ابحث عن

نقابة وشبكة الصحفيين السودانيين.. التأسيس والرقابة

بقلم : محمد بدوي 

 

في ٢ مارس ٢٠٢٤ نشرت وسائل الاعلام السودانية خبرا عن تعاقد بين نقابة الصحفيين السودانيين مع الشركة السودانية للهاتف السيار" زين " عبر السكرتارية الاجتماعية للنقابة وتلخص في منح خدمات مميزة لأعضاء النقابة متمثلة في أرقام مميزة وخدمة انترنت مجانية بمقر النقابة، بالمقابل صدر بيان في اليوم ٤ مارس من شبكة الصحفيين منتقدة الخطوة، حوي عدة نقاط منها سجل شركة زين وحالات قطع خدمة الانترنت في عدة تواريخ من سجل ثورة ديسمبر ٢٠١٨ وبعدها في ظل حالات قمعية مفرطة من قبل السلطات الحكومية.

قبل الخوض في نقاش الأمر لابد من الاشادة بعودة النقابة عقب ثلاثة عقود كإنجاز يضاف إلي سجل جهود التغيير، بالإضافة الي الجهود التي بذلت لتقديم الخدمات من قبل النقابة مثل التامين الصحي من حيث المبدأ.

 

بالعودة الي مسالة التعاقد حول الخدمة مع شركة زين بشكل عام قبل التطرق الي انها مميزة ام لا؟ يثور السؤال الذي قد يفض بعض الاشتباك بين النقابة والشبكة وهو هل العرض حصري على النقابة أم اتيح لجهات اخري ؟ هل سعت النقابة الي ذلك ام جاء ضمن نشاط الشركة الترويجي ؟ هل تم البحث عن وجود ذات العرض لدى الشركة الاخري ومن ثم المفاضلة في الشروط؟ .

اما فيما يخص الخدمة المميزة " في غياب نشر التفاصيل"، يمكننا افتراض تميز الخدمة بسعة سريعة في الأنترنت ومكالمات مخفضة فهل تضمن يعزز التعاقد قيمة مرتبطة بحرية التعبير مثل ضمان عدم انقطاع الخدمة دون مسوغ قانوني؟ ففي نوفمبر ٢٠٢١ امرت محكمة مختصة بالخرطوم اربعة من الشركات المقدمة لخدمة الانترنت بإعادة الخدمة للشاكين، وحين تأخر ذلك استطاعت المحكمة إجبار الشركات على اعادتها للشاكيين.

 

 الواقع يشير الي ان بعض الخدمات محصورة على مؤسسات محددة بما جعل التعاقد مستند على عقود مقدم الخدمة هذا من جانب، من جانب اخر من حق النقابة ان تسعي الي خدمات مميزة، وقبول خدمات مجانية او بقيمة منخفضة لكن قبل ذلك النظر الي دور النقابة وطبيعتها وأهدافها وفق نظامها الاساسي، خلاصتها مرتبطة بأدوار تعزيز ورقابة ومناصرة في مجال حرية التعبير، التي تمثل المادة ١٩ من الاعلان العالمي لحقوق الانسان، وبدخول الحق في الوصول للأنترنت ضمن الحزم الحقوقية يبرز دور النقابة تجاه المساهمة في ضمان تحقق ذلك والذي قد لا ينفك من دور مرتبط بمراجعة او التفاوض على شروط التعاقد، هذا ليس في مواجهة شركات محددة فقط بل تجاه كل من يقع تحت تلك المظلة .

 الحساسية والحصافة يفرضانها وضع النقابة المتميز بنقاط قوة صارمة نابعة من الاستقلالية، و انه على اداء السلطات الثلاث " القضائية، التشريعية والتنفيذية"، ودورها من اجل خدمات قياسية كأساس لطبيعة الخدمة بشكل عام وليس استثناء تعاقدي.

 

 خدمة الانترنت المجانية بمقر النقابة تعبر عن ميزة لكن السؤال هل بالضرورة ان تأتي من حالة تعاقدية، ام انها يمكن الحصول عليها في السياق الترويجي والمسئولية المجتمعية، فالكثير من الشركات تتنافس على تقديم خدمات مجانية للجمهور لأنها جزء من دائرة الخدمة التعريفية التي تحصل عليها لدى الجمهور، و يقع مراقبة خدمة الانترنت ومستواها ضمن دائرة حرية التعبير بما يجعل مجانية الخدمة تطرح سؤال الاستقلالية وما يرتبط بالأمان الرقمي معا في حالة قد تكون الأولى من نوعها في العالم .

 

ما حمله بيان الشبكة من نقاط هل كان يمكن نقاشه مع النقابة هل كان يمكن توجيهه كمراسلة للنقابة للرد عليه قبل أولا ؟ لا أود التعرض لكل النقاط لكن اقف عما اثير عن سجل شركة زين وقطع الانترنت لم تقدم الشبكة عبر احد اعضاءها خطوة تجاهه امام المحاكم كما فعل اخرين، وهو ما دأبت عليه كل الشركات الموفرة للأنترنت دون استثناء في عدة حالات منذ بداية الاحداث بدارفور في ٢٠٠٤ الي اخر حدث في ٢٥ فبراير ٢٠٢٣ بمنطقة سرف عمره بولاية غرب دارفور.

 

اذن مربط الفرس هنا هنالك ادوار لا يمكن تحققها بالنقد فقط بل بالمساهمة الجماعية، وهنالك واجبات على النقابة تتطلب خطة معلنة لضمان الشفافية والاستفادة من اراء الاعضاء بمختلف مظلاتهم، واثار بيان الشبكة مسالة التعاقدات فهنالك انظمة معمول بها تفرض الحصول على عروض متعددة والتعاقد مع من ترجحها الشروط، كما ان النظر للصورة الكلية المرتبطة بتحسين الخدمات قد يجعل تحقق ذلك للجمهور يشمل النقابة دون الحوجة للتعاقد او التخصيص.

 

 استقلالية النقابة ودورها تجعلها في مرتبة مراقبة ما يشمل الخدمات المرتبطة بالمسئولية الاجتماعية للمؤسسات، وتنفيذها بما يتسق وخدمة المستفيدين، وكذلك المساهمة في توجيه خارطة الخدمات المجانية او الترويجية لأنها ويقلل من بعض بنود صرف في ميزانية الدولية، وسد خانة بعض الاحتياجات، فمثلا شملت/ تعممت الخدمات المجانية والمميزة او الترويجية لتستهدف بعض القطاعات مثل نقاط شرطة المرور السريع، الدفاع المدني " المطافئ"، النيابة العامة و...والقطاعات الحيوية المرتبطة بالجمهور مؤكد انها ستحقق اهداف واسعة وفي ذات الوقت تعزز من الوصول والحصول على المعلومات.

 

شكلت شبكة الصحفيين السودانيين جسما مهما ومناضلا خلال الحقبة المنصرمة، وظل حاضرا في دور مهم عقب تكوين النقابة التي انتمي أغلب اعضاءها ان لم يكن جميعهم للشبكة قبل سقوط نظام الحركة الاسلامية، فهنالك تكامل ادوار بين النقابة والشبكة لان ما يغيب الان هو كيفية التواصل الذي كان سائدا قبل ابريل ٢٠١٩ فالتعامل مع الاسباب بموضوعية في سياق مصلحة تعزيز حرية التعبير قد يفتح كوه نحو الامام 

اخيرا : هنالك الكثير المنتظر من النقابة في مجالات عديدة منها الاصلاح القانوني لقوانيين حرية التعبير، وبالمقابل من الشبكة كمجموعة ضغط يقع عليها الكثير منها ما يخص العلاقة بين الإعلام ونظام الحكم الديمقراطي بما يشمل ترسيخ الشفافية والمحاسبة .

Pin It

التعدين في محلية الردوم (نعمة) نرجو أن لايتحول الي( نغمة)

كتب عزالدين دهب

بدا التعدين الاهلي في مناجم سنقو بمحلية الردوم قبل أكثر من ثمانية أعوام لكن في الأصل تلك المنطقة توجد بها حفرة النحاس وهي كنز من كنوز المعادن بدا فيها التنقيب باكر ا منذ عهد الانجليز لكن كانت مضابط الجمعية التأسيسة في عهد نميري سجلت سجالا كبيرا بين النائب البرلماني عن دائرة برام الشهيد تاج الدين الحلو والنائبة البرلمانية فاطمة عبدالمحمود حتي وصل السجال سحب بعض فقراته من مضابط البرلمان عندما انفعل النائب البرلماني تاج الدين الحلو في وجه فاطمة عبدالمحمود قائلا (اسكتي ياولية انت قايلها دي حفرة دخان) دي حفرة بتنتج نحاس وذهب ومعادن نفيسة فيها مستقبل أجيال. منذ ذلك الوقت بدأت المقاومة .

اليوم ما أشبه الليلة بالبارحة تعود عجلة الزمان والظلم هو ذات الظلم الأمر الذي جعل الشباب هناك من رفع عصي الاحتجاج السلمي كوسيلة ناجعة مجربة خصوصا عقب ثورة الشباب في ديسمبر منذ العام 2019، أكدت نجاحها وهو سلاح مدني مجرب في ميدان القيادة و نيرتتي وفتا برنو وبورتسودان وترس الشمال وعدد من الاعتصامات السلمية التي أجبرت متخذي القرار الانصياع لسماع صوت الحق .

اليوم ندخل منطقة مناجم اغبش في محلية الردوم في منعطف مهم لكن حتي تتضح الرؤية هناك اسئلة تحتاج الي إجابات واضحة وصريحة وهي كالآتي.

كم عدد الشركات العاملة في مناجم الذهب في الردوم ؟

ماهي المعادن المستخرجة  ونوعيتها ؟

هل هي (ذهب ام نحاس ام فضة ام حديد ام الماس) ام هي اي نوع من المعادن ؟

ماهي المواد المستخدمة في استخلاص هذه المعادن وماهي معايير السلامة للانسان والبيئة ؟

ماهو حجم الإنتاج اليومي او الاسبوعي او السنوي  لتلك الشركات ؟

وماهي الآلية المستخدمة في معرفة الكميات المستخرجة من المعادن ؟

ماهو شكل الاجراءات القانونية التي تمنح حقوق التعدين وشهادات البحث العادية او المطلقة؟

وكم هي المساحة القصوية التي تمنح للشركات ؟

وماهو دور الشركة السودانية للموارد المعدنية في تنظيم عمليات المنح والتأمين والتنظيم ومعرفة الكميات المستخرجة ؟

كيف يتم حساب المسؤلية الاجتماعية علي اهل الارض؟

ماهو دور المجلس الاعلي للبيئة في الولاية وهل قام باي دراسة او مسح بيئي لمعرفة آثار التعدين علي الإنسان والحيوان والشجر والبيئة بشكل عام ؟

كيف يساهم  الدور الاهلي في عمليات التنظيم ؟

لكي نتعرف علي الحقيقة في تقديري هذه الأسئلة قصدت أن تكون محل نقاش بين السلطات الرسمية والاهلية والمجتمع المحلي  والشركات العاملة هناك والمثقفين من أبناء تلك المناطق  حتي يستبين الأمر وان لا يظلم احد بسبب تغبيش الحقوق

مع تحياتي

عزالدين دهب

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الخرطوم 17فبراير2023

Pin It

المطامير والغناء أو في ذكري رحيل عبدالعزيز آدم "عزو"


بقلم : محمد بدوي

جاء رحيله معلنا رحيل ثالث عاشق إلتصق وجدا ب" بمريا"، فقد رحل صلاح أحمد ابراهيم، لحق به الفنان حمد الريح، وهاهو عبد العزير آدم عبدالمطلب " عزو" لحق بالركب في يناير ٢٠٢٣، هو مثله وآخرين في بقاع السودان المختلفة الذين لم تتاح لهم فرص الظهور الجماهيري خارج نطاق جغرافي محدود، ظلت سيرته يعرفها سكان دارفور وبشكل أوسع شمالها حيث مسقط رأسه مدينة الفاشر، العام ١٩٨٦ عقب سقوط الدكتاتور التاني المشير جعفر محمد نميري كانت التفاتتي نحوه في حفل بنادي النهضة الثقافي الاجتماعي بالفاشر، جاءت الانتباهة حينما صعد الي المسرح وأمسك بالميكرفون قدم نفسه عبدالعزيز محمود، شرق الحضور بالضحك فكان قد قرن اسمه بإسم والد الحسناء التي كانت قبله في المسرح، هكذا كان يدفع بالود والمرح قبل بهجة الغناء، التزم بعضوية فرقة فنون دارفور التي تأسست في العام ١٩٤٦ حتي غيب حضورها إنقلاب الانقاذ في ١٩٨٩ فحرمت من عقد أنشطتها بدار الآداب والفنون، إقتربت منه في العام ٢٠٠٧ أثناء بعد الورشة الفنية التي أقامها مركز الأمل لعلاج وتأهيل ضحايا التعذيب بالفاشر والتي استهدفت ما قارب ٤٠ من المبدعين في مجالات العزف، الغناء، التشكيل والمسرح أشراف عليها مجموعة من المسهلين، الدكتور كمال يوسف من التشكيلين الاستاذان صلاح ابراهيم " صلاح أبوسيل" وعلى الأمين والأستاذ المسرحي ربيع يوسف مع دور مقدر في الاشراف، لأحمد جمعة النور وشهاب قاسم وبقية الزميلات والزملاء بمركز الأمل آنذاك، عقب نهاية الفعالية سمح المركز الذي كان قد وفر مجموعتين من الآلات الموسيقية، لفرقة فنون دارفور بإقامة تدريباتها بمقره في الامسيات عقب دوام العمل حيث أشرف عم آدم الذي كان يعمل في وظيفة الحارس بالمركز على ترتيب وتسهيل عقد الانشطة بهمة واقتدار، ظل بعض الرواد يحرصون على حضور التدريبات الموسيقية للاستماع فاذكر الصديق ابراهيم محمد ابراهيم السناري الذي كان بحكم قرب سكنه من مقر المركز وافر الحضور، في احدي تلك اللقاءات جاءت برفقة عزو صبية كانت في حوالى الرابعة عشر من العمر، وهو جزل البسمات قدمها لنا معرفا " مريا "، اعقبها بمحاضرة عن قصيدة مريا وسيرة صلاح احمد إبراهيم قبل أن يغوص شاديا بها بصوته الشجي، غادرت السودان عقب ذلك بعام وعدة أشهر وامتدت السنون إلي أن رن جرس هاتفي أستغرق والي جل المحادثة في نقل ردة فعل عزو عقب نشري لسيرته في أحد اجزاء مجموعة " وجوه سرد من شارع الحياه اليوماتي" التي صدرت اجزاءها ال٥ من دار أوراق للطباعة والنشر بالقاهرة ثم الجزء السادس من دار رفيقي بجوبا، جنوب السودان، كان قد التقط الكتاب من مكتبة علم الدين بالفاشر ثم هرع الي منزل أسرتي مسكونا بالغبطة وحاملا لعبارات الأعزاز على التوثيق الذي وجد عنده التقدير ثم أودع تحاياه لتصلني اينما كنت، في ٢٠١٧ في أحد مساءات المنافي وصلتني منه ثلاث نصوص كنت قد طلبتها لأغاني تراثية ظل يرددها حرصت على ذلك في سياق التوثيق لها عام لعامين آخرين تبدل الحال فهاهم عزو ورفاقه قد عادوا إلي دار الآداب والفنون لممارسة أنشطتهم الموسيقية مره آخري عقب ثلاثة عقود حسوما من عسف وقسوة حكم الاسلاميين، احتمي حينها عزو بسلاح الموسيقي مؤديا في فرقتها في سياق وطني كما ظل حضورا في فرقة الغناء الشعبي ليجمع بينها والغناء الحديث، على ذكر الاسلاميين فقد ظل يتندر عليهم كلما سنحت له خصوصية المجلس ففي عام ٢٠٠٧ اثناء انعقاد ورشة المبدعين بالفاشر استدعاه وزير الثقافة ليعرف عما يدور فما أن خرج منه الا وحضر الينا منبها للتحسب من غدر المغول، وقد كان ان فوجئت بعد فترة قصيرة في توقيت تجاوز الرابعة عصرا بقليل بطرق على باب المنزل، سلمني الطارق ظرف بداخله مكتوب من ورقة واحدة كان قرارا صادر من وزارة الثقافة بتشكيل لجنة للاحتفال باليوبيل الذهبي لفرقة فنون دارفور وكان اسمي مقررا فيها، فقد صدق عزو فهاهم يودون تجيير عودة الفرقة واستغلالها سياسيا، لم ابه بالمكتوب لأني كنت على ثقة بان الوزير لا يعرف تاريخ فرقة لا يحمل قيمة للفن، لم يمض وقت طويل حتى حمل بث اذاعة الفاشر لقاء مع الوالي الأسبق عثمان محمد يوسف كبر آنذاك أن لم تخني الذاكرة فقد كان المحاور المذيع خالد ابورقة، جير كبر لنفسة علاقة بالفرقة حينما حاول الالتفاف مستغلا استرسال لغوي لينسب نفسه الى عضويتها باعتباره من الرواد الذين كانوا يحضرون في وقت سابق تدريباتها

تقابلنا مرة اخري في ٢٠١٩أثناء زيارتي للديار، فمنزل أسرتي لا يبعد سوي أمتار من دار الآداب والفنون الذي دب فيه النشاط صباحا لروضة الوكالة ,العصريات للموسيقيين والفنانين والمساء نادي لأنشطة شباب ولجان المقاومة بحي الوكالة، حيث تشرفت بتقديم ندوة بدعوة سأظل ممتنا بالتقدير لها وهنا اذكر من كانوا خلف ذلك دون القاب فالمقامات محفوظة، أحمد السنهوري ،ياسر حسن محمد صالح، وسام الشاذلي، الطيب موسي، أحمد زيدان،واخرين كانت عن الثقافة والسلام والعدالة الانتقالية رغم ثقل المحاور كانت احدى الامسيات المفعمات بالحوار والمؤانسة الثقافية أخص من خصوني بالتكريم من حزب السودان الجديد اسماعيل محمد على فضل، حسين على , مهند حسون، والزملاء من الحزب الشيوعي السوداني الذين مثلهم سالم أحمد سالم، عبدالباقي واخرين الي جانب الاستاذ الرشيد مكي من الحزب الاتحادي الديمقراطي، الاستاذ قاسم الفكي من مجموعة التنمية من الواقع الثقافي رغم اعتذاره للمغادرة مبكرا ، و كان عزو وفرقة فنون دارفور الذين إمتد الفراق بيننا طويلا جرت خلالها مياه كثيرة تحت الجسر منها مصادرة جهاز الأمن للآلات الموسيقية التي كانت مصاحبة للورشة التدريبية في ٢٠٠٩، بدأ عزو بأغنية الراحل العطبراوي يا بلادي فاشعل المكان والحضور بالانتماء الي عبق الحرية المرتجاة منذ سقوط الدكتاتور البشير والحركة الإسلامية من السلطة.
سيرة عزو وفرقة فنون دارفور تأخذ بعيدا الي روادها الاستاذ الانيق على احمداي والبهيج عازف الكمان عشر، وعم موسي وكل اعضاء الفرقة التي غاب عنها في وقت بعيد الفنان سانتو الذي ظلت الاخبار تشير الي ان وجهته كانت غربا نحو تشاد، والفنان المعلم حمودة حمد النيل الذي غاب عنها لظروف العمل آنذاك بالجنينة لكن ظلت عودته للمدينة عنوانها حضور البروفات مع الفرقة.
الفاشر يا بلدي ليك ... مني سلام، ستظل من الاغنيات الخالدات، التي كلما ترددت ارتقيت حنجرة عزو انيقة تجوب ضواحي الزيادية، اولاد الريف، العظمة وبقية احياء الفاشر فهي تمثل محطة انتقال الاداء من المنولوج إلي الغناء الحديث .


هاهو عزو يرحل يا " مريا" تاركا فينا روحك والاغنيات وجميل السير، فعزو التصقت سيرته بحب كبير وحضور بهي، فلكل الاصدقاء الذين كانوا حضورا في حضرته استاذنا محمد المحجوب عبدالله، شهاب قاسم، عم ادم، ابراهيم السناري واحمد جمعة، وضاح الشاذلي، جمال بخيت وكل من مروا عبر جسر الالفة واللقاءات الحميمة .

النص المنشور بوجوه ٣ في العام ٢٠١٤

عبدالعزيز

ليت لي ....يا (مريا)

أزميل فدياس
وروحاً عبقرية
يا (مريا) ........يا (مريا)
يجعلك ( شدو ) عبدالعزيز(عزو) تنحاز طوعاً الى ( رغبة ) الروح المسورة (بالوله) ، لترتفع من مقام الإنصات الموسوم (بالرزانة) و (فرقعة ) الأصابع الى (سٌكر) جزل، لتنداح بلا تردد و أنت تهز (الرأس) في تناغم فالقلب سكنه (التطريب) فتنازل الخاطر تحريضا عن وقاره.
، فيا (مريا) ليست أغنية ولحن تخرج من حنجرة (عزو) بل هي تنساب في (تجسيد) نزل فيه كل حرف بما يوازيه من (لحن) ، فصار كل مقطع يبث للاحقه (شجوه) مسبوقا ب(ليت)، ليتسلسل ذلك (الشجن الشفيف) بصوت (عزو) كأنه يؤديها أمام (صلاح أحمد إبراهيم) و يخشى الأ يستطيع أن يدوزنها بالإحساس ما (صبا إليه)
أنتمى (عزو) الى (مريا) ، ودًا لا (يلين)، لذا لم يتردد في أن يرفعها الى مقام الحب ، لتراها تخرج( شعاعًا) من عينيه و(وجدًا) من فؤاده و (لحنا شجيا عبقريًا ) ليضمها ( قلبه ) في عشق (لا يفتر) حتى أطلق على طفلته البكر أسم (مريا) ، تيمناً صوفياً الهوي .
(عزو) ( بنى اَدم ) تجذبك نحوه ابتسامته اللدنة فهي (تبرق ) بالحميمية لتخلق طقساً من المودة ينحاز سريعًا جدًا الى مجرى الدم ، فهو (فنان) عرف كيف يسجى وشائج الألفة بينة و مزاج المدينة فتربع (سلطاناً) على أمسياتها شادياً مغني.
في ذاكرة المدينة الشفاهية وفى ركن (جبل) على( السُكون ) بقيود اجتماعية انحازت ظاهرياً الى قاموس( الحياء) و (الوقار) ، لكن لم تكن حقيقتها سوى فعل (مقهور) يعزز كبت( البوح) والانفعال (الجهري) من الأناث نحو ما (يعجب) و( يسر البال).
(عزو) مطربا (مستنيرَا) ، عرف كيف يشرع قلوب الصبيات ويريح عصب الترطيب هازمًا في ذكاء، (متاريس) القيود التي تجعل من التطريب حالة ذكورية في (الفضاء العام) فظل يحرص حين يصعد الى المسرح ليبدأ مهنئا كيفما (يكون الحال) ثم يتعمد أن يعرف نفسه ب(عبدالعزيز) (عزو) ملحقاً اسم عائلة( العريس أو العروس) الى أسمه ليصبح (ود البيت) ، معمقا بذلك أواصر شدوه فيصير التطريب حالة مشروعة للجميع والرقص تعبير أنساني لا علاقة له (بالنوع).
سنين (عجاف ) أجبرت كثيرا من الحبال الصوتية أن تنشد (منلوجات الموت) و ترنو ساخرة من (نعيم الدنيا)، صمد (عزو) متحصناً ب(أهازيج الحماسة) و ليس منحيا لما أراد (المغول) ، فهو يدرك أن (المغول) لا يدرك أن للموسيقى و للغناء إنتماء (للحياة ) و انحياز مقدس (للروعة ) واصطفاف ملتزم نحو (الجمال).
عزو) ليس (مغنى ) فحسب فهو ( نكتة ) تنثر ضحكتها عبقاً في شوارع أحياء المدينة، في تناغم حميم يبدأ من (حي دادنقا) جنوبا ، ليفوح عطر حضوره في السوق الكبير فالحبل السري تربطه (ذكريات) و سنين (عامرة ) ضربت جذورها عميقا قبل أن يطل (المغول) .
للحكي أمزجته و للمكان (ألفته) و ل(عزو) مزاج من (كيف ) ، فحين يحكى ترتبك الأحزان لترحل بعيداً، لأن نسج حديثه تواريخ التصقت بالفرح لا تعتمد على أيام أو شهور السنة ، بل يبدأ السطر الأول فيها ب (حفلة عرس فلان) ، ثم ينداح السرد مروراً ببهجة الأغنيات ورشيق الرقصات و في الخاطر (شخوص) يكفى البوح عنهم بالابتسام ، فحروف اللغة أقصر مقاما (أو قل الدهشة فعل توازيه الشهقة)
(عزو) ذاكرة الفرح التي شكلت جزء من وجدان (المدينة) فبادلته كل أغنية بشبال ، فحين توقع الموسيقى ل(مريا) يصمت الصمت لذاك الشدو النبيل ، (فعلى الأجفان لغز لا يفسر ...يا مريا )

Pin It

الاتفاق الاطاري ومن الذي يريد ان يحكم

بقلم عبدالله ديدان
العملية السياسية التي تبلورت ملامحها في الاتفاق الاطاري، الذي تم التوقيع عليه في الخامس من ديسمبر ٢٠٢٢، بين الحرية والتغيير - المجلس المركزي وقادة انقلاب ٢٥ اكتوبر العسكري، واضح انه بات يعاني الكثير من المخاطر، علي الرغم من الدعم الدولي والاقليمي والورش التقديمية التي تمت لمخاطبة بعض القضايا الكبيرة مثل تفكيك التمكين وقضية شرق السودان، يمكن اجمال هذه المخاطر في النقاط التالية:
- قادة انقلاب ٢٥ اكتوبر من جانب عسكريي القوات المسلحة لا يرغبون في ترك السلطة ويريدون الاستمرار في الحكم عن طريق الانقلاب مستهلمين تجربة الجنرال البشير ومدعومين بفلول المؤتمر الوطني وفصائلها الايدلوجية الجهادية وكتائب ظلها الدموية، لذلك الان يحاولون الالتفاف علي مجمل العملية السياسية، مفتعيلني صراعا مع قائد الدعم السريع الداعم للاتفاق الاطاري والراغب في ايجاد مخرج سياسي لتسوية تاريخه المتسم بالعنف والمليء بالانتهاكات، مثله مثل قادة الانقلاب الاخرين.
- فلول نظام المؤتمر الوطني البائد وكتابه العسكرية وتحالفاته القبلية وجيوبه السرية، يفكرون باستمرار علي تفجير الوضع امنيا لقطع الطريق امام العملية السياسية الجارية.
- بعض القوي الحاملة للسلاح وحلفائها فيما يعرف بالكتلة الديمقراطية، فمصالحهم في السلطة تتعارض مع ماجاء في الاتفاق الاطاري، وفعليا لا يرغبون في انتقال ديمقراطي حقيقي، يفتح افقا للتنافس السياسي حول السلطة بارادة شعبية وجماهيرية، ستنتج قيادة جيادة تسحب البساط من تحت ارجلهم، لذلك الوضع الانقلابي الحالي، يشكل بيئة مناسبة لهم للبقاء في السلطة دون جهد سياسي معقد بالنسبة لهم للوصول الي السلطة عبر عملية ديمقراطية حقيقية.
- تفكك قوي الثورة وقوي الانتقال الديمقراطي وعدم قدرتها على التوافق حول مباديء وآليات ازالة الانقلاب والمضي قدما فى تعبيد الطريق نحو الانتقال الديمقراطي، الشيء الذي وفر للفول والانقلابيين وشركائهم، فراغا كبير يستغلونه الان لاجهاض العملية السياسية والتملص من بنود الاتفاق الاطاري والتلاعب بالجميع حتي ولو عبر صناعة حرب مدن مع الدعم السريع.
هذه المخاطر كحزمة، يمكن ان تقود الى سيناريوهات خطيرة على وحدة واستقرار السودان، فاما حرب اهلية شاملة او استمرار انقلاب ٢٥ اكتوبر، مستعيدا سلطة فلول المؤتمر الوطني وكتائبه بالتحالف مع القوي التى ليست لديها مصلحة فى الانتقال الديمقراطي، لمجابهة هذه المخاطر، لابد من الحوار الموضوعي والواقعي بين القوي الثورية ممثلة في قوي التغيير الجذري، لجان المقاومة، حركتي عبد العزيز الحلو وعبد الواحد نور وقوي الحرية والتغيير القائدة للعملية السياسية الحالية، بغرض توحيد الصف الوطني، المؤمن بالانتقال الديمقراطي وازالة انقلاب ٢٥ اكتوبر وقطع الطريق امام عودة الفلول وضمان وحدة واستقرار السودان، هذه القوي تتباين رؤيتها وادوات عملها لصناعة التغيير، لكن المتفق حولها كل هذه الادوات، هي الوسائل الوحيدة لاسقاط الانقلاب وتبعاته والمخاطر الناجمه عنه حال استمراره، فادوات التغيير الثوري تترواح مابين، الفعل الثوري الشعبي اليومي، الكفاح المسلح والتفاوض السياسي، اذ يعتمد ذلك على سياق الصراع في السودان حاليا وطبيعة تعقيداته والفرص المتاحة امام كل اداة من تلك الادوات، ففي حالتنا الراهنه، كل هذه الادوات مطلوبة، اذ لا يمكن تحقيق التغيير الجذري الذي ننشده لاستقرار السودان بأداة واحدة فقط، حسب تعقيدات الواقع السياسي، الاجتماعي والامني.
هنالك تحدي آخر، يواجه اكمال العملية السياسية وهو تحدي داخلي لتحالف قوى الحرية التغيير - المجلس المركزي، يتمثل فى اختيار رئيس الوزراء الذي سيقود الفترة الانتقالية القادمة حال نجاح العملية السياسية الجارية، خصوصا وان بنود الاتفاق الاطاري، وضعت فى يد رئيس الوزراء سلطات جوهرية لاستعادة المسار الديمقراطي والاصلاح المؤسسي وتكملة عملية السلام، فلابد من قراءة ذلك برؤية اكثر عمقا من مجرد اختيار اي احد ليكون رئيسا لوزراء الفترة الانتقالية المنتظرة، ويجب اخضاع عملية اختياره لمعايير تتوافق مع المطلوب منه انجازه وان يحظى بالقبول الاجتماعى والشعبي وليكون ذلك ممكنا، فلابد ان يكون من خارج كل القوي السياسية بمختلف تكتلاتها وتخالفاتها، حتى يستطيع ان يعبر عنهم جميعا، بعيدا عن الصراعات السياسية وتجاذبات مراكز القوي، بمعنى انه رئيس وزراء للشعب السوداني لاداؤ مهام محددة بأجل الفترة الانتقالية، على ان تتفرغ القوي السياسية لاعادة بناء نفسها وملء الفراغ السياسي واسناد رئيس الوزراء وحكومته، عبر العمل السياسي الرامي لتحقيق الانتقال الديمقراطي.
Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

62 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع