ابحث عن

أساتذة وتلاميذ : أين تفترق الطرق ؟(2)

بقلم محمد فتحي أورفلي
اليجاه محمد وتلميذه مالكولم اكس :
ولد اليجا وليام بول وهذا هو اسمه الاصلي في جورجيا بالولايات المتحده وهو الابن السابع بين ثلاثه عشر طفلا ، كان والده مزارعا ووالدته تعمل مدبرة منزل ، لم يكن هناك ما يميزه عن اقرانه اثناء طفولته علي حسب ما هو مكتوب عنه ومتاح من معلومات ، كان طفلا عاديا لم يكمل تعليمه وترك المدرسة منذ الصف الرابع واصبح مزارعا يساعد والده في عمله ثم اصبح عاملا الي ان تزوج وانجب اطفال ، في اعتقادي ان زواجه وانجاب الاطفال هو ما دفعه للتفكير في البحث عن حياة افضل له ولاسرته بعيد عن واقعه المزري ، ف بالاضافة الي انه من اسرة تعاني حياة الشظف والفقر المدقع ، فهو ايضا كان ينتمي الي مجتمع يعاني من الاضطهاد والتميز العنصري بسبب العرق واللون ، حيث كان السود يعانون اشد المعاناة من البيض في الولايات الجنوبيه الامريكيه خاصه مناطق مثل جورجيا التي كان يعيش فيها اليجاه محمد ، شهد بنفسه الكثير من المواقف المؤلمه من البيض اتجاه السود من تعذيب وقهر وقتل وهو الامر الذي اثر كثير علي تفكيره ونمط حياته في المستقبل كما سنري ..
قرر اليجاه محمد الانتقال من الجنوب الي الشمال الامريكي بحثا عن حياة كريمة وافضل واكثر امانا له ولاسرته ، و رحل وهو يحمل في دواخله جراحا لم ولن تندمل وظلت معه الي ان مات ، رحل اليجاه محمد من مسقط راسه بعيدا هاربا من تلك البيئة الطارده القاسية المحاطة بالكراهية والعنصريه البغيضه ، رحل وهو يحمل في داخله كراهية لكل ماهو ابيض وباحثا عن خلاص له ولاسرته ولمجتمعه الاسود كله وبالتاكيد كانت منطلقاته تعبر عن رفضه للظلم والبغي والتسلط الواقع علي مجتمعه وهو يمثل ثورة ضد تلك الاوضاع التي كانوا يعيشونها ..
التقي اليجاه محمد في مدينة ديترويت ب "وليس فارد " الذي كان يدعو الي الاسلام الاسود ، وهو دين يقوم علي خلاص العرق الاسود وانه انزل اليهم من دون العالمين ، استمع اليجاه محمد الي كلمات وليس فارد التي وجد فيها كل ما كان يبحث عنه واعتنق هذا الدين واعطي اسمه الذي عرف واشتهر به ، اصبح اليجاه محمد من اتباع وليس فارد المخلصين الي ان ترقي وصار في فترة وجيزة الرجل الثاني ثم اصبح الرجل الاول بعد اختفاء وليس فارد المفاجئ والغريب ، اعلن اليجاه محمد لاتباعه  ان وليس فارد كان ظل الله الذي يمشي علي الارض ،  وانه اليجاه محمد مبعوث العنايه الالهية ورسولها للسود ليخلصهم من سوء العذاب الذي يعانونه من البيض ..
عمل اليجاه محمد علي خلق مجتمع مغلق ومتكامل يحمل اسم امة الاسلام وهو الاسم الذي عرفت به بعد ان اصبح اليجاه محمد هو القائد لها ، وصل الامر الي ان اصبحت لها مراكز اقتصاديه وماليه قويه واصبح اليجاه محمد هو اقوي رجل اسود في امريكا وبالتاكيد هذا النجاح لم يكن سيحدث لولا امتلاك اليجاه محمد لشخصية مؤثرة وكاريزما قويه وساحره ..
استقطبت الدعوه الكثير والكثير من السود ومن اشهرهم مالكولم اكس ومحمد علي كلاي والذي يهمنا الان هو تلميذه  مالكولم اكس ..
هو مالكولم ليتل وهو اسمه الحقيقي المولود بمدينة اوماها الامريكيه ، وهو من اصول افريقيا ايضا وبينه وبين اليجاه محمد استاذه الكثير من المتشابهات في حياتهم ، فالاثنان لم يكملا تعليمهم ، والاثنان نشأ في وسط مجتمع يعاني من الاضطهاد العرقي والتفرقه العنصريه ، بالاضافه الي الفقر المدقع الذي كان السمة الابرز لوسطهم الاجتماعي ، ولكن حياة مالكوم كانت اكثر درامية وسوءا من صاحبه ، قتل والد مالكوم  هو صغير ،  واعدم احد اعمامه من دون محاكمه وقتل ثلاثه اخرون علي بيض عنصريين ، ادخلت والدته الي مستشفي الامراض العقليه بعد تعرضها الي انهيار عصبي واتهمت بالجنون ، اصبح مالكولم هو واخوته الثمانيه تحت رحمة دار الرعايه التي فرقتهم بين مجموعه من الاسر ولم يلتقيا الا بعد سنين طويله ..
لكل تلك الظروف القاسيه كان لابد ان يتحول مالكولم الي شخص عنيف ويتاخذ الشر والاجرام منهاجا له ، قبض علي مالكولم بتهمة السطو المسلح والسرقه وحكم عليه بالسجن لمدة 10 سنين ..
في راي اعتقد ان اكثر نقطتين محورتين في حياة مالكولم و كانت لهما اكبر الاثر في حياته هما السجن والحج ..
السجن كان النقطه التي غيرت حياة مالكولم والي الابد ، حيث التقي بأحد اتباع اليجاه محمد ووافق كلامه هواه وخاصة وهو الذي عاش حياة التشرد واليتم والاجرام بسبب عنصرية الرجل الابيض ، لذلك كان طبيعيا ان ينضم الي ركب امة الاسلام ويخرج من السجن رجلا اخرا مختلفا تماما عن الذي دخله ، في فترة وجيزة ايضا وبسبب قدراته الخطابيه المميزه وشخصيته الاسره وشجاعته المصحوبه بذهن متقد يتوق الي المعرفة والبحث والتعلم استطاع مالكولم ان يصبح الرجل الاهم في منظمة امة الاسلام والمتحدث الرسمي بأسمها ويعود له الفضل في ازدياد عدد اتباع الدعوة من   500 شخص عند انضمامه الي 30000 شخصا في اقل من عشرة اعوام ..
تمرد التلميذ ..
كان من الواضح ان هناك بوادر للاختلاف والخلاف بينهم خاصة بعد اكتشاف مالكولم ان الاليجاه محمد لديه ابناء غير شرعيين من علاقات محرمه وبعض التصرفات التي تنافي الاخلاق التي يدعيها الاليجاه محمد ، لكن ما فجر الامر وجعل تمرد التلميذ علي استاذه يطفو علي السطح بقوة هي حادثة اغتيال جون كنييدي الرئيس الخامس والثلاثين لامريكا ، اصدر الاليجاه محمد اوامر مشدده علي الجميع بعدم التصريح او الحديث او النشر عن هذه الحادثة ، كانت اوامرا مشددة تصل الي درجة التحريم ولكن مالكولم تحدي الاليجاه محمد ورفض الانصياع الي اوامره وصرح تصريحه الشهير ( سلاح كنييدي قد ارتد الي نحره وحصد ما زرعه باسرع مما توقع هو نفسه ) وتلك كانت هي الضربة القاصمه للظهر في العلاقه بينهم ..
تم طرد مالكولم من المنظمه وقرر هو بعدها ان يقوم بتحقيق حلم قديم مؤجل وهو الذهاب الي مكه واقامة شعائر الحج وتلك كانت النقطه الثانيه المحوريه الهامه في حياته وهي التي قادته الي ان يغيير في مسار حياته مرة ثانيه بعد ان تغير مسارها في السجن ..
عرف مالكولم حقيقة الاسلام وعرف الفرق بينه وبين الاسلام الذي كان يؤمن به ويدعو الناس اليه طيلة فترة طويله من حياته  ، اتخذ مالكوم بناءا علي ذلك اخطر قرار في حياته وقد دفع حياته فيما بعد ثمنا لذلك القرار ، قرر ان يظهر حقيقة اسلام استاذه اليجاه محمد وحقيقة الاسلام الذي وجده بمكة وان يعمل علي تصحيح كل الاخطأ الفكريه التي كان يعتقدها ويقاتل من اجلها لفترات طويله ، خاض مالكولم صراعا شرسا ضد استاذه السابق واصبح العدو الاول للمنظمه التي لطالما دافع عنها  قاتل في سبيل نجاحها وانتهي به الامر قتيلا علي يد من كانوا جزء منه في فترة من حياته ..
عرف مالكولم الحقيقة وكذلك كان يعرفها اليجاه محمد ولكن الفرق بينهم ان مالكولم كان اكثر صدقا في نيته واكثر قوة في ايمانه واكثر عزما في ارادته اتجاه القضايا التي يؤمن بها وكان يملك الشجاعة اللازمه للاعتذار والعودة وتصحيح اخطائه ودفع حياته ثمنا لذلك لو اضطر كما فعل في اخر الامر ، عكس استاذه الذي استمرأ الامر وتملكه حب السيطرة والنفوذ خصما علي كل ما كان يؤمن به رغما عن ثوريته ونضاله اتجاه حقوق مجتمعه  بداية شبابه وهذا هو الفرق بين المناضل من اجل السلطه والمناضل من اجل الفكرة ،  مع اهمية الاشارة الي اننا نتحدث عن سلطه ونفوذ مجتمعي وليس سياسي ..
يتبع ..


Pin It

السودان كله نوبة

الخرطوم سلاميديا

الباقر العفيف

وجُهَيْزَة التي أتتني بالخبر ليست تلك المرأة صاحبة المثل الشهير، والتي دخلت على رهط رجل مطلوب في دم بينما هم يفاوضون أهل القتيل في محاولة لإثنائهم عن الأخذ بثأره، يلتمسون إحدى الخصلتين إما العفو لوجه الله أو قبول الدية منه. فما كان من جهيزة التي يكاد "الشمار" يفتك بها، إلا وأن ألقت في وجوههم الخبر الحار Breaking News : أن بعض أهل القتيل قد ظفروا "بزولهم" "ولحقوه أمات طه". فانفض سامر القوم وتبدَّدت خطبهم البليغة في الهواء، بعد أن قَطَعَتْ جُهَيَزَة قول كل خطيب.
أما جهيزتي التي أحدثكم عنها هنا، فهي علوم الجينوم ومعامل صاحبة الجلالة الملكة إليزابيث الثانية، ملكة بريطانيا العظمى، لفحص الحمض النووي أو ما يعرف بال DNA. وبما إني صاحب فرضية في أمر هوية السودانيين المنحدرين من على ضفاف النيل بوجه عام، وقبائل الشايقية والرباطاب والجعليين على وجه الخصوص، ممن فقدوا لسانهم النوبي وتبنوا العربية كلغة أم، بأنهم نوبا مستعربون. أي أنهم ليسوا عربا كما يدّعون، وأنه لا تجري في عروفهم دماء عربية، وأن جَدَّّهم العباس جَدٌّ مُنتَحل. وأنَّهم قتلوا جَدَّهم الحقيقي (النوبي) قتلا معنويا ورمزيا، ومحوا ذكره من وجدانهم، ثم محوا ذكره في العالمين. وتبنوا جَدَّّا بديلا عنه، هو العباس ابن عبد المطلب. وبناء على ذلك فهم مصابون بعقدة أوديب (الذي قتل أباه) من ناحية وبعقدة عنترة بن شداد (الذي كَرِهَ أمَّه) من ناحية أخرى.
وقد رددتُ جميع مشاكِلِنا السياسية والاجتماعية والثقافية والنفسية لهاتين العقدتين بالذات. فنحن، السودانيين الشماليين، لا نقبل أنفسنا كما هي ولا نتصالح معها. ولا تبدو أرواحنا مرتاحة داخل أجسادنا، كأنما كل فرد منا "فيه شركاء متشاكسون" وليس "سَلَمَا" لرجل أو امرأة. لا نريد أن نكون سودانيين وكفى، ولا نريد أن تمتد جذورنا داخل حدودنا مع النيل الخالد، وكأننا لا نستذيق المياه العذبة، ولا نريد أن نعانق الاهرامات التي بناها أجدادنا الحقيقيون الذين أنكرناهم فصرنا كمن ينكر ضوء الشمس من رمد. "فسبحان واهب العقول ومُعْمِيْهَا" كما يُعَبِّر الشاعر معروف الرصافي.
وقد أزْعَجَتْ هذه الفرضية كثيرين، وأثارت غضب كثيرين، وعرضتني للنقد الرصين وغير الرصين. وبما إني رباطابي من جهة أبي المتحدر من (الجزيرة أَرتُل قرب الشِّرِيْك) وجعلي من جهة أمي المتحدرة من (نواحي كبوشية وكَلِي)، ووفق الأسطورة الشائعة فمن المفترض أن أكون عربيا من الجهتين، جهة الأب وجهة الأم. وأن يفيض جسدي بالدماء العربية "العباسية المباركة" رغم أنف سحنتي النوبية، ورغم أنف الأحباش الذين ما أن حللت بأرضهم إلا و "راطنونني" وأصروا أنني واحد منهم.
فماذا كانت نتيجة فحص الحمض النووي؟ تهيأوا أيها القريشاب والشارباب لخبر جهيزة الخواجية، وأصيخوا السمع:
أنتم أحباش كوشيون نوبيون شرق أفريقيون ولستم عربا أيها الجعلتية..
فماذا أنتم قائلون؟
أتصوركم تقولون :" بالله قوم كده بلا جينوم بلا كلام فارغ! حرَّم عباسيين ولو كره "الكافرون" بأشجار الأنساب... عباسيون غصبا عنك وعن علوم الخواجات "الكضابة". أليس كذلك؟
الآن دعونا نفحص النتيجة:
إن نسبة جيناتي المنتمية لأفريقيا جنوب الصحراء هي ٩٧.٩ ٪ وهذه منها ٩٦.٨٪ تنتمي لشرق أفريقيا. وبالطبع نعرف أن هناك تداخل كبير بين ممالك النوبة القديمة مثل كوش ومروي وممالك الحبشة القديمة مثل بنط وأكسوم. فنحن في الحقيقة شعب واحد من الناحية الجينية ولكن تعددت لغاتنا وأدياننا. أما بقية الجينات المتبقية العالقة بشجرتي النوبية فتبلغ ٢.١٪. وهذه متوزعة بين ثمانية أقسام تفصيلها كالآتي:
جينات تنتمي لغرب أفريقيا نسبتها ٢.٪ (أي صفر فاصل إثنين في المائة). وجينات تنتمي للمجموعات الأفريقية التي تعتمد على الصيد والجمع (زي الأقزام Pygmies) بنسبة ١.٪ (أي صفر فاصل واحد في المائة) . وجينات تنتمي للمجموعات الأفريقية التي تقطن جنوب الصحراء بشكل عام بنسبة ٧.٪ (صفر فاصل سبعة في المائة). وجينات تنتمي لغرب آسيا وشمال أفريقيا بنسبة ١.١٪ (واحد فاصل واحد في المائة). وجينات تنتمي لشمال أفريقيا والجزيرة العربية بنسبة ١.١٪ (واحد فاصل واحد في المائة). وجينات أوروبية محددة بنسبة ٢.٪ (صفر فاصل إثنين في المائة). وجينات أوروبية بصفة عامة بنسبة ٢.٪ (صفر فاصل إثنين في المائة). وجينات غير مصنفة بعد بنسبة ٨.٪ (صفر فاصل ثمانية في المائة).
ويبدو أن جهيزة الخواجية أرادت أن تعوضني عن خسارتي للعباس بإخباري أني والزعيم الخالد نيلسون مانديللا تحدرنا من جد واحد. وأن هذا الجد المشترك عاش قبل ١٤٠ ألف سنة. ربما كان هذا أبونا آدم.
وهكذا يضع العلم حدا للأسطورة. ويثبت فرضيتي التي تناوشتها السهام العروبية الصدئة. وكشأننا في سوء الظن بكل شيء حتى العلم، فَهِمَ البعض أن في قولي هذا تقليل من شأن العرب والعروبة، وإعلاء من شأن الأفارقة والأفريقانية، في حين أنني أؤمن إيمانا راسخا لا يتطرق إليه الشك أن الناس كلهم سواء لا يتفاضلون إلا بالقيمة والنبل والأخلاق. إنني أدعو فقط أن نكون "نِحْنَ يانا نِحْنَ.. ما غيرتنا ظروف ولا هدتنا محنة". أي أن نكون كما خلقنا الله، وألا نحاول تبديل خلقه، وانتحال خلق آخر غيرنا.. وألا نقيس أنفسنا بمعيار خارجنا، وأن نكون ممتنين كوننا أصلاء في هذه الأرض التي يباركها النيل سليل الفراديس.. وأن نستعيد آباءنا النوبيين رواد الحضارة الإنسانية.. وأن نبعثهم من مرقدهم الذي حجرنا عليهم فيه.. وأن ننفض عنهم تراب القرون، ونعتذر لهم ونكرمهم ونفخر بهم.. وأن نرعى إرثهم الذي أورثونا لأنه ميراثنا أبا عن جد. فإهمالنا للتاريخ والآثار النوبية والكنوز المعرفية التي تركوها لنا إنما هو ناتج عن نكراننا لأصولنا.. عن نكراننا لهم.. عن قتلنا الرمزي لهم، واتخاذنا أبا بديلا عنهم. ومن هذا الأب البديل نتجت كل آفاتنا وعقد نقصنا إزاء العرب وتذللنا لهم..
فإننا لن نسعد في هذه الحياة ونحن نسعى في مناكبها بشخصيات زائفة.. والشخصية الزائفة هي التي لا تعرف نفسها، ولا تعرف قدرها.. هي التي تكره ذاتها وتنكر نفسها وتريد أن تكون شيئا سواها.. والشخصية الزائفة عبارة عن قشة في مهب الريح، تتجه أنى اتجهت الريح.. شخصية هشة، إمعة، تابعة ورخيصة.. ولقد أَفِضْتُ في الأمثلة الدالة على هشاشة الفرد السوداني المتوسط average بإزاء العرب في ورقتي "متاهة قوم سود ذوو ثقافة بيضاء" فليُلتَمَسْ في موضعه ولكني هنا أتحدث عن هشاشة الطبقة الحاكمة السودانية إزاء نظيراتها في العالم العربي..
لقد جَسَدَتْ هذه الطبقة الحاكمة الشخصية الزائفة منذ الاستقلال، فقد شهدنا كيف أنها فضلت الانضمام للجامعة العربية وأدارت ظهرها للقارة الأفريقية، وأهملت الانضمام للكومونويلث. وسعت لتعريب المناهج التعليمية في الجامعات من منطلق سياسي وايديولوجي استلابي، وليس من منطلق تربوي كذلك أهملت تحقيق السلام في مناطق النزاعات ولم تحمل لأهلها سوى الحرب.. وما ذلك إلا لأن تلك الطبقة كانت ذاهلة عن ذاتها، مغتربة عن هويتها الحقيقية.. تنظر لنفسها كنخبة عربية تجري في عروقهم "دماء شريفة"، وتنظر لمواطني المناطق المهمشة، حيث تدور الحروب، كأشباه بشر "تجري في عروقهم دماء رخيصة"، وهم من ثم لا يستحقون شرف المواطنة.. بل في ظنهم أن مثل هؤلاء لا يساقون "إلا والعصا معهم" كما قال الكارثة الذي يُسَمَّى رئيسا.
بيد أن قمة التجسيد لهشاشة الطبقة الحاكمة مثَّلتْها شخصيات قادة الإنقاذ.. فهؤلاء مستلبون مرتين، الأولى للعروبة شأنهم شأن الجميع، والثانية للإسلاموية. العروبة تدفعهم " لاضطهاد أهل الأقاليم المهمشة، والإسلاموية تدفعهم لعدم الاهتمام بالوطن، لأن الأوطان، حسب فكرهم، "أوثان". وتدفعهم لاضطهاد قومهم ممن لا يعتنقون أيديولوجيتهم. فإذا كان العروبيون عنصريين من جهة واحدة، فإن الإسلامويين عنصريون من ثلاث جهات: ضد الشعوب الأصلية، وضد غير الإسلامويين، وضد المرأة.
فالتعلم الطبقة الحاكمة قديما وحديثا، وليعلم العروبيون والإسلامويون الذين كذبوا المرايا طيلة عمرهم، إن الجينات لا تكذب.. فإن شاءوا استعادوا آباءهم الحقيقيين، واستردوا هويتهم النوبية، ومعها انسانيتهم، وخلعوا عنهم الأقنعة الزائفة، وإن شاءوا استمروا في الحياة وحالهم حال الغربان التي أرادت أن تمشي مشية الطواويس.. فلم تبلغ طائلا ولم تجد مشيتها الأولى وصارت كالمنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى.

Pin It

أساتذة وتلاميذ : أين تفترق الطرق ؟ ( 1 )

بقلم: محمد فتحي أورفلي

سيظل التاريخ يحفظ في قلبه دائما مكانا لاولئك الذين احترقوا من اجل ان يضئ الطريق للاخرين ، الشجعان الذين تمردوا علي كل مألوف وعبروا عن رفضهم لكل ماهو مخالف لفطرة الانسان التي خلق عليها " كرامته التي تتجسد في حريته " ..
اصحاب الفكر الحر هم الاكثر حظوة عند نجوم السماء ، اصحاب الهمم العاليه والنفس الكريمه العزيزه والروح المشعة نورا والجباه الابيه التي ترفض الانحناء للظالمين والطغاة ..
ظلت تراودني فكرة الكتابة عن امثال هؤلاء وكان في بالي خمسه اعتبرهم من المميزين والاكثر استحقاقا للكتابة عنهم بمعاييري الخاصه ..
اردت ان اكتب عن الامام الحسين وتشي جيفارا لانهم في نظري اقصي درجات التجلي في معاني الفداء والتضحيات من اجل حرية وكرامه الانسان علي وجه الارض ومع الاسف لم اوفق الي الان في ذلك ، ثم اردت ان اكتب عن الشيخ محمد عبده ومالكولم اكس و المحبوب عبدالسلام ويسرت لي المقادير الامر فقررت في البداية ان اكتب مقتطفات صغيره عنهم ولكن سحبتني الكتابه عنهم الي اعمق مما كنت اتخيل ، وكلما تعمقت في الكتابه ، كلما سحبتني معها الكلمات الي ابعاد اعمق وبألتاكيد ما كتبته حتي الان هو هو مجرد غيض من فيض من سيرة هؤلاء واصر علي تأكيدي بأن جل ما اردته هو ابراز دورهم في حراك الفكر الاسلامي وما يبنهم من متشابهات علي المستوي الفكري والصفات الشخصيه وهم يستحقون اكثر من ذلك دون جدال وهذا حقهم الذي سيحفظه لهم التاريخ الي الابد ..
هؤلاء الثلاثه الذين اكتب عنهم الان اعتبر انهم نموذجا ومثال للعقل النقدي في اعلي تجلياته، عندما يتمرد علي كل المسلمات التي نشأوا عليها وعلي كل المقدسات التي كانوا يعتبرون ان الاقتراب منها امرا من المحرمات البينه التي لا لبس فيها ولا شك ، هؤلاء الثلاثه هم علي حسب الترتيب التاريخي : الشيخ محمد عبده ، مالكولم اكس ، المحبوب عبدالسلام ..
كنت اريد ان اكتب عن المتشابهات بينهم وعن الرابط الذي يجمعهم ، ولكن اتضح لي لاحقا ان الامر يتطلب مني اكثر من ذلك اذا اردت ان ابحر في هذا الباب فعلي ان ابدأ بأساتذتهم اولا، ومن ثم اتحول إليهم حتي استطيع الوصول الي خلاصة الفكرة التي اريد التحدث عنها بصورة اكثر سلاسه ووضوح. لذلك قررت ان ابدا بتناول بعضاً من بعض من سيرة هؤلاء الاساتذة ومن ثم انتقل الي التلاميذ. وسأبدا في ذكرهم متبعا نفس الترتيب والتسلسل التاريخي لهم في ذكرهم والتحدث عنهم ..
جمال الدين الافغاني ..
كان الشيخ جمال الدين الافغاني منذ طفولته متميزا علي اقرانه وبدات بالظهور عليه مبكرا علامات النبوغ والذكاء والتفوق ولذلك استطاع في شبابه المبكر ان يتحصل علي العلوم وان يصبح متمكنا في التحدث بلغات عدة بكل طلاقة وسلاسه ، اضف الي ذلك نشأته في بيت يجمع بين عز السلطه وشرف الدين ، حيث تنسب اسرته الي الامام علي بن ابي طالب وهو ما كان له كبير الاثر في وضع وتراتبية اسرتهم في وسط مجتمعهم ، من وسط تلك البيئة انطلق الشيخ جمال الدين الافغاني الي جولة في العالم الاسلامي لا يحمل معه الا عقل متقد وثقة وعزة بالنفس تنضح بها قسمات وجهه ، وكاريزما لا تخطئها عين ، وشخصية ساحره يعجز الناس عن مقاومتها ، والاهم بالتأكيد ايمان مطلق بفكرته العقائيديه القائمه علي اصلاح المجتمع عبر التجديد الديني الذي يستمد قوته من السلطه التي كانت في ذلك الزمان الخلافه الاسلاميه او الجامعه الاسلاميه كما كان يدعوها ..
في جولته تلك نجح تماماً في امرين ، الاول امتلاك عقول وقلوب الناس جميعا من سلاطينها وعامتها ، والامر الثاني كسب عداوة القادة والرؤساء وهو الذي قاد الي حتفه في نهاية الامر او كما ترجح بعض الروايات عن اسباب موته ، التأثير الاكبر كان في مصر حيث كانت مصر ممثلة في الخديوي اسماعيل رمزا للنهضه المعماريه والاقتصاديه والثقافيه ، ولذلك كان المجتمع مهيئا تماما لاستيعاب شخص وافكار جمال الدين الافغاني التي كانت تعتبر ثورية بمقاييس ذلك الزمان ، اجتذب جمال الدين الافغاني في مصر الكثير من الوزراء ومن المثقفين ومن الشيوخ وعلماء الدين ، ابرزهم عبدالله النديم ، ومحمد عبده ، ومحمود سامي البارودي ..
بسبب تميزه وسرعة صعوده علي راس المجتمع واقترابه الكثير جدا من السلاطين ، كان لابد ان يكون له اعداء يحسدونه ويخافون منه علي وضعهم وقربهم من السلاطين ، وتم تدبير الكثير من المؤامرات ضده ونجحت في معظمها بخلق عداوة بينه وبين السلاطين الذين كان يعيش بقربهم وفي قلب مجالسهم ، ابتداء من الشاه محمد الاعظم بافغانستان ومرورا بشاه ايران ومن ثم خديوية مصر وانتهاءا بسلاطين الاستانه حيث الخلافة العثمانيه ..
ما يهمني من تلك الاحداث هي حادثة واحده ساتناول ذكرها لانها تخدم وتفيد ما اود الحديث عنه وهي حادثة طرده من مصر ..
احتفي الخديوي اسماعيل جدا بالشيخ جمال الدين الافغاني وقربه منه ومن مجالسه واجزل له العطاء ووفر له كل اسباب الراحه وجعله يتفرغ للدعوة والعلم ولم يكن يخشي سطوته وكثرة الحشود حوله بسبب ان الخديوي اسماعيل كان في ذلك الوقت في قمة مجده ولم يكن احدا بقادرا علي هزه او المساس به ، ولما تبدل الحال تماما عندما تولي الامر الخديوي توفيق وذلك يعود الي ان الخديوي توفيق استجاب الي نصيحة البريطانين بأبعاد جمال الدين الافغاني من مصر حتي لا يسبب له المتاعب بسبب دعوته التي اصبحت تشكل هاجسا لدي البريطانين والسلطات المصريه في نفس الوقت ، اضافة الي المؤامرات التي تم تدبيرها من قبل المقربين من الخديوي الذين خشوا علي مكانتهم بسببه ، تم اعتقال جمال الدين الافغاني وابعاده من مصر وترحيله الي الهند واثناء تواجده هناك قامت الثورة العرابيه وتمت هزيمتها واحتلال مصر وابعاد قياداتها بمن فيهم الشيخ محمد عبده ..
عاد جمال الدين الافغاني الي اوربا وتحديدا الي فرنسا واستقر هناك برفقة تلميذه محمد عبده الذي اصبح اكثر تمسكا بافكار استاذه في تلك الفترة بالخصوص ..
تمرد التلميذ ..
كان جمال الدين الافغاني سببا في تحول محمد عبده من التصوف الي الفلسفه وهو الطريق الذي قاد محمد عبده فيما بعد الي التطور فكريا الي درجة التحرر من افكار استاذه نفسها والتمرد عليه ووصل الامر الي درجة المقاطعه فيما بينهم حتي علي مستوي الرد علي الرسائل كما في بعض الروايات ، كان ما يجمع بينهم هو الاتفاق علي ضرورة الاصلاح والتجديد في الدين والنهوض بالمجتمع ، ولكن ظهر الخلاف في الوسيلة التي تحقق تلك الغايه ، ففيما كان الأفغاني يعتقد أن أساس علة المسلمين وضعفهم وتخلفهم عن أمم أوربا الناهضة والمستبدة بقوتها، في تفرقهم وغياب الرابطة التي تجمعهم، كما كان يظن أنه باحياء الخلافة وقيام جامعة تضم الدول الاسلامية تحت الخلافة العثمانية ستحل المشكلة تلقائياً ويكتسب المسلمون القوة والعزة والمنعة ، اضافة الي اقتناعه بأن الاصلاح المجتمعي يجب ان يأتي عبر بوابة السياسة والسلطه ، بتفجير الثورات علي الظلم والاستبداد والقهر ومن ثم يبدأ الاصلاح من اعلي الهرم الي اسفله ، اي عبر استخدام قوة السلطه في انزال الافكار وتطبيقها علي ارض الناس ،اما تلميذه محمد عبده فكان يري ان الوسيلة الانجع الابتعاد اولا عن السياسه وخاصة ابتعاد المصلحين من رجال الدين عنها ومن ثم التفرغ الي التغيير والاصلاح ونشر افكار التجديد الديني من اسفل الي اعلي ، اي من قلب المجتمع ومن بين الناس اولا ، عن طريق اصلاح المناهج التعليميه وهو الامر الذي اجتهد فيه في منهاج الازهر وتطوير واصلاح الدستور وله رؤية مكتوبه لشكل الدستور ، اضافة ايضا الدعوة الي تحرير المراة لاهميتها في تطوير ونهوض المجتمعات ..
هنا تظهر النقطه الرئيسيه التي اريد تناولها وايضاحها عبر هذه النماذج وعن الاسباب التي دعتني لاختيار هذه الشخصيات كنماذج اثق تماما انني عبرها ساكون قادرا علي ايضاح الفرق والتوافق بين فكرة الاسلام السياسي وفكرة الاصلاح المجتمعي والتجديد الديني ، وتوضيح اهمية التفكير النقدي عند تناول اي فكرة مطروحه وايضا توضيح اهمية وتأثير هذه الشخصيات في مسار الفكر الاسلام سياسي عبر تاريخ الامه الاسلاميه الحديث وتأثير استخدام العقل النقدي في رؤيتهم لتلك الافكار وهم اصحاب النفوذ والتأثير الاكبر عليها ، فبالرغم من صدور هذه الافكار من عقليات متشابهة ولكن التطور واستخدام العقل النقدي لدي التلميذ محمد عبده هو الذي احدث الفرق بين الرؤيتين وهو الامر الذي لم يتوفق اليه الاستاذ جمال الدين الافغاني رغم كل ما يملك من صفات شخصيه كانت تؤهله لان يكون اول السالكين لهذا الدرب ، ايضا لاثبات صحة وفشل كل من رؤية الاستاذ ورؤية التلميذ عبر التجارب التي خاضتهما كل الرؤيتين عبر القرون عن طريق اساتذة هم تلاميذ لفكر الافغاني ، وتلاميذ متمردون علي اساتذهم بنفس نهج التلميذ الاستاذ محمد عبده ..


Pin It

تكريم المناضلين وهم أحياء !!

بقلم: ابوهريرة عبدالرحمن أحمد

تنهض المجتمعات والشعوب حينما يسود فيها ثقافة تقدير العطاء والعمل والتضحيات، إعترافاً بالدور المُلهم والمتميز للمُكرمين، وكلنا يعلم أنهم يعملون في ظروف كثيرة ما تكون شاقة ومحفوفة بالمخاطر بلا كلل أم ملل وهم قادرون على الذهاب إلى آخر المدى في الدفاع عن المبادئ التي آمنوا بها.

التكريم فرصة تحفيزية للتعلم استنهاضاً للهمم للمضي قدماً في إنجاز المهام والعمل بإتقان وكفاءة وتفان وإخلاص، وهو تكريم للقيم الإنسانية والأخلاقية والمواقف التي تحلوا بها، حسناً ما فعلت هيئة محامي دارفور وشركاؤها في تكريم الدكتور/ الباقر العفيف مختار مدير مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية ومولانا/ محمد عبد الله الدومة الرئيس الأسبق لهيئة محامي دارفور والأستاذ/ كمال الصادق مدير راديو دبنقا والأستاذ/ حافظ إسماعيل مدير منظمة أفريقيا العدالة والأستاذ/ عبدالرحمن القاسم مسؤول الإعلام والعلاقات الخارجية بالهيئة، على الجهود الدؤوبة التي يقومون بها من أجل تحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلاد، وفي ذلك لم يترددوا يوماً في مواجهة النظام البائد وفي منافحة الدكتاتورية دون هوادة والقوانين والسياسات القاتلة التي تُسن كل يوم ضد المجتمعات واجهوا كغيرهم من الشرفاء بسبب ما يناضلون من أجله الفصل والتشريد والاعتقال التعسفي والتهجير القسري، رغم هذا لم يتخلّفوا عن أيَّة معركة خاضها الشَّعبُ في الدفاع عن الحقوق والقيم الديمقراطية طوال عقود الظلام، لم ولن تلين لهم قناة في هذه المعارك.

يحضرني ما درج عليه مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية وهو  الإحتفاء سنوياً بأحد رموز الاستنارة المتَّسم عطاؤهم بالخدمة الوطنية الطويلة الممتازة والمتسقة النزيهة، فقد كرم المركز البروفيسور/ فاروق محمد إبراهيم والدكتور/ أمين مكي مدني والدكتور/ منصور خالد والبروفسور/ محمد الأمين التوم رموزاً للاستنارة، تكريماً لمبادئهم البعيدة عن كلّ انتهازية سياسية، ومُـتَّسِمة بروح الصِّدام دفاعاً عن قِـيَم الديمقراطية، في تكريمهم تذكيراً لنا بواجب النضال اليومي ضد الأنظمة القمعية من خلال تبني القيم الرفيعة التي ناضلوا من أجلها وفي مقدمتها: إحترام التنوع وحقوق الإنسان، تبني الاشتراكية العلمية، تبني النظام العلماني، تبني لا مركزية الحكم في إطار وحدوي، رفض الذكورية المجتمعية، رفض الاتجار بالدين.

أن سجل التضحيات والنضالات وإنجاز الأعمال بكفاءة ومهنية وتميز يخلد فاعله ويدخله التاريخ من أوسع أبوابه ليكتب إسمه بأحرف من نور في صفحات ناصعة، فقلم التاريخ صادق لا يعرف المجاملات ولا المحاباة ولا التدليس، ولا قلب الحقائق ولا تزوير المعلومات وتحريفها.

المسؤولية التاريخية للأجيال الصاعدة تقتضي الانخراط في المعترك الثوري  والعمل من أجل تحقيق وحماية شعارات ثورة ديسمبر المجيدة 2018م المتمثلة في "الحرية والسلام والعدالة" التي مهرها الشباب بدمائهم والتي  لا تتحقق دون جهد وتضحيات وصولاً لتحرير أنفسنا وشعبنا من الإضطهاد وكافة أشكال الاستغلال والقهر والقمع والإرهاب الديني.

 

Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

22 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع