى و يكشف العبث الذي طال الدولة السودانية خلال العقد المنصرم و تراجعها في القيام بعمليات تقنية بسيطة وغير معقدة فنياً.

حسنا فإن الأمر يأتي في سياق ممارسة النيابة لسلطاتها وفقا للمادة 55 من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991  والذي أعطى صلاحيات واسعة للنيابة و لعل الإستعانة ببيوت الخبرة أو المؤسسات الخارجية تتطلب النظر الي عدة أوجه للأمر بين إمكانية توطين التقنية داخليا و صعوبة ذلك، وبين الحوجة للتقنية لعدد محدود من الحالات أو حالات كثيرة، لإرتباط الأمر بعلاقات مستقبلية في سياق المحاسبة من استدعاء الخبراء للإدلاء بشهاداتهم أمام القضاء إن استدعي الأمر،  في  وقت كانت التقنية ليست قيد الإمكان بما هو عليه اليوم شهد السجل السوداني إستعانة القضاء السوداني في حالات فردية بخبرة خارجية من جمهورية ألمانيا تعلقت ايضا بفحص الحمض النووي في قضايا لإثبات نسب لطفلي حديثي الولادة .

كما أشرت إلى سلطات النيابة في الإستعانة بالخبرة الخارجية في راهننا الإنتقالي مرتبط بالسجل الواسع للحالات التي تتطلب الجهد التقني فإن الأمر يتطلب التأسيس القانوني للعلاقة سواء عبر بروتكول للتعاون أو مذكرة تفاهم أو تعاقد بين النيابة والمؤسسة التي تقوم بذلك و كل هذه المتطلبات قد تتطلب إجراءات إشرافية وتعاقدية ومالية مرتبطة بالمجلس السيادي بإعتبار أن النيابة تحت إشرافها بالإضافة إلى وزارتي العدل والخارجية في تفويضهما المرتبط بالتعاقدات الخارجية والإتصال بين مؤسسات الدولة والأخرى الأجنبية.

هذا فضلاً عن أن حالات التعاقد تتطلب توضيح أسباب إختيار المؤسسة المحددة و سجلها العلمي في ذات المجال لأن مجمل المسائل يجدر التعامل معها بما يدفع بالثقة من كل الأطراف في مجمل الجهود والنتائج النهائية سواء من النيابة أو القضاء في مراحل لاحقة ، لعله قد يكون من المفيد الكشف إن كانت هنالك تجارب سابقة بين النيابة العامة والمؤسسة الإماراتية لأنه قد يعزز الإجابة على بعض التساؤلات ويفتح الضوء اكثر لعلاقة تبعث الاطمئنان في التاسيس  القانوني للتعاون ولا سيما  أن حالة أحداث 3 يونيو 2019 شهدت جدلاً حول تفويضها في جزئية حسمت بطلب الدعم التقني من الإتحاد الإفريقي بما قد يشكل مؤشر للإستهداء به في حالات مشابه.

في سبيل ذلك و على ذات النهج الإيجابي الذي جسر به النائب العام المكلف العلاقة مع الإعلام عبر لقاءه  الأخير قد يكون من المفيد تعزيزه بآخر تفصيلي يظل كمقترح دون التدخل في النطاق المرتبط بممارسة سلطاته التي منحها القانون، لإجلاء المرتبط بتلك الخطوة فكما أشرت قد يكون لها إنعكاسها الإيجابي في الراهن والمستقبل، فبالإضافة إلى ما أشرت إليه أعلاه هنالك مسائل أخرى لوجستية  مرتبطة بالتدابير التي اتخذت لضمان سلامة نقل الرفاة  وأخرى مرتبطة بالقيد الزمني للنتائج النهائية، ليظل السؤال الجوهري للمجلس السيادي السوداني و مجلس الوزراء في التفكير الإستراتيجي لتوطين التقنيات التي يتطلبها الحال والتي هنالك سجل أولى  لها في سياق الممارسة العملية في السودان، فان الحال لا ينعكس فقط  إيجاباً في توفرها لكن في تقليل تكلفتها فالأمر لا يتعلق بقضايا محددة تم الكشف عنها بل قد يمتد الأمر إلى مناطق النزاعات  بدارفور و جنوب كردفان و النيل الأزرق مما يصعب معه الإستمرار في إرسال الرفاه الي الخارج .

Pin It

القوميات والسلطة في السودان أو "ما نشر تحت إسم " جنيفر سومر بمداميك"

بقلم : محمد بدوي

في الثامن من أغسطس 2021 ، نشرت صحيفة مداميك الإلكترونية حوار حمل  اسم  الباحثة جينفر    سومر  بعنوان حول ما يجري شمال  دارفور ، ثم عرج على أثر إتفاق سلام السودان 2020 في حالة تعرضت  للقوميات و السلطة في الفترة الإنتقالية ، بعد البحث عن الحوار  الذي لم أجد له اثر  بموقع الصحيفة  التي قامت  بسحبه و الإعتذار بتسبيب أن النشر تم من قبل محرر متعاون مقيم بالولايات المتحدة  مع إضافة إلي أن المادة لا تتسق وشروط النشر لدي مداميك مع ملاحظة أن النشر الذي حظى بالتداول الواسع جاء علي وسائل التواصل الإجتماعي، كما حمل رابط مرجعي لا ينتهي بالوصول إلي موقع الصحيفة علي شبكة الإنترنت .

 حملت المادة في تقديري قاموس لغوي لا يتسق مع مناهج التحليل يمكن رصدها في الجملة الإفتتاحية التي حملت "  ما يجري في شمال زلزال ضخم لكنه متوقع و لابد ان يحدث " بالإضافة تعمد التدليس في النسب الرياضية التي إستندت عليها الحوار في نسب السلطة  في إتفاق سلام السودان وربطها بقومية محددة  " 40%: هذا فضلا عن عدم التثبيت لمصدر التعداد المرتبط بالنسمة للقومية "4% "، ثم دلف الحوار إلي الرسالة المستهدفة من المادة و التي جاءت في صيغة التوصية  عبر عنها ضرورة  كبح الطموح المرتبط بالسلطة "  مجمل الأدوات التي  تم إستخدامها في تقديري سعت  لتدشين حملة في مواجهة قضايا  السلطة والسلام في الفترة الإنتقالية ، في توظيف  هدف لإعادة الخطاب العنصري سعي للتشكيك في عدالة فكرة ونضال حركات الكفاح المسلحة و إستخدامها كجزء لتحريض سالب ضد الكل المرتبط  بالقومية .

إفادة الصحيفة بقيام أحد المحررين بذلك يثير القلق حول المهنية المرتبطة بالمسئولية المرتبطة بمعايير النشر والإشراف، الإنتشار الواسع للمادة في تقديري نجح في الدفع بأهداف الحملة مما يفرض واجب التصدي الموضوعي لها لقطع الطريق  وإبطال " القنابل الموقوتة " في مسار الفترة الإنتقالية ، و حتي لا ننجر إلي أدوات لتفنيد المادة المنشورة ، أجدني أستند علي روح ثورة ديسمبر المجيدة في محاولة للنظر خارج الصندوق  في سعي إلي رؤية موضوعية للمادة المنشروة لكن بتأسيس يرتبط  بمسالة القوميات والسلطة في الفترة الانتقالية ، هذا لا يجعل التعليق / التعقيب يقف علي المقابل، بقدر ما هو  فرز السمين من الغث و النظر إلي توصيات تعزز من المضي نحو الأمام . وفقا للمحاور التالية:

أولاً:  من حيث المنهج إستندت المادة علي   التحليل السياسي بالتركيز المتعمد على العوامل الخارجية دون سواها بشكل حصر  إتفاق سلام السودان 2020 كمصدر لإكتساب السلطة بين أطرافها ،  دون التعرض  للايجابيات الاخري المرتبطة بوقف الحرب و تعزيز نصوص التعاون مع العدالة الدولية ، مما جعل الأمر بدأ بمجافاة الحياد والمنهج العلمي الذي يفترض فيه إستعراض كافة الجوانب .

ثانياً : مسألة القوميات و السلطة في السودان  تستدعي أكثر من منهج للتحليل لطبيعة الحالة  ما يتصل بالعوامل الداخلية والسياقات التاريخية والأنثربولوجية و الإقتصادية المرتبطة ببنية الإنتاج، و لاسيما عند النظر إليها في  الفترة الإنتقالية التي تتيح تتبع مظاهرها التي قد تأخذ أشكال مختلفة كما في الراهن الذي تشكلت فيه سلسلة من الأحداث  بدءاً من الشرق إلي غرب السودان حملت طابع  الصراعات المسلحة في إرتباط لبعض أسبابها بتأثير الشراكة المدنية العسكرية التي قطعت الطريق على التغيير السياسي أو الحلول الآمنة لمجمل  القضايا المرتبطة بالتغيير بما فيها مسالة القوميات دون تغييب المشهد من حالة التأثر بالإستقطاب الحاد لبنيتها نتيجة لسياسات النظام السابق .

ثالثاً : لابد من الأقرار بقصور  إتفاق سلام السودان، حيث غياب  النظر إلى شمول الأزمة  مما ألقى بظلال  التحالفات التي سيطرت على الشراكة على  الإتفاق فنتجت عنه محصلة  أشبه بالتسوية المستندة على حل النزاعات عبر التركيز على بنود السلطة والثروة مع تغييب للأثر الكلي المرتبط بالتغيير السياسي ، ساهمت هشاشة الوضع السياسي وتعدد الأطراف المرتبطة بالسلطة في إرباك التحضير الجيد لملف السلام من حيث المنهج و الإشراف فمجلس الوزراء تنازل عن تفويضه للمجلس السيادي بعد تدخل غير مدروس من قبل  تجمع المهنيين السودانيين والتجمع المدني اللذان دفعا بمسألة ملف التفاوض في وقت كان المجلس العسكري الإنتقالي هو المسيطر على السلطة عبر لقاء أديس أبابا في 15 مايو 2019، الحركات المسلحة في شمولها  فشلت في التوحد في تحالف سياسى بل وحتي على مستوي الحد المرتبط بمواقف تفاوضية موحدة، و هذا الاقرار قد يشكل اولي مداخل للحل . الخلاصة أن اتفاق السلام وما نتج عنه يمثل مسئولية مشتركة لعدد من الأطراف .

رابعاً: بالنظر إلى الجغرافية السياسية  لإتفاق السلام فقد ركز على عدد الأطراف وتغييب محيط الأزمة التي هي محور الإستهداف، فنتجت عنه عملية سيطرة لأطراف الإتفاق و هي حقيقة تحتاج  الي التعامل معها، ولا تزال مسئولية ذلك مرتبطة بمجمل الأطراف كما في الفقرة السابقة بالإضافة الي من هم خارج الإتفاق . 

خامساً: السيطرة  على السلطة التي أشير إليها في ذلك الحوار  حالة غير مكتملة فكما أشرت عاليه أنها مرتبطة بالجزء وليس الكل ، فضلا عن ان الإتفاق الأمر في حد ذاته جاءت طبيعته تحمل سمات التعقيد فيما يتعلق بالتنفيذ الذي سيحيل أطراف الإتفاق إلي دائرة تحمل ما ينتج عن ذلك كجزء من الحكومة الإنتقالية  فتقديم مكاسب السيطرة باعتبارها تصب في هيمنة القومية يجانبها واقع الحال .

سادساً : من اثار سياسة النظام السابق انه عمل علي هندسة اجتماعية بهدف السيطرة السياسية فاثر علي القوميات ففي الراهن لا تبدو ككتل موحدة و متسقة بل بداخلها تباين في الإنتماءات  السياسية  و صراعات تاريخية مختلفة الأسباب بعضها مرتبط بالصراع الطبقي داخلها علي سبيل المثال لا الحصر .

سابعاً :  لا يمكن عزل المادة المنشورة عن كشفها لتطورات تجدر النظر إليها في سياق الظاهرة المرتبطة ببعض أسباب نسق إدارة   ما بعد الإستقلال وقصورها  في إنتاج برامج وطنية  للتعامل مع قضايا  القوميات التي تعرضت لمحن تاريخية مثل الرق، وأثر سياسة  المناطق المقفولة و ممارسة العنصرية وغيرها ، فهذه التطورات تتيح لها الفترات الإنتقالية الظهور في الهواء الطلق كتعبير وتنبيه إلى حقائق الواقع المغروس عميقا في التربة السودانية .

ثامناً : بعض قصور  اتفاقية  السلام أنها انتهت الي شكل من أشكال علاقات السلطة والثروة في مرحلة إنتقالية تتطلب الإنتباه للوفاء بالتحولات التي تمنح إستحقاق خوض سباقات التداول السلمي للسلطة (الإنتخابات)، لأن ذلك احد روافع التحول الأيجابى فى كل الأصعدة نحو أفق يعزز تاريخ و نضال الحركات المسلحة والقوى الديمقراطية وهو ما يجدر الدفع به نحو التحقق  .

تاسعاً : التحولات التي نص عليها الإتفاق في الترتيبات الأمنية في عمليات الدمج والتسريح  قد ينعكس تأثيرها علي بنية الإنتاج  و طبيعة النشاط الإقتصادي مما تتطلب تخطيط وادارة حتي لا تفضي الي نتائج سالبة، مما يتطلب النظر الي الجوانب المختلفة الناتجة عن الاتفاق سلبا و ايجابا في سياق التاثير علي الواقع وليس الاختزال في ربط بعض القوميات بالسيطرة .

عاشرا ً :التعامل مع السلطة في الفترة الإنتقالية لابد له ان  يستصحب  متطلبات الإنتقال المتعلقة بالسؤال الجوهري في كيف يحكم السودان ؟ و استصحاب فكرة الدولة وسجل  طموح السودانيين للديمقراطية والتغيير سيواجه بعقبات واسعة ومؤثرة وهذا ما قصدت المادة المنشورة في تغييبة للدفع الي السالب المرتبط بالتنافس حول السلطة. مع ضرورة معالجة نصوص اتفاق السلام المرتبطة بالإنتقال من مربع حركات الكفاح المسلحة إلى أحزاب سياسية على سبيل المثال عملية تتطلب  جهد كبير ، محصلة ذلك هو التحول إلى أجسام سلمية قومية أو إقليمية وفق شروط القانون الداعم للتعدد و الديمقراطية .

أخيراً : المادة المنشورة وملابسات سحبها إثارتها لمسألة القوميات التي ظلت قيد الإغفال في سياق الحالة السياسية  تعيد واجب الانتباه لقراءة جديدة للاحداث بادوات و مناهج مكملة تتناسب و الأسباب، مرة ثانية مهما كانت اهداف النشر فيجدر التصدي لها ايجابا بالإشارة الي الدفع بمسالة القوميات الي اجندة الحوار الوطني لمعالجة القضايا التاريخية العالقة لأن المنشور كشف خطورة التناول الذي يعمد إلي تفريغ حيويتها و الدفع بها نحو منصات  الاستهداف السياسي .

Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

263 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع