ابحث عن

تعليقات على مسودة ميثاق سلطة الشعب (ميثاق لجان مقاومة ولاية الخرطوم)



بقلم : محمد بدوي

الخرطوم سلاميديا

في البدء لابد من الإشادة بمسودة ميثاق تاسيس سلطة الشعب الذى كشفت عنه بالأمس ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٢ لجان مقاومة ولاية الخرطوم ، من منطلق المساهمة اود التعليق على المسودة بالنقاط أدناه  :-
1- بالنظر الى تصنيف السودان من حيث الاعمار فانه يمثل امة شابة خلال الحقبة المنصرمة (١٩٨٩ الى ٢٠١٩ ) وقع الاستهداف على هذه الفئة بعدة طرق وأفعال :
١- التعبئة للقتال فى الحرب الأهلية
٢-سوء التعليم كنتاج لسياسات التعريب و غيرها
٣-إستهدافهم بمناهج التطرف  الإنضمام بتعبئة سياسية الى التنظيمات المتطرفة بالخارج
٤- الاستهداف القوانيين القمعية ( النظام العام مثلا ) و الاوامر الإدارية الملحقة بالعقاب ، التضييق فى الفضاء العام
بما يجعل التفكير فى إنشاء مفوضية للشباب بهدف التخطيط الاستراتيجي لرفع القدرات و التأهيل واعادة التأهيل ، بالاضافة الى مشاركتهم فى اعادة البناء الوطنى فى المشاريع القومية فى كافة المجالات  ، وجود المفوضية يمكن من المساهمة فى تعزيز التخطيط الاستراتيجي بالدولة ، كما يعزز ضمان ادراج ذلك فى الميزانية العامة من توجيه بنود الصرف نحو التنمية البشرية لمعالجة حالة واسعة النطاق يمكنها تعيد البناء الوطنى المرتبط بالهوية معنويا .
2- اعادة النظر الى حالة العدالة الانتقالية قد يتطلب النظر اليها في نطاق زمني ابعد من ١٩٨٩ الى ٢٠١٩ ، فالحالة مترابطة منذ ١٩٥٥ و الراهن يمثل احد تعقيدات تلك التراكمات التى اتخذت في جوهرها فشل ادارة  دولة ما بعد الاستقلال فى محور تغييب دور الدولة فى تقديم الخدمات والتنمية و التنمية المتوازنة ، انتقالها الي عسكرة حياه بعض الشعوب السودانية ، مواجهة المطالب السياسية بالقمع المسلح ، وجود قانون يسري باثر رجعي في سياق معالجة القضايا المؤثرة في السياق عبر رد الاعتبار و ادماج مناهج التنمية فى سياق التجربة الوطنية للعدالة الانتقالية قد يعزز من علاقة المواطنة و يجبر حالة تراجع فكرة الدولة لدي بعض المجموعات السودانية .
3- بالنظر للرياضة  يعتبر السودان احد الدول ذات التنوع وو الثراء في الانشطة الرياضية ، فالألعاب الاولمبية جميعها او اغلبها نجد بعضها مرتبط بالحياة الثقافية فالخيول و الجمال و الرقص بالسيف ، الجري ، والمصارعة و  غيرها ، اذن التفكير في توظيف  الرياضة يتسق و تصنيف الدولة عمريا كدولة شابه من حيث الاعمار ايضا ، و من ناحية ثانية فهي تمثل استيعاب للطاقات واتاحة فرص للرياضة لان تعلب دورا فى تعزيز السلم و الاستقرار  ، هذا فضلا عن ان الامر مرتبط باقتصاد الرياضة الذى قد يشكل اضافة للدخل القومي .
4- تجربة المجتمع المدنى السودانية في سياقها خرجت من السياق السياسي ، هذا الى جانب حداثة تاريخها ، و التحديات التى واجهتها من ان تتشكل كحركة فاعلة ، اضف الى ذلك ان الخلط الذي تم بين طبيعة المجتمع المدنى ودوره قد قاد الى وضع مختل بمشاركته في السلطة فى الفترة قبل ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١ ، الوضع السليم هو ان المجتمع المدنى يقع بين القطاع الخاص و الحكومي  للقيام بأدوار مختلفة من المشاركة الفعلية في السلطة التنفيذية ، فضمان ذلك لا يتأتى الا بالنظر الي وضعها بعيدا عن السلطة مع ادراجها كبند في الميزانية الغامة لضمان سودنه المجتمع المدنى و فعالية دوره واخضاعه الى دائرة المشاركة القومية
5- فى الأجندة  الاقتصادية  لابد من الانتباه الي ان النشاطين الزراعي والرعوي هما الرئيسيان حيث ان الموارد الاخري مثل البترول والمعادن مهدده بالتراجع ، بما يجعل ايلاء الاهتمام بإعادة النظر في سياسات الدولة التمييزية تجاه القطاعين الزراعي والرعوي ، عبر دعم و اعادة تأهيل علاقات الانتاج ، بما يشمل قضايا البيئة المستقرة من ترسيم للعلاقة المشتركة والمكملة و حل الاسباب المتكررة للنزاعات مثل المسارات و غيرها .
6- هنالك مسالة القوميات فالسودان دولة متنوعة ومفتوحة الحدود التى تم ترسيمها لاحقا لعلاقات بعض القوميات السودانية فأصبحت مقسمة الوجود بين السودان ودول اخري لكنها متفقة في القانون العرفي والنظام الأهلي ، فالتعامل مع قضايا القوميات امر يجدر ان يتم التخطيط له في قوة وثراء التنوع الايجابي .

Pin It

مفاوضات السلام بين الواقع و التضليل

أحمد تقد لسان

تأتي هذه المحاولة في سياق تقييم شامل لعملية السلام الجارية في منبر جوبا بجنوب السودان، و ما تم تحقيقها من نتائج و إنجازات و مآلات العملية السلمية التي دخلت مراحلها النهائية بعد حوالي ستة اشهر من الحوار و التفاوض المستمر، و ما يميز هذه المفاوضات دون غيرها من التجارب السابقة انها شاملة من حيث القضايا و الاطراف و استطاعت ان تصل الي تفاهمات متقدمة تمخضت عن نتائج ملموسة تمثلت في العديد من الاتفاقيات بين أطراف الأزمة السودانية ابتداءا بإعلان جوبا لإجراءات بناء الثقة و التمهيد للتفاوض، و الإعلان السياسي الموقع بين جمهورية السودان و الجبهة الثورية، و المحضر المفصل حول الأجندة التفصيلية و تحديد ملفات التفاوض في المسارات المختلفة، هذا بالإضافة الي اتفاق تجديد وقف العدائيات للأغراض الإنسانية و التوقيع علي الاتفاق الإطارىً لمسارى دارفور و المنطقتين (جبال النوبة و النيل الازرق) و التوقيع علي اتفاق مسارات؛ الشرق و الوسط و الشمال، بالإضافة الي التفاوض حول العديد من الملفات المرتبطة بالأزمة في دارفور و المنطقتين.
بالأمس تم التجديد علي اعلان جوبا إلى التاسع من مايو 2020 كموعد نهائي للتوصل الي اتفاق سلام شامل و نهائي، و جاء هذا التجديد بعد التعثر الذى طرأ اخيرا علي العملية التفاوضية نتيجة للوفاة المفاجئ لوزير الدفاع و رئيس وفد الحكومة للترتيبات الأمنية، عليه الرحمة و المغفرة ، و الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها حكومة جنوب السودان نتيجة لجائحة فيروس كورونا مما استدعي ابتكار وسائل و طرق جديدة للإستمرار فى العملية التفاوضية و تكملة ما تبقت من ملفات و قضايا التفاوض عبر الحوار غير المباشر.
و علي خلفية ما تناقلته بعض وسائل الإعلام من اخبار و محاولات تشكيك بعض الاطراف في الداخل و الخارج للتقليل من شأن العملية السلمية الجارية في منبر جوبا و مقدرتها على التوصل الي إتفاق سلام شامل يخاطب قضايا الحرب و السلام و ينهي مأساة المواطن السوداني، لابد من تقييم سريع لحجم الإيجابيات و النتائج التي تمخضت عن المفاوضات مع التركيز علي نتائج مسار دارفور بصفته الأكثر أهمية وتعقيدًا.
في مقاربة بسيطة بين التجارب السابقة في مفاوضات و اتفاقيات السلام الخاصة بملف دارفور و التي كانت نتائجها النهائية كارثية بما تحمل هذه الكلمة من معنى، فشلت جميعها على مخاطبة جذور الأزمة و معالجة إفرازاتها و انتهت الي وظائف و إمتيازات مرحلية لبعض من موقعيها سواء كانت في أبوجا او الدوحة. ما يميز التجربة الحالية الجارية في جوبا هو تفادى سلبيات التجارب السابقة و التركيز علي مخاطبة أسباب و دواعي قيام الثورة و النزاع، مع الفصل التام بين الحصول علي وظائف مرحلية لبعض الأفراد في الحكومة و إستيعاب مكونات دارفور المختلفة فى مؤسسات الدولة السودانية، و ذلك من خلال التركيز علي معالجة الاختلالات الهيكلية لبنية مؤسسات الدولة حتى تكون مستوعبة و ممثلة لكل مكونات الشعب السوداني بما فيها مواطني دارفور وفق معايير موضوعية و الاتفاق علي الآليات التي تمكنهم من الدخول في هذه المؤسسات و الاستيعاب فيها وفق جداول زمنية محددة الآجال، لذلك جاء التركيز في الخدمة المدنية و استيعاب الناس في جميع الوظائف العامة فيها كأولوية قصوى و ما تم التوصل فيها من نتائج لا ينكرها إلا مكابر.
ظلت قضية الحكم و الإدارة و العودة الي نظام الأقاليم و مطالبة أهل دارفور بالإقليم الواحد مع الاحتفاظ بالولايات من المطالب الأساسية المرتبطة بجذور الصراع و كانت حاضرة في جميع محطات التفاوض من لدن أبوجا و انتهاء بالدوحة لكنها فشلت في تحقيق هذا المطلب. و ما يميز منبر جوبا دون غيره من المنابر هو ان المنبر استطاع ان يثبّت العودة الي نظام الأقاليم بما فيها اقليم دارفور بل حدد طبيعة السلطات و الصلاحيات و المهام التي يجب ان تخصص للأقاليم ترسيخًا لمفهوم الفدرالية الحقيقية التي تمكن أهل الأقاليم من حكم نفسه في إطار السودان الموحد، و هذا ايضا يعد إنجازا غير مسبوق و لا يمكن القفز فوقه دون مسوغ موضوعي او بمبررات لا تقف علي أرجل سليمة.
الحرب اللعينة التي دارت في دارفور تركت إفرازات و جروح عميقة في وجدان الشعب في دارفور، و الانتهاكات الجسيمة لقواعد القانون الإنسانى الدولي و قانون حقوق الإنسان الدولي و المطالبة بالمساءلة و المحاسبة و إنصاف الضحايا و محاربة ظاهرة الإفلات من العقاب، من المطالب الأساسية التي نادى بها الضمير العالمي قبل الضحايا، ففي الوقت الذى فشلت فيه التجارب السابقة على معالجة مسألة العدالة و المسآءلة، خصص منبر جوبا مساحة واسعة لملف العدالة و المساءلة و المصالحة و أمن علي العدالة الإجرائية و توصل الي تفاهم للتعاون الكامل و اللامحدود مع المحكمة الجنائية الدولية بخصوص الأشخاص الذين صدرت بحقهم أوامر قبض و تسليمهم للمحكمة الجنائية و الالتزام بقرار مجلس الأمن رقم ١٥٩٣ و التي تم بموجبه إحالة حالة دارفور الي المحكمة الجنائية، هذا بالإضافة الي اتفاق علي إنشاء محكمة خاصة لجرائم دارفور لمحاكمة الأشخاص المشتبه في إرتكابهم جرائم في دارفور مع الاتفاق علي تعيين قضاة و نيابة مستقلة تتمتع بالاستقلالية المالية و الإجرائية حتى تستطيع القيام بالمهام الموكلة إليهما مع وجود خبراء و مختصين دوليين للتأكد من حسن سير الإجراءات وفقا لقواعد العدالة و الإنصاف الواردة في القانون الدولي، هذا بالإضافة الي الاتفاق علي آليات العدالة الانتقالية للمساهمة في إنصاف الضحايا و رتق نسيج المجتمع المنقسم و التئام الجراح في دارفور و فتح صفحة جديدة للتعايش و السلم المجتمعي و بناء مستقبل مشترك بين مكونات المجتمع المختلفة لغد أفضل، و تعد هذه الخطوة غير المسبوقة إنجاز تاريخي في مفاوضات السلام الخاصة بدارفور و لم يسبق له مثيل من قبل.
قضية الأرض و الحواكير و الحقوق التقليدية في ملكية الأراضي و الحقوق التاريخية المتعلقة بالأرض من الإفرازات المباشرة للنزاع في دارفور و لم تجد هذه القضية حظها في مفاوضات السلام السابقة، و كغيرها من القضايا ظلت مشتعلة و تمثل عنصرا لعدم الاستقرار و النزاع المستمر بين المكونات المجتمعية في دارفور، ففي منبر جوبا تم الاعتراف و الإقرار بهذه الحقوق و تم الاتفاق علي حق الأفراد و الجماعات في استرداد الأراضي و الاتفاق علي الآليات الخاصة باسترداد الأرض و الحواكير و اختصاصات و صلاحيات هذه الأليات للفصل في المنازعات المتعلقة بالأرض و الاسترداد.
من الإفرازات الماثلة للعيان وجود الملايين من مواطني دارفور في معسكرات النزوح و اللجوء طوال تاريخ الصراع الممتد علي ما يقارب العقدين من الزمان، حيث فشلت كل الاتفاقيات السابقة على معالجة قضية العودة الطوعية للنازحين و اللاجئين. وفي هذالصدد، فقد تم الاتفاق في منبر جوبا علي حق العودة الطوعية للنازحين و اللاجئين، مع خلق الظروف الملائمة للعودة الطوعية و تثبيت حقوق الملكية و السكن و التعويض و السلامة و الأمن و الحماية و خلق آليات توفير الأمن ووصول المساعدات الإنسانية مع وضع إستراتيجية التوطين الشاملة لضمان العودة، و تخصيص تمويل كافي من ميزانية صندوق سلام دارفور لأغراض العودة.
اعطي منبر جوبا لأول مرة في تاريخ المفاوضات اهتماما كبيرا لقطاع الرحل و الرعاة و القطاعات المتضررة من الحرب و التهميش التنموى و أمن علي حقوق الرحل و الرعاة و وضع سياسات بديلة تلبي حاجة الرعاة و الرحل في حق استخدام الأرض و الموارد الطبيعية، و قد تم الاتفاق علي إنشاء مفوضية تنمية الرحل و الرعاة لوضع استراتيجية لمعالجة قضاياهم مع تخصيص موارد من صندوق دعم السلام و التنمية المستدامة في دارفور لذلك الغرض.
تم الإقرار بحق ضحايا النزاع فى التعويض ورد الحقوق و جبر الضرر، و في هذا الشأن فقد تم تخصيص ملف خاص بالتعويضات و جبر الضرر، و هذا لم يكن امرا ميسورا في التجارب السابقة، و لأن السلام العادل و المستدام يتطلب إقرار العدالة للضحايا و الإنصاف في الحصول علي التعويض علي الأضرار الناجمة عن النزاع علي المستوى الفردي و الجماعي و علي الممتلكات و الإضرار النفسية و البدنية و علي الفرص المفقودة، أنشئت مفوضية التعويضات و جبر الضرر لتمويل التعويضات الخاصة برد الحقوق و جبر الضرر المتعلقة بالنازحين و اللاجئين، ورد الحقوق و جبر الضرر المتصلة بالأرض و بالعدالة و المساءلة و المصالحة. و في هذا الصدد، إلتزمت الحكومة السودانية بدفع مبلغ اولي قدره (٥٠٠) خمسمائة مليون دولار سنويا لمدة عشر سنوات لصندوق سلام دارفور لتغطية نفقات عمل مفوضيات و آليات السلام المختلفة وإلتزمت بالسعي للبحث عن المزيد من الدعم من المجتمع الدولي و الشركاء الدوليين، و مازال التفاوض جارى حول المبلغ المناسب لتغطية إحتياجات نفقات المفوضيات المختلفة، بالإضافة الي الميزانيات المخصصة للإقليم . و التفاوض مستمر حول تخصيص نسبة من الموارد الطبيعية المستخرجة من الإقليم و يمكن التوصل فيها الي تفاهم حول نسبة معتبرة لدعم السلام.
من النتائج الإيجابية التي تعد تطورا ايجابيا في محصلة مفاوضات جوبا هي العلاقة مابين اتفاق السلام و الوثيقة الدستورية في حال وجود تعارض، و كان هذا الموضوع هو سبب الخلاف بين قوى الحرية و التغيير و الجبهة الثورية، و فى هذا الخصوص فقد تم الإتفاق علي انه في حالة التعارض يزال التعارض بتعديل الوثيقة الدستورية. و من النتائج الإيجابية أيضا الاتفاق علي استثناء الحركات السياسية المسلحة من شروط قانون تسجيل ألأحزاب السياسية لسنة 2007 شريطة أن تكون قد وقعت علي إتفاق سلام يشتمل علي الترتيبات الأمنية.
و لتكتمل الصورة بعيدا عن ألإنتقائية فى سرد القضايا التى تم التوصل على تفاهم فيها وتلك التى لم يتم الوصول على تفاهم حولها، فإن من الطبيعى فى مفاوضات السلام أن تكون هنالك قضايا عالقة يتم حسمها خارج قاعات التفاوض فى المراحل الاخيرة على مستوى القيادات العليا، و من الجهل بمكان عدم المقدرة على الفصل ما بين الاستراتيجى الذى يحقق المصلحة الكلية و الاجرائى الشكلى الذى يعطل الوصول الى السلام الشامل فى هذا الظرف المفصلى والدقيق من تاريخ السودان.

Pin It

الاعلام في الديمقراطية والاستبداد (16)

الخرطوم: حسين سعد

نحاول في هذه الحلقة إجراء مقارنة بسيطة لحال الاعلام في ظل الحكم الديمقراطي، وحالها في ظل الأنظمة الشمولية حيث نجدها في الاولي أكثر حيوية، وأكثر صدق،بينما شهد الاعلام في الثانية تراجع كبير، وقيود كثيرة، وتعتبر حرية الصحافة، وحرية التعبير تعتبر من المداخل الهامة لتطوير العمل الإعلامي والصحفي والارتقاء به.

21 صحيفة:

وفي كتابه الصحافة السودانية نصف قرن الصادر من دار مدارك للنشر كتب عميد الصحفيين الاستاذ محجوب محمد صالح في الوقت الذي صدرت فيه صحيفة الأيام كانت تصدر في السودان واحد وعشرون صحيفة مابين يومية وأسبوعية ونصف شهرية كلها ماعدا صحيفتين كانت تصدر باللغة العربية – أما الصحيفتان اللتان كانت تصدران بالانجليزية فهما سودان ستار ( يومية ) وسودان هيرالد اسبوعية – وحسب وثائق اتحاد الصحافة فكانت الصحف المنتظمة الصدور يوميا اول عام 1953م هي الرأي العام – النيل – صوت السودان – الأمة  - الاشقاء – السودان الجديد – السوداني – الايام وسودان استار الانجليزية اما الاسبوعية فكانت : 1- الجهاد 2- الجبهة 3- العاصفة 4- الصيحة 5- الرياضة والسينما 6- اخبار الاسبوع 7- سودان هيرالد ( انجليزية ) 8- الشعب كما كانت هناك صحيفتان نصف اسبوعية هما الصراحة والتلغراف وصحيفتان اقليميتان هما كردفان والجزيرة التي تصدرها ادارة مشروع الجزيرة – لكن قبل نهاية الحكم الذاتي تقدم عديدون بطلبات لاصدار صحف بعضها تسلم التصديق لكنه لم يصدرها وبعضها صدر لفترات قصيرة ثم احتجب ولكن أهم الصحف الحزبية التي صدرت في هذه الفترة كانت صحيفة ( العلم ) التي اصدرها الحزب الإتحادي الديمقراطي وتولى تحريرها الجناح الممسك بوحدة وادي النيل واستثمرها في الدعوة للوحدة حتى اللحظة الاخيرة وتوقفت بعد ان اعلن الحزب انحيازه للاتقلال وشرع في تنفيذ القرار.ولقد ادت تلك الزيادة في اعداد الصحف الى زيادة كبيرة في عدد الصحفيين العاملين وحسب ما اثبتته محاضر اجتماعات اتحاد الصحافة السودانية عام 1951م فإن عدد الصحفيين العاملين المسجلين لدى الاتحاد بلغ واحدا واربعين صحفي ولايشمل هذا العدد اولئك المتعاونين بصورة راتبة مع الصحف ولا الذين يعملون في صحف حكومة مثل مجلة الصبيان التي يصدرها مكتب النشر ولكنه يشمل صحيفة الجزيرة التي يمتلكها اتحاد المزارعين ومجلس ادارة المشروع لأن اكثر من نصف اسهمها مسجل باسم اتحاد المزارعين بحسب ماافتي رئيس اتحاد الصحافة .واتحاد الصحافة الذي تأسس عام 1946م ظل جسما مهنيا يضم اعضاءه بمختلف انتماءاتهم السياسيىة ولكن تعرض لاول انقسام في صفوفه عام 1951 اذ ان بعض الاعضاء طالب بتأجيل الاجتماع المنعقد في 31يناير 1951 والبت في طعون تقدموا بها ضد بعض المسائل الاجرائية التي أدت الى حرمان بعض المتقدمين لعضوية الاتحاد من الحصول على العضوية واجازت اللجنة اسماء هم يطعنون في توفر شروط العضوية لديهم لكن الاجتماع  العام قرر ان يواصل بحث اجندته حسب الأجندة المعدة بواسطة اللجنة وحسب ترتيب اولوياتها الذي حددته اللجنة التنفذية على ان ييحث خطابهم في نهاية الاجتماع وبعد انتخاب اللجنة الجديدة لأنه مدرج في بند ( الاعمال الاخري) في الاجندة ونتيجة لذلك انسحب من الاجتماع سبعة اعضاء من أصل اربعة وثلاثين عضوا حضروا الاجتماع العام وتواصل الاجتماع بهذا العدد حتى النهاية وانتخب اللجنة الجديدة بينما سعى المنسحبون لتأسيس جسم مواز للاتحاد وفعلوا ذلك وطلبوا من مكتب الاتصال العام الحكومي الاعتراف بهم بينما اعتراض الاتحاد الاول على قيام جسمين يمثلان الصحفيين – وظلت الاتصالات مستمرة بين الطرفين حتى نهاية العام حيث وافق الاعضاء المنسحبون على حل تنظيمهم دون قيد او شرط والعودة لحظيرة اتحاد الصحافة السودانية وبالفعل حضروا الاجتماع العام الرابع المنعقد فى 20/12/1951واستردوا بذلك عضويتهم ثم شاركوا في الاجتماع الخامس لانتخاب اللجنة الجديدة في اول يناير عام 1952وبذلك وضعوا نهاية لهذا الانقسام الذي دام عاما كاملا--- من 31يناير عام 1951 الى اول يناير عام 1952.وكان الدرس الذي تعملوه من هذا الانقسام أنه لاينبغي (تسييس ) الأجسام النقابية اذ ان مصدر قوتها يكمن في قدرتها على الحفاظ على حيادها السياسي والتزامها المهني .

المؤسسية والقارئ المشارك:

الصحافة السودانية في سابق عهدها واجهت أمر المؤسسية بقدر عال من  المرونة والتجاوب مع معطيات مجتمعها فلم تفهمها روتينية قاتلة، ولا هيكلية قابضة، ولكنها فهمتها فهماً مرناً متحركاً قادراً على تلبية إحتياجات كل مرحلة ومستعداً لموازنة الإنضباط مع حرية الإبداع وإستيعاب التعددية والإلتزام بالجماعية إنتماء وإرتباطاً . تعددت أشكال ملكية الصحف من الشراكة إلى الشركة إلى الملكية الفردية أحيانا ً ولكن كان السياج الواقي أبداً هو مفهوم (الأسرة الصحفية الممتدة) و( المدرسة الفكرية ) تستقطب رموزاً من المجتمع يشكلون الدائرة الأكبر  للصحيفة وبرلمانها الشعبي بينما يعج داخلها بالتعددية الفكرية – محمد أحمد المحجوب ومحمد عشري الصديق كلاهما من مدرسة الفجر ولكن منطلقاتهما الفكرية جد متباعدة ومختلفة والحوار بين مواقفهما المتباينة أثرى المجلة ولم يفسد المؤسسية الواحدة فجمعت أقصى اليسار والوسط واليمين في تعايش راشد – فما كانت المؤسسية قابضة وكانت التعددية متجذرة وذلك ارث لو تعلمون عظيم .ظاهرة أخرى ميزت الصحافة السودانية كانت إمتداداً لمرونة مؤسسيتها – ظاهرة يمكن أن نسميها  ( القارئ المشارك ) فقارئ الصحيفة السودانية لايعتبر نفسه ( متلقياً ) فحسب بل يعد نفسه عنصراً متفاعلاً مع الصحيفة ومشاركاً في ملكيتها وتحريرها لايتردد في ان يقتحم مكاتبها محتجا على ماكتبت أو ثائراً لأن مقالاً بعث به اليها لم ينشر فهو يعتبر نفسه صاحب حق أصيل فى صفحاتها وهو قادر على نقل إحتجاجة للصحيفة ان كان بعيدا عن مكاتبها عبر الرسالة المحتجة والمحادثة التلفونية الغاضبة . إنه صاحب حق انتهك فيما يري وهذه درجة في ( التفاعل ) قل نظيرها في تجارب الصحافة فى البلاد الأخرى وعندما ينظر الأكاديمون الإعلاميون في ضرورة أن يكون الإعلام طريقا ذا اتجاهين يتفاعل فيه متلقي الرسالة مع مرسلها يجدر بهم أن يدرسوا هذه الخاصية فى صحافة السودان التي نشأت معها منذ مولدها ولم يزدها مرور الزمن الإ رسوخاً .

التوعية والتعبئة:

يمضي المحجوب في كتابه بقوله :قدر الصحافة السودانية كان منذ سنوات حياتها الأولي أن تتحمل مسئولية (التوعية ) ومسئولية ( التعبئة ) في ان واحد فخلق ذلك ديناميكية خاصة .من بين كل مؤسسات المجتمع المعنية بالتغير عن الرأي العام كانت الصحافة هي الاولى  مولداً وظلت تقف كالسيف وحيدة في الميدان امداً طويلاً من الزمان فيوم ان ولدت الصحافة لم تكن في السودان أندية ولاكانت فيه جمعيات وماكانت فيه احزاب وماكانت فيه نقابات وما كانت فيه مجالس بلدية أو ريفية ومن ثم كانت الصحافة منبر الرأي العام الوحيد وإستلهاماً له ومع تنامي الحركة الوطنية تحملت مسئولية تعبئة الرأي العام وراء الأهداف الوطنية وإستنفاره لتحقيق حريته وتحمل الصحفيون والصحافة المسئولية ودفعوا الثمن تضحية وسجناً وإغلاقاً ومصادرة فاكتسبوا مناعةضد القهر عند المصاعب أورثوه أجيالا لاحقة وسيظل ابدا صمام امان لهذه المهنة متى مااستلهمت ذلك الإرث العظيم،كل هذا الميراث والتاريخ الطويل والتجربة المتراكمة كان من شأنه – لو سارت الامور سيرا طبيعيا -  ان يخلق فى السودان صحافة قوية متقدمة ذات بنيات اساسية راكزة ودور صحفية غنية ومطابع وتجهيزات حديثة وشبكات توزيع تغطي كل أنحاء القطر وموقف إقتصادي راسخ لكن شيئا من ذلك لم يحدث وأوشكنا ان نبدد ذلك من مؤسساتنا فأقعدتهاوبددت قدراتها وكان على راس تلك العوامل الأنظمة الإستعدادية التي ابتلي بها السودان وتعاقبت على حكمه منذ استقلاله ،أي مؤسسة تحتفل بمرور مائة على نشأتها ينبغى ان تستطيع الظهور بمظهر يليق بذلك العمر الطويل والتراث المتؤاكم لكن الناظر فى حال صحافتنا اليوم يجد انها لاتزال فى مراحل متأخرة من أمراض شتى وتواجه صعوبات بالغة وحصاراً متزايداً – بل ان بلاداً عرفت الصحافة بعدنا استطاعت ان تتجاوزنا كثيراً قد تهيأت لها امكانيات اكبر، السبب الأساسي في هذا التخلف الذي اصابنا إنما يعود إلي عدم الإستقرار السياسي وتعاقب الأنظمةالديكتاتورية التي سيطرت على مقدرات السودان ثلاث أرباع عمر استقلاله.

الانقلابات والاعلام:

كل الأنظمة الإنقلابية تتخذ موقفاً من الصحافة منذ إذاعة بيانها الأول تماما مثلما تتخذ ذلك الموقف من بقية أجهزة المجتمع الفاعلة – الحزب والنقابة والجمعية – وأول موقع تتحرك له دباباتها هو دار الإذاعة وأول مرفق يتم تعطيله هو الصحف – ولذلك فإن حظ الصحافة تحت الأنظمة الشمولية يتراوح بين الإغلاق والمصادرة والتأميم والرقابة مما قعد بها عن أداء مهمتها واورثها عدم الاستقرار فأصبحت مهنة طاردة تهيئ الأجيال مهنياً ليطردهم البيان الأول فيهربون خارج الحدود أو يستبدلون مهنتهم بمهنة أخرى وبالتالي انتفت فرص الاستثمار في الصحافة فما من مستثمر على استعداد ان يوظف أمواله في صناعة مهددة بالمصادرة والتأميم والحكم بالإعدام بل وأصبحت الصحافة طاردة للقارئ الذي يحس أن الصحافة لا تكتب إلا مايجيزه الرقيب فيعزف عنها ولذلك فإن الصحيفة السودانية اليوم لا توزع نصف ما كانت توزعه قبل ثلاثين عاماً ، أزمة الصحافة إنها كلما زال عهد وجاء عهد آخر يتحتم عليها أن تبدأ من جديد بإمكانيات  جديدة وصحفيين جدد وتعمل تحت ظروف جديدة كل ذلك أعاق تواصل الأجيال وانتقال الخبرات ولذلك ينبغي ان يكون على رأس واجبات اليوم العمل الجماعي للإنتقال إلى وضع دائم للصحافة يقيها شر هذه التقلبات ويحقق للسودان إستقراره وذلك لن يتم إلا في إطار مشروع وطني يؤسس لسلام دائم واستقرار كامل وتحول ديمقراطي راشد ومستدام – الصحافة لن تخدم مصلحتها كمهنة إلا في إطار مشروع وطني جديد ومن ثم يكون واجبها أن تتبنى ذلك المشروع وتبشر به وتدافع عنه وتروج له .والآن فإن السودان يدخل مرحلة جديدة والصحافة السودانية تدخل قرنا جديداً ويقيني أن الصحافة  وهي تبدأ مائتها الثانية لابد ان تتمعن في سلبيات ظروفها منذ الاستقلال وختى اليوم من ناحية وأن تستلهم تاريخها وموروثاتها  من الناحية الأخرى فتستصحب ذلك الإرث وتطوعه لمقتضيات العصر محتفظة بإيجابيات تجاربها العديدة وتبني فوقها أطراً مؤسسية ومهنية جديدة قادرة على تحمل تبعات الحاضر والمستقبل . إن الصحافة السودانية – وهي تستقبل مئوية جديدة – تواجه تحديات مختلفة ومتغيرات عديدة على الصعيد الداخلي وعلى الصعيد الخارجي لابد أن تنتبه لها وأن تتعامل معها بأسلوب فاعل ومقتدر وتطوع مؤسسيتها ومهنيتها لتتحمل مسؤولياتها الجديدة . أولى هذه التحديات أنها مطالبة بدعم كل الجهود التي تسعى لبناء نظام سياسي جديد قائم على العدالة والمساواة والديمقراطية والتعددية والشفافية  يتيح للسودان الفرصة لكي ينفك من أسار الحلقة الشيطانية التي ظل يدور دا خلها  منذ الإستقلال حيث يسلمه نظام ديمقراطي هش إلى نظام ديكتاتوري باطش فيناضل الشعب بكل قدراته لإزاله ليعيد الكره مرة أخرى . النظام الديمقراطي الجديد المطلوب لابد من أن ينبني على المشاركة الفاعلة من القواعد حتى قمة الهرم وذلك لن يأتي دون إتساع دائرة الوعي وإندياح أمواجه لتغطي كل المجتمع وللإعلام المقروء والمسموع والمرئي دور مفصلي في هذه المهمة ونشر الإستنارة والوعي – مهمة إنتشار الوعي وتعبئة الشعب والزود عن المكتسبات وترسيخ دعائم الديمقراطية .

الإعلام السوداني:

من جهته قال ملتقي قضايا الاعلام(تجارب الماضي ورؤي الحاضر ورهانات المستقبل) الذي نظمه حزب الامة القومي في نوفمبر 2017م ان مهمة الإعلام السوداني الحديث في عهد الحكم الثنائي كانت بمكتب تابع لقلم المخابرات (مكتب الاتصال)انحصرت مهمته جمع المعلومات ، ثم تحول في العهد الوطني الي مكتب الارشاد القومي ثم الي مكتب الاستعلامات، والعمل ثم استمر الوضع على ما هو عليه حتى في العهد الديمقراطي الثاني، وبدايات نظام مايو ، ثم أصبحت في عهد مايو وزارة الارشاد القومي ثم وزارة الاعلام، والثقافة ثم وزارة الثقافة والاعلام وكانت هذه الوزارة تحت مسمياتها المختلفة تشرف على أجهزة الاعلام الرسمية وهي الإذاعة والتلفزيون ومكاتب الاعلام في الأقاليم وإدارة الوزارات المختلفة،أما الإذاعة السودانية فبدأ نشاطها في العام 1940 وكان الغرض منها هو بث اخبار الحرب العالمية الثانية وبعض البرامج القصيرة، وكانت ساعات البث محدودة خلال اليوم ثم تطورت بعد ذلك وأصبحت إذاعة امدر مان وتوسعت برامجها بزيادة ساعات البث الإذاعي اما التلفزيون فقد كان تأسيسه في عام 1962 وكان ارساله يغطي الدائرة حول العاصمة، وفي العهد المايوي شهد البث التلفزيوني توسعا بأنشاء محطة المايكرويف حيث وصل البث الي معظم أقاليم السودان.

صحف ومجلات:

ويمكن القول ان في الفترة من بداية 1900 وحتى الستينات عرف ميدان العمل الصحفي اكثر من ستين جريدة  ومجلة (عدا الوكالات التي بلغ عددها الست)وقد أسس هذه الصخف والمجلات وعمل بها  اشخاص عرفتهم الندوات الأدبية والثقافية والسياسية في ذلك الوقت أمثال التجاني يوسف بشير ومحمد احمد المحجوب والمؤرخ محمد عبد الرحيم ويوسف مصطفى التني الشاعر وسليمان كشة وعرفات محمد عبدالله والشيخ عبد الرحمن أحمد وأمين التوم و أحمد يوسف هاشم وغيرهم،وإذا كان لنا ان نقارن بين حال هذه الصحف في ظل الحكم الديمقراطي وحالها في ظل الأنظمة الشمولية سنجد انها في ظل الأنظمة الديمقراطية أكثر حيوية وأكثر صدق، نلمس فيما تطرح من موضوعات الجراءة والموضوعية والصدق والبعد عن الديماجوجية وحتى الاعلام الرسمي الإذاعة والتلفزيون تجدها أكثر اعتدالا، حرية الصحافة وحرية التعبير تعتبر من المداخل الهامة لتطوير العمل الإعلامي والصحفي والارتقاء به – ان الحرية تعني التعددية،والتعددية تعني التنافس الذي بدوره يقود الى التطوير كما يعتبران من أيضا من العوامل الهامة في تطوير الأداء الديمقراطي والممارسة الدمقراطية، الا انه من المهم ان نشير الى ان حرية الصحافة لا تعني الفوضى والتعدي على القيم الروحية والأخلاقية والاجتماعية التي يؤمن بها المجتمع، فلا بد من الالتزام بقانون العمل الصحفي لان المجتمع الديمقراطي في الأساس مجتمع قانون،أما الإعلام في ظل الأنظمة الشمولية فهو اعلام ميت تسيطر عليه الغوغائية، خطابه تفيض منه روح التعالي والازدراء للآخرين ممن يخلفهم الرأي، لا مجال فيه للنقد ولا يعطي فرصة للرأي الاخر فهو احادي الاتجاه هدفه الترويج والدعاية لأيدولوجية النظام.

نشرات داخلية:

ويوضح ملتقي الامة للاعلام انه في الأنظمة الشمولية نجد ان الصحف عبارة عن نشرات داخلية تحاور نفسها، فالصحف في مثل هذه الأنظمة اما ان تكون مملوكة للتنظيم الحاكم او لوزارة الاعلام إذا لم يكن مثل هذا التنظيم موجودا، لذلك يمكن القول ان أحد الأسباب الرئيسة لحالة الكساح التي يعاني منها الاعلام في السودان يرجع الي غياب حرية الراي وحرية العمل الإعلامي لفترات طويلة هي فترات الحكم الشمولي، ومهما يكن من امر فأن الاعلام بشقيه المرئي والمسموع والمكتوب (خاصة الصحافة) رغم بداياته المبكرة وادائه المتميز في الفترة الأولى نجده اليوم متدهورا شكلا ومضمونا، فأصبح كسيحا لم يستطيع الخروج من اطاره المحلي الى رحاب الفضاءات الدولية والإقليمية فالإذاعة السودانية لا تسمع في أماكن نائية داخل السودان ناهيك عن خارج الحدود، والقناة الفضائية السودانية والصحف التي توزع في الخارج يهتم بها السودانيون فقط لمعرقة اخبار الوطن ، فهي فقيرة في مادتها ، سيئة الإخراج وغالية الثمن، ويرجع البعض هذا الوضع الذي يفضل البعض وصفه بالتخلف الى قلة الإمكانات وعدم التحديث وغياب الأداء المحترف بسبب النقص في التدريب والتأهيل،  ان أداء الاعلام السوداني الذي تتفق الآراء على انه فقير وبعيد عن المهنية لا يمكن عزله عن الحالة العامة في السودان فالتدهور والتخلف والتدني –للأسف الشديد – سمة بارزة من سمات المجتمع السوداني، فمؤسسات الدولة عانت طوال أكثر من ثلاثين عاما من عدم الاستقرار سببها جرثومة التسيس للأداء التنفيذي التي اتخذت من التطهير والطرد من الخدمة في بداية أكتوبر واثناء حكم مايو ثم اختتمها حكم الإنقاذ، وإذا كانت أجهزة الدولة طوال هذه الفترة من نزيف أصحاب الخبرة العلمية والعملية، وإذا كانت هناك بدائل للخبرة العلمية فأين البدائل للخبرة العملية.. هذا النزيف المستمر لمدة ثلاثة عقود جعل من كل مؤسسات الدولة السودانية مؤسسات كسيحة يعتمد عملها علي الاجتهاد وتشوبه العشوائية.

التعددية الاولي 1945-1958

أدى ظهور الأحزاب السياسية الي تنامي الوعي السياسي لدى قادة الرأي وسعى كل حزب للتأثير على الرأي العام بالإضافة الى ارتفاع نسبة التعليم وانفتاح المناخ السياسي الذي سمح بزيادة الإصدارات الجديدة ، فقد بلغ عدد الصحف الصادرة في فترة التعددية الأولى 77 صحيفة غير الصحف التي صدرت من قبل واستمرت في الصدور ، كانت نسبة الصحف السياسية 7.8 في المائة.

التعددية الثانية1964-1969

في هذه الفترة بلغ عدد الصحف الحزبية حوالي 45 صحيفة غير الصحف التي صدرت واستمرت ، وكانت نسبة الصحف السياسية 75 % وقد شهدت هذه الفترة ظهور الصحف العقائدية في مواجهة الصحف التقليدية ، حيث صدرت صحيفة الامة عن شركة الطبع والنشر المتحدة في 16 مايو 1945 ناطقة باسم حزب الامه  الي ان تم ايقافها في حكومة 1958م الا انها عاودت الصدور في 1966م.

التعددية الثالثة 1985-1989

وحول الصحافة الحزبية في فترة التعددية الثالثة قال ملتقي حزب الامة انه يمكن الإشارة الي  ان هذه الفترة تعتبر بحق الفترة الذهبية في الصحافة السودانية من حيث أساليب الممارسة الصحفية والقانون الذي سمح بتعدد اصدار الصحف فقد بلغ عدد التراخيص الصادرة من مجلس الصحافة والمطبوعات 134 ترخيصا منها حوالي 46 صحيفة سياسية ، 7 7صحف ثقافية وادبية وفنية رياضية و 4 صحف للأطفال وصحيفتين اجتماعيتين بالإضافة للصحف ذات التخصصات الأخرى. (يتبع)

Pin It

إتفاق سلام السودان " جوبا " ، جدل السلام و ثقافة الديمقراطية


بقلم : محمد بدوي

نص إتفاق جوبا على إعلان إقليم دارفور خلال شهر من التوقيع على الإتفاق في حال عدم حدوث ذلك يسري تلقائياً عقب 6 " سته "  أشهر من الإتفاق , و يصادف ذلك الاول من مايو 2021 نسبة لتوقيع الإتفاق في  الثاني من إكتوبر 2020 ، و يبدو أن اللجوء للتعيين بسريان المدة قصدت به رئاسة الوزراء الخروج من الحرج الذي يثير أسئلة لا تزال قائمة حول مصير نظام الحكم و هو أمر مرتبط بقيام المؤتمر الدستوري ( مؤتمر نظام الحكم ) لكن يبدو أن إتفاق جوبا تخطى أجندة المؤتمر بشكل مسبق بالعودة إلى نظام الأقاليم لكن بشكل أكثر تعقيداً هو بقاء التقسيم الإداري لها كوحدات ولائية تحت مظلة حاكم صلاحياته لا تزال قيد الإنتظار لتعديل الوثيقة الدستورية ، و هو يتطلب أيضاً إعادة وضع دساتير الولايات بشكل يضبط العلاقة بين الولاة أو الحكام و بين حاكم الإقليم و بين الإقليم ومجلس الوزراء ، في القوة القانونية يتساوى كل من الولاة و الحاكم في ذلك حيث أن كليهما تم تعيينه بواسطة رئيس الوزراء مما يجعل الطعون الإدارية في قرارات كليهما تسلك ذات درجة التقاضي،  بتعيين السيد مني أركو مناوي حاكماً يكون ما تبقى من ملف إقتسام السلطة بالنسبة لحركات الكفاح المسلحة مقعد والي بأحد ولايات دارفور الخمسة لا يزال قيد التنفيذ في إنتظار قرار رئيس الوزراء .


الصلاحيات الولائية ال 28 الممنوحة لإتفاق دارفور في إتفاق سلام السودان ( إتفاق جوبا ) تثير تساؤلات حول ممارستها و هي إحدى التعقيدات التي إرتبطت بنقدنا لمنهج إتفاق جوبا الذي لم يستفد من إرث الإتفاقات السابقة كوثيقة الدوحة التي دفعت برئيس للسلطة الانتقالية الدكتور التجاني السيسي في تجربة مقابلة لفكرة حاكم الإقليم مع الإختلاف حول ماهية النظام الديكتاتوري الذي تم الأمر تحت مظلته ، فإنعكس الأمر على جعل قضايا  النازحين داخلياً محور الإهتمام دون النظر بشمول لأزمة الإقليم و تراجع علاقة دولة ما بعد الإستقلال في ترسيخ علاقة المواطنة والوفاء بالإلتزامات الخدمية المرتبطة بذلك .


ناحية ثانية أثر ضعف الثقافة الديمقراطية في إتفاق جوبا جاء ليشكل مقاربة أخرى مع وثيقة الدوحة ، ولا سيما فترة سيطرة الإسلاميين وتنامي مد الحقوق الفردية و الجماعية المحمية بماهيتها المتخطية للسيادة أنتجت قوى فاعلة ذات تفويض مدني كما عززت ثورة ديسمبر 2018 إلى نشأة فاعلة لقوى حديثة ممثلة في لجان المقاومة ،  و هي تمثل حركات إجتماعية مفتوحة بأجندات قومية في الأساس كما شهد مسار التغيير بذلك و برغم صعود وهبوط مسار الثورة إلا أنها ظلت على جودي الإنضباط والإلتزام ولم تتأثر بالعقبات المختلفة بل ظلت تجيب على إختبارات الواقع المعقد بكل إقتدار و لعل آخر دليل على ذلك موقفها الإيجابي من حدث مستشفى الامتياز حيث إستطاعت إلزام سلطات الفترة الإنتقالية لإلتزام واجبها وفقاً لصحيح الإجراءات والقانون ، محصلة ما وددت ربطه بالفقرة السابقة هي التحديات السياسية بعيداً عن مسار تنفيذ نصوص الإتفاق التي يجدر على حاكم الإقليم الأستاذ مناوي الإنتباه لها ، حيث أن ضمانة تنفيذ الإتفاق لا يقف على توفير  قوة لحفظ حماية المدنيين ، و الدمج وإعادة التسريح ، و توفير  الموارد و ترسيم العلاقة بين الإقليم ورئاسة الوزراء ، بل يتخطى الأمر إلى خارطة طريق للتعامل مع تلك القوى ، المدنية و الحديثة و الأحزاب السياسية بالإقليم و كافة أرجاء السودان  ، و ذلك لقوتها في جوانب ترسيم المواطنة و تهيئة المسرح للإنتقال الديمقراطي و فعاليتها في تكملتها لدائرة شمول أصحاب المصلحة لكونهم شكلوا قاعدة صلبة لشرارة ثورة ديسمبر 2018 كفاعلين أساسيين دون إقصاء أو تقليل لكافة الأدوار ، أهمية إيلاء الإنتباه لذلك مرتبط بأسباب أهمها أن النظرة الجغرافية و نصوص إتفاق جوبا بما فيها حاكم الإقليم تروج نظرياً لكان الإقليم وحدة صلدة من حيث الفاعلين والمواقف وهو أمر غير سليم على الإطلاق فهنالك الكثير من العوامل التاريخية ، والسياسية والإقتصادية تم التعامل معها سلباً من حكومات ما بعد الإستقلال  و زاد الطين بله سياسات الإسلاميين السودانيين من عسكرة المجتمعات ، وتقسيم الأرض ، وتسييس الإدارة الأهلية ،  و منهج العقاب الجماعي و الإفقار الممنهج و غيرها لتبقي الإقليم على حواف مجموعات مدنية نسبية إرتبطت بالأحزاب داخل المدن الرئيسية و نشاط واسع لحركات الكفاح المسلحة التي تقاسمت الجغرافيا الحضرية وخارجها بالإضافة إلى حدات قبلية تمظهرت آثارها السالبة في سياق الصراعات المرتبطة بالتنافس حول الموارد و ضمان الولاء السياسي بل وصل الأمر إلى دفعها  لإنتاج إعادة التغيير  الديمغرافي .


كما يدفع الواقع بقوة للتنبيه إلى  واقع الإقليم الذي يجيب عليه مسار نشأة حركات الكفاح المسلحة و إنقساماتها التي فاقت العشرات ، بل في صورة أخرى عدم تبلور اللحظة الموازية للأزمة التي وصلت مرحلة النضج و أعني بذلك فشل جهود التوحيد أو الإلتفاف على موقف تفاوضي موحد على الأقل دون تبرير لمواقفها السابقة قبل 2018 من إلتزام التفاوض كتحالف تاسيساً على ضرورة الأمر ليتسق مع شمول الأزمة ومسبباتها ، هذا ما يسند ما أشرت إليه من خطل النظر  لإقليم دارفور كمعادل جغرافي يمثل  كتلة موحدة في جوهرها ربما إلى حد كبير قد يقترب الأمر الإنتباه إلى التغيرات التي قادت إلى نشأة لجان المقاومة و إنطلاقها من منصة أجندة وطنية تجاه قضايا الثورة التي شكل إسقاط النظام أبرزها ، و إلتحامها القومي نتيجة لطبيعتها التي إستندت على التنظيم  جغرافياً وفق لمحيط  السكن بعيداً عن روابط قبلية فشمل الأمر النازحين بالمعسكرات إلى جانب الضواحي الحضرية و القرى ، إلتزامها بماهية الأجندة و عزز من مسارها في سياق حركة التغيير السليمة لمواجهة الهدف المشترك وهو نظام الإسلاميين محور للأزمات الوطنية
عطفاً على ما أشرت إليه لعل الإنتباه المطلوب من حاكم الإقليم  هو للسياق السياسي العام بين الأستاذ مناوي  قائد حركة / جيش تحرير السودان   و مناوي الحاكم السياسي الذي يواجه مرحلة مختلفة تتطلب أدوات و قدرات بذات القدر .


فها هو التوقيع الإختياري على إتفاق جوبا يدفع بإلتزام تجاه  الأستاذ مناوي بصيانة وحدة الإقليم في سياق السودان الموحد ، فقد سبق و أن أصدر مناوي تصريحاً في 2015 حول إحتمال المضي  إلى فكرة تقرير المصير للإقليم و لعل ذلك في ظل السلطة السابقة و التعقيدات المرتبطة بها ، فها هو الحصان أمام العربة  في ظرف تاريخي مختلف عن2015.


الأمر الثاني إرتبط أيضاً بتغريدة له علي تويتر  في أكتوبر 2020 حول ضرورة تغيير  إسم الإقليم و إقتراح بتغييره إلي  دار السلام ، حاولت تقصي الأسباب  فلم أجد ما يجيب على التساؤلات ، لأنه  ببساطة ضم و إنضمام الإقليم إلى السودان جعله تم  كدارفور المرتبطة  بسلطنة الفور  وهو يشير إلى ما تم شمل محمولات شعوب سلطنة الفور على نسق عملية الإضافة  ،التاريخ السياسي القريب جعل جنوب السودان تحمل الإسم كدولة بعد الإنفصال / الإستقلال  وهو أمر حصيف لأن الأحداث السياسية لا يمكنها إقصاء المحمولات بمسميات ، أما دار السلام فليكن شعار لهدف راجح التحقيق في فترة قيادة مناوي للإقليم ، فدار السلام كمسمى لن توحد مكونات الإقليم ولن تخلق منها كتلة متسقة تجاه مسألة المواطنة و إحترام الآخر والعيش الآمن كسودانيين بعيداً عن الإنتماءات القبلية والإثنية .


كما أشرت فإنه آن الآوان لمرحلة مختلفة تطلب إستراتيجية  و قاموس مختلف  إحداثياته ليست دارفور فقط بل السودان و التحولات التي تمثل آمال السودانيات / السودانيين كما عبر عن ذلك على سبيل المثال قافلة وادي هور ( التي تقع ضمن تصنيف قوى الثورة و لجان المقاومة) فرغم أنها عبرت من الغرب إلى ميدان الإعتصام جغرافياً و ثقافياً و سياسياً  .


الواقع الراهن يشير إلى رحلة جديدة  إتفقنا أو إختلفنا مع بداياتها و شمولها مما يجعل نجاح إدارة حكم الإقليم يفرض النظر إلى قضايا نوعية مرتبطة بواقع الحركات المسلحة بين الإنقسامات و التوحد  مقابل الوحدة العضوية للأزمة ، أيضاً  مسألة رد الإعتبار لكافة شعوب السودان عن ما نتج عن أية ممارسات سالبة  في سياق نشاط الحركات من إنتهاك لحالة حقوق الإنسان ، فالواقع دون حجب يشير إلى التحديات الكبيرة منها أن تقبل الإتفاق علي أرض الواقع بشكل لا يبعث على الإطمئنان .

Pin It

موقع إخباري محايد وغير منحاز لأي طرف أو جه ويقدم خدماته لجميع السودانيين والمهتمين بالشأن السوداني

77 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع